|
نحن في أخطر نقطة في تاريخ البشرية (2-2)
نعوم تشومسكي
الحوار المتمدن-العدد: 7701 - 2023 / 8 / 12 - 11:40
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
حاوره: سي جي بوليكرونيو ترجمة: مدني قصري
فيما يلي الجزء الثاني والأخير من مقابلة يشرح فيها نعوم تشومسكي لماذا نحن في أخطر نقطة في تاريخ البشرية، ولماذا تطفو اليوم ظاهرة القوميات والعنصرية والتطرف بشتى أشكاله في جميع أنحاء العالم.
**
غلوبال بوليسي: لقد سمعنا مرّات عديدة من النقاد السياسيين والعلماء المؤثرين أنّ الديمقراطية آخذة في الانحطاط. في الواقع، زعمت وحدة المعلومات الاقتصادية (EIU) في بداية عام 2022 أنّ 6.4% فقط من سكان العالم يتمتعون بـ "ديمقراطية كاملة"، على الرغم من أنه من غير الواضح كيف تفهم الشركة التابعة للمجلة الأسبوعية المحافظة The Economist المعنى الحقيقي والسياقَ الحقيقي لمصطلح "الديمقراطية الكاملة". مهما كان الأمر أعتقد أننا نتفق جميعاً على أنّ العديد من المؤشرات الرئيسية تشير إلى خلل في الديمقراطية في القرن الحادي والعشرين. لكن أليس صحيحاً أنّ تصوّر وجود أزمة الديمقراطية كانت موجودة تقريباً منذ وجود الديمقراطية الحديثة نفسها؟ علاوة على ذلك أليس صحيحاً أنّ الخطاب العام حول أزمة الديمقراطية ينطبق حصرياً على مفهوم الديمقراطية الليبرالية التي هي كل شيء سوى ديمقراطية حقيقية؟ تهمني أفكارك حول هذه المواضيع.
نعوم تشومسكي: ما هي أزمة الديمقراطية؟ المصطلح مألوف. كانت، على سبيل المثال عنوان المنشور الأول للجنة الثلاثية، المؤلفة من علماء ليبراليين دوليين من أوروبا واليابان والولايات المتحدة. جنباً إلى جنب مع مذكرة باول mémorandum Powell، فهي واحدة من بوادر الهجوم النيوليبرالي الذي ما انفك يكتسب زخماً في إدارة كارتر (كان الهجوم في الغالب ثلاثيَّ الأطراف) والذي انتشر مع ريغان وتاتشر. كانت مذكرة باول التي استهدفت عالم الأعمال هي الجانب الصعب. وكان تقرير اللجنة الثلاثية الجانب الليبرالي والليّن.
مذكرة باول التي كتبها القاضي لويس باول كانت صريحة. لقد دعت مجتمع الأعمال إلى استخدام سلطته لصد ما كانت تعتبره هجوماً كبيراً على عالم الأعمال - أي، بدلاً من أن يدير قطاعُ الشركات كلَّ شيء بحرية تقريباً كانت هناك بعض الجهود المحدودة لكبح سلطته. كانت الرسالة واضحة: خوضُ حربٍ طبقية عنيفة وإنهاء "فترة الاضطرابات"، وهو مصطلح قياسي لوصف نَشاطِيّة (فعالية) الستينيات، التي حفّزت تحضّر المجتمع إلى حدّ كبير.
على غرار باول كان الثلاثيّون قلِقين بشأن "فترة الاضطراب" تلك. كانت أزمة الديمقراطية قائمة لأنّ نشاطِيّة (فعالية) الستينيات جلبت الكثير من الديمقراطية. كانت جميع أنواع المجموعات تطالب بمزيد من الحقوق: الشباب، وكبار السن، والنساء، والعمال، والمزارعين ... وهي المجموعات التي كانت تسمَّى أحياناً بِـ "المصالح الخاصة". كان فشل المؤسسات المسؤولة عن "تلقين الشباب"، أي المدارس والجامعات تشكل انشغالاً خاصاً. فلهذا السبب رأينا الشباب يقومون بأنشطتهم التخريبية. فكانت هذه الجهود الشعبية تفرض عبئاً مستحيلًا على الدولة التي لا تستطيع الاستجابة لهذه المصالح الخاصة: أزمة في الديمقراطية.
