أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليمان - الحب والحرية ، وجه الوحي -1















المزيد.....

الحب والحرية ، وجه الوحي -1


حسين سليمان
كاتب وناقد سوري مقيم في الولايات المتحدة الامريكية


الحوار المتمدن-العدد: 7680 - 2023 / 7 / 22 - 00:47
المحور: الادب والفن
    


كان العرب قد فصّلوا في أبواب الحب، تفصيلا وافيا إلى حد أنهم جزأوا فعله، الذي لا يتجزأ، إلى سبعة اجزاء (من الهوى في درجات الحب الدنيا الى درجاته العليا ألا وهو الجنون بالمحبوب) وهذا التفصيل هو الذي أوحى إلى ترتيب مقامات الحب وتوزيعها على ماهي عليه الآن، وهو كما أراها توزيع فيه من الخطل ما أساء الى مكانة الحب عبر الأزمنة التالية.

أن الكتابة عن الحب هي الكتابة عن الحياة التي مازلنا نبحر في مجاهلها غير المنتهية. منذ زمن بعيد إبان تشكل الوعي وقف الإنسان مذهولا أمام ظواهر الحياة غير المألوفة، ظواهر داخلية في النفس، وظواهر فيزيائية في الخارج ولشد تعقيد وتضارب تلك الظواهر رفع حقيقتها الى السماء، إلى الطرف الذي لا يمكن الوصول إليه، فالحياة الحقة ليست على هذه الأرض، لن نلتقي بها ونختبرها أثناء حياتنا، بل هي في السماء، في الطرف الآخر، في الأبدية التي يفصلنا عنها عامل الزمن، في المكان الذي فيما بعد أشارت إليه الأديان والعرفان الميتافيزيقي.

هذه النقلة، من الأرض الى السماء، ومن الواقع الى الخيال، ساهمت في تكوين التاريخ، تاريخ الإنسان، وكان لها الدور الأول في نشوء الأساطير التي قامت على مبدأي الحب والموت، فالحب هو مقام الخلود والموت هو مقام الظلمات، حتى جاءت الأديان بفضل قدرة التخييل وسمو التنوير الروحي الذي حمله الأنبياء، تقود ذلك الزائل من الظلمات الى النور، تسّلم له بالحياة الفانية على الأرض، بالواقع الفيزيائي، لكنها في الوقت ذاته تعده بالخلود في العالم الآخر وهو ماكانت الأساطير الأولى قبل وصولها الى مرتبة الأديان تفعله على الأرض.

هناك جانب نصف إلهي في الإنسان يحسه الجميع في لحظات صعود الوعي واستقراره، وهو في أساسه طموح خفي للعودة الى المركز. لم يأت من فراغ ولن يكون بسبب الجنوح النفسي أو الجنون، حتى شديدو التدين الموغلون في الورع الديني يرجون ذلك من خلال مواضبتهم على الشعائر التي ستوصلهم يوما ما الى مقام الخلود، الى مقام الله، وما مبدأ الحلول عند المتصوفة المسلمين إلا شاهد على ذلك. إذ يدرك الإنسان مقام اللحظة، يعيشها ويحسها، يكبت بذلك الزمن المادي ويفتح على نفسه أبواب الخلود فيمسي في برهة ما كائنا لا زمنيا، يصبح خالدا لا يربطه مع الواقع سوى الرموز والظواهر غير المؤكدة التي تبني في داخله الوعي لذاته، الوعي الفني على الأغلب، الوعي الديني الرومانسي حيث لحظات خالدة متألقة.

منذ القدم شرعت الآداب والفنون في تقصي الحب من حيث جانبه نصف الإلهي – في الشعر أولا ثم تاليا في الرواية ولم تفهماه حسن الفهم بل طغتا فيه، وجابتاه جوبان الغازي. ميدانهما الأول هو الأنا، والتملك والنرجسية - هذه الممالك الزائلة - حتى إن التقى في النهاية الحبيب بالحبيبة تنتهي عند ذلك ابيات القصيدة وتنتهي الرواية بنهايتها الجميلة، وعاشا الاثنان حياة سعيدة، من دون أن يمتد أي منهما الى ما بعد اللقاء والمشاركة، إلى الحب بمعناه الحقيقي، إلى الممارسة ومواجهة عبء الحياة معا، ومن كانت له القوة في سبر ما يتلو اللقاء سيجد أن صورة الحب ربما تتشوه وتتحول الى اعتياد ومألوف، أو هي قد انقلبت الى النحو المعاكس، إلى الكره.

وجل ما يروى عن الحب هو في المرحلة التي تسبق اللقاء، في المرحلة التي تمتنع فيها المحبوبة أو الحبيب فينشط الخيال على توليد الصور وتغليب المواجع والإوار - كان ذلك ربما تأكيد للرمز الشامل الذي له صلة كبرى برمز شجرة آدم وحواء في الديانة الابراهيمية وما سبقتها من اساطير قديمة.

