أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - محمد شعباني - دور الجوار الجغرافي في التبادلات التجارية الدولية















المزيد.....

دور الجوار الجغرافي في التبادلات التجارية الدولية


محمد شعباني
باحث دكتوراه في الاقتصاد السياسي والعلاقات الاقتصادية الدولية

(Mohammad Shabani)


الحوار المتمدن-العدد: 7616 - 2023 / 5 / 19 - 09:51
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


يشكل الموقع الجغرافي أحد أهم المحددات في طبيعة العلاقات بين الدول عامةً والعلاقات الاقتصادية خاصةً، فالجوار الجغرافي بين دولتين، وحسب وصف العديد من دارسي العلاقات الدولية، يخلق عداوات حتمية فنقاط الخلاف قد تزداد بين الدول المتجاورة حيث يرى فردريك شومان أنَّ "كل دولة عدو محتمل لجيرانها وحليف محتمل لجيران جيرانها" كذلك يؤكد ويسلى أنَّه كلما طالت الحدود الجغرافية بين الدول وزادت كثافة التوطن السكاني في مناطق الحدود، زاد احتمال دخولها في حروب ضد بعضها. في المقابل يرى فريق آخر من الباحثين أنَّ التقارب الجغرافي بين دولتين قد ينشئ أنماطا تعاونية من المعاملات ويزيد فرص تسوية الصراعات بينهم .
في الحقيقة لا يمكن إعطاء وصف مطلق ونهائي عن طبيعة العلاقات بين الدول المتجاورة بأنَّها ذات طبيعة عدائية أو تعاونية، لكن الثابت هو كثافة التبادلات بين الدول المتجاورة وخاصةً بين الدول التي لا يفصل بينها حدود طبيعية، حيث تكثر على طرفي حدودها التجمعات السكنية في القرى والمدن، فالحدود غير الطبيعية بين دولتين تعني ارتباط شعبيها تاريخيا بعلاقات اجتماعية-اقتصادية وثقافية، ومن ثمَّ تكون العلاقات بين التجمعات السكانية على طرفي الحدود كثيفة، الأمر الذي ينعكس على طبيعة العلاقات الاقتصادية بين دولتين المتجاورتين.
من خلال دراسة حجم التبادلات التجارية بين الدول نجد أنَّ قسماً كبيراً من التبادلات التجارية الألمانية تتم بين الدول المتجاورة سواء تمت عبر القنوات الرسمية (استيراد، تصدير، بصحبة المسافر) أم تمت عبر التهريب، وأنَّ قسماً آخر يمرُّ عبر أراضيها (الترانزيت)، ولبيان أثر التقارب الجغرافي على التبادلات التجارية بين بلدان الجوار قام الباحث بدراسة عينة من خمس دول تختلف عن بعضها البعض من حيث تطورها الاقتصادي وتوزعها الجغرافي بين القارات، وهي المانيا، ومصر، والارجنتين، ورومانيا، وكوريا الجنوبية، وكانت النتيجة بعد استبعاد الصين ولولايات المتحدة، كما يلي :
1-المانيا: وهي من الاقتصادات الرئيسية للبلدان الصناعية المتطور، وجد أنَّ حصة دول الجوار من إجمالي التبادلات التجارية الألمانية حوالي 38%، تحتل كل من فرنسا وهولندا، وهما أيضاً دولتان متطورتان صناعياً، المرتبة الأولى والثانية على التوالي (فوارق بسيطة ومتذبذبة من سنة إلى أخرى) وتعود كثافة التبادلات مع دول الجوار إلى الحدود السياسية غير الطبيعية إذ تنشط الحركة السكانية والاقتصادية على أطراف الحدود، كما يتمركز على طرفي الحدود الألمانية-الفرنسية مجمعات صناعية وزراعية تساهم في تعزيز حالة الاعتمادية والاعتمادية المتبادلة بين البلدين، ولاسيما بعد تحسن العلاقات بينهما عقب الحرب العالمية الثانية وما تلاها من تشكل الاتحاد المجموعة الاقتصادية الأوروبية ومن ثم السوق الأوروبية المشتركة وصولاً إلى الاتحاد الأوروبي.
2-مصر: تصنّف ضمن مجموعة البلدان منخفضة إلى متوسطة التطور الصناعي، وجدنا أنَّ حصة دول الجوار تشكل حوالي 16% من إجمالي التبادلات التجارية المصرية.(مع احتساب الحدود البحرية) وهي حصة تعكس ضيق التبادلات التجارية مع جوارها بالرغم من أنَّه لا عائق ثقافي ولا سياسي يحدُّ من تلك التبادلات، لكنّ الأمر في الحالة المصرية يعود لجملة من الأسباب ناتجة عن التفاعلات الاقتصادية بين البلدان ضعيفة التطور الصناعي، ففي التبادلات التجارية المصرية-ليبية نجد أنَّ أكثر ما يحد من تطورها هو ضعف القدرة التنافسية للبضائع المصرية أمام البضائع الأوروبية، سيما الإيطالية في الأسواق الليبية التي تعتمد بحوالي 10% من مستورداتها على البضائع الإيطالية التي تصنف ضمن مجموعة البلدان الصناعية المتطورة، يُضَاف إلى ذلك الجذور التاريخية نظراً لأن ليبيا إحدى المستعمرات الإيطالية سابقاً فضلاً عن القرب الجغرافي الإيطالي-الليبي أي إنَّ المحدد الجغرافي في العلاقات المصرية-الليبية والعلاقات الإيطالية-الليبية يكاد يكون محايداً مقارنةً مع دور مستوى التطور الاقتصادي، فتظهر عندها حدود القدرة التنافسية للبضائع المصرية في الأسواق الليبية كما يظهر أيضاً حدود إمكانيات التعاون الاقتصادي فليبيا تعتمد في أكثر من 95% من صادراتها على الثروات الطبيعيَّة الخام وهي مطلوبة بكثافة في الدول الأوروبية خلافاً لمحدوديتها بالنسبة للسوق المصري المعتمد هو الآخر على الثروات الطبيعية المحلية.
إن المحددات الداخلية خاصة الاقتصادية منها تعيق وجود تبادلات اقتصادية كثيفة، فمثلاً رغم أنَّ الحدود المصرية-السودانية هي الأطول لكلا الطرفين ورغم أنَّ المحدد السياسي والثقافي يعتبر محفزا لتطور التبادلات الاقتصادية إلا إنَّ التبادلات بين البلدين ضعيفةٌ لاسيما لجهة صادرات السودان لمصر، وذلك يعود لضعف الاقتصاد السوداني وصغر أسواقه. بالمقابل تشكل الامارات أحد أهم الشركاء التجاريين لمصر وهنا نجد أنَّ الجوار الجغرافي بالإضافة إلى المحددات الأخرى تلعب دورها في جعل التبادلات الاقتصادية بين الطرفين كبيرة.