كان الحل واضحاً: "مزيد من الاعتدال في الديمقراطية". بعبارة أخرى، العودة إلى السلبية والطاعة حتى تزدهر الديمقراطية. لمفهوم الديمقراطية هذا جذور عميقة تعود إلى الآباء المؤسسين وإلى بريطانيا من قبلهم، والتي تم إحياؤها في الأعمال الرئيسية حول النظرية الديمقراطية من قبل مفكري القرن العشرين، ومن بينهم والتر ليبمان، أبرز المفكرين العامين، وإدوارد بيرنايز، مُعلّم صناعة العلاقات العامة، وهارولد لاسويل، أحد مؤسسي العلوم السياسية الحديثة، ورينهولد نيبور المعروف باسم لاهوتي المؤسسة الليبرالية.
كلهم كانوا ليبراليين جيّدين على طريقة ويلسون- روزفلت- جون كنيدي. كان الجميع متّفقين مع المؤسسين على القول إنّ الديمقراطية خطرٌ يجب تجنبه. ففي أي ديمقراطية تشتغل بشكل صحيح يكون للمواطنين فيها دور يلعبونه، ويتمثل في الضغط على "الزرّ" كل سنتين أو ثلاث سنوات لاختيار الشخص الذي يقترحه عليهم "الرجال المسؤولون". يجب أن يكونوا "متفرّجين وليس مشاركين"، متمسكين بخط "الأوهام الضرورية" و"التبسيط المشحون بانفعالية قويةً"، وهو ما أسماه لِيبمان "صناعة الموافقة"، وهو فنُّ أساسي من فنون الديمقراطية.
إنّ تلبية هذه الشروط سيشكل "ديمقراطية كاملة"، على نحو ما يُفهَم هذا التصور في النظرية الديمقراطية الليبرالية. قد يكون للآخرين وجهات نظر مختلفة، لكنهم جزء من المشكلة، وليس الحل، وفقاً لصياغة ريغان.
وبالعودة إلى المخاوف بشأن تدهور الديمقراطية فحتى الديمقراطية الكاملة بهذا المعنى تتراجع في مراكزها التقليدية. ففي أوروبا بدأت "الديمقراطية غير الليبرالية" التي ينتهجها أوربان في المجر تقلق الاتحادَ الأوروبي، وكذلك الأمر بالنسبة لحزب القانون والعدالة الحاكم في بولندا والأحزاب الأخرى التي تشارك أوربان ميوله الاستبدادية العميقة.
استضاف أوربان مؤخراً مؤتمراً للحركات اليمينية المتطرفة في أوروبا، ولبعضها أصول فاشية جديدة. وكان التجمع الوطني الأمريكي للعمل السياسي المحافظ (NCPAC)، وهو عنصر مركزي في الحزب الجمهوري الحالي، أحدَ المشاركين الرئيسيين في المؤتمر. ألقى دونالد ترامب كلمة مهمة. وقد أنجز تاكر كارلسون في هذا السياق فيلماً وثائقياً رائعاً.
بعد فترة وجيزة نظم التجمع الوطني الأمريكي للعمل السياسي المحافظ (NCPAC) مؤتمراً في دالاس، تكساس، وكان المتحدث الرئيسي فيه هو فيكتور أوربان الذي يُعتبر أحد المتحدثين الرئيسيين باسم القومية المسيحية البيضاء الاستبدادية.
على مستوى الدولة والمستوى الوطني يسعى الحزب الجمهوري الحالي في الولايات المتحدة، والذي تخلى عن دوره السابق كحزب برلماني حقيقي، إلى إيجاد طرق لكسب السيطرة السياسية الدائمة بصفتها منظمة أقلية، منخرطة في ديمقراطية غير ليبرالية على طريقة أوربان. لم يُخفِ زعيمُها دونالد ترامب نيّته في استبدال الخدمة المدنية غير الحزبية، وهي أساس أي ديمقراطية حديثة، بِمُوالين يتم تعيينهم، ومنع تدريس التاريخ الأمريكي بأي طريقة جادة. وبشكل عام إنهاء بقايا ديمقراطية رسمية أكثر من محدودة.
ففي الدولة الأقوى في تاريخ البشرية، ذات التقاليد الديمقراطية المختلطة والتقدّمية أحياناً لا يمكن أن تكون مثل هذه القضايا أموراً ثانوية قليلة الأهمية.
