أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - التهمة: يبتسمون في وجوه مَن لا يعرفون!














المزيد.....

التهمة: يبتسمون في وجوه مَن لا يعرفون!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7688 - 2023 / 7 / 30 - 10:07
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بالأمس كنتُ جالسة على الرصيف أمام بيتي تحت وهج الشمس الحارقة أملأ بالمنفاخ إطارات دراجة ابني المتوحّد "عمر"، وأحاول إصلاح المقعد المكسور. كنتُ أتصبَّبُ عرقًا وعظام كفي اليسرى المُجبّرة بالضمادات تؤلمني أشدَّ الألم بسبب شرخ في الأصابع بعد حادث. وأنا في تلك الحال الصعبة، وصغيري يستحثُّني على إصلاح دراجته، التي هي متعتُه الوحيدة في الحياة تقريبًا بالإضافة إلى السباحة والرسم، إذا بفرد الأمن الخاص بالمجموعة السكنية يتقدّم نحوي قائلا: (صباح الخير يا أستاذة. “عمر" ابن حضرتك طيب بس بيعمل مشاكل كل يوم مع السكان لما بينزل يركب العجلة!) انزعجتُ ونظرتُ للأعلى نحوه متسائلة وقلبي يخفق هلعًا. فاستأنف قائلا: (بيبتسم للناس! وامبارح كان فيه راجل هايضربه عشان "عمر" ابتسم لمراته! افتكره بيعاكسها! بس أنا جريت عليه وأنقذته وفهمته إن "عمر" تَعبان!” ولم أدرِ بنفسي إلا والدموعُ تنهمرُ من عيني كالمطر، وقلت لفرد الأمن: (يعني ابني متهم بالابتسام في وجه الناس!) قال الشابُّ الريفيُّ ببراءة: (ايوه. عشان بيضحك لناس ميعرفهمش يا أستاذة! ولولا وجودي كان الرجل قطعه ضرب!)
دعوني أخبركم ببضعة حقائقَ قبل تقديم عريضة دفاعي عن ابني "المتهم بالجرم المشهود: الابتسامُ في وجه الناس". أنا لا أفارقُ ابني مطلقًا. أرافقُه في كل مكان، النادي، تمارينه الرياضية، وجميع أنشطة يومه. وهو يرافقني في ندواتي ومحاضراتي وأسفاري. ووقت ركوبه دراجته أقود دراجتي ونتنزه معًا في الحدائق. وبسبب الشرخ في كفي الأيسر، وأنا "عسراء" بالمناسبة، لم أستطع مرافقته في الفترة الأخيرة؛ ولأننا نسكنُ في "الرحاب" في منطقة هادئة، أكونُ مطمئنة عليه بنسبة ١٠٠٪. ولم يدُر بخلدي أنه يرتكبُ في غيابي جريمة: “الابتسام في جوه الناس!!” كيف يجرؤ أن ينفّذ وصية الرسول (ص) حين قال: “تبسُّمُك في وجه أخيك صدقة"؟! كيف لا يتجهَّمُ ويُكشِّرُ ويعبسُ في وجوه الناس؛ حتى يطمئنَ إليه الناسُ؟!
قبل أن أقدم عريضة دفاعي عن ابني المتهم، دعوني أخبركم بأنني قبل عشرين عامًا كتبتُ مقالا عنوانه: "رُدّ لي ابتسامتي"، تساءلتُ فيه عن سرّ توجّسنا من "الآخر". في الغرب، مستحيلٌ أن تلتقي عيناك بعيني شخص آخر في الطريق دون أن يبتسمَ لك، ويومئ لك برأسه كتحية. الفلسفة: شخصان غريبان لا يعرفُ أحدُهما الآخر، يسيران فوق كوكب الأرض، تصادفَ أن التقت عيونهم للمرة الأولى، وربما الأخيرة، في لحظة زمنية بعينها؛ فلِمَ لا يبتسمان لبعضهما البعض؟! أحبُّ هذه اللفتة الإنسانية وأطبقَّها طوال حياتي. وأنا لست مريضة “توحد” بل أحب جميع البشر. ولستُ أدري إن كان ابني قد ورث مني هذا الطبع، أم طيف التوحد جعله نقيَّا راقيًا محبًّا لجميع البشر! وعجبًا: الابتسامُ في وجوه الناس جريمةٌ في قريتنا الظالمة! جّرب أن تبتسم للمارّة وسوف يرمقونك بتوجّس! ابتسم لرجلٍ، سيُسيء فهمك! أبتسم لامرأةٍ ستصرخ بأنك متحرش! دعك من الرجال والنساء؛ وامنح ابتساماتك للأطفال، فهم ملائكةِ الله على الأرض. ولا تندهش إن لم يرد لك الأطفالُ ابتسامتك! ذاك أن أهلهم قد علّموهم أن البشرَ ذئابٌ تخطفُ الصغار. أمرٌ محزن أننا قد شوّهنا "الكود الإنساني" الفطري لدينا على هذا النحو القاسي. ابني المتهم "عمر" هو ابن الفطرة السوية الطيبة كما خلقها الله، فدعونا نتعلم منه.
