أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم مشارة - القراءة تحرر














المزيد.....

القراءة تحرر


إبراهيم مشارة

الحوار المتمدن-العدد: 7671 - 2023 / 7 / 13 - 00:47
المحور: الادب والفن
    


ا


"علم فريدريك دوغلاس أن معرفة القراءة والكتابة هي الطريق من العبودية إلى الحرية ،هناك أنواع عديدة من العبودية وأنواع كثيرة من الحرية ، لكن القراءة لا تزال هي الطريق "
كارل ساجان

القراءة متعة وللنص لذته كما ارتأى بارت في مؤلفه المشهور،فهي تحررنا من آصار الواقع وقيود الضرورة وبقدر ما يمارسها المرء بقدر ما يمارس إنسانيته ويستشعر مضمونها.
يحررنا العلم من هيمنة الطبيعة ويمنحنا حرية ، فهو ييسر حياتنا ويحفنا بالرفاه ولكنه لا ينطلق بنا إلى آفاق عليا في دنيا التأمل وسماوات الروح حيث المعنى الحقيقي للإنسان وذاك ما يتيحه الكتاب، اللوحة، اللحن ،الشكل، نتحرر بكل هذا الإبداع من جاذبية المادة وكثافتها إلى رهافة الوجدان ودقة الشعور ونبالة الحس.
وبقدر ما يقرأ الواحد منا ويقبل على مختلف أشكال الإبداع ويرهف السمع لمقطع موسيقي يراكم خبرات، يختزن أفكارا أخرى ومشاعر وكل ذلك يبني ذاته ليكون متفتحا قابلا للآخر المختلف لا المؤتلف فقط، إنه يصنع هويته فالهوية صناعة وليست شيئا ناجزا وكما كتب أمين معلوف فالهويات الناجزة المغلقة قاتلة. فهي تبنى ومواد بنائها الاختلاف،التعدد ، التناغم التسامح، قبول الرأي المضاد، روح السؤال والتحري، التواضع العلمي، لا التنميط والواحدية والجاهزية والقولبة والرتابة والسكون فكل ذلك موات في موات.
فالرحلة في الكتاب وفي اللوحة وفي الشكل وفي اللحن ترينا صورتنا في مرآة الآخر فالآخر ليس إلا ما كنا سنكونه مثلما يرى هو صورته في مرآتنا، فتغدو المعارف والأحكام تتسم بطابع النسبية والتواضع المعرفي والاحترام لا منطق الإلغاء والإقصاء والتعالي ، ومن زمن كتب باشلار أن العلم ليس إلا سلسلة من الأخطاء والتقويمات ومن الندم بالمعنى الإبستمولوجي لا الأخلاقي ، وصدق كيليطو حين عنون أحد كتبه وهو يتناول سيرته الفكرية بــ"في جو من الندم الفكري" فبفعل القراءة ينحو المرء نحو التحول والسيرورة والصيرورة معا وتغدو المطلقات والأحكام الجاهزة والقبلية بتأثير المحيط والتربية والمناهج الدراسية والمواعظ الدينية أشياء قابلة للصرف والتحويل أمام منطق العصرنة والحداثة والنزعة الإنسانية، فمن لا يتجدد يتبدد وتلك سنة الطبيعة وناموس الكون المطرد.
فالمطلقات ولى زمانها حتى في العلم الطبيعي فمنذ طلع على العالم أينشتين بنظرية النسبية وهايزنبرغ بمبدأ الارتياب انسحب ذلك على العلوم جميعها ، فإذا كان قدر العلوم الطبيعية هو النسبية لا الحتمية فلا جرم أن يشمل كذلك الدراسات الحديثة في علم الإناسة أو الأنثروبولوجيا فما كنا ندعوه ثقافة متوحشة وحضارة همجية لم يعد له في علم اليوم الحديث وجود فقد نص كلود ليفي ستروس على أن الحضارات بنيات مغلقة لا تتفاضل بينها، إنها معطى جغرافي وتاريخي وإناسي تغني وجود الإنسان على هذه الأرض، وإن كان هناك تفاضل فلن يكون إلا في الفكر العلمي وفعالية الحياة السياسية أما الثقافة فهي غير خاضعة لمنطق التفاضل.
وفي مقدمة كتابه الرائع" ساعات بين الكتب" نص العقاد على أن الكتب تتفاضل فيما بينها فهي كالناس منها الوقور ومنها الخائن والجاهل، ولا ينبغي أن يقول الموجهون لمن يرغب في القراءة "اقرأ ما ينفعك بل انتفع مما تقرأ " ، وحدها القراءة التي تزيد معارفنا وتثري تجاربنا وتعزز إنسانيتنا وتوصلنا بالآخر المختلف وفق جدلية الأخذ والعطاء وبذلك تتوسع حريتنا خارج المحلية ومنطق اللغة الواحدة والأفكار المكررة والمعرفة الجاهزة ومنطق التبجيل والتقديس وتستعيض عن ذلك كله بمنطق السؤال والشك والبحث .
وبقدر ما تمتنع المجتمعات عن فعل القراءة مهما كانت الأسباب- موضوعية أو مختلقة - بقدر ما ينمو لديها ورم التعصب ومنطق الجزم واليقين والتعالي والإلغاء فيتسطح الوجود وتشح الخبرات ، وليست العبرة بالرفاه ولا بالكماليات وعالم الأشياء كما يدعوه الأستاذ مالك بن نبي فتلك حضارة "نصف إنسان" لا حضارة الإنسان .
تبقى الرحلة بين الصفحات من أمتع الرحلات فبفضلها ينسلخ المرء مؤقتا عن محيطه ويتحرر من قيود الواقع وآصار الحس وقيود المحلية والعرف والتقاليد ليندغم في تجربة فريدة ،إنه يبتعد عن محيطه وناسه ليزداد معرفة صحيحة بهم أقرب إلى الموضوعية والصحة حين يرى الصورة في مرآة الآخر ويرى ما عند الآخر المختلف من خبرة ومعرفة وثراء ومن زمن كتب صلاح عبد الصبور لناس وطنه:
وحين يغور نجم الشرق في بيت السما الأزرق
إلى بتي
لأرقد في سماواتي
وحيدا ..في سماواتي
وأحلم بالرجوع إليكم طلقا وممتلئا
بأنغامي وأبياتي
أجافيكم لأعرفكم
فهذا البعد بالمعنى المجازي وليس شرطا أن يكون غربة مكانية بل هو ترحال بين المعارف والشعوب والثقافات يتيح مزيدا من المعرفة الصحيحة والنسبية والموضوعية ومشاعر الاحتفاء بالآخر باعتبار ذاك المنجز إنسانيا.



