أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - نعوم تشومسكي - فَبْرَكَة المُستهلِكين














المزيد.....

فَبْرَكَة المُستهلِكين


نعوم تشومسكي

الحوار المتمدن-العدد: 6443 - 2019 / 12 / 20 - 09:02
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    



صناعة الإعلانات، المُكرَّسة لخَلق مُستهلِكين، ظاهرةٌ تنامتْ في البلدان الأكثر تحرّراً، في بريطانيا والولايات المتّحدة. والسّبب واضحٌ تماماً، إذ تَبيَّنَ منذ قرنٍ أنّ السّيطرة على السكّان بالقوّة لن يعود أمراً شديد السّهولة، فثمّة قدرٌ كبيرٌ من الحريّة قد بات في متناول اليد: تنظيم العمّال، أحزاب العمّال البرلمانيّة في بلدان كثيرة، بدأت النّساء يحصلن على التحرّر، وما إلى ذلك. وبذا ينبغي لك إيجاد وسائل أخرى للسيطرة على الناس، إذ جرى الفهم والتّصريح بأنّ عليك السيطرة عليهم من خلال السيطرة على المعتقدات والمواقف. حسناً، أحد أفضل طرق السيطرة على النّاس في ما يخصّ المواقف، يكمن في ما سمّاها عالِم الاقتصاد السياسيّ العظيم ثورستاين بْلِنْ (Thorstein Veblen) «فبركة المُستهلِكين» (fabricating consumers)١.

إذا تمكّنتَ من فبركة الحاجات، وجعلتَ اقتناء الأشياء التي تكون في متناول يدك جوهرَ الحياة، فإنّ النّاس سيقعون في فخ التحوّل إلى مُستهلِكين. وإذا قرأتَ الصحافة الاقتصاديّة في عشرينيّات القرن العشرين فستجد أنّها تتحدّث عن الحاجة إلى توجيه النّاس باتّجاه الأشياء السّطحيّة في الحياة، مثل الاستهلاك المرتبط بالصّرعات، فتُبقيهم بعيدين من إزعاجك. ستجد هذه العقيدة في الفكر الثقافيّ التقدميّ كلّه، كما عند وولتر لپمَنْ (Walter Lippmann)، المثقّف التقدميّ الكبير في القرن العشرين. فقد كتبَ مقالتين تقدميّتَيْن شهيرتَيْن عن الديمقراطيّة حيث كان رأيه يقول بالضّبط: «يجب أن يوضَع الرأي العام في مكانه المناسب»، بحيث يتمكّن المسؤولون من اتّخاذ القرارات من دون تدخّل «القطيع المُحتار»٢.

وبذا يكون الناسُ المستهدفون متفرّجين لا مشاركين، فتنال عندئذ ديمقراطيّةً فاعلةً على نحو أمثل، وهذا يسري منذ أيّام مادِسن وصولاً إلى مُذكّرة پاول٣ وغيرها. وقد تفشّتْ صناعة الإعلان، مع إبقاء هذا الهدف هدفها: فبركة المستهلكين. ويسير هذا بدهاءٍ كبير.

وهذه الغاية هي ما تراها اليوم فعلياً، حيث - مثلاً - ستتّجه الفتياتُ المراهقات للتسكّع في «المولات» في مساء يوم السبت، لا إلى المكتبة أو أيّ مكان آخر. فالفكرة تتمحور حول محاولة السيطرة على الجميع، أن تُحوّل المجتمع كلّه إلى منظومةٍ مضبوطة. وستكون المنظومة المضبوطة مجتمعاً يقوم على ثنائيّة، على زوج - الزوج هما أنت وتلفزيونك، أو ربّما الآن أنت والإنترنت - بحيث يقدَّم لك ماهيّة الحياة الملائمة، ونوعَ الأجهزة التي ينبغي لك امتلاكُها. فتقضي وقتك وجهدك في امتلاك تلك الأشياء التي لا تريدها ولا تحتاج إليها. وربّما ستتخلّص منها لاحقاً، ولكن هذا هو معيار الحياة الكريمة.

