أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيولُ ربيع الشمال: 11















المزيد.....

سيولُ ربيع الشمال: 11


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 7626 - 2023 / 5 / 29 - 17:32
المحور: الادب والفن
    


الصباحُ مُجدداً. عادةً بينَ العاشرة والثانية عشرة ( بالطبع لو كانَ الطقسُ الربيعيّ غير ممطر )، يتجولُ دارين في مركز المدينة، الراطن بكل ما تتحمّله السويد من لغات. هذا المركز، هوَ في حقيقته شارعٌ طويل، مستقيمٌ ـ كصراط عباس؛ كمَعي ماهو المُستقيم، المزدوج الوظيفة. الشارع، مغلقٌ على المواصلات ومنها العربات المشدودة بالسيارات. يمكن تشبيهه إلى حدّ ما، ببوابة الصالحية بدمشق، لولا أن هذه مفتوحة على العربات المشدودة بالحمير. إنه شارعٌ تجاريّ إذاً، يمتدُ من تقاطعٍ مُتصلٍ مع محطة القطار وإلى نهايته عند المكتبة العامة. ويُكنّى الشارع بالسويدية، " دروتنينغ غاتان "؛ أي شارع الملكة.
" مع أنّ الشارعَ يستحقُ التتويجَ باسم قيصرة؛ ولتكن القيصرة الرومانية، جوليا دومنا "، كانَ دارين يفكّر بسميّتها ومواطنتها. صديقةُ تاجر المخدرات هذه، اضطردت زياراتها للكُريدور في الآونة الأخيرة. اعتادت الابتسامَ عندما تتلقى تحياته، ربما لأنها تقرأ في عينيه نوعاً من الجنون بجمالها الخالد.
يُتابع دارين سيرَهُ في الشارع الملكيّ، المبتور من منتصفه بالساحة الرئيسية، المُحدق بها بعضُ الأبنية الأثرية، المُنقلبة دورها الأرضية إلى بنوك ومقاهٍ ومطاعم ومتاجر. هنا في هذا الشارع، ينبض قلبُ أوبسالا. وهوَ قلبٌ ناصعُ البياض، يُشفق على المهاجرين الملوّنين في غير أيام العطلة. مع أنّ القمامة، المتخلفة عن ليالي تلك العطل، يلقيها السكارى وغالبيتهم من ذوي العيون الزرق. زجاجاتُ خمر فارغة، مبخَّرة. علبُ سجائر، خاوية على عروشها. واقياتٌ ذكرية، بعضها ما تفتأ رغوة المني مندلقة منها. سهرةُ دارين يوم أمس ( خميس القحاب! )، في المقابل، لم تنته بواقٍ ذكري بل بمعانقة الوسادة الخالية.
" هذا أيضاً جمالٌ خالد؛ لكن من النوع الكرديّ لا الطليانيّ "، هتفَ دارين في نفسه. كانت جولته قد تناهت إلى الغاليري، القريب من الساحة الرئيسية، لما أبصرَ ثمة " ميديا "، تتحدث بالهاتف العموميّ. نورُ النهار، المُتدفق من خلال الزجاج الخارجيّ، كانَ يُلمّع البشرةَ الذهبية للفتاة المراهقة، ويغمّق النمشَ اللطيف فوق وجنتيها. ما كانَ ليتصوّر أنّ جسدها نضجَ إلى هذا الحدّ، أو أنه لم يُعر ذلك اهتماماً من قبل. التقاها أول مرة، ثمة في المتجر الشرقي المُجاور للكُريدور، فتعاملَ معها مثلما يُعامل المرءُ طفلةً. وكانَ دارين يعتقدُ أنّ صاحبَ المتجر، بدَوره، ينظر إليها باعتبارها من سنّ ابنته الصغيرة. لقد قادها الرجلُ العتلُ إلى الحجرة الخلفية، المُستعمَلة كمكتب. ثمة بوجود دارين، طلبَ منها الرجلُ أن تدوسَ بقدميها على ظهره: " للتخفيف من وجعه ". رقدته كانت شبيهة بالحوت المُحتضر، المُنساحة جثته إلى اليابسة. وبينما كانت البنتُ الساذجة تعتليه، راحَ يختلسُ النظرَ إلى ساقيها المرمريتين. على الأثر، طلبت من دارين برجاء أن يُعينها بحمل دفعة من أكياس الخبز العربي، المُخصصة لمتجرٍ آخر، يمتلكه والدها بالقرب من مبنى البريد. هذا الأخير، كانَ من الكرد، الضائع انتماؤهم الأول بين تركيا ولبنان. أسوةً بالعديد من مواطنيه في أوبسالا، كانَ يكنّ مودةً خاصّة لدارين؛ وقلنا في مكان آخر، أنه بسبب الخلفية المَدينية، المُشتركة. لقد زارَ دارين مرةً منزلهم، الكائن في حي " غوتسوندا "، وكانَ من دورين وحديقتين، أمامية وخلفية. في تلك الزيارة رافقَ رمّو، الذي كانَ خطيباً مُفترَضاً لخالة ميديا؛ وكانت هذه ما تفتأ عالقة مع أسرتها في بيروت الحرب الأهلية. ومن النافل القول، أنّ الخطيبَ كانَ يومئذٍ يرقصُ سعادةً، كالقرد، بوجوده في ظلالِ شجرة تلك العائلة الكريمة. فيما بعد، تفاخرَ أمام دارين أنه يحظى ثمة بالمأكل والمشرب، والمنامة في بعض الأحيان. بلسانه الذرب، كانَ رمّو قد توصّلَ أيضاً إلى عقدِ صداقةٍ وثيقة مع ذكريّ الدار، وكانَ أكبرهما في نحو الثامنة عشرة. الشقيقتان التوأم، وهما بكرُ العائلة، كانتا سمراوتين، وتمتعتا بحُسنٍ لا يقل فرادة، وكذلك بكثير من الحرية. إحداهما، طفقت في تلك الزيارة ترمقُ دارين بنظراتِ إعجابٍ باسمة، وفي الأثناء، كانت تكشفُ بينَ فينةٍ وأخرى الثوبَ القصير عن سروالها الداخليّ: " آه، الحرّ شديدٌ في الحجرة! ".
في هذا الصباح، وصاحبُنا يُعاني من الحرمان عقبَ هجران ماهو، كان يُمكنه التفكيرَ بالمحرورة صاحبة السروال. لولا أنها خُطبت مؤخراً لشاب من كرد تركيا، أسرته على جانبٍ من الثراء. وتذكّرَ دارين، فجأةً، أنّ شقيقتها الشقراءَ ما كانت على ذلك القدْر من البراءة حينَ حدّقت ملياً في عينيه: " المرءُ على حيرةٍ من لونهما، أهما خضراوتين أم عسليتين أم بنيتين؟ لأنهما يجمعان كل هذه الألوان ". إنهما شبقتان، حَسْب، أيتها الحسناء! ـ تمنّى لو يتسنّى له إجابتها الآنَ؛ وهوَ في حالة الحرمان، المَوْصوفة. من جديد، ينسلّ الخطيبُ السابقُ إلى ذاكرته، كمسمار فتّاحة النبيذ. استعاد دارين نصيحةَ رمّو، بشأن قدرة الرسّام على كسب الفتيات بوساطة فنّه. فكّرَ أيضاً، كيف أنّ ذلك القبيحَ المُقتِّر، كسِبَ قلبَ وجسدَ بنتٍ قاصر، مع كونه بدون أية موهبة خلا موهبة كنز المال. " أما هذه الشقراء، فإنها ليست قاصراً بحالٍ من الأحوال. هيَ على الأقل تتجاوزُ السادسة عشرة مع جسمٍ ناضج، جديرٍ بإمرأة "، أختتمَ دارين مونولوجه الداخليّ قبلَ أن يتقدّم أخيراً لتحيّتها.
