أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - محمد الأمين - اطفال غزة: المجهولين رقم كذا














المزيد.....

اطفال غزة: المجهولين رقم كذا


محمد الأمين

الحوار المتمدن-العدد: 7775 - 2023 / 10 / 25 - 13:54
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


الكثير من الأطفال في غزة اليوم كُتب على صدورهم " مجهول رقم كذا". أطفال لم يرضعوا بعد وقد فُطموا باكراً وبقسوة تم سلخهم عن أمهاتهم بسلاح عدو إسرائيلي بغيض. قُتلوا ولم يسألوا سؤال الوجود بعد " أمي/ أبي، كيف ولدنا" بل سبقهم الجواب "هكذا سنموت".
قبل ولادتهم كانوا تصورات تسبح في مخيلة والديهم وكان وجودهم طاغي في أحاديث والدين اختاروا أسماءهم وملابسهم التي تم تجهيزها مسبقاً والكثير من الأحلام التي نسجت لحياتهم ومستقبلهم، فكم من أم تحمّلت ألم الحمل و الولادة لأجل حضورهم وتفرح بهم..وتأتي قذيفة تحملهم معها لعالم الغيب والمجهول وتسقط عنهم كل شروط البقاء.
إنّ فقدانهم لأسمائهم أي ما يدل عليهم هو طردهم من طبيعة بنية المجتمع وحرمانهم من الاعتراف بهم كذوات ينتمون لعائلة موجودة لا أعداد للإحصاء فقط. وهذا ما ترمي إليه الاعتداءات الإسرائيلية بشكل يومي ومنذ الإحتلال؛ إبادة الأسر الفلسطينية عن بكرة أبيها ومسحها من السّجل الرمزي للمجتمع.
لا يولد الأطفال في فلسطين وفي أيديهم ألعابهم إنّما حجارتهم وأكفانهم، يولد الطّفل لكي يموت فتقطعُ أشواط العمر من الطّفولة مرورًا بالمراهقة والرّشد حتى الكهولة وصولًا إلى الموت في حيّز زمني لا يتجاوز العشر سنوات. سنوات يمضيها هاربًا، مدافعًا، مقاومًا، ومغترب، اغترابًا لا علاقة له بالبعد المكاني بل إنّه اغتراب على مستوى الهوية، ليجد نفسه في معركة وجوديّة بينه وبين المحتل من جهة، وبينه وبين العالم أجمع من جهة ثانية.
اليوم قد قُلبت الآية، فإنّ الأهل يشيّعون أطفالهم ويشيّعون معهم كل آمالهم التي اندثرت بفعل العدوان. وبدل أن يولد الطفل ليحصل على الرعاية الصحية والأمان واللعب في كنف أسرة حاضنة، يولد بدوره ليدفن أسرته فكم من طفل قد حضن والدته ووالده وانسحب للفراش ساعد والدته بتغطية أخاه الصغير واستسلموا للنوم على أمل أنّ غدًا سيكون كل شيء على ما يرام.
ثم ماذا؟ّ!
يقصف المنزل فيستيقظ مهلوعاً، مرتجفاً وقد امتزج وجهه بالرماد والدماء. عيناه مفتوحتان على وسعها لاستيعاب الواقع الذي سقط فيه وقد خرج جارّاً خلفه دميته المحشوة بحثًا عن بقايا والديه. لعلّه يتمكّن من تجميعها مجدّدًا كما علّمه والده تجميع بقايا لعبة الرجل الحديدي. أو ليحتفظ ببقايا أخاه الصغير في حقيبته المدرسية، فلا درس يعلو على هذا الدرس العملي الذي يعايشه اليوم عن قرب.
إنّه لمشهد غريب! لطالما تعاملت مع رجال ونساء دون أطراف لأسباب عدّة.. لكنّه لمشهد غريب أن تجد طفلا بكل جسمه بدون رأس، بدون قدم، بدون يد، بدون نصف أعلى أو أسفل. ربّما أتحسر على الأطفال لأنهم يفتقرون لنضج آليات الهجوم أو الهرب عند الصدمة، يتجمدون في مكانهم ولا يدركوا ماذا عليهم أن يشعروا في هذه اللحظة الحاسمة.
لكن هذا لا يمنعهم من حراسة أهلهم وهم تحت الأنقاض يمدون لهم تلك اليد الصغيرة، جانب سريرهم في المستشفى أو غرفة الانتظار يطمئنونهم أنهم هنا بجانبهم وبانتظارهم ، كمشهد الطفل الذي لا يفارق ذاكرتي يقف مخذول بجانب والدته المدماة وكأنه ينتظر منها فعل أي شيء وعند نقلها أمسك بثوبها ومشى إلى جانبها.
كطفلة عرفت والدتها من شعرها " أنا بعرفها من شعرها " نعم..لربّما مشطا شعرهما معًا أو كان بينهما جدائل و أكثر.. هذه التفاصيل يذكرها الأطفال جيّدًا إنّها أمور بسيطة لكنها تعني لهم العالم.
عند فلسطين يتعطل الزمن، والحكايات تعيد سرد نفسها مراراً وتكراراً. فلا يعود الماضي قد مضى ولا الحاضر في استمراره سيؤدي إلى مستقبل مختلف.. فالانتفاضة الأولى جرّت معها الانتفاضة الثانية وبعدها الثالثة وبعدها هبة الأسرى وبعدها هبة الأقصى واليوم طوفان الأقصى.. حتى أنّك لم تعد تدرك أهذا مسار جدلي أو لولبي أو تعاقلي، بل إنّه أقرب ليكون عود أبدي، فحيث تبدأ تنتهي لتبدأ من جديد وهو ليس إلّا استمرار في ذات المعركة وعلى ذات الأرض لذات القضية و مع ذات الأشخاص فشاهد جمال الدرة أيقونة الانتفاضة الثانية قد ودّع ابنه محمد من ٢٤ سنة. واليوم مازال هو ذاته يودع إخوانه في غزّة وما أشبه البارحة باليوم واليوم بالغد.



