أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سليم النجار - الثقافة في ومواجهة ثقافة الاستهلاك















المزيد.....

الثقافة في ومواجهة ثقافة الاستهلاك


سليم النجار

الحوار المتمدن-العدد: 1566 - 2006 / 5 / 30 - 12:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الثقــافــة المقاومــة ... فـي مواجهة
كارثــة ثقافــة الاستهــلاك
مقــدمـــه :

فيما يغرق الانسان في معضلاته ، ويعيد انتاج ازمته على غير صعيد ، ومن غير مصــدر ، تلوثا معرفيا متصاعدا وارهابيا منظم ، وتدميرا منظم .

تقف ثقافة المقاومة ، فاحصة هذه البانورما الوجودية للانسان ، مساءلة ازمته ، وعنفه اتجاه نفسه ، واتجاه الطبيعة .

وتبقى الثقافة المقاومة ، في مواجهة مستمرة بين سلبيتين ، سلبية الفعل العاجز للانسان الذي استجاب للثقافة الاستهلاكية ، والسلبية الثانية ، حركة اللافعل للانسان الذي يستجيب لهذه الثقافة .

في السطور القادمة يتم الكشف عن معضلات وضرورات الثقافة المقاومة في مواجهة الثقافة الاستهلاكية ، لا يوصف ان الثقافة المقاومة تملك فعلا ناجزا ، لانها اذا ادعت ذلك فانها تنفي الصفة عنها ، صفه المقاومة ، فهي في حركة دورية في الكشف والمواجهه ، للثقافة الاستهلاكية .

كما ان هذه السطور تتحدث عن الثقافة كفعل قيمي لا يحتمل التأويل اتجاه التلافي في خطوط الوسط بين ثقافة استهلاكية ، وانسان يفضل الاستسهال ، بالتالي يبحث عن ذرائع غير موضوعية ليجاوب بشكل او بآخر مع ثقافة استهلاكية تهدم إنسانيته كل لحظـة .

ثقافة المقاومة هي فعل وجودي للانسان ، تتناقض كليا مع ثقافة استهلاكية تنفي هذا الوجود ، وتصر على عودة الانسان الى بدائية ، عندما تدفعه للربح الاول ، الغريزة .









ان ما تواجه الثقافة المقاومة اليوم من تحديات تحتاج الى وعي غير تقليدي ، او نمطي . كما ان هذا الوعي يتطلب فهما عميقا لطبيعة التغيرات التي طرأت على المشهد الثقافي الانساني .

فظهور شبكة الانترنت والقنوات الفضائية ، التي شكلت اشكاليات مختلفة لثقافة المقاومة ، والتي جعلت من هذه الثقافة تتخاصم في المعنى والشكل ، واصبح الحديث يدور عن كل مقاومة ثقافية تخضع لجغرافيا محددة عربية ، تتحدث وتبدع نصوصها كأنها جزيرة منعزله عن محيطها العربي .

هذا الانعزال هو الذي دفع الحديث عن الخصوصية ، وساهمت شبكات الانترنت والفضائيات بوعي ممنهج في رسم هذه الحدود الفاصلة بين اجزاء المقاومة الثقافية العربية ، الموجه عبر تصوير من خلال كم هائل من البرامج وضخ آلاف المعلومات المضلله عن الثقافة كفعل مقاوم ، وتصويرها على انها ثقافة جمالية محايدة !

وبدأت هذه التقنيات جعل الحياة مستحيلة على الانسان ، في العيش في مجتمعات تتطور من خلال التكييف ، ولا يتلائم مع هذا التطور ، الذي فجر كل التقاليد الثقافية التي ترفض القهر والظلم ، واصبحت هذه المفاهيم بالية ، لا تخضع الا لمنطق العجز ، وعدم هضم التطور .

وقد مهدت لشيوع ثقافية التقنية ، انتصار ثقافة التصنيع التي اشتعلت في القرن التاسع عشر في اوروبا ، وتحديدا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، والتي استطاعت القاء بظلالها على المجتمعات الغربية انذاك ، وانتصرت على الثقافة بشكل عام ، والثقافة الجمالية بشكل خاص وكان لهذا الانتصار ثمنا غاليا دفعه الانسان من خلال الحروب ، العالمية الاولى والثانية ، والتي شكلت هاتان الحربان ، ميزان دقيق بين ثقافة المقاومة ، وثقافة التصنيع لم تحسم نتائج هذه المعركة بعد الحرب العالمية الثانية ، وبقي الصراع قائما ، وفي فترات زمنية محددة ، خاصة في المنتصف الثاني من القرن العشرين مالت الكفة لصالح المقاومة في اوروبا وفي معظم العالم الثالث ، وشهد الانسان ثمرات هذا الانحياز لثقافة المقاومة ، سينما متطورة تقنيا وجماليا في فرنسا على سبل المثال ، وايطاليا ، وعلى صعيد الادب ، ظهرت الرواية الرومانسية ، في فرنسا التي تعبر عن رفض الانسان ثقافة القتل ، ولعبة المال ، الذي دائما تحركه شهوة اشعال الحروب الكونية .

لكن سرعان ما اشتعلت الصراعات مرة اخرى ، بعد انفجار الثورة العلمية ، وطغت شبكات الانترنت والفضائيات على المشهد البصري للانسان . واصبح الطباخ لهذه الثورة لا يحضر الوجبة الغذائية ، حسب تقاليد الطبخ ، بل على اسس المعايير التقنية الموظفة لجعل ذائقة الانسان البصرية محايدة ، بمعنى تدفعه بكل بقوة لغريزة عاطفية مؤقته ، تذهب مفعولها بمجرد ، ذهاب المؤثرات التقنية .

هذا الحياد ، ليس المقصود منه المعنى الاصطلاحي ، للكلمة ، بل اصبح الحياد ، ان كل شيء فيه وجهه نظر من باب المناكفة والمجادلة التي لن تفضي لشيء يذكر .

وبهذا الاعتراك المفتعل عادة من قبل اصحاب الثقافة المحايدة !

ان هذا الاستشعار الحساس من هؤلاء رواد ثقافة الوجبات السريعة ، الدفعات العاطفية ، يسعون بشكل حثيث خلق فوضى تستشعر بعمق اهمية انفصال ثقافة المقاومــة ، وثقافة الوجبات السريعة . كردات فعل متوترة ، تجعل من الثقافة بشكل عام وجبة سريعة التحضير ، وعسيرة الهضم ، ويجب ان تكون هنالك وسائط تقنية لتسريع هضم الثقافة ، وبطبيعة الحال ، لن تكون هذه الوسائط معينة بثقافة المقاومة ، فهذا الموضوع يعنيها من باب الصراع ، وليس من باب التواصل ، لذا فكل الجهد لوسائط النقل ، في خدمة ثقافة الوجبات السريعة .

وحينما بزغت التقنية كبيئة حاضنة للثقافة المعاصرة ، اصبح المجتمع ثانوي ، ومنتجي الثقافة هامشين ، واللاعب الرئيس في هذا المشهد الثقافي الكوني ، التقنية .

ومن ثم بدأت الثقافة السريعة ، تتقبل الواقع كما هو ، بل ذهب ابطال هذه الثقافة ، بالترويج ، على ان التقنية هي ثقافة ، بحد ذاتها ، وبالتالي تصبح حلقة من حلقات في دوائر الثقافة .

هذا التحايل من قبل هؤلاء تنكشف ازمة ومأزق العيش في مجتمع جماهيري تهمين عليه التقنية وتغلقه على نفسه . واعتراف كبير ان هذه الثقافة اصبحت شرط من شروط انتاج هذه الثقافة . وهذا خلل بنيوي في تعريف الثقافة اصطلاحا ومضمونا في كيفية انتاج ثقافة . فهذه الثقافة حتى هذه اللحظة هي وسائط نقل لها ينتج ، وليست رحم لانتاج ، وهنالك فارق بين الرحم الذي يتفاعل مع ما تنذف له ، وينتج كائن حي مشترك ، يتساوى فيه الانتاج ، بين طرفيين حيان ، ووسائط خرساء تنفذ ما يقدم لها ضمن الية منهجة على أرضية ثقافة تعادي ، كل ثقافة مقاومة ، على اعتبار ان الثقافة المقاومة ضد وجود أي ثقافة اخرى تحمل في بذورها فيروسات للنسيان السريع . التي تقوم على الهدم والبناء واعادة الإنتاج ، في ظل ساحة الاملاء على قاعدة النسيان . التي تبدأ بالإنسان وتنتهي بالإنسان من غير المرور بالدولة ، كمؤسسة ناظمة لحركة الإنسان . ولا تلجأ هذه الثقافة للدولة ، الا عندما تكون مرغمة في خدمة أغراضها السياسية ، بعد ان تكون قد عجزت تمرير هذه الثقافة ، من خلال مشاعيه المؤسسات التي تتبنها ، والتي تكون اكثر امتدادا .

