أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - التجاني بولعوالي - العجز أم التعاجز العربي؟!















المزيد.....

العجز أم التعاجز العربي؟!


التجاني بولعوالي
مفكر وباحث

(Tijani Boulaouali)


الحوار المتمدن-العدد: 1722 - 2006 / 11 / 2 - 04:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كنا قد وصفنا في إحدى مقالاتنا الحالة العربية والإسلامية العامة بالجبن، حيث انقلبت الآية، فصار شجعان الماضي، وهم العرب والمسلمون، جبناء! وأصبح جبناء الماضي، وهم اليهود، شجعانا!

ونفس الوصف يسري على تعاطي الأنظمة العربية وتعاملها مع مجموعة من القضايا، وهو تعاط ناقص وهش، وتعامل ساذج وجبان، يتفق أكثر من دارس على اعتباره نتيجة متوقعة للعجز العربي الفادح، الذي أوقع الأمة الإسلامية في هذا المستنقع الرهيب، فأضحت فريسة التكالب الغربي- الصهيوني.

غير أن ثمة رأي وجيه، للأستاذ طاهر العدوان، مفاده أن "شعار العجز العربي شعار كاذب مضلل وهو لا يعكس قدرات وإمكانات الأنظمة, التي بوسعها أن تفعل الكثير لوضع حد للاحتلال والغطرسة الإسرائيلية, وبوسعها أن تقوم بالكثير من أجل إجبار الولايات المتحدة على اتباع سياسة متوازنة في الصراع العربي الإسرائيلي." استنادا إلى هذا الرأي يمكن أن نخلص إلى أن الأمة العربية والإسلامية ليست عاجزة، وأن هذه العاهة التي تتخبط فيها لا يمكن أن نطلق عليها مصطلح العجز، وإلا فإننا نحمل القضية ما لا تحتمل، ودون وعي منا نجانب الحقيقة، مناقصين أو مزايدين، خصوصا وأن ثمة أكثر من مؤشر واقعي يفند كوننا عاجزين، ابتداء من الموقع الاستراتيجي الذي يتميز به العالم الإسلامي، وانتهاء بالثروة البشرية والطبيعية التي تتنعم بها أغلب الدول العربية والإسلامية، التي من شأنها أن تجعل الأمة العربية والإسلامية قاطبة في غنى عن الغير، لكن عوض ما تنهض بنا هذه الإمكانات الهائلة، فإنها بثت في نفوسنا التقاعس والهون والاتكال، فصرنا، كما توقع رسولنا الكريم (ص) قبل أكثر من أربعة عشر قرنا، غثاء كغثاء السيل!

إن لم يكن هذا الذي أصابنا عجزا، فماذا سيكون إذن؟!
لقد اتفقت القواميس العربية، قديمها وحديثها، على أن لفظة العجز تعني نقيض ما تعنيه لفظة الحزم، وهو الضعف وعدم القدرة، ورد في لسان العرب "وعَجَزَ عنهُ يعجِز وعَجِزَ يعجَز (...) ضعف أي لم يقتدر عليهِ وضدُّ حَزَمَ"، وجاء في الغني "أَظْهَرَ عَجْزاً" : ضَعْفاً، عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى القِيَامِ بِعَمَلٍ مَّا، وأشار معجم محيط المحيط إلى أن العجز هو الضعف، ودعم ذلك بحديث عمر: "ولا تُلِثُّوا بدار مَعْجِزَة أَي لا تقيموا ببلدة تَعْجِزُون فيها عن الاكتساب والتعيش , وقيل بالثَّغْر مع العيال". فهل حقا أن العالم العربي والإسلامي ضعيف وغير قادر كما تنص هذه التحديدات اللغوية، وهو الذي يزخر بأكبر احتياطات العالم من الموارد الطبيعية، وتحتل دوله أفضل مواقع الكرة الأرضية، التي تؤهلها لأن تكون مركز الكون، تواصلا واستثمارا، بل وإنه يخرج كل لحظة آلاف الأدمغة، وفي مختلف العلوم والتخصصات، التي تتشتت عبر بقاع المعمورة، وهكذا دواليك.

