أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيولُ ربيع الشمال: خروج














المزيد.....

سيولُ ربيع الشمال: خروج


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 7652 - 2023 / 6 / 24 - 19:16
المحور: الادب والفن
    


ثلاثة عقود، أودعها دارين خلفه قبل أن يبدأ بنبش ذاكرته سعياً للكتابة عن حكاية حب، شبيهة بحكاية مماثلة ( وإن تكن خيالية ) من أربعينيات القرن التاسع عشر. وكانَ قد هتفَ في نفسه، عقبَ قراءته قصة " سيولُ الربيع " للأديب الروسي تورغينيف: " من الممكن أن تشبه قصة معاصرة إحدى القصص الكلاسيكية، لكن العجيب أن هذه الأخيرة يُمكن أن تشبه حكاية حب حقيقية من القرن العشرين ".
ذاكرة دارين لم تسلم من غبار السنين، وبالتالي، عليه كانَ أن يصقل الأحداث فنياً لكي تصبح جديرةً أن تُروى. شخصيات تلك الحكاية، وغالبيتهم من الأجانب، لم يكن في الوسع تقديمهم على علاتهم دونَ أن يخضعوا أيضاً للصقل وكذلك لبعض التجريب والتحوير حتى يغدو كلّ منهم، بدَوره، نموذجاً فنياً. وإذاً، فالحكاية كانت واقعية فيما روايتها لم تكن هكذا بشكلٍ مباشر وفج. وما يُشفع للكاتب سماحه لنفسه بتشذيب الأحداث وشخصياتها، أنه لم يفعل ذلك بسوء نية وإنما كانَ في تقديره خلق كل شيء من جديد إعتماداً على حسه الإنساني قبل أيّ اعتبار آخر.
أوبسالا مُفتتح تسعينيات القرن الماضي، تسبحُ أيضاً في الذاكرة مثلَ سمكٍ مستحيل. إنها مدينةُ الذكرى، على الأقل في عين مَن عاشَ فيها أكثر بقليل من عشرين عاماً. كتّابٌ غيره، وفنانون أيضاً، قضوا صباهم ثمة بوصفها " أوكسفورد اسكندينافيا "؛ ستريندبيرغ وإيكيلوف وبيريغمان وغيرهم. أطيافهم ما تفتأ تخترقُ شارع الملكة، الذي لم يتغيّر كثيراً على مر السنين، ثمة أينَ كانَ دارين يسلو أحزانه بين الأبنية الأثرية، يبدد ضجره بالنظر إلى المرتادين على اختلاف خلفياتهم الإجتماعية والأثنية. إذ وصَمَ الكاتبُ أوبسالا بأنها مدينة إباحية، فلكونها فعلاً ظلت مستقرَّ الطلبة الأغراب، ممن يرغبون بقضاء أوقاتٍ ممتعة من خلال عدد غير محدود من العلاقات، القائمة على الجنس لا على الحب والتفاهم والإخلاص. شيمة هذه الشريحة من المقيمين في المدينة، أصابت ولا شك بالعدوى بقية الشرائح؛ وبالأخص الأفراد المهاجرين، الذين كانوا أبطال حكايتنا.
المدينة تنهلُ من ذكريات الماضي، البعيد والقريب، ولعلها تغدو أكثر فتنة مما هيَ عليها في الحقيقة، وذلك على الصفحات المُشذّبة أو في الذاكرة. لكن أوبسالا، كغيرها من المدن، أصبحت تنأى بنفسها عن رومانسية أيام زمان، يتوغلُ فيها غولُ الحداثة كي يقلب رحمها ومن ثم لتنجب أجنّة مشوّهة. ورأينا كيفَ أن ذلك التشوّه كان حاضراً حتى في ذلك الزمن، البعيد نسبياً، وأدى إلى تمزيق بعض الكائنات والعائلات وحتى العديد من المجتمعات الأجنبية برمتها: الإدمان، الإباحية، البطالة، البيروقراطية، الكسل، الضياع وحتى البطر؛ كلها آفات عليها كانَ أن تدمر الإنسان.
يفيقُ دارين باكراً، لكي يضع اللمسات الأخيرة على هذه الحكاية، التي لمّا تنتهِ بعدُ. الربيعُ، يوقظ ذكرياتٍ أكثر جدّة ويستدعي للذاكرة أولئك الأشخاص ممن عبرنا أسماءهم وأقدارهم، ولعلنا نلقى بعضهم في الحكاية الجديدة. السماءُ صافية خارجاً، تنداحُ فيها السُحُبُ البيض كالنوارس، المتنقلة بين شاطئ البحر وأعماق المدينة. لكن هذه ليست أوبسالا، التي تقع إلى الجنوب بمسافة تقل عن ساعة بالقطار الحديث.. أوبسالا، الواقعة حكايتها السالفة على بُعدٍ زمنيّ يُناهز الثلاثة عقود. وربما تحتاجُ، في حقيقة الحال، إلى ثلاث حكايات لا واحدة حَسْب.

مدينة يافلي، ربيع 2021



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيولُ ربيع الشمال: 32
- سيولُ ربيع الشمال: 31
- سيولُ ربيع الشمال: 30
- سيولُ ربيع الشمال: 29
- سيولُ ربيع الشمال
- سيولُ ربيع الشمال: 27
- سيولُ ربيع الشمال: 26
- سيولُ ربيع الشمال: 25
- سيولُ ربيع الشمال: 24
- سيولُ ربيع الشمال: 23
- سيولُ ربيع الشمال: 22
- سيولُ ربيع الشمال: 21
- سيولُ ربيع الشمال: 20
- سيولُ ربيع الشمال: 19
- سيولُ ربيع الشمال: 18
- سيولُ ربيع الشمال: 17
- سيولُ ربيع الشمال: 16
- سيولُ ربيع الشمال: 15
- سيولُ ربيع الشمال: 14
- سيولُ ربيع الشمال: 13


المزيد.....




- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود
- الفنان التونسي محمد علي بالحارث.. صوت درامي امتد نصف قرن
- تسمية مصارعة جديدة باسم نجمة أفلام إباحية عن طريق الخطأ يثير ...
- سفارة روسيا في باكو تؤكد إجلاء المخرج بوندارتشوك وطاقمه السي ...
- كتاب -رخصة بالقتل-.. الإبادة الجماعية والإنكار الغربي تحت مج ...
- ضربة معلم من هواوي Huawei Pura 80 Pro.. موبايل أنيق بكاميرات ...
- السينما لا تموت.. توم كروز يُنقذ الشاشة الكبيرة في ثامن أجزا ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيولُ ربيع الشمال: خروج