أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - صلاح الدين ياسين - قراءة في كتاب -نقد الليبرالية-















المزيد.....

قراءة في كتاب -نقد الليبرالية-


صلاح الدين ياسين
باحث

(Salaheddine Yassine)


الحوار المتمدن-العدد: 7562 - 2023 / 3 / 26 - 20:47
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


كتاب من تأليف الطيب بوعزة، الكاتب والباحث المغربي، صدر في العام 2013 عن تنوير للنشر والإعلام، والذي عُني فيه بتقديم نقد شامل للإيديولوجيا الليبرالية من حيث مواضيعها وقضاياها الأساسية. ولعل ما حفزه على ذلك هو فشو وذيوع مقولات "نهاية التاريخ" التي يروجها أتباع ذلك المذهب - لا سيما في أعقاب انهيار المعسكر السوفييتي ونهاية الصراع الإيديولوجي الذي وسم حقبة الحرب الباردة - ومؤداها أن الليبرالية هي آخر مراحل التطور التاريخي، إذ لا يمكن تصور وجود بديل مستقبلي خارج منظومتها. على أن الكاتب ينبه إلى أن نقده لليبرالية لا يتغيا شرعنة الاستبداد وإشاعة طرح معاد للحرية، بقدر ما يبغي تعرية عيوبها ونقد مزاعمها ومسلماتها الإطلاقية. وهكذا انصرف الباحث المغربي إلى مساءلة الليبرالية في شتى أبعادها السياسية والاقتصادية والأخلاقية، متوسلًا بمقاربة منهجية متكاملة (معجمية، تاريخية، نسقية...):
محددات النظرية الليبرالية السياسية
أحال مؤلف الكتاب، في معرض تَنَاوله لمرتكزات الرؤية الليبرالية السياسية، إلى ثلاثة نماذج نظرية لثلاثة مفكرين من رواد الفكر الليبرالي السياسي، ونعني بذلك تحديدًا نيكولا ميكيافيللي، وجون لوك، ومونتيسكيو، إذ أن هذا الاختيار المحسوب يُعزى، في تقدير الكاتب، إلى أن كل مفكر من هؤلاء أسهم في بلورة محدد من المحددات المفتاحية الناظمة لليبرالية السياسية، والتي يمكن حصرها على النحو التالي: الفصل بين السياسة والأخلاق المثالية، الرؤية الذرية للوجود الاجتماعي، تحرير الفرد المالك من استبداد السلطان السياسي.
وفيما يتعلق بالمفكر الإيطالي نيكولا ميكيافيللي (1469-1527)، فإنه لا يجمل بنا، كما يذهب إلى ذلك الكاتب، اختزال نتاجه الفكري في كتابه "الأمير"، إذ لا مندوحة من استحضار متنه الآخر الموسوم ب "أحاديث"، بحسبانهما نصين متكاملين لا متناقضين، بحيث يجسمان المنظور الكلي للنظرية السياسية الميكيافيللية. ففي مؤلفه "الأمير"، جنح صاحب مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة" إلى المنافحة عن "استبداد مؤقت"، بما هو شرط عملي ضروري لتوحيد إيطاليا في دولة وطنية حديثة، وإنهاء حال الانقسام والفرقة التي كانت تتخبط فيها آنئذ، وهي الغاية التي لا تملك أن تتوسل بوسائل أخلاقية صرفة، كما يرى ميكيافيللي، بقدر ما تتطلب وجود حاكم قوي في وسعه تجسيدها على أرض الواقع. أما في كتابه "أحاديث"، يتمثل صاحبنا الدولة (الموحدة) بعد قيامها واستتبابها، دولة جمهورية تنتظم وفق مبدأ الحرية لا الاستبداد.
وهكذا فقد أرسى المفكر الإيطالي نموذجًا نظريًا قوامه الفصل بين السياسة والأخلاق كمحدد رئيسي لليبرالية السياسية، وهو النموذج الذي ما يزال محتفظا براهنيته في سياقنا المعاصر، ذلك أن السياسة، كما نعاينها في واقعنا، لا تنضبط لمُثل أخلاقية فضلى، بمقدار ما هي مشدودة إلى إغراء المصلحة والمنفعة.
أما بالنسبة لجون لوك (1632-1704)، فإن إسهامه المحوري في النظرية السياسية الليبرالية، يكمن في بلورته ل "رؤية ذرية" للوجود الاجتماعي، تقارب المجتمع من حيث هو "جمع من الأفراد"، الأمر الذي يشرعن للنزعة الفردانية المتطرفة الشارطة للفلسفة الليبرالية، ناهيك بدفاعه المستميت عن الحق في الملكية الخاصة، التي اعتبرها عاملًا أساسيًا في الانتقال من المجتمع الطبيعي إلى المجتمع السياسي المنظم. وصولًا إلى مونتيسكيو (1689-1755)، الذي ذاع صيته بفضل نظريته حول "الفصل بين السلطات"، والتي مفادها أن توزيع القوة السياسية بين السلطات الثلاث هو الضمانة الفعلية لدرء خطر الاستبداد، ومن ثم كفالة الحرية السياسية. بيد أن المفكر الفرنسي، في نظر الكاتب، قد انشغل أساسًا بتحرير الفرد المالك للقوة الاقتصادية (وسائل الإنتاج) من بطش السلطة السياسية، لا الفرد الإنساني بالمدلول الواسع للكلمة، الشيء الذي يُبرز أن الليبرالية هي إيديولوجيا الطبقة البرجوازية بامتياز.