لنأخذْ ما نراه في الإعلانات التلفزيونيّة مثلاً، فإذا كنتَ مهتمّاً بالمجال الاقتصاديّ، ستدرك أنّ الأسواق يُفترَض أن تكون معتمدةً على الخيارات الرشيدة التي يتّخذها المُستهلكون المطَّلعون. ولكن، لو كان لدينا منظومة كهذه، منظومة أسواق، فسنجد أنّ الإعلان التلفزيونيّ سيتضمّن معلومةً من شركة جنرال موتورز تقول: «هاك ما نريد بيعه»، لكنّ هذا ليس شكل إعلان السيّارات الذي نراه. إذ نرى الإعلان يُصوِّر بطل كرة قدم، أو ممثّلةً، فيما السيّارة تُنفّذ حركةً مجنونةً كأنْ تتسلّق الجبال أو ما شابهها. ويكون المغزى خلقَ مستهلكين جاهلين يتّخذون قرارات طائشة. هذا ما تقوم عليه صناعة الإعلان. وحينما تُدير الشركة نفسُها الانتخابات، عبر منظومة العلاقات العامّة، ستفعلها بالطريقة نفسها. إذ يريدون خلق شريحةٍ انتخابيّة جاهلة، تتّخذ قرارات طائشة، تناقض مصالح تلك الشريحة في الغالب. وهذا ما نراه كلّما تحصل إحدى هذه المهازل.

وما لم يحدث عكس هذه النّزعات التي عرضنا حدوثها ضمن المجتمع الأميركيّ، ستكون النّتيجة مجتمعاً شديد القبح. مجتمع يرتكز على مقولة آدم سميث الكريهة «كل شيء لنفسي، لا شيء للأخرين». سيكون مجتمعاً تُقصى فيه الغرائز البشريّة الطبيعيّة ومشاعر التّعاطف والتّكافل والتّضامن. هذا مجتمعٌ شديد القبح حيث إنّه أعجز عن معرفة مَن يرغب بالعيش فيه حقاً. لا أريد لأطفالي أن يعيشوا فيه.



#نعوم_تشومسكي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دونالد ترامب يُسرع بالولايات المتحدة نحو الهاوية
- من يحكم العالم..
- هل إيران هي الشيطان الأعظم حقا أم أمريكا؟
- كلنا.. «شارلي»؟
- أميركا.. الدولة الإرهابية الرائدة
- خطوة أوباما «التاريخية» 2
- حركة صادقة من أجل تغيير اجتماعي
- «الحقائق» على أرض الواقع
- «داعش» والمرحلة.. وبومة منيرفا
- كابوس في قطاع غزة
- الاستراتيجيات العشرة للتحكم بالشعوب..
- عن كابوس غزة
- حصاد الفوضى غير الخلاقة!
- تسريبات «سنودن».. وانكشاف النفوذ
- احتمالات البقاء
- الأمن وسياسة الدول
- مراجعة التاريخ.. وصلاحيات القوة
- ما هي المنفعة العامة؟
- عودة -محور الشر-
- لماذا لا يعرف الأمريكيون شيئا عن السياسات الامبريالية لبلاده ...


المزيد.....




- حزب العمال اليساري يفوز بالانتخابات العامة في أستراليا
- غزة تنادي في اليوم العالمي لحرية الصحافة: أوقفوا إبادة الصحف ...
- أستراليا: حزب العمال الحاكم يفوز بالانتخابات العامة وزعيم ال ...
- م.م.ن.ص// 10 سنوات مرت على جريمة مبنى النقابات في أوديسا.
- الحزب الشيوعي الفيتنامي هيئة سياسية تختزل تاريخ دولة
- الأمن الفيدرالي الروسي يكشف قتل بريطانيا ما بين 7000 و12000 ...
- كلمة الامين العام لحزب التقدم والاشتراكية محمد نبيل بنعبد ال ...
- بيان للحزب الاشتراكي يكشف ما دار بين الشرع وجنبلاط
- أغنياء وأقوياء ضد فقراء وضعفاء؛ ترامب يعولم الصراع الطبقي!
- الصراع على سوريا… مجدداً


المزيد.....

- كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة / شادي الشماوي
- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ... / رزكار عقراوي
- متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024 / شادي الشماوي
- الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار / حسين علوان حسين
- ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية / سيلفيا فيديريتشي
- البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية / حازم كويي
- لينين والبلاشفة ومجالس الشغيلة (السوفييتات) / مارسيل ليبمان
- قراءة ماركسية عن (أصول اليمين المتطرف في بلجيكا) مجلة نضال ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسائل بوب أفاكيان على وسائل التواصل الإجتماعي 2024 / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - نعوم تشومسكي - فَبْرَكَة المُستهلِكين