أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - استمروا في العزف














المزيد.....

استمروا في العزف


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7684 - 2023 / 7 / 26 - 10:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في رواية "دون كازمورو" للبرازيلي "ماشادو دي أسيس"، نقرأ ما يلي:  "سيدي، قالت دودةٌ طويلة سمينة، نحن لا نفهمُ شيئًا على الإطلاق من النصوص التي نقضمُ أوراقَها، كما أننا لا نختارُ النصوصَ التي نقضمُها، كما إننا لا نحبُّ أو نكره ما نقضمُ. نحن نقضمُ وحسب". ربما هذا هو أدقُّ وصف لكثيرٍ من الأمور التي تحدث كل لحظة من لحظات حياتنا دون أن نفهم كُنهها. فنحن نتنفسُ طوالَ الوقت، دون أن نفهم ماذا يحدث للهواء الذي يدخل أنوفنا ويخرج منها بعد لحظة على غير ما دخل! ماذا صنع داخل أجسادنا خلال تلك الثواني؟ كيف دخل رئتينا ثم تسلّل إلى شرايينا واخترق رحلة الدم الدؤوبة من المخ إلى القدمين صعودًا وهبوطًا دون توقف إلا مع لحظة النهاية؟! هل نعلم كيف يخفقُ القلبُ دون كلل حتى ونحن نيامٌ ولا يكفُّ عن الخفق إلا ليقول: سلامًا أيها العالم؟! تلك عبقرية الخالق في خلقه، ودليلٌ على أن المعرفة ليست شرطًا لحدوث عظائم الأمور. ومنها الحب، ذلك اللغز المدهش.
يقول "بول إيلوار" في إحدى قصائده واصفًا حبيبتَه: "إنها تقفُ على جفوني/ شَعرُها في شَعري/ لها لونُ عيني/ جسدُها يداي/ تغمرُها ظلالي/ مثل حجرٍ في مواجهة السماء/ لا تُغمضُ عينيها/ ولا تتركني أنامُ/ أحلامُها في وهج النهار/ تجعلُ الشموسَ تتبخرُ/ وتجعلني أنا/ أضحكُ/ أبكي وأضحكُ/ تجعلني أتكلّمُ/ حين لا يكون هناك ما يُقال." ويشدو "صباح فخري” من الفولكلور وموسيقاه: "عيشةٌ لا حبَّ فيها، جدولٌ لا ماءَ فيه!". أما طاغور فقال: "الفنُّ مثلَ الحبِّ، كلاهما لا يُفسّر."
هذا اللغزُ الأعظم: "الحبّ"، ما خطبُه؟ ما حكايته؟ كيف يحدث؟ ومتى؟ ولمَ؟ وعلامَ يتمُّ الاختيار، إن كان ثمة اختيار؟ هل الحبُّ بالفعل أعمى كما قال "شكسبير" في مسرحية "تاجر البندقية" على لسان "جيسيكا" التي ارتدت ملابس ولد لكي تلتقي حبيبها "لورنزو”: "أنا هنا/ اِمسكْ هذه القبعة./ كم أنا سعيدةٌ إنه الليل/ وإنكَ لا تراني/ فأنا أشعرُ بالخجل من التحوّل الذي اعتراني/ لكنَّ الحبَّ أعمى/ والعشاقَ عميان/ ليس بوسعهم أن يشاهدوا تلك الحماقاتِ التي يرتكبونها هم أنفسُهم!/ لأن المحبين لو كانوا يرون/ لخجل كيوبيد نفسُه/ حين يراني وقد تحوّلت إلى ولد!" وفي مسرحية "حلم منتصف ليلة صيف" يقول على لسان أحد أبطاله: "الحبُّ الحقيقيّ، لا يمكن أن تجري أمورُه في سلاسة."
هل حقا ما يقوله شكسبير؟ هل الحبُّ اليسيرُ السهلُ الذي "لا غبار عليه" هو حبٌّ زائفٌ عابرٌ غيرُ حقيقي؟ ألابد أن يكون الحبُّ عسيرًا موجعًا لكي يبرهنَ على حقيقيته؟ ربما معه حق. الحبُّ الناعمُ اليسرُ الرَخْص هو شيء يشبه الموات. مثله مثل القصيدة السهلة التي تُكتب في لحظة، وتُقرأ في لحظة، وتُنسى وتموت في لحظة. الحبُّ يجب أن يكون: "غُبارٌ عليه" وليس كما يُقال: “لا غبار عليه”. الحبُّ الحقيقيُّ شائكٌ. مشتعلٌ. مُضنٍ. عسرٌ. قاسٍ. شرسٌ. مُعذِّبٌ ومُعذَّب. وإلا ماذا سيكتبُ الشعراءُ وعمَّ يكتبون؟ وعلام يتعذب الصَّبُّ حين تفضحه عيونُه؟ وفيم ينتحرُ المنتحرون؟ عسرًا يكون الحبُّ؛ وإلا ما وصلنا خبرٌ عن: روميو جولييت، وجميلُ بثينة، وقيسُ ليلى؛ وما كنا قرأنا عذابه إذ يقول: "أُحِبُّـكِ يَا لَيلَـى مَحَبَّـةَ عَاشِـقٍ/ عَلَيهِ جِميـعُ المُصْعَبَـاتِ تَهـونُ/ أُحِبُّـكِ حُـبًّا لَوْ تُحِبِّيـنَ مِثلَـهُ/ أَصَابَكِ مِنْ وَجْـدٍ عَلَـيَّ جُنُـونُ/ أَلاَ فَارْحَمِي صَـبًّا كَئِيبـًا مُعَذَّبـًا/ حَرِيقُ الحَشَا مُضْنَى الفؤادِ حَزِيـنُ". ولا ما حكاه "جميلُ بثينة" الماكر عن جهاده الخاص: "يقولون: جاهدْ يا جميلُ بغزوةٍ/ وأيُّ جهادٍ غيرهن أريدُ!/ لكلِّ حديثٍ عندهن بشاشةٌ/ وكلُّ قتيلٍ عندهنَّ شهيد". ثم هذا ما شدتْ به "صوتُ مصرَ" الساحر “أم كلثوم” من كلمات الأمير "عبد الله الفيصل": "يا فاتنًا لولاه ما هزَّني وجدٌ/ ولا طعمُ الهوى طابَ لي/ هذا فؤادي فامتلكْ أمرَهُ/ فاظلمْه إنْ أحببتَ، أو فاعدلِ".
لكن كل ما سبق لم يجب بعد عن السؤال: ما هو الحبُّ؟ في "أنت عمري"، أحد الأفلام المصرية المعاصرة، يقول البطلُ للبطلة بعدما أخبرته أنها تحبُّ البحرَ جدًّا: "تعرفي البحر؟" قالت: “ايوا وبحبه أوي!” قال لها: "كلام فارغ، جلوسك قدام البحر لساعات وتأملك جمال موجه لا يعني معرفتك به، لازم تغوصي فيه وتشوفي كل عوالمه اللانهائية قبل ما تقولي إنك تعرفيه. كمان الحب، كل الناس والأغاني تتكلم عن الحب كل يوم، لكن كم واحد بالفعل غاص فيه وعرفه؟" فتطرق البطلةُ، ولا ترد.
وحتى أُنهي كلماتي بشيء عذب، أعودُ إلى "شكسبير" في مسرحية "الليلة الثانية عشر" حيث يقول دوق "أورزينو”: "إذا كانت الموسيقى غذاءَ الحبِّ، فاستمروا في العزف. أتخموني بها حتى تبلغَ أقصاها فتتضاءل الشهوةُ وتفنى.”