من مؤسسات الدولة . وعادة هذه المؤسسات تأخذ صفات خادعه ، كالقيام بالترويج للثقافة الديمقراطية ، تنشر الثقافة السياسية الليبرالية ، وكل هذه التوصيفات خادعة وكاذبة ومظللة ، لان هذه الثقافة لا تسعى لتكريس المعرفة كحد فاصل بين الخرافة ، والحياة بل هي تعيد إنتاج الخرافة بمفاهيم عصرية ، وتصبح هذه المفاهيم اصنام تعبد وتقدس ، من اجل الدخول في جنة الاستهلاك .

تخرج هذه المؤسسات المشاعية على النظريات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية ، وترهن حق الإنسان في الحياة ، بتنمية وتطور ضمن نظرية الاستشراق والارتزاق ، والعيش على ثقافة طفيلية ، تكون حاملا موضوعيا للتعاطي مع هذه المشاعية .

ثقافة المقاومة تدرك حركة هذه المؤسسات ، وجوهر حركتها الاجتماعية ، كشرط موضوعي تحرف الإنسان عن ادامتيه بصورة مستمرة ، وتجعله اسيرا لمشاعية مفرطة في استنزاف انانية بدون مبرر موضوعي ، فيتحول الإنسان لصنم جديد ، يضاف للاصنام التي قامت المؤسسات المشاعيه على ضاعتها وتوسيقها ، على انها من مفردات العصر الحديث .

هذا الادراك من قبل ثقافة المقاومة ، تجعلها دائما في محل استهداف من قبل تلك المؤسسات التي فقدت انسانيتها من زمن بعيد .

ثقافة المقاومة ، التي تتحرك في هذا الوعي ، تعي سلفا انها تحل محل ثقافة اليوتوبيا المشاعيه التي استطاعت المؤسسات المشاعيه ، تضليل الكثير من المثقفين والمبدعين ، وتمرير يوتوبيا جديد ، دون ادراك هؤلاء المبدعين ، انهم يعيشون ثقافة يوتوبيا عصريـة ، مفرداتها تغزو عقولهم يوميا من خلال الكم الهائل من المفاهيم والمفردات التي تندفها تلك المؤسسات في مختلف فروع المعرفة سواء العلمية الصرفة منها او الإنسانية .

ويتشكل من هذا الامتداد الهائل المشاعي ، قاعدة معرفية يتم بنائها في غياب الدولــة ، لا بل تدفع هذه المؤسسات ، ان تعيش الدولة في غيبوبة مستديمة ولا تستفيق من غيبوبتها الا حين تقوم تلك المؤسسات بإعادة الحياة للدولة .

المقاومة الثقافية بينيوتها ، ترفض هذا التغييب ، لحق الإنسان الذي اخترع مفهوم الدولــــة ، بعد تضحيات طويلة ومريرة عبر التاريخ وتصر على ان الانسان مدني بطبعة ، وليس بفطرية ترى ان هذه الثقافة المشاعية ، لن تؤدي الا لقتل إنسانية الإنسان ، لذا نراها تركز على مفاصل هامة في ثقافة الإنسان التي تنحاز بطبعها للقيم الجمالية ، والقيم البصرية التي تجعل منه أنسانا بطبعه .

هذا الاشتباك بين الطبع والفطرية ، يجعل من الثقافة المقاومة هي الأكثر ادراكا ووعيا بمتطلبات الإنسان ، وان تتمظهر في بعض المراحل التاريخية ، انها تقوم على العنف الا انه في واقع الحال ، ان هذا العنف ضد المؤسسات المشاعية ضرورية لوقف تمدد هذه المؤسسات ، التي لا تعرف غير هذه الثقافة المقاومة تلقي بهوية الإنسان الفطرية ، على قارعة التاريخ الانساني ، فهي تنفصل في اللحظة المقاومة من فطرية الانسان ، الذي عادة يستسهل الحياة ، وينصاع لغوايته الأبدية الانحياز للاستهلاك السهـل .

