أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - نعوم تشومسكي - نحن في أخطر نقطة في تاريخ البشرية















المزيد.....


نحن في أخطر نقطة في تاريخ البشرية


نعوم تشومسكي

الحوار المتمدن-العدد: 7693 - 2023 / 8 / 4 - 15:45
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


: نحن في أخطر نقطة في تاريخ البشرية (1)| حاوره: سي جي بوليكرونيو
ترجمة: مدني قصري

نعيش اليوم في عالم يواجه تهديدات وجودية، حيث أضحت الفوارق القصوى تمزّق مجتمعاتنا، فيما الديمقراطية في تراجع حاد. وفي الوقت نفسه لا تزال الولايات المتحدة مصمّمة في عنادٍ مستميت على الحفاظ على هيمنةٍ عالمية، ولهذا فإنّ تعاوُناً دولياً أصبح ضرورياً ومُلِحّاً بشكل عاجل لمواجهة التحديات العديدة التي يواجهها كوكب الأرض. في المقابلة التالية يشرح نعوم تشومسكي لماذا نحن في أخطر نقطة في تاريخ البشرية، ولماذا تطفو اليوم ظاهرة القوميات والعنصرية والتطرف بشتى أشكاله في جميع أنحاء العالم.

**

نعوم تشومسكي أستاذ فخري في قسم اللسانيات والفلسفة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وأستاذ كرسي أغنيس نيلمز هوري Agnese Nelms Haury لبرنامج العدالة البيئية والاجتماعية بجامعة أريزونا. إنه واحد من أكثر العلماء الذين يتم الاستشهاد بهم في العالم، ومفكر معترف به يعتبره الملايين كنزاً وطنياً ودولًياً، وقد نشر تشومسكي أكثر من 150 كتاباً في علم اللغة والفكر السياسي والاجتماعي والاقتصاد السياسي والدراسات الإعلامية والسياسة الأمريكية الخارجية والشؤون العالمية. أحدث كتبه : "أسرار الكلمات" The Secrets of Words, 2022)​​)، و"الانسحاب: العراق وليبيا وأفغانستان وهشاشة القوة الأمريكية" ( The Withdrawal : Iraq, Libya, Afghanistan, and the Fragility of US Power, 2022)، و"الهاوية: النيوليبرالية والوباء والحاجة الملحة للتغيير الاجتماعي(The Precipice : Neoliberalism, the Pandemic and the Urgent Need for Social Change, 2021)

**



غلوبال بوليسي: ذكرتَ مراراً وتكراراً أنّ العالم يقف في أخطر نقطة في تاريخ البشرية. لماذا تعتقد ذلك؟ هل الأسلحة النووية اليوم أكثر خطورة ممّا كانت عليه في الماضي؟ هل صعود الاستبداد اليميني في السنوات الأخيرة أصبح أكثر خطورة من صعود وانتشار الفاشية في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي؟ أم أنه بسبب أزمة المناخ التي قلتَ إنّها أكبر تهديد يواجهه العالم على الإطلاق؟ هل يمكنك أن تشرح من خلال مقارنات لماذا تعتقد أنّ العالم أصبح اليوم أكثر خطورة مما كان عليه من قبل؟



نعوم تشومسكي: أزمة المناخ فريدة من نوعها في تاريخ البشرية وتزداد سوءاً عاماً بعد عام. فإذا لم يتم اتخاذ إجراءات صارمة ومهمة في العقود القادمة فإنّ العالم سيتعرّض لخطر الوصول إلى نقطة اللاعودة ولمواجهة كارثة لا يمكن وصفها. لا شيء مؤكد، بالطبع، لكنّ هذا التقييم يبدو معقولاً ومحتملاً للغاية.

أصبحت أنظمة الأسلحة أكثر خطورة وأكثر إثارة للقلق. منذ قصف هيروشيما ونحن نعيش تحت سيف ديموقليس. بعد مرور بضع سنوات، قبل 70 عاماً اختبرت الولايات المتحدة، ثم روسيا، الأسلحة النووية الحرارية، وهو ما كشف أنّ الذكاء البشري قد "تطور" إلى حد القدرة على تدمير كل شيء.

