أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد المحسن - قراءة تأملية-متعجلة-في قصة قصيرة جدا للكاتب والشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي -قبلة باردة-















المزيد.....

قراءة تأملية-متعجلة-في قصة قصيرة جدا للكاتب والشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي -قبلة باردة-


محمد المحسن
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 7760 - 2023 / 10 / 10 - 02:46
المحور: الادب والفن
    


مقدمة : “القصة القصيرة” أو الأقصوصة هي نوع أدبي عبارة عن سرد حكائي نثري أقصر من الرواية،وتهدف إلى تقديم حدث وحيد غالبا ضمن مدة زمنية قصيرة ومكان محدود غالبا لتعبر عن موقف أو جانب من جوانب الحياة، ويكون شخوصها مغمورين وقلما يرقون إلى البطولة والبطولية فهم من قلب الحياة حيث تشكل الحياة اليومية الموضوع الأساسي للقصة القصيرة وليست البطولات والملاحم.
ولكن..
قد نجدُ في بعض الأحيان تداخلاً هارمونياً بين الأنواع الأدبيّة في منجزٍ إبداعي على سبيل المثال لا الحصر نجدُ نفثاتٍ شعريّة أو لنقل جملة شعرية في عمل روائي أو قصّة قصيرة أو نجد حواراً قي قصيدة وجدانية،لكنّ هذا التداخلَ لا يكون عامّاً،بل في بعض الفقرات أو المقاطع غيرَ أنّ ما يثير الدهشة والانبهار هو أنْ تجدَ كلَّ كلمة تنتمي إلى النوع الأدبي الذي كُتِبتْ فيه
وفي ذاتِ الوقت تكون مشحونةً بشعريّةٍ هائلة وباختزالٍ لفظي لآفاق من المعاني المترامية..
هذا ما يتجلّى لنا من القراءة الأولى لقصّة (قبلة باردة) للكاتب والشاعر التونسي القدير د-طاهر مشي،فنكون بين عقلانية العمل القصصي ووجدانية الشعر،كأنّنا نتأرجح بين حقلين ممغنطين بالكهروإبداعية من دون أن نشعرَ،لأنّ الكاتبَ المبدع يشدنا إلى عوالم قصّته الرائعة من الجملة الأولى التي تجذبنا نحو أعماق النصّ المشحون المكثّف (أسدل الليل ستاره،اجتمعت مع حبيبها كالمعتاد على مائدة العشاء،واستمر السمر بقاعة الجلوس حتى ناهز الوقت على الساعة الصفر..)
نتابع معا:
قبلة باردة
أسدل الليل ستاره،اجتمعت مع حبيبها كالمعتاد على مائدة العشاء،واستمر السمر بقاعة الجلوس حتى ناهز الوقت على الساعة الصفر،وعدها أن يأخذها غدا في رحلة ترفيهية،وغداء في مطعم فاخر..
استكانا في الفراش،همس في أذنيها أنه مشتاق إليها،وأردف أنني متعب هذه الليلة،ادفئيني جيدا،قبلت جبينه..احتضنته وارفدت الملاءة بحكمة على جسده الملقى وغاصا في سبات عميق.
استيقظت كعادتها مبكرا،جهزت فطور الصباح،وقامت بما يلزم بيتها من ترتيب،عليها أن تنهي شؤونها قبل أن يستيقظ زوجها استعدادا للخروج،
رتبت منزلها،ودخلت للاستحمام،ثم عادت لبيت نومها لتكمل زينتها وترتدي أجمل ثيابها،وماهي الا دقائق حتى جهزت نفسها للخروج،ارتدت الملابس الحمراء التي يحبذها زوجها عندما ترافقه في نزهة..
أما الحبيب فما يزال ملقى على فراشه،ذهبت إليه كي تلاطفه ليستفيق،انحنت على الفراش تربت على شعره الغث،مداعبة اياه ببعض الكلمات اللطيفة..
لكنه لم يحرك ساكنا..!
كان قد ودعها الوداع الأخير.
(طاهر مشي)
هذا النص الإبداعي المقتضب للكاتب والشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي يعتبر-في تقديري-قصة قصيرة جدا ناجحة من حيث الفكرة و العنوان المشوق والموحي ومن حيث التكثيف وبساطة السرد والايحاء والمفارقة القوية والخاتمة المفاجئة الأليمة.
علما أن اللغة الابداعية لجنس القصة القصيرة جداً،كما اتفق عليه كل نقاد المعمور،لا يحتمل التفصيلات والشروح والحوارات كما هو الحال في الرواية أو القصة القصيرة أو المقالة أو ما إلى ذلك من الأجناس الأدبية الأخرى..
فالقصة القصيرة جداً لغة إيجاز،وترميز،وإيحاء،تكثيف حاد،وحذف إبداعي،وإيقاعات متعددة في عبارات محددة..