طريقةٌ حقيرة، لقيادة بنتٍ ساذجة من رسنها إلى سرير الجواري. لكنه لم يكن كاذباً تماماً، لما عرضَ عليها أن تكونَ موديلاً للوحة جديدة: " قد يستغرقُ الاسكتش ساعةً أو نحوها، وسأقدمه لكِ هديةً حينَ تُنجز اللوحة "، قالها وليسَ دونَ ارتباك. لقد كان من شروط القبول في مدرسة الفنون العليا، تقديم ست لوحات على الأقل. جرى الأمرُ بسرعة كبيرة، ولم تنتبه هيَ إلى ارتباكه. نورُ الشمس كانَ قوياً، في ذلك النهار الربيعيّ المَشهود. لكن الشهودَ، تجنبهم دارين ما أمكن حينَ مشى مع الفتاة في الشارع المائل قليلاً، المُوازي للنهر. مشيا تحتَ أشجارٍ مُزهرة، أنهكها جفافُ الأسبوعين المنصرمين. وكانت بعض النسوة السويديات يبتسمن لميديا، ربما لاعتقادهن أنها مواطنة ترافقُ أجنبياً. قلوبٌ بيضاء، ناصعة!
قبيلَ الوصول إلى المسكن ( مُتجنباً أيضاً المرورَ حَذاء متجر الحوت )، توصّل دارين في داخله إلى قرارٍ مُبرم بعدم مُطارحة الفتاة الجنس بأيّ شكل. ليست براءتها، حَسْب، مَن أوحت له بالقرار الصائب. لقد وضعَ أيضاً بعين الإعتبار، ما لاقاه من ود أسرتها؛ بالأخص والدها، الرجل الجواد والمتنوّر. ثمة إذاً في حجرته المتواضعة، قضت ميديا ساعةَ العمل وهيَ بغاية السعادة لوقوفها كموديل. ما دلّ فعلاً على شيءٍ من السذاجة في خلقها، كونها لا تعي مقدارَ ما تتمتع به من سحر. غبَّ الفراغ من الإسكتش، وضعت رأسها على كتفه فيما تتأمل باسمةً صورتها، المُنجزة بقلم الرصاص والفحم الأسود: " إنها لا تشبهني كثيراً، لأنني لستُ بهذا الجمال "، قالتها ببراءة. ودّ لو أن كلماته تجعلها تُدرك كم هيَ مخطئة، وأنّ فتنتها تفوقُ أزهارَ الجنائن وطيورَ السماء وغزلانَ الغابات وأسماكَ البحار ونجومَ المجرة وحورياتِ الفردوس. بيد أنه امتنعَ عن مجرد التغزّل فيها، كيلا يحنث بقراره لو اشتط الحديثُ إلى العواطف. وكانَ راضياً عن نفسه، أخيراً. عقبَ ذهابها، أحسّ بالاختناق كما لو أنه زجاجةُ نبيذ مغلقٌ عليها في قبو التخمير العتم. لكنّ نورَ النهار كانَ ما فتأ ساطعاً بالطبع، فخرجَ مجدداً إلى شوارع المدينة يذرعها بغير هدى. ما لبثَ أن شعرَ بالسعادة، لدرجة أنه راحَ يُصفّر لحنَ أغنية عاطفية لمطربة عربية مُخضرمة. عندئذ، كانَ في حاجةٍ بدَوره لمن يَجعله مُدركاً أنه وقعَ بالحب حقاً.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيولُ ربيع الشمال: 10
- سيولُ ربيع الشمال: 9
- سيولُ ربيع الشمال: 8
- سيولُ ربيع الشمال: 7
- سيولُ ربيع الشمال: 6
- سيولُ ربيع الشمال: 5
- سيولُ ربيع الشمال: 4
- سيولُ ربيع الشمال: 3
- سيولُ ربيع الشمال: 2
- سيولُ ربيع الشمال: 1
- سيولُ ربيع الشمال: قصة أم سيرة أم مقالة؟
- الصديقُ الوحيد
- سلو فقير
- رفيقة سفر
- أسطورةُ التوأم
- قفلُ العفّة
- فَيْضُ الصوفيّة
- المسيحُ السادس
- تحدّي صلاح الدين
- لقاءٌ قبلَ الغسَق


المزيد.....




- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيولُ ربيع الشمال: 11