ترتبط المسائل التشغيلية بالشروط الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تحدّ من استخدامها. كادت هذه الشروط أن تنفجر خلال أزمة الصواريخ عام 1962، والتي وصَفها آرثر شليزنجر بأنها كانت أخطر لحظة في تاريخ العالم، لسبب وجيه، على الرغم من أننا قد نصل قريباً مرّة أخرى في أوروبا وآسيا إلى مثل تلك اللحظة التي لا توصف. لقد أتاح نظام التدمير المتبادل المؤكد Mutually Assured Destruction (MAD) تأسيسَ شكل من أشكال الأمن، مُقلِقاً ومتقلب المزاج، ولكن ربما كان أفضل طريقة لتحقيق التحوّل الاجتماعي والثقافي الذي، للأسف، لا يزال مجرد طموح.

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي تم تقويض نظام الأمن MAD المذكور بسبب الاعتداد بالنفس عند كلينتون، ومشروع بوش الثاني- ترامب في تفكيك نظام الحدّ من التسلح الذي تم إنشاؤه بشق الأنفس. لقد قام بنيامين شوارتز وكريستوفر لاينْ مؤخراً بإجراء دراسة رئيسية حول هذه الموضوعات، في سياق الغزو الروسي لأوكرانيا. في هذه الدراسة يشرحان كيف بدأ كلينتون حقبة جديدة في الشؤون الدولية، حيث "أصبحت الولايات المتحدة قوة ثورية في السياسة العالمية" مع تخليها عن "الدبلوماسية القديمة" وإرسائها للمفهوم الثوري للنظام العالمي الذي تفضِّله.

كانت "الدبلوماسية القديمة" تسعى إلى الحفاظ على النظام العالمي من خلال "فهم مصالح الخصم ودوافعه، والقدرة على تقديم تنازلات حكيمة". أمّا الأحادية الجديدة المعتدّة بنفسها فقد وضعت كـ "هدفٍ مشروع (للولايات المتحدة) تعديلَ أو استئصال هذه الترتيبات المرتبطة ببلدان أخرى إذا لم تكن متوافقة مع المُثل والقيم التي تُجاهِر بها".

في الخلفية يوجد مبدأ كلينتون القائل بأنّ الولايات المتحدة يجب أن تكون مستعدة لاستخدام القوة، بشكل متعدد الأطراف إذا استطاعت ذلك، ومن جانب واحد إذا لزم الأمر، لتأمين مصالحها الحيوية و"الوصول دون عوائق إلى الأسواق الرئيسية وإمدادات الطاقة وإلى الموارد الاستراتيجية".

أدت العقيدة العسكرية المصاحبة لهذا المبدأ إلى إنشاء نظام أسلحة نووية أكثر تطوّراً لا يمكن فهمه إلا من حيث أنه "قدرة وقائية مضادة ضد روسيا والصين - قدرة الضربة الأولى، مدعومة من قبل بوش بتفكيك المعاهدة التي تحظر تركيب أنظمة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية بالقرب من حدود الخصم. والحال أنه يتم تقديم هذه الأنظمة على أنها دفاعية، لكن جميع الأطراف يدركون أنها أسلحة الضربة الأولى. أدت هذه الإجراءات إلى حد كبير إلى إضعاف النظام القديم للردع المتبادل، واستبداله بمخاطر متفاقمة بشكل كبير.

حداثة هذه التطورات قابلة للنقاش، لكن شوارتز ولين أثبتا بقوّة أنّ هذه النزعة الأحادية المعتدّة بنفسها والتجاهل الصريح للعدو المهزوم قد لعبا دوراً مُهِمّاً في إشعال حرب كبرى في أوروبا مع غزو روسيا لأوكرانيا، مع خطر التصعيد نحو حرب شاملة.