أيها العالَمُ الطيب الذي يُدينُ الابتسامَ ويُرحّبُ بالعبوس والشجار والتنمّر، لن أدافع عن ابني الجميل، بل أرفعُ في وجوهكم إصبعَ الاتهام. الدولةُ لا تقومُ بدورها الينبغي لتوعية الناس بأبناء "طيف التوحّد" Autism، أولئك الملائكة الذين يعيشون بيننا ونحن عاجزون عن استيعاب نقائهم وملائكيتهم وصفاء قلوبهم، تلك التي لا تعرفُ قوانيننا الهزلية مثل: “ابتسامك في وجه من لا تعرف، معناه بتعاكسه!” ياللمراهقة الفكرية! أشيرُ بإصبع الاتهام في وجه الإعلام الذي يهتم بالتفاهات بدلَ أن يقدّم التوعية بأبناء التوحد الذين يزداد عددُهم يومًا بعد يوم! أرفعُ إصبعَ الاتهام في وجه آباء وأمهات أطفال التوحد الذين يخجلون من أبنائهم فيحبسونهم في البيوت بدل أن يخرجوا بهم في كل مكان، كما أفعلُ أنا مع ابني "عمر" بكل فخر وفرح، فيُزيدون من جهل المجتمع بهذا "المرض"، إن صحّ أن نسميه مرضًا وهذا غير صحيح. إنما هو اضطرابٌ لم يستطع الطبُّ النفسي حتى اليوم معرفة سببه ولا علاجه. أرفعُ إصبعَ الاتهام في وجه كل من قرأ ولم يهتم بنداء الكيميائي-الحيوي المصري الكندي "رامز سعد" في إنشاء "مدينة الأحلام" لرعاية المتوحدين، وسوف أحدثكم في مقال قادم بالتفصيل عن هذا المشروع النبيل. أشيرُ بإصبع الاتهام في وجه المدارس "الاستثمارية" الخاصة بالمتوحدين والتي لم أستطع إلحاقَ ابني "عمر" بها لأن مصروفاتها تزيد عن ١٥٠ ألف جنيه سنويًّا!! وأرفعُ إصبعَ الاتهام في وجه الحكومة المصرية التي لم تنشئ حتى اليوم مدرسة لأبناء التوحد بالمجان. ابتسم يا "عمر" في وجه الحياة، ولا تعبأ بأبناء العبوس.
***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استمروا في العزف
- هنّ موجودات في حي الأسمرات
- الذين يرشقونَ نوافذَ القطارات!
- الشِّعرُ …. والقضايا الكبرى
- لكي تعرفَ الزهورَ … كُن زهرةً
- حمدي أبو جليل … أول كتاب قرأتُه
- أولُ ما قراتُ من كتب
- من ملف الإخوان النسائي
- هل نسينا؟ لم ننسَ، ولا ينبغي أن ننسى!
- هدايا عيد الأضحى لابني عُمر… شكرًا للطيبين
- جائزة أحمد عكاشة للطب النفسي
- كل سنة وأنت طيب يا بابا
- ماجدة صالح … الفراشةُ التي طارت!
- عيد ميلاد -المصري اليوم- … طيارة ورق
- المرأة … والدولفين!
- جولة في المتحف المصري الكبير
- ابتسامة جورج وسمير… وجميلتان!
- فكأنما أحيا الناسَ جميعًا
- أنا أنتظرُ … إذن أنا موجود!
- السلامُ … والنور


المزيد.....




- فوق السلطة – حاخام أميركي: لا يحتاج اليهود إلى وطن يهودي
- المسيح -يسوع- يسهر مع نجوى كرم وفرقة صوفية تستنجد بعلي جمعة ...
- عدنان البرش.. وفاة الطبيب الفلسطيني الأشهر في سجن إسرائيلي
- عصام العطار.. أحد أبرز قادة الحركة الإسلامية في سوريا
- “يابابا سناني واوا” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي ال ...
- قائد الثورة الاسلامية: العمل القرآني من أكثر الأعمال الإسلام ...
- “ماما جابت بيبي” التردد الجديد لقناة طيور الجنة 2024 على الن ...
- شاهد.. يهود الحريديم يحرقون علم -إسرائيل- أمام مقر التجنيد ف ...
- لماذا يعارض -الإخوان- جهود وقف الحرب السودانية؟
- وفاة طبيب بارز من غزة في سجن إسرائيلي


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - التهمة: يبتسمون في وجوه مَن لا يعرفون!