أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - قالت لنا القدس/ شهادة: أنا والمدينة18














المزيد.....

قالت لنا القدس/ شهادة: أنا والمدينة18


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 7705 - 2023 / 8 / 16 - 14:22
المحور: الادب والفن
    


5

بعد هزيمة حزيران 1967، أضيف إلى المشهد عنصر دخيل. فثمّة احتلال يعكّر صفو المدينة. نحيّت جانباً المنظور الطبقي في التعاطي مع المدينة، وصرت معنياً بالتركيز على منظور وطني إنساني يرى المدينة من زاوية جديدة، تتمثّل في ضرورة الحفاظ على عروبتها، وضرورة تحريرها وحمايتها من خطر التهويد.
وكان لا بدّ لي للاقتراب على نحو أفضل من المدينة، ألا أركن إلى كتابة القصص للتعبير عنها. بادرت إلى كتابة نصّ طويل يشبه السيرة، سيرة المدينة وبعض أجزاء من سيرتي الشخصية ومن علاقتي المتشعّبة مع المدينة ومع أهلها. كتبت كتابي "ظلّ آخر للمدينة" الذي وصفت فيه شوارع القدس وأسواقها وأزقّتها وبعض نماذجها البشرية وأسلوب العيش فيها. ربما كان هذا النوع من الكتابة هو الأكثر صدقاً للتعبير عن علاقتي بالمدينة، وهو الأكثر تعبيراً عن هذه العلاقة، باعتبارها علاقة أفقية تسمح بالتذكّر وبالوصف، وبالتنقّل بين المشاهد بمثل بساطة التنقّل من سوق إلى سوق ومن زقاق إلى زقاق. كان ذلك بعد عودتي إلى القدس من المنفى. وكانت تلك مناسبة ملائمة لكي أنظر إلى المدينة بشيء من التجرّد: كيف كانت منذ عرفتها في الطفولة وإلى ما بعد ذلك، وكيف أصبحت بعد غيابي القسريّ عنها وعودتي إليها؟
أثناء وجودي في المنفى، ظهرت القدس في عدد من قصصي القصيرة جداً. اكتشفت أنّ بإمكاني التعبير عن المدينة من خلال كتابة قصة قصيرة جداً، لا تتطلّب وصفاً مسهباً للمكان، ولا تشترط عرضاً متشعّباً للشخصيّة القصصيّة. والحوار هنا محدود ويمكن الاعتماد على اللغة الفصحى المبسّطة للتعبير عن الشخصية القصصية. ووجدت أنني قادر إلى حدّ ما على اجتياز العقبات الفنية التي ظلّت تحول بيني وبين كتابة قصصية عن القدس وأهلها من الداخل، وسأدّخر هذا الأمر إلى وقت آخر، سيبدأ في الظهور بعد استيعاب الحالة التي وجدت القدس ومحيطها عليها بعد عودتي من المنفى، تلك الحالة التي عبّرت عنها قصصياً بأسلوب ساخر متساوق مع متطلّبات الحالة وتفاصيلها.
ذلك أنّني حينما عدت من المنفى وجدت أنّ القرية التي كانت إحدى قرى القدس، قد أصبحت حياً من أحيائها، وهي لم تنزع عنها طابعها القرويّ، كما أنها في الوقت نفسه لم تقترب كثيراً من السمات التي تجعلها حياً مدنياً. والقدس نفسها، كانت في زمن الاحتلال وقسوة إجراءاته قد فقدت كثيراً من مظاهر نزعتها المدنية، وأصبح الترييف يشكّل مظهراً من مظاهر حياتها اليومية، بل إنّ الريف أصبح يؤثّر في قيمها وفي رسم مسار حياتها، في حين كان المفروض أن تؤثّر المدينة في الريف وتزرع فيه قيم الحداثة والعصرنة والتمدّن.
إزاء ذلك، إزاء مظاهر الترييف الباهظة، وإزاء الحصار المفروض على المدينة، وتوق المدينة وأهلها وكذلك محيطها القرويّ، إلى حياة طبيعيّة مبرّأة من الاحتلال ومن القيود، كتبت قصصاً ساخرة، استحضرت فيها شخصيّات مشهورة من مجتمع العولمة، لها حضورها في السياسة والغناء وعرض الأزياء وكرة القدم. استحضرت رونالدو، شاكيرا، كوندوليزا رايس، مايكل جاكسون، دونالد رامسفيلد، نعوّمي كامبل، كوفي أنان وآخرين، لكي يتعايشوا مع أهالي الحي المقدسي الذي أعيش فيه، ولأعرض نتائج هذا التعايش الذي يضمر سخرية مرّة من سياسات المحتلين، ومن ضعفنا وتخلّفنا وبؤس حياتنا اليومية تحت الاحتلال.
وكنت معنياً بالتعامل مع القدس باعتبارها مدينة واقعيّة فيها البهاء والجمال والقدسية والسموّ، وفيها في الوقت نفسه البؤس والفقر والضعف والخواء، وهي مدينة مهدّدة بالتهويد، وأهلها مهدّدون بإخلائها بسبب قسوة الإجراءات الإسرائيلية التي ترمي إلى ترحيلهم منها، لكنّها، كما أتوقّع، مدينة مرشّحة للبقاء ولإلحاق الهزيمة بكلّ الغزاة، كما أثبت تاريخ المدينة التي دمّرت سبع عشرة مرّة عبر تاريخها الطويل، وانبعثت كلّ مرة، مثل طائر الفينيق، من تحت الأنقاض.

