أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحية دبش - ورقات من سفري إلى سرّة العالم، الورقة الأولى














المزيد.....

ورقات من سفري إلى سرّة العالم، الورقة الأولى


فتحية دبش
كاتبة، روائية، ناقدة ومترجمة

(Fathia Debech)


الحوار المتمدن-العدد: 7683 - 2023 / 7 / 25 - 02:54
المحور: الادب والفن
    


كان يمكن لهذه الرّحلة أن تفشل، أن تبقى مجرّد حلم... كان يمكن لها أن تصطفّ إلى جانب كلّ الرّغبات المشروعة والممنوعة التي لا تتحقّق.
صدفة، ذات صيف تونسيّ، تحت شمس حارقة تعطّلت معها المكيّفات الكهربائيّة وتوقّف ورق الشّجر على الاخضرار واستلقت الأحلام جنبا إلى جنب مع عوامل موتها، كنت مرهقة، شديدة الإنشغال بوضع صحّي لأحد طفليّ... كنت بعيدة تحت سماء مارث الحارقة وكان كلّ ما أرجوه هو أن أستطيع الصبر لحين موعد سفري فألتحق بأسرتي التي تركتها هناك فأقلقَ المرض صفائي وسكنتني الانشغالات والتوجّس.
قرأت تلك الدّعوة وقرأت رسالة أخرى من أديب تونسيّ يحثّني فيها على القبول. تساءلت عن الأسباب التي تجعلني أتلقّى رسالة من أديب لا سابق معرفة بينه وبيني، لا جامع بيننا سوى محنة الكتابة التي مشى هو فيها خطوات كثيرة بينما لا تعرفني تونس الأدبيّة ولا ملتقياتها ولا بيت روايتها ولا حتّى نواديها الصّغيرة عدا ما لا يعدّ على أصابع اليد الواحدة من مكتبات فتحت أبوابها لحرفي واستضافتني لتوقيع رواية أو مجموعة قصصيّة. لكنّه يقول إنّه اقترح اسمي للانضمام ألى وفد تونس إلى فلسطين.
تساءلت إن كانت الدّعوة جادّة وإن كان التّشجيع جادّا ثمّ ما لبثت أن اعتذرت. لم يكن بمقدوري السّفر على كلّ حال إلى ملتقى غسّان كنفاني في فلسطين بينما طفلي هناك على الضّفّة المقابلة ينتظر أن أحمل دفء راحتيّ وبرد حناني ليخفّف عنه الألم. لم يكن هناك من خيار غير الاعتذار.
واعتذرت.
عام مضى، شُفي طفلي، وعادت تراودني فكرة السّفر إلى فلسطين. لكنّها الحرب، الاحتلال، القصف، المتاعب وأشياء أخرى كانت تتضخّم في عيني وفي وعيي.
لا أحد يعرف أنّ شخصا مثلي وفي ظل جنون العالم الذي نحن فيه نفكّر كثيرا قبل قرار السّفر... لا اريد أن أعيش لحظة من لحظات السؤال عن سرّ هذا التنوّع في هويّتي، لا أريد أن أعيش العذاب والألم أو ربّما الموت في اقتحام من تلك الاقتحامات التي يشنّها المحتلّ، لا أريد أن يمتلئ قلبي بالدّموع بعيدة عن عشّي وطيوره التي لم تتعوّد الطّيران خارج أسواري بعد...
في نفس المكان حيث تتكاثر المخاوف تتكاثر أيضا رغبتي باكتشاف هذه الأرض: سرّة العالم.
فالعالم ليس بخير لأنّها ليست بخير، العالم يتقاتل لأنّ النّزاع حولها لا ثمن له غير الدّم. سرّة العالم... والعالم لن ينجو إلّا بنجاتها. والعالم لا يريد أن ينجو...
عام مضى. والآلام التي كانت تقعدني بين حين وآخر لم تعد تترك لي ترف السّفر والتّنقّل ولا حتّى امتياز الجلوس طويلا للكتابة. أكتب مستلقية على ظهري، أقرأ مستلقية أيضا، أمشي كطفل يتدرّب على رؤية آثار قدميه على رمل الحياة، وأتوجّع كجسد متعب.
مرة أخرى يخذلني جسدي فأقلّب رسالة الدّعوة القادمة من فلسطين وأمتلئ حسرة. لا الجسد قابل للسّفر ولا الظّروف مواتية ولا الرّغبة ماتت.
ولكن لا سبيل...
لا سبيل إلى نبش الرّغبات المطمورة. تركت الأشياء لأقدارها ونمت على جمر التّوجّس: ماذا لو أقعدتي جسدني وأنا على سفر؟ ماذا لو أصبحت يوما مشلولة بلا قدرة على الحركة ولا على المشي؟ ماذا لو...
كلّ الاحتمالات تداهمك في لحظة تعجز فيها عن القرار فقط لأنّك جسد مضطرب لا يعرف أين يجد دواءه...
ليون في 24 جويلية 2023



#فتحية_دبش (هاشتاغ)       Fathia_Debech#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجسد الأنثوي بين المقدس والمدنس
- الجسد الانثوي بين المقدس والمدنس
- القنينة: الكتابة والحواس
- كتابة الذات، قراءة في الرغيف الاسود لحسن المصلوحي
- التخلي طريق إلى التحلي قراءة في رواية الرجل الخراب لعبد العز ...
- على عتبات الايليزيه 2
- على عتبات الايليزيه 1
- قراءة في كتاب
- ملتقى الادب الوجيز
- موت الثالوث المقدس. قراءة مستقطعة في نص لمحمد علاء زريفة
- من يوميات امراة بين الضفتين 6


المزيد.....




- صورة المعلم في الرواية العربية: دراسة نقدية منهجية تطبيقية ت ...
- أسماء أطفال غزة الشهداء تقرأ في سراييفو
- الكاتب المجري لاسلو كراسناهوركاي يفوز بجائزة نوبل للأدب
- تامر حسني يعيد رموز المسرح بالذكاء الاصطناعي
- رئيس منظمة الاعلام الاسلامي: الحرب اليوم هي معركة الروايات و ...
- الدكتور حسن وجيه: قراءة العقول بين الأساطير والمخاطر الحقيقي ...
- مهرجان البحرين السينمائي يكرم منى واصف تقديرا لمسيرتها الفني ...
- مهرجان البحرين السينمائي يكرم منى واصف تقديرا لمسيرتها الفني ...
- صدور كتاب تكريمي لمحمد بن عيسى -رجل الدولة وأيقونة الثقافة- ...
- انطلاق مهرجان زاكورا السينمائي في المغرب


المزيد.....

- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحية دبش - ورقات من سفري إلى سرّة العالم، الورقة الأولى