ان هذه الحقيقة ، على الرغم من المها ، الا انها تدفع بالإنسان بالبحث عن معوقات القبول بثقافة المقاومة ، كدافعة للعقل الذي يبحث عن البحث عن طريق الخلص من ثقافة استهلاك تحولة الى جثة خاملة تأكل وتشرب وتتمتع بالغرائز دون استمتاع فعلي في تلك المفردات الإنسانية ، وتصبح الغاية ، الوصول لغاية الاستهلاك وارضاء الغرائــز ، التي عادة تنتج ثقافة بوهمية ، قائمة على فطرية تستمد مشروعيتها من التركيب الفسيولوجي للإنسان .

هذه التحولات لن تحقق للإنسان آدميته ، الا اذا استطاعت الثقافة المقاومة ، ان تقدم مصوغها التاريخي الإنسان ، ضمن ضرورة ، ان الجمال بمعناها الإنساني شرط التواصل بين العقل المنظم ، وفطرية الإنسان التي تتخلص من شوائبها ، في حال نجاح الثقافة المقاومة في ترسيخ مشروعيتها .

بذلك الأمر يكون الصراع بين قيم جمالية ، تتمثل في الثقافة المقاومة ، وقيم فطرية تتمثل في المؤسسات المشاعية ، التي تبدع في سيادة الثقافة الغرائزية ، وتحاول تسويغها على انها ثقافة جمالية ، تخضع لمعيار الجمال الخالص ، الذي يتعاطى مع الحواس كقابلة للاستهلاك ، فاصلة وعي الحواس ، وحاجيتها للاستهلاك .

هذا الفصل ليس يوتيبا ، او جاء ضمن ضرورة التراكم المعرفي ، فهذا الادعاء ، رغم وجهاته ، الا انه في طياته يحمل الكثير من المغالطات المعرفية ، فلا يمكن فصل الحواس للإنسان عن الوعي ، بمعنى ادراك هذه الحواس ، ان الوعي الممر الطبيعي لإفرازات الحواس ، في ترجمة ما يقدم لها . وهو بالتالي الذي يقرر ما كان هذا الذي يقدم له جيد ، او غير ذلك لان الوعي بمعناها الثقافي الأكثر قدر على تعريف وتوصيف ما يقدم له . والا لا يستطيع الإنسان بحواسه الخمسة ، تعريف ما يقدم له .

وتصبح العملية برمتها استهلاك مشاعي ، لاقيمة له ، الا قيمة ثقافة البقاء كغريزة . وهذا ما تعمل علية الثقافة الاستهلاكية ، تحويل الانسان الى مادة غريزية لاقيمة لها الا ضمن ماكنتها الثقافية . وكل من يخرج عن هذه النظومة ، يصبح لا معنى له ان هذه الخلاصة للثقافة الاستهلاكية ، هي التي تدفع بالثقافة المقاومة ، ان تتصدى بقيم جديدة ومبتكرة ، تجعل من كرامة الانسان تتساوى مع كرامة المعرفة . فالمعرفة التي تدفع بسمو الانســان ، هي التي يجب ان تسود ، في حياتنا المعاصرة . وهي تعمل من اجلها ثقافة المقاومة . ولو وقفنا قليلا في التاريخ الابداعي الانساني عبر كل مراحل تطور الابداع الانساني ، لاكتشفنا ان المقاومة دائما ، كانت هي الدافع والمنتج والمبتكر لتلك القيم الجمالية التي تشير بخطأ متوازية مع حياة الانسان .

فكل الفنون الانسانية ، لم تكف يوما وليدة الثقافة الاستهلاكية ، او ضرورة استهــلاك ، بل كانت حاجة ماسة لفلسفة الوجود ومشروعية الانسان على الارض .

هذا الصراع بين الإنسان والطبيعة ، كان دائما يحث الثقافة المقاومة ، تأصيل ادامية الإنسان ، والتعامل مع الطبيعة كجدلية دائرة رحاها بين المعرفة التي تعزز وجود الإنسان في الطبيعة ضمن منظومة التواصل بينه وبين الطبيعة ، على اعتبار ان الطبيعة هي الرحم الحقيقي للإنسان ، وليست نقيضا له . كما تحاول الترويج الثقافة الاستهلاكية . وتصوير الامر على انه صراع الاضداد .