على هذا الأساس فإن العجز العربي والإسلامي الذي هو حديث الساعة، لا يعدو أن يكون إلا صناعة إعلامية غربية، التي آنس أصحابها تزييف تاريخ الواقع وواقع التاريخ، إلى درجة أن لا شاغل يشغلهم إلا نحت المصطلحات البراقة ولصقها بالآخر، مثل الإرهاب وصراع الحضارات والعولمة واللائحة طويلة، حتى أصبح الفكر المعاصر مفخخا بمجموعة من المقولات والطروح المخادعة التي غالبا ما تكون مصيدة للكثير من كتابنا ومثقفينا المتغربين أو المنبهرين، الذين يلتهمون بشراهة ودون تمحيص أو نظر، ما يصدر عن الغرب، فيعيدون إنتاجه (أو يتقيأونه!) مسقطين إياه على المجتمع والذات الإسلامية، وهم لا يأخذون بعين الاعتبار فوارقنا التاريخية والعقيدية والثقافية وغير ذلك عن الآخر، مما يؤثر سلبا على بنية المجتمع الإسلامي المعاصر، فيصاب المحكوم (الذي هو الشعب) باليأس والإحباط من جراء تأخر أمته، فيركن إلى الاتكالية والإرجائية، وهو يزعم أن ما يتخبط فيه إنما هو قدر محتوم عليه وعلى مجتمعه، فلا فكاك منه إلا بكثرة الدعاء والانتظار بصبر أيوب! أما الحاكم فيعترف بعجزه مصداقا لمقولات الإعلام الغربي، وليس انطلاقا من قدرات أمته الهائلة وإمكاناتها المشهودة. وكلاهما؛ المحكوم والحاكم ينسى أن إرادة الشعوب لا تقهر، وأن العجز الذي يوصف به العالم العربي والإسلامي مفتعل لا غير، فإن لم يكن هذا الذي أصابنا عجزا، فماذا سيكون إذن؟! إنه التعاجز!

لقد نقبنا في القواميس العربية القديمة والحديثة علنا نضفر بتعريف ما لمصدر التعاجز، لكن باءت محاولتنا بالفشل، خصوصا وأن أي واحد منها لم يتطرق ولو لصيغة الفعل التي يمكن استخراجها من هذا المصدر وهي (تعاجز)، مما أوقعنا في نوع من الحرج، الذي كاد يجعلنا نتخلى عن كتابة هذا الموضوع، أو البحث عن بديل مصطلحي آخر، لكن بعد ترو واختمار لفكرة الموضوع، تساءلنا عن إمكانية الاستنجاد بالنحو العربي لفهم هذا الإشكال اللغوي والدلالي لمصطلح التعاجز، حيث من المعلوم أن الزيادة في الحروف التي تعتري صيغة الفعل الأصلية، تمنحه دلالات ومعان جديدة، ومادام أن صيغة لفظة (تعاجز) التي هي (تفاعل) مزيدة على الأصل (عجز) بحرفين، فإن الدلالة لا شك سوف تتغير، فنصبح أمام مصطلح آخر، ذي معنى آخر. وقد أثبت النحاة لصيغة (تفاعل) خمسة معان وهي:

- المشاركة بين أمرين فأكثر ، فيكون كل منهما فاعلا في اللفظ، ومفعولا في المعنى. نحو: تبارز، تصارع، تقاتل، تنازل، تلاكم، تشارك.
- التظاهر: وهو ادعاء الفاعل بحصول الفعل له، وهو منتف عنه. نحو: تجاهلت الأمر. أي: أظهرت من نفسي التجاهل للأمر دون الحقيقة.
- للدلالة على التدرج. أي: حصول الفعل شيئا فشيئا. نحو: تزايد السيل.
- مطاوعة "فاعل". ويقصد بالمطاوعة هنا: التأثر وقبول أثر الفعل سواء أكان التأثر متعديا. نحو: علمته الرماية. فتعلمها، أي: قبل التعليم وتأثر به.
- ويأتي "تفاعل" مطاوع "فاعل"، إذا كان فاعل لجعل الشيء ذا أصله. نحو: باعدته. فتباعد، أي: بَعُدَ.