غلوبال بوليسي: يبدو أنّ الدول الواقعة على هامش النظام العالمي تريد الانفصال عن نفوذ واشنطن وتطالب بشكل متزايد بنظام عالمي جديد. على سبيل المثال، حتى السعودية تحذو حذو إيران من أجل الانضمام إلى الكتلة الأمنية التي تتبناها الصين وروسيا. ما هي تداعيات إعادة التنظيم هذه على العلاقات العالمية وما مدى احتمالية استخدام واشنطن لتكتيكات لمنع هذه العملية من المضي قدماً إلى أبعد مما ذهبت إليه؟
نعوم تشومسكي: في آذار انضمّت المملكة العربية السعودية إلى منظمة شنغهاي للتعاون. وسرعان ما تبِعتها دولة الإمارات العربية المتحدة التي أصبحت ثاني أكبر ثقلٍ نفطيّ في الشرق الأوسط، والتي أصبحت بالفعل مركزاً لطريق الحرير البحري للصين، الممتد من كلكتا في شرق الهند إلى أوروبا عبر البحر الأحمر. وتأتي هذه التطورات في أعقاب الاتفاق الذي أبرمته الصين بين إيران والسعودية، العَدُوّين اللدودين سابقاً، والذي يعيق جهود الولايات المتحدة لعزل النظام وإسقاطه. تدّعي واشنطن أنّ الأمر لا يقلقها، لكن من الصعب تصديق ذلك.
منذ اكتشاف النفط في المملكة العربية السعودية عام 1938، والاعتراف السريع بنطاقه الاستثنائي كانت السيطرة على المملكة العربية السعودية أولوية بالنسبة للولايات المتحدة. إنّ انحرافها نحو الاستقلال - والأسوأ من ذلك نحو المجال الاقتصادي المتوسع القائم أساساً على الصين – لا بد وأن يسبّب قلقاً عميقاً في الأوساط السياسية. هذه خطوة كبيرة أخرى نحو نظام متعدد الأقطاب، وهو بلا شك لعنة بالنسبة للولايات المتحدة.
حتى الآن لم تبتكر الولايات المتحدة تكتيكات فعالة لمواجهة هذه التوجهات العميقة في الشؤون العالمية، والتي لها العديد من المصادر - بما في ذلك التدمير الذاتي للمجتمع والحياة السياسة الأمريكيّين.
غلوبال بوليسي: كان لمصالح الأعمال المنظَّمة تأثيرٌ حاسم على السياسة الخارجية للولايات المتحدة على مدى القرنين الماضيين. ومع ذلك يؤكد بعض المحللين الآن بأنّ هيمنة الشركات على السياسة الخارجية للولايات المتحدة بدأت تتراجع، ويُقدّمون الصينَ كدليل على أنّ واشنطن لم تعد تُلقي بالاً للشركات. لكنْ أليس صحيحاً أنّ الدولة الرأسمالية، فيما هي تعمل دائماً باسم المصالح العامة المرتبطة بأصحاب النفوذ (المجموعة الداعمة للنظام القائم) تمتلك أيضاً درجة معيّنة من الاستقلالية، وأنّ هناك عوامل أخرى تلعب دوراً عندما يتعلق الأمر بتنفيذ السياسة الخارجية وإدارة الشؤون الخارجية؟ يبدو لي أنّ السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه كوبا، على سبيل المثال، تشهد على استقلال الدولة النسبي فيما يتعلق بالمصالح الاقتصادية الخاصة بالطبقات الرأسمالية.
نعوم تشومسكي: لعله من باب تشويه الحقائق وصفُ الدولة الرأسمالية بالقول إنها هي اللجنة التنفيذية للطبقة الحاكمة، لكنها صورة كاريكاتورية لشيء موجود بالفعل، وموجود منذ فترة طويلة. لا بد من التذكير بوصفِ آدم سميث للأزمنة الأولى للإمبريالية الرأسمالية، عندما كان "سادةُ الإنسانية" الذين امتلكوا اقتصاد إنجلترا هُم "المهندسون الرئيسيون" لسياسة الدولة، وكانوا يحرصون على أنْ تلبَّى مصالحُهم بشكل صحيح، أيّاً كانت العواقب بالنسبة للآخرين. هؤلاء الآخرون كانوا يشملون الشعب الإنجليزي، ولكن أكثر من ذلك ضحايا "الظلم الوحشي" لسادة الإنسانية، خاصة في الهند في بداية تدمير إنجلترا لِما كان آنذاك، إلى جانب الصين، أغنى مجتمع على هذا الكوكب، مع سرقة تكنولوجيّته الأكثر تقدّماً.