لا شك أنّ تطوّر الوضع في قارة آسيا لا يقل إثارة للقلق. بدعمٍ قويّ من الحزبين والإعلام تواجه واشنطن الصينَ على الجبهتين العسكرية والاقتصادية. ومع أوروبا الواقعة تحت سيطرتها الكاملة بفضل الغزو الروسي لأوكرانيا تمكنت الولايات المتحدة من توسيع الناتو إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهكذا تم إشراك أوروبا في حملتها الهادفة إلى منع الصين من أن تطوّر نفسها - وهو برنامج لا تَعتبِره الولاياتُ المتحدة شرعياً وحسب، بل جديراً بالثناء أيضاً. لقد أعربت إحدى حمائم الإدارة الأمريكية، وزيرة التجارة، جينا ريموندو عن هذا الإجماع بوضوح: "إذا كنا نريد حقاً إبطاء وتيرة الابتكار في الصين فلا غنى لنا عن العمل مع أوروبا".

من المهم لهم بشكل خاص منع الصين من تطوير الطاقات المستدامة، وهو المجال الذي تحتل فيه الصين الصدارة إلى حد كبير، ومن المتوقع أن تحقق الاكتفاء الذاتي من الطاقة بحلول عام 2060 وفقاً لتحيليلات جولدمان ساكس. بل وتهدّد الصينُ بتحقيق اختراقات جديدة في مجال صناعة آلات يمكن أن تساعد في إنقاذ العالم من كارثة المناخ

من الواضح أنّ الأمر يتعلق بتهديد يجب احتواؤه، تماماً مثل احتواء إصرار الصين على سياسة الصين الواحدة بالنسبة لتايوان، وهو ما تبنته الولايات المتحدة أيضاً على مدى 50 عاماً، وهو ما سمح بالحفاظ على السلام لمدة 50 عاماً، والذي أصبحت واشنطن بصدد إلغائه. هناك العديد من الأشياء الأخرى التي يمكن إضافتها والتي تعزز هذه الصورة، وهي قضايا تم تناولها في مقام آخر.

من الصعب وضع كلمات دقيقة لوصف هذه الثقافة الغريبة التي تزداد غرابة أكثر فأكثر، ولكن من البديهي تقريباً القول إنه ما لم تجد الولايات المتحدة والصين طرقاً للتكيف مع بعضهما البعض، كما فعلت في غالب الأحيان قوى عظمى ذات مصالح متضاربة في الماضي، فسوف نخسِر كلَّ شيء في النهاية.

المقارنات التاريخية لها حدودها بالطبع، ولكن هناك نوعان من التماثلات ذات الصلة تم ذكرهما عدة مرّات في هذا السياق: اتحاد أوروبا الذي أنشئ في عام 1815 ومعاهدة فرساي لعام 1919. الأوّل (الاتحاد) مثالٌ ممتاز على "الدبلوماسية القديمة". لقد تم دمج المعتدي المهزوم (فرنسا) في النظام الدولي الجديد كشريك على قدم المساواة. وأدى هذا إلى قرنٍ من السلام النسبي. ومعاهدة فرساي مثالٌ نموذجي للمفهوم "الثوري" للنظام العالمي الذي أسّسه الاعتدادُ بالنفس الذي ساد في التسعينيات وعواقبه. ألمانيا المهزومة لم يتم دمجها في النظام الدولي لِما بعد الحرب، ولكن تمت معاقبتها وإهانتها بشدة. ونحن نعلم إلى أين أدى ذلك.

في الوقت الحالي هناك مفهومان متعارضان للنظام العالمي: نظام الأمم المتحدة والنظام "القائم على القواعد"، المرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالقطبية المتعددة والقطبية الأحادية، وهذه الأخيرة تعني هيمنة الولايات المتحدة.

ترفض الولايات المتحدة وحلفاؤها (أو "التابعون" أو "الدول شبه الإمبريالية" كما يطلق عليها أحياناً) نظامَ الأممَ المتحدة وتطالب بالالتزام بالنظام القائم على القواعد. وبشكل عام تدعم بقية دول العالم منظومة الأمم المتحدة وتعدّد الأقطاب.