الليبرالية الاقتصادية وتشييء الإنسان
عرج الكتاب على أبرز النظريات الاقتصادية المقترنة بالمذهب الليبرالي، بدءًا من المذهب الفيزيوقراطي الذي نشأ في فرنسا إبان القرن 18، واعتنق نزعةً معاديةً للتصنيع، فيما انتصر للأرض ونمط الإنتاج الزراعي كمصدر للثروة. وبرغم مناهضة الفيزيوقراط للواقع المتولد عن الثورة الصناعية، تكمن ليبرالية هذا المذهب في تمجيد الملكية الخاصة ورفض تدخل الدولة في الاقتصاد.
مرورًا بآدم سميث (1723-1790) مؤسس علم الاقتصاد السياسي الحديث، وصاحب كتاب "ثروة الأمم"، الذي دافع بضراوة عن حرية النشاط الاقتصادي وعدم جواز تدخل الدولة فيه، بزعم وجود قانون طبيعي يضبط توازن وانتظام السوق الاقتصادية. وفي نظر سميث، فإن العمل هو مصدر الثروة والقيمة، ولذا نادى بالتقسيم التخصصي للعمل لزيادة الإنتاج، كما أعلى من شأن الاستثمار بوصفه محركًا أساسيًا للتنمية الاقتصادية، بحيث شجع على ادخار المال من أجل استثماره. وصولا إلى الاقتصادي توماس مالتوس (1766-1834)، الذي ذهب إلى أن النمو الديموغرافي المفرط للسكان يعيق التنمية الاقتصادية، لكون أن وتيرته تتجاوز نمو موارد العيش، وهي الرؤية الاقتصادية التي ما انفكت توجه تفكير النخب الليبرالية الاقتصادية إزاء دراسة أسباب التخلف الاقتصادي بالدول النامية تحديدًا.
كما أضاء الكاتب على النظرية النيوليبرالية أو "الليبرالية الجديدة" التي تؤطر واقعنا الاقتصادي المعاصر، بالإحالة إلى ظروف نشأتها في سبعينيات القرن الماضي تزامنًا مع الأزمة النفطية، إذ رأت أن الأزمة إياها لا ترجع فقط إلى ارتفاع سعر النفط، وإنما إلى النفقات الباهظة التي تُصرف من ميزانية الدولة لصالح خدمات الرعاية الاجتماعية، إذ عملت النيوليبرالية على إحياء المبادئ المؤسسة لليبرالية الكلاسيكية، مناديةً بتحرير النشاط الاقتصادي من تدخل الدولة، والحد من نفقات الدولة على الخدمات الاجتماعية، لتنسف بذلك مكتسبات الحقبة الكينزية في إطار ما كان يسمى ب "دولة الرفاه". وعطفا على ذلك، فإن النيوليبرالية ستتغذى لاحقا من انهيار الكتلة الاشتراكية وبروز العولمة الداعية إلى فتح الحدود أمام حرية تنقل السلع والبضائع.
وبقطع النظر عن التمايزات بين المذاهب الليبرالية المختلفة من حيث تنظيرها للواقع الاقتصادي، فإن جوهر الرؤية الليبرالية الاقتصادية هو النزوع إلى تشييء الإنسان واختزاله إلى محض كائن اقتصادي - استهلاكي، شاغله الأساسي هو اللهاث وراء الاستهلاك والربح المادي، وهي بذلك تُهمل كل ما يمت بصلة إلى الروح، والمشاعر الإنسانية النبيلة.
علاقة الليبرالية بالحرية والأخلاق
بالرغم من أن الفلسفة الليبرالية يُحسب لها، أقله من الناحية النظرية، تعميق الوعي بقيمة الحرية ووجود شخصية متميزة للفرد بحسبانه قيمةً في حد ذاته، فإن ذلك لا يستقيم مبررًا لاختزال مفهوم الحرية في الليبرالية، ذلك أن الوعي بالحرية متأصل في الكينونة الإنسانية، وسابق لنشأة المذهب الليبرالي، في رأي المؤلف. والواقع أن ليبرالية القرن 19 على وجه التحديد، في صيغتها الاقتصادية، قد أفرغت قيمة الحرية من محتواها الفعلي، حين حولتها إلى أداة لتبرير استبداد الرأسمال، بتعظيمها للمنفعة الشخصية الذاتية، وتقديسها لمؤسسة الملكية الخاصة.
أما فيما يتصل بعلاقة الليبرالية بالأخلاق، يشير مؤلف الكتاب إلى أن الليبرالية هي مذهب غير أخلاقي، لما ينطوي عليه من نزعة فردانية متطرفة تتنكر لأي التزام أخلاقي إزاء الصالح العام للمجتمع. ولعل أظهَرَ شاهد على فقر الحس الأخلاقي لليبرالية المذهب النفعي لرائده جيرمي بنثام، الذي لا يتورع في التوكيد على أن المبدأ الأخلاقي الوحيد الذي ينبغي أن يسود هو مبدأ المنفعة الشخصية، واللذة من حيث هي محدد للسلوك الإنساني. كما أن زعم الليبرالية بالتزامها موقف الحياد الأخلاقي، في تقدير الكاتب، لهو دليل على عدم بلورتها لرؤية أخلاقية متماسكة.