ليس من الضروري التذكير إلى أي مدى تتوافق السياسة الخارجية للولايات المتحدة مع مبدأ سميث حتى يومنا هذا. أحد المبادئ التوجيهية هو أنّ الولايات المتحدة لن تتسامح مع ما أسماه مسؤولو وزارة الخارجية "فلسفة القومية الجديدة"، التي تشمل "السياسات المصمَّمة لتأمين توزيعٍ أوسع للثروة ورفع مستوى معيشة الجماهير"، فضلاً عن الفكرة الخبيثة "أنّ المستفيدين الأساسيين من تنمية موارد الدولة يجب أن يكونوا سكان ذلك البلد". لكن ليس هذا هو الحال في الواقع. المستفيدون الأوّلون هم المستثمرون، ومعظمهم من الأمريكيين.
هذا الدرس الصارم تم تلقينه للأمريكيين اللاتينيين المتخلّفين أثناء مؤتمر خاص بنصف الكرة الغربي، دعت إليه الولايات المتحدة في عام 1945، والذي وضع ميثاقاً اقتصادياً وقَضى على تلك الانحرافات التي لم تقتصر على أمريكا اللاتينية وحدها. فقبل ثمانين عاماً بدا وكأنّ العالم سيخرج أخيراً من بؤس الكساد العظيم وأهوال الفاشية. لقد اجتاحت موجة من الديمقراطية الراديكالية معظمَ أنحاء العالم، على أمل ميلاد نظام عالمي أكثر عدلاً وإنسانية. كانت الضرورات الأولى بالنسبة للولايات المتحدة وشريكها البريطاني الأصغر هي منع هذه التطلعات واستعادة النظام التقليدي، بما في ذلك المتعاونين الفاشيين، أوّلاً في اليونان (بعنف هائل) وفي إيطاليا، ثم في جميع أنحاء أوروبا الغربية، وامتداداً أيضاً إلى آسيا. وقد لعبت روسيا دوراً مماثلاً في مناطقها. وكان هذا أحد الفصول الأولى في تاريخ ما بعد الحرب.
إذا كان سادة الإنسانية بمفهوم سميث يحرصون عموماً على أن تخدم سياسة الدولة مصالحهم المباشرة فإنّ هناك استثناءات تسمح، على نحو أفضل، بِفهم تشكيل السياسة. لقد ذكرنا للتو واحدة منها: كوبا. إنّ العالم ليس وحده الذي يعارض بقوة سياسة العقوبات التي يجب أن تلتزم بها. فكذلك الأمر بالنسبة لقطاعات قويّة عند هؤلاء السادة، لا سيما في مجالات الطاقة والأعمال الزراعية وخاصة الأدوية، فهؤلاء السادة يرغبون في إقامة شراكة مع الصناعة المتطورة في كوبا. لكنّ اللجنة التنفيذية تمنع ذلك. إنّ مصالحهم الضيقة تحل محلها المصلحة طويلة الأجل المتمثلة في منع "التحدي الناجح" لسياسات الولايات المتحدة التي تعود إلى عقيدة مونرو، كما أوضحت وزارة الخارجية قبل 60 عاماً.
أيُّ مَافْيَاوِي قد يفهم ذلك. قد يتخذ نفس الفرد خيارات مختلفة كرئيس تنفيذي لشركة وكمسؤول في وزارة الخارجية، وفي عقله ذات المصالح ولكن مع منظور مختلف حول كيفية الترويج لها.
وهناك حالة أخرى وهي حالة إيران، والتي تعود إلى عام 1953، عندما سعت الحكومة البرلمانية للسيطرة على مواردها النفطية الهائلة، وارتكبت خطأ الاعتقاد بأنّ "المستفيدين الأساسيين من تنمية موارد الدولة يجب أن يكونوا شعب ذلك البلد". لم تعد بريطانيا، التي كانت لفترة طويلة في يد إيران قادرة على عكس هذا الانحراف عن النظام الجيد. وأطاحت الولايات المتحدة بالحكومة، وأقامت دكتاتورية الشاه، وهي المرحلة الأولى من تعذيب الولايات المتحدة للشعب الإيراني، والذي استمر بلا هوادة حتى يومنا هذا، مكرِّسة على هذا النحو إرثَ بريطانيا.