يستند نظام الأمم المتحدة على ميثاق الأمم المتحدة، أساس القانون الدولي الحديث وهو "قانون البلاد الأعلى" في الولايات المتحدة بموجب الدستور الأمريكي، والذي يتعيّن على المسؤولين المنتخبين الالتزام به. لكن فيه عيب خطير: فهو يستبعد السياسة الخارجية للولايات المتحدة. يَحظر مبدؤُه الأساسي "التهديد بالقوّة أو استخدامها" في الشؤون الدولية إلا في ظروف ضيقة لا علاقة لها بنشاطات الولايات المتحدة. غير أنه من الصعب أن نجد رئيساً أمريكياً لم ينتهك الدستور الأمريكي في فترة ما بعد الحرب، وهو موضوع لا يحظى باهتمام كبير، كما تُبيّنه الأرشيفات.

ما هو النظام المفضَّل القائم على القواعد؟ تعتمد الإجابة على مَن يضع القواعد ويحدد متى يجب اتباعها. الإجابة ليست غامضة: إنها القوّة المهيمنة التي استولت على عباءة الهيمنة على العالم من بريطانيا العظمى بعد الحرب العالمية الثانية، ووسّعت مجال عملها بشكل كبير.

منظمة التجارة العالمية (WTO) واحدة من الأركان الأساسية لهذا النظام القائم على القواعد والذي تهيمن عليه الولايات المتحدة. لذلك قد نتساءل كيف تفي به الولايات المتحدة.

بصفتها القوّة المهيمنة على العالم فإنّ الولايات المتحدة هي الوحيدة القادرة على فرض عقوبات. فهي عقوبات مفروضة من قبل أطراف ثالثة، والتي يتعيّن على الآخرين الامتثال لها، وإلا... وهُم يَمتثِلون حتى عندما يعارضون هذه العقوبات بشدة. إنّ العقوبات الأمريكية التي تستهدف خنق كوبا خير مثال على ذلك. العالم كله يعارض هذه العقوبات، كما تُظهره الأصوات المنتظمة في الأمم المتحدة. لكنها تُحترَم.

عندما فرض كلينتون عقوبات أكثر وحشية من ذي قبل طلب الاتحادُ الأوروبي من منظمة التجارة العالمية تحديد مدى شرعيتها. لكنّ الولايات المتحدة انسحبت بغضب من الإجراءات، مما جعل هذه الإجراءات لاغية وباطلة. كان هناك سبب أوضحه وزير التجارة في حكومة كلينتون، ستيوارت إيزنستات: "لقد أكد إيزنستات لتبرير انسحاب الولايات المتحدة بأنّ أوروبا ظلت على مدى ثلاثة عقود تعترض على سياسة الولايات المتحدة تجاه كوبا التي يعود تاريخها إلى إدارة كينيدي". وكانت تلك السياسة تهدف بالكامل إلى فرض تغيير الحكومة في هافانا".

باختصار لا تتمتع أوروبا ومنظمة التجارة العالمية بأي اختصاص فعال للتأثير على حملة الترهيب طويلة الأمد والخنق الاقتصادي من قبل الولايات المتحدة للإطاحة بحكومة كوبا بالقوّة. العقوبات قائمة ويجب على أوروبا احترامها – وهو ما تلنزم به أوروبا. وهذا نموذج واضح لطبيعة النظام القائم على القواعد.

وهناك قرارات أخرى عديدة بلا طائل. فهكذا قضت المحكمة الدولية بأنّ تجميد الولايات المتحدة للأصول الإيرانية غير قانوني. لكن هذا القرار قلما كان له صدى يُذكر.

فالأمر ممكن فهمه. ففي إطار النظام القائم على القواعد فلم تعد السلطة العالمية تملك الحقّ في الانضمام إلى أحكام مَحكمة العدل الدولية ولا لقرارات منظمة التجارة العالمية. فهذا الحال قائم منذ سنوات. ففي عام 1986 انسحبت الولايات المتحدة من اختصاص محكمة العدل الدولية عندما أدانت هذه المحكمة الولايات المتحدة لحربها الإرهابية ضد نيكاراغوا وأمَرَتها بدفع تعويضات. لقد ردّت الولايات المتحدة بعد إدانة المحكمة بتصعيد الحرب.