وهنا أضيف: تتجلّى أركان القصة القصيرة جداً في القصصيّة والتّكثيف،فهذا النّوع يتميّز بقصر الحجم والاعتماد على الإيحاء المكثف،بالإضافة إلى سمة التّلميح والاقتضاب،واعتماد النّفس الجملي القصصي المرتبط بالحركة والتّوتر مع الميل إلى الحذف والإضمار،أمّا التّقنيات فتتمثل في خصوصية اللغة والانزياح والمفارقة والتّناص والتّرميز والأنسنة والمفارقة والتّنويع في الاستهلال والإختتام.
بخصوص هذه اللوحة الإبداعية للكاتب والشاعر السامق د-طاهر مشي،تبدو لي من ناحية المبنى موفقة جدا خاصة في-السرد القصصي-المكثف بطريقة عجيبة ملفتة للنظر،مع حسن اختيار الكلمات بعناية و دقة (استكانا في الفراش،همس في أذنيها أنه مشتاق إليها،وأردف أنني متعب هذه الليلة..)،وجعلها في مكانها المناسب،بحيث يشكل لنا عقد القصة أو مفارقتها التي وصلت إليها برمزية في منتهى الرقي و الجمال اللفظي دون أن ينفلت منها عمق المعنى الذي أراد أن يصل إليه القاص،كما نلمس جيدا تلاحم و تماسك المعنى بالمبنى دون أن يطغى أحدهما على الأخر،وهذا راجع إلى حنكة في السرد و حسن استعمال الأدوات الإبداعية عند صاحب النص.
كما احتوى النص على صياغات أدبية غاية في الجمال،جعلته يرتقي بسرعة في سُلم الأدبية،وذلك بتوظيف تراكيب لغوية متماسكة،دون ترك فراغات سردية تجعل القارئ ينفر من القصة،و قد ساهم هذا في جذب انتباه القارئ و تحريك احساسه و التفاعل وجدانيا مع أحداث القصة التي اشتملت على صور بيانية موحية،تحمل ايحاءات رقيقة تارة (.احتضنته وارفدت الملاءة بحكمة على جسده الملقى وغاصا في سبات عميق..)،و تارة أخرى قوية في وقعها على نفسية القارئ (ذهبت إليه كي تلاطفه ليستفيق،انحنت على الفراش تربت على شعره الغث،مداعبة اياه ببعض الكلمات اللطيفة..لكنه لم يحرك ساكنا..!)،كأن القاص يمسك شعوره ويدير دفته حيث يشاء و كما يريد.
هوذا،الإبداع الجميل كلما تعددت تفسيراته يزداد عمقا و ثراءً،بل أُحادية النظرة هي التي تحشره في دائرة ضيقة و محاصر جدا.
ودون أن أرمي الورود جزافا أقول : هذه اللوحة الإبداعية أفضل ما قرأت من قصص قصيرة جدًا لكثير من الكتاب،ففيها تتوافر عناصر القصة القصيرة جدًا،وما يتطلبه هذا الفن من تكثيف وصور ورموز.
إن الشاعر والكاتب القدير د-طاهر مشي لا يستهين بهذا الفن القصصي الصعب،بل يؤديه حقه من الجهد والتجويد،فهو فن له مقوماته ومكابداته.إنه ليس مثل غيره من الكتاب الذين يفهمون القصة القصيرة جدًا بأنها لغز أو نكتة أو مثل أو خاطرة..
إن -الطاهر-يغترف عالمه القصصي من الواقع،ويمزجه بخيال خصب،لينجح في تقديم الإنسان-أحيانا-وهو يحس بالوجع المبلل بالدموع..دموع تنهمر على خدوودنا-قسر إرادتنا-كما حدث لنا في خاتمة هذه القصة المأسوية.(لم يحرك ساكنا..! كان قد ودعها الوداع الأخير..)
إن هذا المسار المأساوي في أحد أبعادِه يسعى إلى القيام -حسب الاصطلاح الأرسطي-بعملية التطهير،حين يحسُّ القارئ بهذا المشهد-الدراماتيكي-،ويحُزُّ في نفسه هاته النهاية الموجعة.
وهنا،يمكن القول أنّ القراءة العميقة،القراءة الاستنباطية،هي التي تكشف المعنى الخفي بأبعاده الغائرة في النص ودلالاته الرمزية،فالإبداع الحقيقي في كل زمان ومكان هو التعبير الصادق عن الوجدان الجمعي لا الوجدان الفردي.والرمز هو الذي يضمن له تلك الإمكانية المتجددة،وهو ما يجعل القصة،كما القصيدة،صالحة لكل زمان ومكان.
التعبير المباشر،مهما كان نصيبه من جمالية اللغة وطراوة الأسلوب،يظل محكوماً بوقته وراهنيته ثم يتلاشى.وعلى العكس من ذلك التعبير غير المباشر،التعبير الرامز،الذي يأخذ مداه الطويل في الزمن والتاريخ.
وما من شك في أن-الشاعر والقاص التونسي السامق د-طاهر مشي-قد حقق قفزة نوعية في مجال الإبداع بمختلف تجلياته الخلاّقة..
قبعتي..أيها المبدع التونسي الكبير د-طاهر مشي.
ولنا عودة إلى قصتك-اللذيذة-عبر مقاربة أخرى مستفيضة..
ختاما أقول : إنّ تحليل النص الوارد يدفعنا إلى الإسترسال والإستفاضة والبحث في تقنيات القصة القصيرة جداً.
والمقام هنا لا يسمح بذلك،وهو ما يمكن أن يكون في دراسات لاحقة.