ولكن كانت هناك مشكلة. ففي إطار الاتفاق طالبت واشنطن الشركات الأمريكية بالاستيلاء على 40٪ من الامتياز البريطاني، لكنها لم تكن مهيّأة للقيام بذلك، لأسباب تتعلق بمصالح قصيرة الأجل. لأنّ ذلك من شأنه أن يضر بعلاقتها مع المملكة العربية السعودية حيث استغلال موارد البلاد أرخص وأكثر ربحية. لقد هدّدت إدارة أيزنهاور الشركات بدعاوى مكافحة الاحتكار، فامتثلت هذه الشركات. لم يكن التهديد عبئاً كبيراً، بالتأكيد، لكنه عبء لم تَستسِغه ولم تَقبله الشركات.
لا يزال الصراع بين واشنطن والشركات الأمريكية قائماً ومستمراً حتى يومنا هذا. فكما في حالة كوبا تعارض أوروبا والشركات الأمريكية بشدة العقوبات القاسية التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران، لكنها مضطرة للامتثال، مما يقصيها من السوق الإيرانية المربحة. وهكذا مرّة أخرى طغت مصلحةُ الولايات المتحدة في معاقبة إيران بسبب نجاح إيران في تحدّيها على المصالح الخاصة للربح قصير المدى.
تمثل الصين المعاصرة حالة أوسع بكثير. لا الشركات الأوروبية ولا الأمريكية ترحب بالتزام واشنطن "بإبطاء وتيرة الابتكار في الصين" فيما تفقد الوصول إلى السوق الصينية الغنية. يبدو أنّ الشركات الأمريكية قد وجدت طريقة للالتفاف حول القيود التجارية. في هذا الشأن كشف تحليل لصحافة الأعمال الآسيوية "علاقة تنبؤية قوية بين واردات هذه البلدان (فيتنام والمكسيك والهند) الواردة من الصين وبين صادراتها إلى الولايات المتحدة"، مما يوحي أنّ التجارة مع الصين، ببساطة، قد تم إعادة توجيهها.
وتشير نفس الدراسة إلى أنّ "حصة الصين في التجارة الدولية تتزايد باطراد. لقد ارتفع حجم صادراتها بنسبة 25٪ منذ عام 2018 ، بينما شهد حجم صادرات الدول الصناعية ركوداً ملحوظاً".
ويبقى السؤال: كيف ستتفاعل الصناعات الأوروبية واليابانية والكورية الجنوبية مع التوجيه بالتخلي عن سوق بدائية لتلبية الهدف الأمريكي المتمثل في منع تطوّر الصين؟ قد يكون ذلك ضربة قوية أسوأ بكثير من فقدان الوصول إلى إيران أو بالتأكيد إلى كوبا.
غلوبال بوليسي: منذ أكثر من قرنين من الزمن قدّم إيمانويل كانط نظريته عن السلام الدائم باعتباره الطريقة العقلانية الوحيدة للدول للتعايش مع بعضها البعض. ومع ذلك يظل السلام الدائم سراباً ومثلاً أعلى بعيد المنال. هل يمكن لنظام سياسي عالمي يبتعد عن الدولة- الأمة كوحدة أساسية أن يكون شرطاً مسبقاً ضرورياً لتحقيق السلام الدائم؟
نعوم تشومسكي: كان كانط يعتقد بأنّ العقل من شأنه أن يجلب السلام الدائم ضمن نظام سياسي عالمي خيّر. فيما رأى فيلسوف عظيم آخر، برتراند راسل، الأمورَ بشكل مختلف عندما سُئل عن آفاق السلام العالمي:
"بعد العصور التي أنتجت فيها الأرض ثلاثيات الفُصوص وفراشات غير مؤذية تقدّم التطور لدرجة إنتاج نِيرُونات (نسبة لِنِيرُون أحد أباطرة الروم)، وجنكيزخانات (نسبة لجنكيز خان) وهتلرات (نسبة لهتلر). ومع ذلك أعتقد أنّ هذا كابوس عابر. بمرور الوقت ستصبح الأرض مرّة أخرى غير قادرة على استيعاب الحياة وعندئذ سيعود السلام".
