ناظم الماوي
الحوار المتمدن-العدد: 7769 - 2023 / 10 / 19 - 00:33
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
كلّ ما هو حقيقة فعلا جيّد بالنسبة للبروليتاريا ، كلّ الحقائق يمكن أن تساعد على بلوغ الشيوعيّة .
( " بوب أفاكيان أثناء نقاش مع الرفاق حول الأبستيمولوجيا : حول معرفة العالم و تغييره " ، فصل من كتاب " ملاحظات حول الفنّ و الثقافة ، و العلم و الفلسفة " ، 2005)
جوهر ما يوجد فى الولايات المتّحدة ليس ديمقراطيّة و إنّما رأسماليّة - إمبرياليّة و هياكل سياسيّة تعزّز الرأسماليّة - الإمبرياليّة . و ما تنشره الولايات المتّحدة عبر العالم ليس الديمقراطيّة و إنّما الإمبرياليّة و الهياكل السياسيّة لتعزيز تلك الإمبرياليّة .
( بوب أفاكيان ، جريدة " الثورة " عدد 43 ، 16 أفريل 2006 )
-----------------------------------------------
يوم الثلاثاء 17 أكتوبر 2023 ، طالعنا على قناة الميادين متدخّلون كُثر و ضمن ما قيل في مناسبات متفرّقة أذهلنا فعلا تأكيد بعض المتدخّلين على أنّ الإنتصار على الكيان الصهيوني وشيك و " قريب ". و من ذلك لفت نظرنا تأكيد المتمركس حمه الهمّامي ، زعيم حزب العمّال التونسي ، في نهاية كلمته بأنّ " النصر على مرمى حجر " ، و تكرار ممثّل الناصريّين اللبنانيّين ، المرابطين ، بأنّ الظفر " أقرب من قريب " و بانّه " بعد بضعة أشهر سنصلّى في الأقصى ".
مثل هذا الكلام يعبّر عن أفكار أبعد ما تكون عن الواقع و الحقيقة . هذا كلام واهم لا أكثر و لا أقلّ و ضرره كبير و إن أريد منه تجييش الجماهير الشعبيّة في هذه المعركة الدائرة هذه الأيّام . فلئن حقّقت المقاومة الفلسطينيّة في بداية عمليّة طوفان الأقصى إنتصارا فهو إنتصار تكتيكي لا غير ، فهو إنتصار في معركة لا غير و ليس مطلقا إنتصارا في الحرب بأسرها . صحيح أنّه كشف مجدّدا إمكانيّة إلحاق الهزيمة بجيش الاحتلال الصهيوني " الأسطوري" الذى يزعم الإمبرياليّون و الصهاينة صباح مساء أنّه " لا يُقهر " بيد أنّ الجيش الصهيوني لم يُسحق برمّته . لم تتعاطى المقاومة إلاّ مع كتيبة منه لا غير ، مع كتيبة غزّة و من المؤكّد أنّ الكتيبة المهزومة قادرة على إعادة بناء ذاتها و ربّما إعادة السيطرة على كافة الأماكن التي زحفت عليها المقاومة في بداية عمليّة طوفان الأقصى ، و ذلك في غضون أسابيع قليلة .
و بالتالي نكرّرها : ما تم كسبه هو معركة و ليست الحرب برمّتها و من يتشدّق بالنهاية الوشيكة للكيان الصهيوني يسبح في الأوهام و يسكن كوكبا غير كوكبنا . و علاوة على أنّ جيش الكيان الصهيوني ليس كتيبة غزّة فحسب بل هو يعدّ وفق ما أُعلن هذه الأيّام حوالي ثلاثة مائة ألف جندي وهو مدجّج بالسلاح و يملك تفوّقا جوّيا يكاد يكون ساحقا ، فمن لا يرى القوى الإمبرياليّة التي تقف وراء هذا الكيان أعمى البصر و البصيرة . و هذه القوى الإمبرياليّة على إستعداد تام ليس للتغطية على جرائم الصهيونيّة و مدّها باسباب القوّة و إرسال البوارج الحربيّة و حاملات الطائرات و آلاف الجنود و الذخيرة الحربيّة و حسب ، بل إلى التدخّل المباشر إن لزم الأمر .
