أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليم النجار - رنين القيد للأسير عنان زاهي الشلبي














المزيد.....

رنين القيد للأسير عنان زاهي الشلبي


سليم النجار

الحوار المتمدن-العدد: 7547 - 2023 / 3 / 11 - 11:58
المحور: الادب والفن
    


الأسير عنان زاهي الشلبي،
رنين القيد... أمي لم تعد تذكرني
توطئة
اعتقل في الشهر الثالث من العام ٢٠٢٢ لنشاطه في انتفاضة الأقصى، وصدر حُكم عليه من قبل الإحتلال الإسرائيلي مدى الحياة، وكان عمره وقت اعتقاله تسعة عشر عاماُ.
ببن فكرتي الغياب والحضور تقاطعات كثيرة، وبين فكرة الإرادة والاستسلام تقاطعات أخرى، وفي كل من هذا وذاك تكمن تفاصيل يمكن أن تكون جديرة بالملاحظة والقراءة؛ هناك من يختار الغياب عبر الانتحار أو الموت، أو اختيار حضور ضبابي عبر الاستسلام للعزلة، أو إدارتها، أيَّاً كان شكل الغياب والحضور الذي يختاره أو يجبر عليه أو يستسلم له دائماً كاتبٌ هو الأكثر حضوراً في الروح المبدعة، ربما بأشكال مختلفة تصل أحياناُ حد التناقض.
لطالما حيّرتني مسألة النزاع العصيّ على الفهم في النفس المبدعة؛ بين هذين الأمرين- في الوقت الراهن على وجه الخصوص- وخصوصاً لدى الكتَّاب الفلسطينيين القابعين في سجون الإحتلال الإسرائيلي بالتحديد، حيث العيش في معتقلات أقل ما يُقال عنها بأنَّه لا علاقة لها بأدنى شروط توفِّر للحياة الآدمية.
وحيث مرَّ مفهوم كتابة المقال بتحوّلات كبيرة وانفصالات أخرى فيما بين شكله وهدفه وغرضه وبين الكاتب ونفسه.
وكل ذلك لم يلغِ أمراً مهماً ولم يغيّره؛ ذلك أنَّ الروح المبدعة لطالما بقيت وستبقى روحاً تتَّسم بالحساسيَّة المُفرطة والانعزال الإجباري عن التشكُّل في أسراب أو جماعات. هذا (الغياب- الإرادة) أمرٌ لا يمكننا تجاهله حين نودّ الحديث عن صفات هذه الروح التي سطَّرها عنان زاهي الشلبي في كتابه(رنين القيد) الصادر عام ٢٠٢٢ عن مطبعة جوري- عمان.
ثمَّة جملة كثيراً ما أوقفتني وأوجعتني في ذات الوقت وعدت لها مرة بعد مرة: (قررت أن تكون هديتي لأمي "عيد الأم" عرساً أُزفُ به إليها محمولاً على الأكتاف، عرساً فلسطيني الأمنيات والزغاريد والنكهة... وهل سبق لأحد أن يُقدِّم نفسه هدية في عيد الأم؟! ص١٣).
تلك الجملة تمثُّل تعبيراً حقيقياً عن ذلك التناقض الذي يعيشه الكاتب عنان الشلبي عن حيرته بين الحضور باعتباره تأكيداً أوليَّاً على الانتماء للجماعة "البيت"، وبين الغياب بما تُدلِّل عليه العزلة أو الوحدة، كما وصفها: (على "برشي" كنت جالساً أفكر بطريقة أتواصل بها مع الأهل في ظل الأوضاع الصعبة التي كانت تمر بها مدن ومخيمات الضفة من اجتياح بربري هاجم البشر والحجر ولم تنج منه حتى الطيور المقيمة بين الأزقة وأسطح المباني ص٢٤).