الحب الحقيقي يتجلى بعد انتهاء فترة المنع، بعد أن يأكل آدم وحواء معا من شجرة الحياة، حين يصبح الحبيبان معا وتهبط صورة الحب (الهبوط الديني) من الخيال الى الواقع، يتجسد هنا الحب بمعناه الحقيقي، فيخلو عندها من التوهم النرجسي.
لكنا قلنا أن الحب إذن هو الوهم الدافع، حتى يلتقي الحبيبان، وإذا التقيا اختفى، وعمليا هو غير موجود إلا في الخيال... لكن ذاك الحب ليس هو الحب الحقيقي... ماعلى الحبيبان إلا رفعه مرة أخرى من عالم الواقع الى عالم نشط الخيال.
بالرغم من ان الأمر له السلبيات العديدة له في المقابل إيجابية تدفع النفس إلى التطور وتدفع الروح الى السمو، وهي المساهمة في وسعة الوعي، ودفع الواقع كي يمد أوصاله مرة أخرى الى مضارب الخيال، ذلك حين يتفهم الحبيبان أن الحب مازال موجودا ومقدرا ذلك التقدير رغم هبوطه من عالم الخيال الى عالم الواقع.

الحب بهذه النظرة له صلة عميقة مع الإيمان ومن لا يملك الإيمان لن يمتلك الحب، لن يعيد الرباط مع السماء، مع الخيال.

ضربا في الزمن الغابر حين كان الإنسان في بدئيته ونضارته، في كهوفه او كان في خيامه، كان مصدر الحب الأول، الوحيد، هو إمعان النظر في وسعة السماء، في الوحدانية، في جمالها الخفاق، بين الغروب والشروق ينساب وهم الغيم، ومن خلالها تمر مراكب فارغة اتعبها الصبر، ويبحث فيها عن وجه حبيبة، ولا يجدها حتى يصل ويتوارى كل شيء وراء الأفق، في الجانب الآخر.

ويتكرر ذلك كل ليلة، بين التيهان واليقظة، ذكرى ليست من أجل الذكرى بل من أجل استعادة النور الذي ملأ السماء وعم عليها.
كان القمر هو الديانة الأولى، وكانت الديانة هي الحب، وكان هو الشبه الوحيد لوجه حبيبة لم يعثر عليها بعد.

ألا تعثر على حبيبة فهذا على كل حال لا معنى له،
أن لا يكون هناك قمر في السماء.

النور الذي يبدد ظلمة الليالي الواسعة، النور الصامت، يمد السماء الى أقصاها، وتراه يحيل الى الريبة، الخوف المتوجس، الهادئ ربما، نحس ان هذا النور لا يأتي الينا بشكل مباشر. في صورته نلمس تعدادا لعوالم أخرى وما نتلقاه منه ليس هو التلقي الحقيقي بل نتلقى ظله وبقليل من الحس الروحي سنعرف أنه لن يكون لنا نحن بني البشر، ذلك النور، بل هو في الأصل لمخلوقات أخرى، ربما للجن، ووصل نوره المسترسل من الأبعاد غير المرئية من وراء الآفاق.
من هذا الباب كان للحب شركاء، ليس القلب فقط بل طرف آخر غير مرئي.

وإن كان الحب في أوله ذكوريا يسعى الى الامتلاك ظاهريا، يكون في أصله انثويا خفيا يتألق بالخفر القديم المفقود هذه الأيام كل سعيه هو الآمان والحصن.

وهو ضرب من التوفيق والتوافق، أن تعيش الحب هو أن تعيش الحياة، تلك المادة الروحية التي تربطك بالماضي وتنشر أمامك أشرعة المستقبل في مهب محيط مجهول اسمه النفس ينم العثور على حدودها بالعثور على الذات التي هي في الجانب المقابل ذات الحبيبة.



#حسين_سليمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المقام العراقي
- شاعرتان كرديتان تكتبان بالعربية وتشتركان بمجموعة شعرية واحدة
- كتابة ميت ينظر بعينه ويكتب بقلبه
- زمان حلب - تحية الى روح مصطفى العقاد
- بعين التكنولوجيا إلى الأدب العربي المعاصر:( -حسن مطلك- جبران ...
- ردا على المنظمة العربية للدفاع عن حرية الصحافة والتعبير
- معنى الظلام
- النبي اليهودي شبتاي صبي
- البـقرة الضــائــعة قراءة في قصيدة -ولا أجنّ- للشاعر والسياس ...


المزيد.....




- إلغاء حفل النجمة الروسية -السوبرانو- آنا نيتريبكو بسبب -مؤتم ...
- حضور وازن للتراث الموسيقي الإفريقي والعربي في مهرجان -كناوة- ...
- رواية -سماء القدس السابعة-.. المكان بوصفه حكايات متوالدة بلا ...
- فنانون إسرائيليون يرفضون جنون القتل في غزة
- “شاهد قبل أي حد أهم الأحداث المثيرة” من مسلسل طائر الرفراف ا ...
- تطهير المصطلحات.. في قاموس الشأن الفلسطيني!
- رحيل -الترجمان الثقافي-.. أبرز إصدارات الناشر السعودي يوسف ا ...
- “فرح عيالك ونزلها خليهم يزقططوا” .. تردد قناة طيور الجنة بيب ...
- إنتفاضة طلاب جامعات-أمريكا والعالم-تهدم الرواية الإسرائيلية ...
- في مهرجان بردية السينمائي.. تقدير من الفنانين للدعم الروسي ل ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليمان - الحب والحرية ، وجه الوحي -1