و هنا يتوجّب علينا أن نستخلص الدروس و العبر من التاريخ فنذكّر الواهمين بما قامت به القوّات الإمبرياليّة الأمريكيّة في أفغانستان و العراق و قبل ذلك في الفيتنام و كوريا إلخ . نظرا لطبيعتها ، لا تبرح الإمبرياليّة تقترف المجازر و الإبادة الجماعيّة في حقّ الآلاف و الملايين حفاظا على مصالحها الإقتصاديّة و السياسيّة .
لذا قد تكون ضريبة تحرير فلسطين باهضة جدّا قد تفوت مئات الآلاف و ليس بضعة آلاف من القتلى . و إعتبارا لميزان القوى في فلسطين و في المنطقة و في العالم راهنا ، عمليّة التحرير تستحقّ لا معركة بل معاركا بالعشرات أو بالمئات و تغيّرات دراماتيكيّة في الوطن العربي و في العالم و حربا تخوضها الأجيال وراء الأجيال ، حرب الشعب الطويلة الأمد كما نظّر لها ماو تسى تونغ و تطبّق تطبيقا خلاّقا على الأوضاع الراهنة . أمّا الحروب الخاطفة أو معركة بعد بضعة سنوات فلن تفضي على الأرجح إلاّ إلى القبول بإصلاحات جزئيّة و البقاء في إطار النظام الرأسمالي – الإمبريالي العالمي و ليس الخروج منه . و كيما لا نتّهم بالمبالغة ، ندعوكم إلى مشاهدة ما حدث في الواقع المعيش مع فصائل فلسطينيّة حاربت طوال سنوات و أحيانا عقود الكيان الصهيوني و تحوّلت في ظروف معيّنة إلى العمل من أجل الصهاينة و التنسيق الأمني معهم ( " السلطة الفلسطينيّة " ) ، كي لا نتحدّث عن ما وقع في بلدان أخرى من العالم .
هذه حقائق يجب أن تعرفها الجماهير الشعبيّة الواسعة بدلا من جرّها وراء أوهام النصر الوشيك المؤدّية عاجلا أم آجلا إلى الإحباط وراء الإحباط . فهذه الجماهير تحتاج أن نخلّصها من عدّة أفكار مسبّقة و رجعيّة صراحة و من أوهام كثيرة و سموم بثّتها في صفوفها الرجعيّة العربيّة و الإمبرياليّة و الصهيونيّة . و على الحقائق نبنى الإستراتيجيا السليمة و التكتيكات الصحيحة مسترشدين بعلم الثورة البروليتاريّة العالميّة اليوم – الشيوعيّة الجديدة . فلا حركة ثوريّة دون نظريّة ثوريّة ، كما شدّد على ذلك لينين العظيم .
و مجمل هذه الحقائق و مستلزمات الثورة الحقيقيّة يتجاهلها ناشرو وهم النصر الوشيك على العدوّ الصهيوني و هذا الموقف من الواهمين لا يسعنا إلاّ وصفه بالصبياني و الطفولي .
في عصر الإمبرياليّة و الثورة الإشتراكيّة ، إذا أردنا الثورة و ليس مجرّد إصلاح مهما كان في إطار النظام الرأسمالي – الإمبريالي العالمي ، نحتاج إلى حزب ثوريّ يسعى جهده إلى تثقيف الشعب و توعيته و تنويره و تنظيمه و قيادته ليصبح شعبا ثوريّا يملك بديلا ثوريّا من أجل تحقيقه في الواقع يبذل الغالي و النفيس ، قادر على التصدّى للإمبرياليّة و الصهيونيّة و الرجعيّة العربيّة و مؤامراتهم و حلولهم الإستسلاميّة و المضيّ قُدما نحو تحقيق الظفر للثورة التي لا تستهدف التحرير الوطني فحسب بل تحرير الإنسانيّة من كافة أنواع الإضطهاد و الإستغلال الجندري و الطبقي و القومي و بلوغ المجتمع الشيوعي العالمي .
و هذه الحقيقة سبق أن لخّصها ماو تسى تونغ قبل عقود عدّة و أثبتتها تجربة الثورة في الصين و في غيرها من البلدان و منها الفيتنام : " يجب أن يكون هناك حزب ثوريّ ما دمنا نريد الثورة . و بدون حزب ثوريّ ، حزب مؤسّس وفق النظريّة الماركسيّة اللينينيّة الثوريّة و طبق الأسلوب الماركسيّ اللينينيّ الثوريّ، تستحيل قيادة الطبقة العاملة و الجماهير العريضة من الشعب و السير بها إلى الإنتصار على الإمبرياليّة و عملائها " .