للاستشهاد بمثال آخر للنظام القائم على القواعد انسحبت الولايات المتحدة وحدها من إجراءات المحكمة التي شُكلت لفحص التهم التي وجهتها يوغوسلافيا ضد الناتو. لقد وضّحت بحق أنّ يوغوسلافيا تحدثت عن الإبادة الجماعية، وأنّ الولايات المتحدة أقصت نفسها من المعاهدة الدولية التي تحظر الإبادة الجماعية.

ومن السهل أيضاً أن نفهم سبب رفض الولايات المتحدة لمنظومة الأمم المتحدة، والتي ترفض سياستَها الخارجية، وتفضّل نظاماً تضع فيه القواعد التي تناسبها وتملك فيها الحرية في إلغائها متى شاءت. ليست هناك حاجة لمناقشة سبب تفضيل الولايات المتحدة لنظام أحادي القطب على نظام متعدد الأقطاب.

تُطرَح كل هذه الاعتبارات بشكل حاسم في سياق النزاعات العالمية وما يصحبها من تهديدات على بقاء البشرية.



*غلوبال بوليسي: مرّت جميع المجتمعات على مدار الخمسين عاماً الماضية بتحوّلات اقتصادية مذهلة، وعلى رأسها الصين التي انتقلت من مجتمع زراعي إلى قوّة صناعية في غضون عقود قليلة، مما أدى إلى انتشال مئات الملايين من الناس من براثن الفقر. لكن هذا لا يعني بالضرورة أنّ الحياة تتحسّن مقارنة بالماضي. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تراجعت جودة الحياة على مدى العقد الماضي، كما انخفض الشعور بالرضا عن الحياة في الاتحاد الأوروبي. هل نشهد انحدار الغرب وصعود الشرق؟ على أي حال، ففيما يبدو أنّ الكثير من الناس يعتقدون أنّ صعود اليمين المتطرف في أوروبا والولايات المتحدة مرتبط بتصوّرات انحدار الغرب، فإنّ صعود اليمين المتطرف أصبح ظاهرة عالمية تمتد من الهند والبرازيل إلى إسرائيل، وإلى باكستان والفلبين. في الواقع وجد اليمين المتطرف مرتعاً مريحاً على الإنترنت الصيني. إذاً، ماذا يحصل؟ لماذا تعود القومية والعنصرية والتطرف إلى الساحة الدولية تلى هذا النحو؟



*نعوم تشومسكي: هناك تفاعل بين العديد من العوامل، بعضها خاص بمجتمعات معيّنة. على سبيل المثال، تفكيك الديمقراطية العلمانية في الهند، حيث يتابع رئيس الوزراء مودي خطته لتأسيس إثنيّة هندوسية عنصرية ومتشدّدة. هذا الوضع خاص بالهند، لكنه لا يخلو من تشابه جزئي مع بلدان أخرى.

لبعض العوامل بُعدٌ واسع النطاق وعواقب مشتركة. من هذه العواقب الزيادة الهائلة في عدم المساواة في جزء كبير من العالم، نتيجة للسياسات النيوليبرالية المنبثقة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، والتي تنتشر فيما وراء هذين البلدَين بطرق مختلفة.

الحقائق واضحة تماماً وبشكل خاص مدروسة جيداً بالنسبة للولايات المتحدة. دراسة مؤسسة راند Rand Corporation التي تحدثنا عنها من قبل تُقدّر بما يقرب من 50 تريليون دولار الثروةَ التي انتقلت من الطبقة العاملة والطبقة الوسطى – 90٪ من الدخل (الإيراد) الأدنى- لفائدة 1٪ من الطبقة الأكثر ثراء على مدى السنوات النيوليبرالية. في هذا الشأن تُوفّر لنا أعمالُ توماس بيكيتي وإيمانويل سايز التي لخّصها بشكل واضح عالمُ الاقتصاد السياسي روبرت برينر، مزيداً من المعلومات.

الاستنتاج الأساسي هو أنه خلال "طفرة ما بعد الحرب شهدنا بالفعل انخفاضاً في عدم المساواة وزيادة محدودة للغاية في الدخل لفائدة الشرائح العليا". فعلى مدى الفترة الممتدة من الأربعينيات إلى نهاية السبعينيات حصل 1٪ من الناس الأكثر دخلاً على 9 إلى 10٪ من إجمالي الدخل، لا أكثر. ولكن في الفترة القصيرة الممتدة منذ عام 1980 ارتفعت حصتهم، أي حصة الـ 1٪ الأكثر ثراء إلى 25٪، بينما بالكاد زاد نصيب الـ 80٪ الأدنى .