#إبراهيم_مشارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فؤاد زكريا والحركة الإسلامية
- جبران في مرآة نعيمة
- ميخائيل نعيمة وحكاية العمر
- مع أبي العلاء في منفاه الباريسي
- زكي نجيب محمود بين الوضعية المنطقية والنقد الأدبي
- استلاب الفرد في رواية اختفاء السيد لا أحد
- تقاطع المصائر في رواية بودا بار
- حوار الحضارات بدل صدامها
- كلاسيكيات الأدب ورباعيات الخيام
- محمد عابد الجابري سيرة للبئر الأولى وأوائل الشباب
- صرخة مغتصبة في -الحياة من دوني- لعائشة البصري
- صبري حافظ واقفا بـــ-الكلمة-
- متاهات الكتابة عند عبد الفتاح كيليطو
- الطاهر وطار ثلاثية الثورة،العشق والموت
- سارتر، فانون عن الاستعمار وما بعد الاستعمار
- فهد العسكر بين إغراء الفن وقيود الواقع
- بكالوريا الفنون في الجزائر لم كل هذا اللغط؟
- المناظرات الفكرية صراع النخبة والجماهير
- الثورة الجزائرية في الشعر العربي بين الأيديولوجيا والشعرية
- إدريس الشرايبي الروائي المشاكس


المزيد.....




- الان Hd متابعة مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة عبر ...
- تابع حلقات Sponge BoB تردد قناة سبونج الجديد 2024 لمتابعة أق ...
- من هو الشاعر والأمير السعودي بدر بن عبد المحسن؟
- وفاة الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن
- بتهمة -الغناء-.. الحوثيون يعتقلون 3 فنانين شعبيين
- دراسة تحدد طبيعة استجابة أدمغة كبار السن للموسيقى
- “أنا سبونج بوب سفنجة وده لوني“ تردد قناة سبونج بوب للاستمتاع ...
- علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي ...
- استقبل الآن بجودة عالية HD.. تردد روتانا سينما 2024 على الأق ...
- -انطفى ضي الحروف-.. رحل بدر بن عبدالمحسن


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم مشارة - القراءة تحرر