إنَّه كاتب يتقلب في وجعه بين رغبته في أن يكون (لا مرئياً) كما قد يؤول نص مثل "مازال ضائعاً" أو "وحدة مزمنة"، وبين رؤيته لدوره بين الجماعة، أي الحضور الذي يختاره:(زيارة الأسير داخل السجون لمن لم يزر أسيراً من قبل تتم من وراء زجاج مغلق لا تعبره اللمسات والروائح والتنهدات وحرارة الأجساد، ولا حتى الأصوات تستطيع اختراقه، إلا عبر سماعة هاتف ينقل الصوت مسجلا غير واضح ومتقطع ص٦٦).
ما يمثِّل الحنين في "رنين القيد" ليس حضوراً فحسب، إنَّه حالة قد تكون أشبه بحالة صراع الكاتب مع ذاته فيما بين إرادة الوجع، لأنه حضور طيفي، يرى ولا يرى، لا يقدر على إمساك الأشياء أو تحسسها، بقدر ما هو قادر على وصفها وتصويرها: (لا يموت الأسير كباقي الكائنات الحية، إذ تشيخ روحه ويشيخ جسده ويغزو الشيب رأسه بينما قلبه يظل طفلاً صغيراً لعلَّ في ذاك عبرةً ما يجهلها هو ذاته ص١٠١).
إنَّ الخيط الفاصل فيما بين استحضار الكاتب للحنين باعتباره أداة من أدواته، هو قدرته على الخروج من الزمن في اللحظة التي يشاء، والعودة دائماً نحو الواقع بكل ما فيه من بشاعة: (أمي تعرَّضت إلى جلطة دماغية عطَّلت كل وظائف جسدها وأقعدتها طريحة الفراش، أفقدتها كل ذلك ذاكرتها فلم تعد تذكر أحداً، حتى أنا لقد نسيتني أمي ولم يعد لي في هذا الكون ملاذاً ألجأ إليه في حالات وهني وضعفي ص٩٦).
إنَّ عدم الوقوع في فخ نسيان الزمن- على الرغم من مصارعة الرغبتين في روح الكاتب- نجح فيه الشلبي، خصوصاً وهو من اختار لتلك النصوص القوية في صدمتها بالواقع: (ولم تعد تدعو لي بالحرية، أجل لم تعد تدعو بتحرري من السجن، فهي لا تعلم أين أنا ص٧٩).
يلجأ الكاتب عنان للخطاب الداخلي الذي هو نفسه الخطاب الخارجي، ولكن دون نطق الحوار. فالمخ يخطِّط للكلام لكنه يتوقف عن دفع العضلات للقيام بعملية النطق، وبناءً على ذلك الصوت الداخلي يردِّد الصدى بنفس خواص النغمة واللكنة وطابع الصوت مثل الخطاب العادي:(لقد رافقتنا الصحفيَّة الحرة شيرين أبو عاقلة على مدار انتفاضة الأقصى وما تلاها كركن أساسي في النضال، شاركتنا الخوف من الموت وحب الحياة، والتشرُّد بين الأزقة العتمة ص١٠٥).
والخطاب الداخلي لا يكون بالضرورة مفيداً للشخص، فعندما تنتاب شخصاً ما حالة من القلق والتفكير فهو يعبّر عن ذلك بكلمات، لكن الخطاب النفسي يزيد في أحيان كثيرة من حالة الاكتئاب والقلق المسيطرة على الشخص، حيث تظل الأفكار المقلقة بداخل رأسه ولا يتم التخلُّص منها إلا في الحالة الفلسطينية يصبح الخطاب فعل لغوي ثائر يحمل في طيَّاته روح مثابرة، وتصبح الكلمات في الخطاب الداخلي الفلسطيني تعمل كأدوات نفسية جمالية: (فكيف إذا كان الراحل وطناً يرتدي زي فارسة غدرها قنّاص مريض، وصوَّب رصاصته المتفجِّرة في تلك النقطة المكشوفة الوحيدة بين الخوذة والدرع؟ ص١٠٦).
"رنين القيد" لعنان زاهي الشلبي موعدٌ مضروبٌ ومكاناٌ بلا زمان، لم تعوِّضه مصادفة أخرى غير الكلمات، فكانت رنين القيد.



#سليم_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة الفلسطينية_ صرخة الحياة في وجه السجان الإسرائيلي
- سلطة الإحتلال الناعمة في محو الذاكرة الوطنية
- رواية الخرزة للأسير منذر مفلح
- عن الشجن وأشياء أخرى_مجموعة شعرية للأسير ناصر أبو سرور
- ترانيم اليمامة_مذكرات أسيرات محررات
- ترانيم_ مذكرات أسيرات محررات
- قصص عين الجبل للأسير الكاتب محمد الطوس ( فيلسوفا وإنسانا)
- رسائل إلى قمر_شظايا سيرة للأسير حسام زهدي شاهين
- رواية حين يعمى القلب للدكتورة وداد البرغوثي
- رواية احترقت لتضيء للأسيرة المحررة نادية الخياط
- رواية الطريق إلى شارع يافا للأسير عمار الزبن
- رواية متاهة الحرية للأسير عبد محمود عبيد
- قراءة نقدية في رواية العاصي للكاتب الأسير سائد سلامة
- ذاكرة القضبان للأسيرة د/سعاد غنيم
- مرايا الأسر قصص وحكايا من الزمن الحبيس للأسير المحرر حسام كن ...
- منارات في الظلام للأسير حسن نعمان الفطافطة
- المشروع الوطني الأردني الفلسطيني / بين الواقع والطموح
- جغرافيا كافرة وتيه فلسطيني جديد
- مهزومون في زمن البيع .... سائرون نياماً في الحاضر
- الثقافة في ومواجهة ثقافة الاستهلاك


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليم النجار - رنين القيد للأسير عنان زاهي الشلبي