العواقب كثيرة، ومن بينها تقليص الاستثمار الإنتاجي والانتقال إلى اقتصاد ريعي، أي على نحو ما عودة الاستثمار الرأسمالي للإنتاج إلى إنتاجٍ على النمط الإقطاعي للثروة، وليس رأس المال، "رأس المال الوهمي"، كما أسماه ماركس .

وهناك نتيجة أخرى وهي انهيار النظام الاجتماعي. في كتابهما الثاقب The Spirit Level (مستوى الفقاعة) أظهر ريتشارد ويلكنسون وكيت بيكيت ترابطاً وثيقاً بين عدم المساواة ومجموعة من الاضطرابات الاجتماعية. في بلد خارج المعايير وعن مألوف نجد: تفاوتات عالية جداً، مع وجود اضطراب اجتماعي أكبر مما توقعه الترابط المذكور. إنه البلد الذي يمهّد الطريق للهجوم النيوليبرالي - الذي تم تعريفه رسمياً على أنه التزامٌ لصالح حكومة صغيرة والسوق، ومختلف جذرياً في الممارسة العملية، ويوصَف بدقة أكبر بأنه حرب طبقية تَستخدِم جميع الآليات المتاحة.

تم مؤخراً تناولُ عملِ ويلكنسون – بيكيت، الكاشف، في دراسة قيّمة قدّمها مؤخراً ستيفن بيزروتشكا. يبدو أنه من الثابت أنّ عدم المساواة عاملٌ أساسي في انهيار النظام الاجتماعي.

شوهدت آثار مماثلة في المملكة المتحدة في ظل سياسات التقشف القاسية، والتي توسّعت إلى بلدان أخرى بطرق عديدة. وبشكل عام تَأكد أنّ الأكثر تضرّراً هُم الأكثر ضعفاً. لقد عانت أمريكا اللاتينية من عقدين ضائعين بسبب سياسات التعديل الهيكلي المدمِّرة. في يوغوسلافيا ورواندا أدّت هذه السياسات إلى تفاقم التوترات الاجتماعية بشكل كبير في الثمانينيات، مما ساهم في الأهوال التي أعقبت ذلك.

يزعم البعض أحياناً أنّ السياسات النيوليبرالية حققت نجاحاً كبيراً، مع إشارتهم إلى أسرع انخفاض في الفقر العالمي في التاريخ، لكنهم نسوا أن يضيفوا أنّ هذه النتائج الرائعة تحقّقت في الصين وفي دول أخرى رفضت بشدّة المبادئ النيوليبرالية الموصَى بها.

علاوة على ذلك لم يكن "إجماع واشنطن" هو الذي دفع المستثمرين الأمريكيين إلى نقل الإنتاج إلى بلدان حيث العمالة أرخص بكثير وحقوق العمال أو القيود البيئية محدودة، وبالتالي أدى ذلك إلى تقليص النشاط الصناعي في أمريكا، مع العواقب المعروفة بالنسبة للعمال.

لا ينبغي الاعتقاد أنّ هذه كانت هي الخيارات الوحيدة المتاحة. لقد قدّمت دراسات أجرتها الحركة العمالية ومكتب الأبحاث التابع للكونجرس ( OTA التي تم حلها الآن) بدائل عملية كان من الممكن أن تفيد العمال في جميع أنحاء العالم. لكن تم رفض هذه البدائل.

كل هذا يمثل جزءاً من خلفية الظواهر المخيقة التي تصفها. الهجوم النيوليبرالي عاملٌ رئيسي في انهيار النظام الاجتماعي الذي يترك أعداداً كبيرة من الناس في حالة غضب وخيبة وخوف وقلق مع احتقار إزاء المؤسسات التي يرون أنها لا تعمل في مصلحتهم.