#محمد_المحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي..شاعر مختلف..فريد في تعاطيه ...
- حين تتجلى بوضوح لا تخطئ العين نوره وإشعاعه..الرؤيا الإبداعية ...
- ..حين تكتب..الكاتبة والشاعرة التونسية المتميزة( د-آمال بوحرب ...
- تمظهرات الصورة الجمالية في قصائد الشاعرة التونسية القديرة د- ...
- قراءة-متعجلة-في قصيدة..-أنا العاشقة- للشاعرة التونسية القدير ...
- قصيدة الومضة.. بين الإستسهال والاختزال والتكثيف
- جلال باباي..شاعر تونسي كبير..بحجم هذا الوطن-نالت منه المواجع ...
- ..حين يسافر بنا الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي داخل ذاته.. ...
- حوار مع الشاعرة التونسية د-آمال بوحرب
- النص الشعري لدى الشاعرة التونسية القديرة أ-نعيمة المديوني يع ...
- اشراقات الصورة الشعرية..وتمظهرات المعنى في قصيدة الشاعرة الت ...
- قراءة فنية..في بعض قصائد الشاعرة التونسية القديرة سعاد عوني ...
- قراءة تأملية متعجلة في قصيدة -عيناك..شعر- للكاتبة والشاعرة ا ...
- قصيدة الومضة.. لدى الشاعرة التونسية المتميزة سعاد عوني : الص ...
- لمن لا يعرف الشاعر التونسي القدير..كمال العرفاوي
- ( تعقيبا على تفاعل المبدعة التونسية د-آمال بوحرب مع مقاربة ن ...
- تمظهرات الإبداع..ولمعانه في شعر الشاعرة التونسية القديرة د- ...
- اشراقات اللغة..وجمالية الإبداع.. لدى الشاعرة التونسية المتأل ...
- الشاعرة والكاتبة التونسية السامقة د-آمال بوحرب* : نبراس يضيء ...
- عمق الدلالة..وفيض الجمال للكاتبة التونسية القديرة د-آمال بوح ...


المزيد.....




- “نزلها خلي العيال تتبسط” .. تردد قناة ميكي الجديد 1445 وكيفي ...
- بدر بن عبد المحسن.. الأمير الشاعر
- “مين هي شيكا” تردد قناة وناسة الجديد 2024 عبر القمر الصناعي ...
- -النشيد الأوروبي-.. الاحتفال بمرور 200 عام على إطلاق السيمفو ...
- بأكبر مشاركة دولية في تاريخه.. انطلاق معرض الدوحة للكتاب بدو ...
- فرصة -تاريخية- لخريجي اللغة العربية في السنغال
- الشريط الإعلاني لجهاز -آيباد برو- يثير سخط الفنانين
- التضحية بالمريض والمعالج لأجل الحبكة.. كيف خذلت السينما الطب ...
- السويد.. سفينة -حنظلة- ترسو في مالمو عشية الاحتجاج على مشارك ...
- تابعها من بيتك بالمجان.. موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد المحسن - قراءة تأملية-متعجلة-في قصة قصيرة جدا للكاتب والشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي -قبلة باردة-