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هنّ موجودات في حي الأسمرات
- الذين يرشقونَ نوافذَ القطارات!
- الشِّعرُ …. والقضايا الكبرى
- لكي تعرفَ الزهورَ … كُن زهرةً
- حمدي أبو جليل … أول كتاب قرأتُه
- أولُ ما قراتُ من كتب
- من ملف الإخوان النسائي
- هل نسينا؟ لم ننسَ، ولا ينبغي أن ننسى!
- هدايا عيد الأضحى لابني عُمر… شكرًا للطيبين
- جائزة أحمد عكاشة للطب النفسي
- كل سنة وأنت طيب يا بابا
- ماجدة صالح … الفراشةُ التي طارت!
- عيد ميلاد -المصري اليوم- … طيارة ورق
- المرأة … والدولفين!
- جولة في المتحف المصري الكبير
- ابتسامة جورج وسمير… وجميلتان!
- فكأنما أحيا الناسَ جميعًا
- أنا أنتظرُ … إذن أنا موجود!
- السلامُ … والنور
- أنت مصري؟ سلِّم على -عادل إمام-


المزيد.....




- قائد الثورة الاسلامية يستقبل المنتخب الوطني لكرة قدم الصالات ...
- “نزلها لطفلك” تردد قناة طيور بيبي الجديد Toyor Baby بأعلى جو ...
- تقرير فلسطيني: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى
- مصر.. هيئة البث الإسرائيلية تكشف اسم رجل الأعمال اليهودي الم ...
- كهنة مؤيدون لحق اللجوء يصفون حزب الاتحاد المسيحي بأنه -غير م ...
- حجة الاسلام شهرياري: -طوفان الاقصى- فرصة لترسيخ الوحدة داخل ...
- القناة 12 الإسرائيلية: مقتل رجل أعمال يهودي في مصر على خلفية ...
- وزيرة الداخلية الألمانية تعتزم التصدي للتصريحات الإسلاموية
- مراجعات الخطاب الإسلامي حول اليهود والصهاينة
- مدرس جامعي أميركي يعتدي على فتاة مسلمة ويثير غضب المغردين


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - استمروا في العزف