كان أحد العناصر الحاسمة في الهجوم النيوليبرالي هو حرمان الأهداف المرجوة من دفاعاتها. لقد افتتح ريغان وتاتشر الحقبة النيوليبرالية بمهاجمة النقابات، خط الدفاع الرئيسي بالنسبة للعمال ضد الحرب الطبقية. كما فتحا أيضاً البابَ أمام هجمات الشركات ضد العمال، وهي شركات غير قانونية في غالب الأحيان، لكن كل هذا يظل أمراً عادياً عندما تظل الدولة التي تسيطر عليها هذه الشركات إلى حد كبير تغض الطرفَ عن ممارساتها ولا تحاسبها.

الدفاع الأول ضد الحرب الطبقية يمثله جمهورٌ مثقف ومستنير. لقد تعرَّض التعليم العام لهجوم شديد خلال السنوات النيوليبرالية: إقصاء هائل، ونماذج مؤسسات تفضل العمالة الرخيصة التي يمكن التخلص منها بسهولة (مساعدون، طلاب دراسات العليا) بدلاً من أستاذة، ونماذج تدريس عن طريق الاختبارات التي تقوّض التفكير النقدي والبحث، وأشياء أخرى كثيرة. من الأفضل بالنسبة لهذه المؤسسات أن يكون السكان سلبيين ومنصاعين ومقزَّمين، حتى لو كانوا غاضبين وممتعضين، وبالتالي فريسة سهلة للدماغوجيين البارعين في استغلال التيارات البشعة التي تسري تحت السطح في داخل أي مجتمع. (يتبع)



مدني قصري، كاتب ومترجم جزائري

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

https://www.les-crises.fr/entretien-avec-noam-chomsky-sur-l-etat-du-monde

النص الأصلي منشور في "غلوبال بوليسي"



#نعوم_تشومسكي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- «مناهضة الحروب» بين العراق وأوكرانيا
- عن آفاق السلام العالمي
- دون دعم أمريكي، لما كانت اسرائيل قادرة على القتل الجماعي للف ...
- الحكومات النيوليبرالية ومواجهة “كورونا”
- سنتغلب على أزمة فيروس الكورونا، لكن أمامنا أزمات أكثر خطورة
- عواقب الحرب بين إيران وأمريكا لا يمكن التنبؤ بها وقد تؤدي إل ...
- «مسؤوليّة الحماية» و«الحقّ في التدخّل الإنسانيّ»
- فَبْرَكَة المُستهلِكين
- دونالد ترامب يُسرع بالولايات المتحدة نحو الهاوية
- من يحكم العالم..
- هل إيران هي الشيطان الأعظم حقا أم أمريكا؟
- كلنا.. «شارلي»؟
- أميركا.. الدولة الإرهابية الرائدة
- خطوة أوباما «التاريخية» 2
- حركة صادقة من أجل تغيير اجتماعي
- «الحقائق» على أرض الواقع
- «داعش» والمرحلة.. وبومة منيرفا
- كابوس في قطاع غزة
- الاستراتيجيات العشرة للتحكم بالشعوب..
- عن كابوس غزة


المزيد.....




- مشادات بين متظاهرين في جامعة كاليفورنيا خلال الاحتجاجات المن ...
- إصدار جديد لجريدة المناضل-ة: تحرر النساء والثورة الاشتراكية ...
- ??کخراوکردن و ي?کگرتووکردني خ?باتي چيناي?تي کر?کاران ئ?رکي ه ...
- عاش الأول من أيار يوم التضامن الطبقي للعمال
- اندلاع اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل أبيب ...
- الولايات المتحدة: اعتقال مئة من المتظاهرين المؤيدين للفلسطين ...
- اعتقال الشرطة الأمريكية متظاهرين في جامعة كولومبيا يؤجج الاح ...
- الحزب الشيوعي العراقي: معا لتمكين الطبقة العاملة من أداء دو ...
- -إكس- تعلّق حساب حفيد مانديلا بعد تصريحات مؤيدة لأسطول الحري ...
- انتشار التعبئة الطلابية ضد الإبادة الجماعية الإسرائيلية


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - نعوم تشومسكي - نحن في أخطر نقطة في تاريخ البشرية