3-الارجنتين: هي من الدول المُصنفة ضمن مجموعة البلدان متوسطة التطور الصناعي أو ما أُطلِق عليه مجموعة الأسود اللاتينية في سبعينيات القرن العشرين. تستحوذُ دول الجوار على 29% من إجمالي التبادلات التجارية الأرجنتينية. وتعتبر البرازيل المصنفة أيضاً ضمن مجموعة الأسود اللاتينية من أهم الشركاء التجاريين للأرجنتين بنسبة 20% بالرغم من أنَّ الارجنتين ترتبط بحدود برية مع تشيلي هي الأطول في العالم إلا أنَّ التبادلات التجارية بين البلدين ظلت تتراوح بين ال2% و4% بين عامي 1993 و2017 وذلك يعود لمحددات سياسية وداخلية إلا أنَّ المحدد الجغرافي ورغم طول الحدود بين البلدين يقف عائقا أمام تطور التبادلات التجارية إذ يفصل البلدين حدوداً طبيعية مائية وجبلية بالإضافة إلى أنَّ مراكز المدن والمحاصيل الزراعية بعيدة عن الحدود ، وبالتالي فإن الجوار الجغرافي مرتبط أيضاً بمدى قرب التجمعات السكانية والنشاط الاقتصادي الرئيسي بين البلدين من بعضهم، كما يرتبط بتوفر شبكة مواصلات تساعد على تحسين ظروف التبادلات الاقتصادية بين البلدين.(كثافة التبادلات السياسية والأمنية بين البلدين).
وبالتالي فإن دور المحدد الجغرافي يرتبط من حيث الإمكانيات الكبيرة لجهة وجود تبادلات اقتصادية تصل لدرجة أو تساعد على التكامل الاقتصادي، إلا إنَّ ذلك لا يلغي المحددات الأخرى التي ترسم بدورها حدودا لتلك الإمكانيات فالمحدد السياسي والثقافي يضيقُ من فرص التبادلات الاقتصادية بين تركيا وأرمينيا واليونان بالرغم من الجوار الجغرافي، كما السمات والخصائص التي تميز اقتصاد كل بلد تلعب دوراً رئيسي في تحديد حجم التبادلات الاقتصادية، يضاف إلى ذلك أنَّ المحدد الجغرافي لا يأخذ فقط من حيث التجاور المكاني، بل يجب دراسة طبيعة الحدود بين الأطراف المدروسة، والتي تتراوح بين الحدود الطبيعية التي تشكل قيوداً على التبادلات الاقتصادية، وبين الإقليمية، والمقصود بالإقليمية هنا هو وجود فضاء جغرافي و اقتصادي وديمغرافي واحد بين بلدين متجاورين.
4-رومانيا: المُصنفَّة ضمن مجموعة البلدان متوسطة التطور الصناعي تستحوذ دول الجوار على حوالي 13% من إجمالي التجارة الخارجية الرومانية، وتعتبر النسبة متواضعة إذ ما قورنت بطول الحدود وطبيعتها مع الدول الحدودية لها من مجموعة بلدان أوروبا الشرقية، ويعود ذلك إلى افتقار اقتصاديات الدول المجاورة إلى الأسواق التي تستوعب الصادرات الرومانية وافتقار البنية الاقتصادية لتلك الدول للقدرة على تلبية حاجات السوق الرومانية، وذلك رغم أنَّ رومانيا وجيرانها كانوا ينتمون إلى مجموعة دول الكوميكون، بالمقابل ينعكس المحدد الجغرافي في أهميته على بعض دول الجوار لرومانيا كالمالديف التي تصل نسبة تبادلها التجارية مع رومانيا لأكثر من 20% من إجمالي حجم تجارتها الخارجية مقابل بلغاريا التي يقتصر حجم تجارتها الخارجية مع رومانيا على حوالي 8%، يضاف إلى ذلك فإنَّ أهمية المحدد الجغرافي لا تقتصر على الدول الحدودية بل يشمل كل جوار حتى لو كانت حالة من التعاون الاقتصادي ممكنة بين دولتين، فإنَّ الدولة الأقرب تكون ذات ميزة نسبية لوجود تبادلات اقتصادية مكثفة عن الدولة التي تقع في منطقة جغرافية بعيدة كأن تكون في قارة أخرى، وفي حالة التبادلات التجارية الرومانية تستحوذ المانيا على 20% من إجمالي التجارة الخارجية لرومانيا، وتمر معظم تلك التبادلات عبر الدول الحاجزة بين البلدين. أي أنَّ أهمية دول الجوار لا تقتصر على التبادلات التجارية بل تمتد إلى تجارة الترانزيت.
5-كوريا الجنوبية: تصنفَّ عادة ضمن مجموعة "النمور الآسيوية" أو الاقتصاديات الصناعية الناشئة. بالرغم من أنَّ لا حدود طبيعية تفصلها عن كوريا الشمالية ولا عوائق ثقافية وبالرغم من الأهمية القصوى التي تشكلها كوريا الشمالية لجارتها الجنوبية ليس على الصعيد السياسي والأمني فحسب بل على الصعيد الاقتصادي لكونها تشكل بوابتها للعبور إلى الأسواق الصينية الأكثر أهمية لكوريا الجنوبية (20% من حجم التبادلات الكورية الجنوبية) وحاجة السوق الكورية الشمالية لبضائعها إلا أنَّ الخلاف السياسي الحاد بين البلدين جعل من العلاقات الاقتصادية بينهما شبه معدومة. وهنا نجد، وبخلاف الحالات المذكورة سابقاً، أنَّ المحدد الجغرافي فقد قدرته على التأثير تحت ضغط المحدد السياسي، بل شكّل عاملاً سلبياً أمام التبادلات الاقتصادية لكوريا الجنوبية. وبسبب من هذا العامل تسلك التبادلات التجارية لكوريا الجنوبية طرقاً أطول للوصول إلى الأسواق الصينية والروسية، بالإضافة إلى خسارتها لسوق كوريا الشمالية.
بالاستخلاص العام من دراسة عينة الدول آنفة الذكر نجد أنَّ الموقع الجغرافي وبالتحديد في سمة الجوار الجغرافي يشكل محدداً رئيسياً من محددات العلاقات الاقتصادية الدولية، إلا إنه ليس محدداً بحد ذاته، بل يرتبط دوره بمحددات أخرى كمستوى تطور الاقتصاد في البلدين الجارين وكذلك طبيعة الحدود طبيعية أم سياسية، فضلاً عن التجانس المجتمعي والثقافي بالإضافة إلى العلاقات السياسية.
المراجع:
محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية، ط2، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1998، ص 286.
International Monetary Fund data
علي أحمد هارون، أسس الجغرافية السياسية، ط1، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر، 1998، ص302: 304.