#صلاح_الدين_ياسين (هاشتاغ)       Salaheddine_Yassine#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلقزيز ناقدًا الاستشراق الإيديولوجي ومركزية الغرب
- كتاب -من النهضة إلى الردة- لجورج طرابيشي: هل يملك فكر النهضة ...
- كتاب -لماذا يكذب القادة؟-: دراسة حول أبعاد الكذب في السياسة ...
- كتاب -دنيا وأديان- لنقولا فياض: سياحة في عالم الفكر والفلسفة
- قراءة في كتاب -دراسات في تاريخ المغرب- لمؤلفه جرمان عياش
- قراءة في كتاب -المسألة الثقافية في الوطن العربي- لمحمد عابد ...
- قراءة في كتاب -القوة الناعمة: وسيلة النجاح في السياسة الدولي ...
- كتاب -الشرق الفنان-: خواطر بشأن التمايزات الثقافية بين الشرق ...
- كتاب -الربح مقدما على الشعب-: تشومسكي وتعرية النيوليبرالية ا ...
- كتاب -من الإصلاح إلى النهضة- لعبد الإله بلقزيز: إضاءة على جذ ...
- كتاب -السلطة الثقافية والسلطة السياسية- لعلي أومليل: المثقف ...
- قراءة في كتاب -الإسلام والعلمانية والديمقراطية الليبرالية- ل ...
- قراءة في كتاب -الدولة والمجتمع: جدليات التوحيد والانقسام في ...
- قراءة في كتاب -فكر ابن خلدون: العصبية والدولة – معالم نظرية ...
- قراءة في كتاب -غرق الحضارات- لأمين معلوف
- كتاب -هجرة الأفكار-: التلاقح الحضاري كرؤية بديلة للصدام بين ...
- قراءة في كتاب -نظام التفاهة- للفيلسوف الكندي آلان دونو
- كتاب -معارك التنويريين والأصوليين في أوروبا-: سبرٌ لأهم المر ...
- قراءة في كتاب -سيكولوجية الجماهير- لمؤلفه غوستاف لوبون
- كتاب -سوسيولوجيا النخب-: دليلك لفهم ظاهرة النخبوية ومرتكزاته ...


المزيد.....




- بالتعاون مع العراق.. السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية ...
- مسؤول إسرائيلي حول مقترح مصر للهدنة في غزة: نتنياهو لا يريد ...
- بلينكن: الصين هي المورد رقم واحد لقطاع الصناعات العسكرية الر ...
- ألمانيا - تعديلات مهمة في برنامج المساعدات الطلابية -بافوغ- ...
- رصد حشود الدبابات والعربات المدرعة الإسرائيلية على الحدود مع ...
- -حزب الله-: استهدفنا موقع حبوشيت الإسرائيلي ومقر ‏قيادة بثكن ...
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- طعن فتاة إسرائيلية في تل أبيب وبن غفير يتعرض لحادثة بعد زيار ...
- أطباق فلسطينية غيرتها الحرب وأمهات يبدعن في توفير الطعام


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - صلاح الدين ياسين - قراءة في كتاب -نقد الليبرالية-