6

الآن، بعد خمسين سنة من العيش على تخوم المدينة، وبعد كلّ هذه الكتابات القصصية والنصوص التي تناولت فيها المدينة على هذا النحو أو ذاك، أدخل البلدة القديمة التي هي مركز المدينة المقدّسة، أدخلها وأتجوّل في أسواقها وأزقّتها وأحيائها، وأضع تحت الضوء نماذج من أهل المدينة، من رجالها ونسائها وشبابها وشابّاتها، وأكتب عن القدس، في مجموعتي القصصية الجديدة ذات المنحى الروائي، التي تضمّ عدداً كبيراً من القصص القصيرة جداً، التي بالإمكان قراءة كل قصّة منها على نحو منفصل، وقراءتها في الوقت نفسه باعتبارها جزءاً من عمل أدبي تتّصل أجزاؤه على نحو لا ينفصم.
أعتقد أنّني صرت أقرب إلى قلب المدينة في هذه المجموعة القصصية الجديدة، لكنّ ذلك سيكون مجرّد محطّة على طريق طويل للكتابة عن مدينة لا تستنفدها الكتابة، لأنّها لا تشبه أيّة مدينة أخرى في العالم، ولا تشبهها أيّة مدينة.

القدس
25 / 11 / 2009



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قالت لنا القدس/ شهادة: أنا والمدينة17
- قالت لنا القدس/ شهادة16
- قالت لنا القدس/ عن القدس وبرلين15
- قالت لنا القدس/ عن بيت السكاكيني14
- قالت لنا القدس/ عن الفنان عادل الترتير
- قالت لنا القدس/ عن الفنان المسرحي فرنسوا أبو سالم12
- قالت لنا القدس/ عن المدينة والثقافة والتراتب الاجتماعي11
- قالت لنا القدس/ عن شارع صلاح الدين10
- قالت لنا القدس/ عن الحياة الثقافية في المدينة9
- قالت لنا القدس/ شارع الزهراء8
- قالت لنا القدس/ عن العمران وضواحي المدينة الآن7
- قالت لنا القدس/ عن مقاهي المدينة6
- قالت لنا القدس/ عن القدس ونزعة الترييف5
- قالت لنا القدس/ عن الشبابيك4
- قالت لنا القدس/ عن نساء القدس3
- قالت لنا القدس2
- قالت لنا القدس1
- مرايا الغياب/ مؤنس الرزاز4
- مرايا الغياب/ مؤنس الرزاز3
- الليلة الأولى... رواية لجميل السلحوت ضد الجهل


المزيد.....




- سلاف فواخرجي تشكر الشعب المصري وتعتذر عن أي شتائم تعرض لها د ...
- الهلال الأحمر الفلسطيني يكذب الرواية الإسرائيلية حول مسعفين ...
- السنغال بلد الثقافة والتصوف ومحاربة الاستعمار
- مصر.. إلزام أسرة موسيقار شهير راحل بدفع 3 ملايين جنيه لصالح ...
- تكريم عدد من المثقفين العرب مع انطلاق الدورة 30 لمعرض الرباط ...
- 3 معارض رائدة في المتحف العربي للفن الحديث بالدوحة
- ما قصة اليوتيوبر المصري مروان سري، والناقدة سلمى مشهور مع نا ...
- مترجمة إيطالية تعتذر عن ارتباكها في البيت الأبيض.. وميلوني ت ...
- لحظة محرجة في البيت الأبيض.. مترجمة ميلوني تفقد السيطرة ورئي ...
- فريد عبد العظيم: كيف تتحول القصة القصيرة إلى نواة لمشروع روا ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - قالت لنا القدس/ شهادة: أنا والمدينة18