( ماو تسى تونغ ، " يا قوى العالم الثوريّة ، إتّحدى و قاومى العدوان الإمبرياليّ " ، 1948)
و مثلما خطّ قلمنا في نهاية مقال " ما هي الحقائق التي سجّلتها مقولات ماويّة منذ عقود و تؤكّدها الآن مجدّدا المعركة في فلسطين و حولها ، و أين تكمن مصالح الإنسانيّة ؟ " :
" شيوعيّة اليوم ، الشيوعيّة الأكثر تطوّرا و تقدّما و رسوخا علميّا ، الإطار النظري الثوري للموجة الجديدة من الثورة الشيوعية و الذى على أساسه ينبغي تأسيس الأحزاب الشيوعيّة الثوريّة هو الخلاصة الجديدة للشيوعية أو الشيوعيّة الجديدة و مهندسها بوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة .
و التعريف المقتضب لهذه الشيوعيّة الجديدة هو :
" تعنى الخلاصة الجديدة إعادة تشكيل و إعادة تركيب الجوانب الإيجابية لتجربة الحركة الشيوعية و المجتمع الإشتراكي إلى الآن ، بينما يتمّ التعلّم من الجوانب السلبية لهذه التجربة بابعادها الفلسفية والإيديولوجية و كذلك السياسية ، لأجل التوصّل إلى توجه و منهج و مقاربة علميين متجذّرين بصورة أعمق و أصلب فى علاقة ليس فقط بالقيام بالثورة و إفتكاك السلطة لكن ثمّ ، نعم ، تلبية الحاجيات المادية للمجتمع و حاجيات جماهير الشعب ، بطريقة متزايدة الإتساع ، فى المجتمع الإشتراكي – متجاوزة ندب الماضى ومواصلة بعمق التغيير الثوري للمجتمع ، بينما فى نفس الوقت ندعم بنشاط النضال الثوري عبر العالم و نعمل على أساس الإقرار بأن المجال العالمي و النضال العالمي هما الأكثر جوهرية و أهمّية ، بالمعنى العام – معا مع فتح نوعي لمزيد المجال للتعبير عن الحاجيات الفكرية و الثقافية للناس ، مفهوما بصورة واسعة ، و مخوّلين سيرورة أكثر تنوّعا و غنى للإكتشاف و التجريب فى مجالات العلم و الفنّ و الثقافة و الحياة الفكرية بصفة عامة ، مع مدى متزايد لنزاع مختلف الأفكار و المدارس الفكرية و المبادرة و الخلق الفرديين و حماية الحقوق الفردية، بما فى ذلك مجال للأفراد ليتفاعلوا فى " مجتمع مدني " مستقلّ عن الدولة – كلّ هذا ضمن إطار شامل من التعاون و الجماعية و فى نفس الوقت الذى تكون فيه سلطة الدولة ممسوكة و متطوّرة أكثر كسلطة دولة ثورية تخدم مصالح الثورة البروليتارية ، فى بلد معيّن وعالميا و الدولة عنصر محوري ، فى الإقتصاد و فى التوجّه العام للمجتمع ، بينما الدولة ذاتها يتمّ بإستمرار تغييرها إلى شيء مغاير راديكاليا عن الدول السابقة ، كجزء حيوي من التقدّم نحو القضاء النهائي على الدولة ببلوغ الشيوعية على النطاق العالمي . "
( شادي الشماوي ، " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته " ، مكتبة الحوار المتمدّن )
و كمدخل لدراسة الشيوعيّة الجديدة ، ننصح بكتابين متوفّرين للتنزيل من مكتبة الحوار المتمدّن، ترجمة شادي الشماوي : " الشيوعية الجديدة – علم وإستراتيجيا و قيادة ثورة فعليّة ، و مجتمع جديد راديكاليّا على طريق التحرير الحقيقي " و " إختراقات - الإختراق التاريخي لماركس و مزيد الإختراق بفضل الشيوعية الجديدة - خلاصة أساسيّة " . أمّا من يتطلّع إلى التعمّق في تطبيقات و جدالات حول الشيوعيّة الجديدة فعليه / عليها بمقالات ناظم الماوي و كتبه بصفحات الحوار المتمدّن و بمكتبته ."
#ناظم_الماوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