#محمد_شعباني (هاشتاغ)       Mohammad_Shabani#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحولات البنية الصناعة السورية في حقبة الجمهورية العربية المت ...
- انعكاس التبادلات الاقتصادية الدولية على بنية القطاع الصناعي
- بنية الصناعة السورية منذ الاستقلال وحتى عشية الوحدة السورية- ...
- الصناعة السورية منذ القرن التاسع عشر وحتى عام 1946
- دور البنية الاقتصادية في تحديد التخصص والتقسيم الدولي الجديد ...
- دفاعاً عن النيوليبرالية


المزيد.....




- وزير المالية القطري يجتمع مع نائب وزير الخزانة الأمريكية
- هل تكسب روسيا الحرب الاقتصادية؟
- سيلوانوف: فكرة مصادرة الأصول الروسية تقوض النظام النقدي والم ...
- يونايتد إيرلاينز تلغي رحلات لتل أبيب حتى 2 مايو لدواع أمنية ...
- أسهم أوروبا تقلص خسائرها مع انحسار التوتر في الشرق الأوسط
- اللجنة التوجيهية لصندوق النقد تقر بخطر الصراعات على الاقتصاد ...
- الأناضول: استثمارات كبيرة بالسعودية بسبب النفط وتسهيلات الإق ...
- ارتفاع كبير في أسعار النفط والذهب عقب الهجوم على إيران
- صحيفة: إسرائيل جمعت أكثر من 3 مليارات دولار منذ بداية الحرب ...
- ماذا تتضمن المساعدات الأميركية الجديدة لإسرائيل وأوكرانيا؟


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - محمد شعباني - دور الجوار الجغرافي في التبادلات التجارية الدولية