أنا لا أرغب في الانضمام إلى هذين الفِكرين. أراني أحبّذ القول إنّ البشر لديهم القدرة على القيام بعمل أفضل بكثير ممّا توقّعه راسل، حتى وإن لم يكن لتحقيق المَثل الأعلى الذي طرحه كانط.
مدني قصري، كاتب ومترجم جزائري
مصدر الترجمة عن الفرنسية:
https://www.les-crises.fr/entretien-avec-noam-chomsky-sur-l-etat-du-monde
النص الأصلي منشور في "غلوبال بوليسي"
اقتراب السعودية من الصين مصدر قلق عميق لواشنطن
تشومسكي: في آذار انضمّت المملكة العربية السعودية إلى منظمة شنغهاي للتعاون. وسرعان ما تبِعتها دولة الإمارات العربية المتحدة التي أصبحت ثاني أكبر ثقلٍ نفطيّ في الشرق الأوسط، والتي أصبحت بالفعل مركزاً لطريق الحرير البحري للصين، الممتد من كلكتا في شرق الهند إلى أوروبا عبر البحر الأحمر. وتأتي هذه التطورات في أعقاب الاتفاق الذي أبرمته الصين بين إيران والسعودية، العَدُوّين اللدودين سابقاً، والذي يعيق جهود الولايات المتحدة لعزل النظام وإسقاطه. تدّعي واشنطن أنّ الأمر لا يقلقها، لكن من الصعب تصديق ذلك. منذ اكتشاف النفط في المملكة العربية السعودية عام 1938، والاعتراف السريع بنطاقه الاستثنائي كانت السيطرة على المملكة العربية السعودية أولوية بالنسبة للولايات المتحدة. إنّ انحرافها نحو الاستقلال - والأسوأ من ذلك نحو المجال الاقتصادي المتوسع القائم أساساً على الصين – لا بد وأن يسبّب قلقاً عميقاً في الأوساط السياسية. هذه خطوة كبيرة أخرى نحو نظام متعدد الأقطاب، وهو بلا شك لعنة بالنسبة للولايات المتحدة. (الصورة: لحظة توقيع اتفاق الشراكة الشاملة بين السعودية والصين، كانون الأول 2022)
#نعوم_تشومسكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نحن في أخطر نقطة في تاريخ البشرية
-
«مناهضة الحروب» بين العراق وأوكرانيا
-
عن آفاق السلام العالمي
-
دون دعم أمريكي، لما كانت اسرائيل قادرة على القتل الجماعي للف
...
-
الحكومات النيوليبرالية ومواجهة “كورونا”
-
سنتغلب على أزمة فيروس الكورونا، لكن أمامنا أزمات أكثر خطورة
-
عواقب الحرب بين إيران وأمريكا لا يمكن التنبؤ بها وقد تؤدي إل
...
-
«مسؤوليّة الحماية» و«الحقّ في التدخّل الإنسانيّ»
-
فَبْرَكَة المُستهلِكين
-
دونالد ترامب يُسرع بالولايات المتحدة نحو الهاوية
-
من يحكم العالم..
-
هل إيران هي الشيطان الأعظم حقا أم أمريكا؟
-
كلنا.. «شارلي»؟
-
أميركا.. الدولة الإرهابية الرائدة
-
خطوة أوباما «التاريخية» 2
-
حركة صادقة من أجل تغيير اجتماعي
-
«الحقائق» على أرض الواقع
-
«داعش» والمرحلة.. وبومة منيرفا
-
كابوس في قطاع غزة
-
الاستراتيجيات العشرة للتحكم بالشعوب..
المزيد.....
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (إ.م.ش) تدعو للمشاركة الوازنة
...
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 576
-
فريق حزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب يُطالب الحكومة بتقد
...
-
السيد الحوثي: بقية الفصائل الفلسطينية المجاهدة في غزة تواصل
...
-
هل تسعى تركيا إلى إنهاء الصراع مع حزب العمال الكردستاني؟
-
تركيا.. اعتقال رئيس بلدية -أسنيورت- بتهمة الانتماء لحزب العم
...
-
العدد 577 من جريدة النهج الديمقراطي بالأكشاك
-
الجبهة الديمقراطية تراسل الاحزاب السياسية والبرلمانات العالم
...
-
المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي يدين بشدة وصف ا
...
-
بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|