بعد القراءة المتأنية لهذه المعاني الخمسة، يستخلص أن المعنى الثاني الذي يفيد التظاهر، هو الأكثر مناسبة لمصطلح التعاجز، الذي يمكن أن نعرفه بأنه التظاهر بالعجز، حيث أن الأمة العربية والإسلامية ليست عاجزة عجزا حقيقيا، وإنما هي متعاجزة، تتظاهر بالعجز، نتيجة أسباب مختلفة قد تكون ذاتية، ترسبت من جراء الهزات العنيفة التي تعرضت لها، فأثرت بشكل عميق وسحيق في سيكولوجية الإنسان المسلم، وقد تكون أسباب خارجية روج فيها الإعلام والفكر الغربي لمقولة عجز المسلمين وضعفهم وتقهقرهم، فبدل أن نتحداها ونواجه مغالطاتها، راح ثلة من مثقفينا يحملونها على محمل الحقيقة والصدق!

ويجدر الإلماع إلى أن معنى التظاهر هذا غير محمود، لأن المتظاهر بسلوك ما، يواري الحقيقة الأصلية بحقيقة مزيفة، يخادع بها الذات والمجتمع والآخر، اللهم إلا إذا كان تظاهره صادقا، وقد ورد في حديث للرسول صلى الله عليه وسلم ما ينهى عن ادعاء المرض والتظاهر به، "لا تمارضوا فتمرضوا فتموتوا فتذهب ريحكم"، لأن من يتظاهر بسلوك معين، فإن ذلك السلوك يصبح من شيمه، فيسقط في مأزق عارم لا فكاك منه، وكأن الأمة العربية والإسلامية التي ادعت التعاجز، أضحت بذلك الادعاء الخادع عاجزة، ليس عن النهوض والتغير، وإنما عاجزة عن الإقلاع عن سلوك التعاجز الذي أكسبها الخمول والتهاون والارتكاس، فمن شب على شئ شاب عليه!

وقد ذهب الأستاذ عبد المالك سلمان، في مقالة له بعنوان (ماذا وراء العجز العربي في التصدي للحرب الأمريكية؟(! إلى أن العجز أو التعاجز العربي هو نتيجة أربعة عوامل، نلخصها كما يأتي:
- سعي كل نظام عربي الدؤوب واللحوح إلى الحفاظ على بقاء نظامه السياسي، وهو من أجل ذلك يضحي بكل غال ورخيص، بما في ذلك إهدار الكرامة والسيادة والاستقلال الوطني والانسحاق تماما أمام الهيمنة الأمريكية.
- محاولة الحكام الحفاظ على ما لديهم من ثروات نهبوها طوال فترة حكمهم لشعوبهم، وجرى إيداعها في المصارف والبنوك الأمريكية والغربية أو تم توظيفها في استثمارات اقتصادية وعقارية مباشرة في السوقين الأوروبية والأمريكية، وهي ثروات تقدر بمليارات الدولارات.
- إن أمثال هؤلاء الحكام ليست لديهم الثقة في تأييد وولاء شعوبهم لهم، فلم يعملوا على تأسيس شرعية سياسية شعبية تستند الى المصداقية والشفافية والنزاهة.
- إنهيار مفهوم التضامن العربي عملياً، فكثير من الأنظمة العربية تخشى إن أظهرت سياسات حازمة في التصدي للهجمة الأمريكية أن تخذلها بقية النظم العربية الأخرى التي تتظاهر بالتضامن معها في هذه السياسة، فيما تقوم سرا بطعن شقيقاتها العربيات من الخلف والتعاون مع أمريكا عمليا.