#محمد_الأمين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأيكولوجيا في المتخيل الطفلي: المساحة العامة كعيادة نفسية.
- اللغة الصامتة للطفل المُتحرش به
- نيتشه و النازية
- قصة اللاوعي
- نحو الله ..عمل فني مختلف للجوقة الوراثية في أمستردام
- فيلم جريء يناقش موضوع ختان الاناث في المهرجان الدولي للفيلم ...
- السينما الوثائقية في خريبكة: دورة استثنائية
- البديل هو إسقاط النظام (مساهمة لبرنامج البديل الديمقراطي الس ...
- في سيكولوجيا التبعية.
- مثقفون عراقيون يطالبون الدملوجي بالاعتذار
- فيلم «جاذبية» يفتتح مهرجان البندقية
- فيديو : من هي فتاة احلام قيصر الغناء العربي كاظم الساهر؟
- موفق السواد:القصيدة رد على كل ما هو سلبي في هذا العالم
- تضامنا مع الثقافة البحرينية.. دعوة لمقاطعة -المنامة عاصمة ال ...
- الفنانة أصالة نصري تتألق على مسرح الثورة السورية
- اتهام يبرر جريمة بشعة


المزيد.....




- 3 بيانات توضح ما بحثه بايدن مع السيسي وأمير قطر بشأن غزة
- عالم أزهري: حديث زاهي حواس بشأن عدم تواجد الأنبياء موسى وإبر ...
- مفاجآت في اعترافات مضيفة ارتكبت جريمة مروعة في مصر
- الجيش الإسرائيلي: إما قرار حول صفقة مع حماس أو عملية عسكرية ...
- زاهي حواس ردا على تصريحات عالم أزهري: لا دليل على تواجد الأن ...
- بايدن يتصل بالشيخ تميم ويؤكد: واشنطن والدوحة والقاهرة تضمن ا ...
- تقارير إعلامية: بايدن يخاطر بخسارة دعم كبير بين الناخبين الش ...
- جامعة كولومبيا الأمريكية تشرع في فصل الطلاب المشاركين في الا ...
- القيادة المركزية الأمريكية تنشر الصور الأولى للرصيف البحري ق ...
- قوات كييف تقصف جمهورية دونيتسك بـ 64 مقذوفا خلال 24 ساعة


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - محمد الأمين - اطفال غزة: المجهولين رقم كذا