وقد ترتب عن هذه العوامل، التي تبدو منطقية وواقعية، آثار سلبية مست المجتمع العربي والإسلامي في مختلف مستوياته الثقافية والتربوية والسياسية والاقتصادية وغير ذلك، بل والأنكى من ذلك أنها ولدت لدى الأغلبية الساحقة أزمة سيكولوجية ملبدة بمشاعر الإحباط والتردي والنكوص، إلى درجة فقدان الثقة في انبعاث الأمة وصحوتها، ومن ثم التحاقها بركب الأمم المتقدمة، وكأن عاهة التعاجز تسربت حتى إلى بنية تفكير الإنسان المسلم، فأضحى لا يرى الأمور ولا يفسرها إلا في بعد أحادي، كما أنه ليس ثمة أبعاد وإمكانات بديلة من شأنها أن تمنحه فسحة الأمل في التحول والصيرورة.

الخلاصة مما سبق، أن العجز العربي لا وجود له إلا على المستوى النظري، أما على المستوى الواقعي فيمكن الحديث عن آفة التعاجز التي تنخر كيان الأمة العربية والإسلامية، وهي آفة مصطنعة ومكتسبة من جراء تضافر مجموعة من الظروف والتداعيات، وهذا يعني أنها ليست متجذرة في الذات، فكما أنه تم اكتسابها عبر أطوار معينة، فيمكن كذلك التخلي عنها أو استبدالها بالذي هو أحسن!



#التجاني_بولعوالي (هاشتاغ)       Tijani_Boulaouali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسلمون في الغرب بين تناقضات الواقع وتحديات المستقبل
- غدا.. عودة السيف
- القضية الأمازيغية بين رد الاعتبار والتوظيف الأيديولوجي
- جبن الشجعان وشجاعة الجبناء
- نداء إلى كل مكونات المجتمع الأمازيغي حول إعداد قسم خاص باللغ ...
- الإصلاح السياسي لا يتأتى إلا بالوعي الديموقراطي
- استغلال الأمازيغية من حيث هو اعتراف بها
- حول المكسب العلمي الجديد/نموذج الجامعة الحرة بهولندا
- (2) من السماء إلى الأرض
- (1) من السماء إلى الأرض
- مدينة الفراغ
- الحماية الذاتية خير علاج للتهديدات الموجهة إلى المثقفين
- المسلمون بالغرب في مواجهة العداء السياسي والإعلامي
- معركة الحجاب أو حصان طروادة الأخير
- ! وطني الذي زارني في المنفى
- اندماج المسلمين في الغرب بين الإمكان واللا إمكان
- إنه الشعب الأهوازي المغوار
- عن رسالة الشعر في زمن الماركوتينغ
- تنمية الأمازيغية تبدأ من تنمية الإنسان الأمازيغي
- المعهد الملكي للأمازيغية في مفترق الطرق


المزيد.....




- تحليل لـCNN: إيران وإسرائيل اختارتا تجنب حربا شاملة.. في الو ...
- ماذا دار في أول اتصال بين وزيري دفاع أمريكا وإسرائيل بعد الض ...
- المقاتلة الأميركية الرائدة غير فعالة في السياسة الخارجية
- هل يوجد كوكب غير مكتشف في حافة نظامنا الشمسي؟
- ماذا يعني ظهور علامات بيضاء على الأظافر؟
- 5 أطعمة غنية بالكولاجين قد تجعلك تبدو أصغر سنا!
- واشنطن تدعو إسرائيل لمنع هجمات المستوطنين بالضفة
- الولايات المتحدة توافق على سحب قواتها من النيجر
- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - التجاني بولعوالي - العجز أم التعاجز العربي؟!