صحيح نحن اليوم امام انماط جديدة ، من الثقافة التقنية ، التي تصنع ايقاعات متسارعة ومتوترة ، وفائقة التطور ، وسريعة التحول ، لكن هذا الخلق الجديد ، لم يتأتي على أرضية خدمة الإنسان بوصفة انسانا طبيعيا تعايش مع مفرداته الإنسانية ، بشكل مدرك . بل جاءت هذه الثقافة على ارضية التضداد مع الطبيعية ، والإنسان الرافض لتحويل لتلك الثقافة وحش يلتهم كل ما هو خير في قيم الإنسان .

هذا الاستبدال بين قيم الإنسان ، وقيم الثقافة ، جعلت من ثقافة المقاومة اكثر من ملحة ، واكثر من ضرورية ، لخلق حالة التوازي بين الثقافة المفرطة في تواجهها نحو الامعنى الأخلاقي ، وبين إنسان ما زال مصرا على معنى أخلاقي لتواجده على هذه الأرض .

مثل هذا الانفتاح الأخلاقي على الثقافة من قبل ثقافة المقاومة ، تجعل من إمكانية التبادل بين الإنسان والإنسان إمكانية أخلاقية ، تقف في وجه هذا التغول من قبل الثقافة التي تقودها الثقافة الاستهلاكية .

وهكذا فان قواعد الصراع بين الثقافة المقاومة ، والثقافة الاستهلاكية ، تتغير حسب تطور الثقافة .

ان صراع ثقافة المقاومة في وجه ثقافة الاستهلاك ، تجعل من ثقافة المقاومة دائمة الحيوية ، في تغير اشكال المعرفة ، التي يجب ان تكون في خدمة القيم الجمالية الاجتماعية ، وهذا ما تحاول الثقافة الاستهلاكية الوقوف ضده .

فوباء العزل الذي تمارسه الثقافة الاستهلاكية ، بين شكل المعرفة ، وشكل القيم الجمالية الاجتماعية ، هي التي تجعلها دائمة البحث عن بدائل مغايره لطبيعة ، الإنسان ، مستغلة التطور التقاني لصالح ترويج هذه الثقافة .

في المقابل تحاول الثقافة المقاومة الخروج من جزر العزل التي تصنعها ، وتصنعها الثقافة الاستهلاكية ، بخلق أنماط جديدة لمحاربة هذه المعضلات .

والجزر المقصودة ، هي تلك التي تتمركز حول فكرة إخضاع الغرائز في مناطق منفصلة عن الوعي ، لكي يظهر الوعي في هذه الحالة البحر الذي يحيط بتلك الجزر ، وبالتالي تخضع العلاقة بين الوعي الغرائز لقوانين جغرافية هذا ما قاتلت من اجله وما تزال الثقافة الاستهلاكية في تكريسه في المشهد الإنساني . وعلى هذا النحو تنسيج تلك الثقافة العلاقات بين المجتمعات الإنسانية .

وهنا تبرز المعضلة الكبرى لثقافة المقاومة عندما تتخلل الثقافة الاستهلاكية كعنوان ناظم لعلاقات الاجتماعية بين المجتمعات ، وبالتالي تصبح سمة من سمات المجتمع .

ولذا القول ان محاولات الانفكاك التي تقوم بها ثقافة المقاومة ، عن الثقافة الاستهلاكية ، اثناء الصراع الثقافي داخل المجتمعات البشرية ، هي مقوله غير دقيقة ، لان الصراع بين ثقافة المقاومة بفعلها الجمالي القيمي التي تدفع الإنسان ، الى رقي وتحضر ، يختلف تماما عن الثقافة الاستهلاكية التي تستبعد الإنسان وفقا لقوانينها الغرائزية ، ان الصراع لا يمكن دفعها صراعا جدليا او ديالكتيا بالمعنى الحرفي للمصطلح ، بل يتحداها لصراع وجود وبقاء ، فمن المعلوم ان الثقافة الاستهلاكية لا تقبل الشراكة او الحوار مع احد . بل في ينيوتها وتكوينها المعرفية ، ديكاتورية التوجة والهدف . وعلى نقيض الثقافة المقاومـة ، التي تنطلق من عمق ازمة الوجود للإنسان بوصفة إنسان ، فالفارق بين الاثنين كبيرا جدا . ثقافة تتشكل في بداياتها وبنيوتها كنزعة اخلاقية ، وتحمل عنوانا مقاوما ، وثقافة تتشكل في بداياتها ، وبنيوتها الغاء إنسانية الإنسان .

هذا الفارق لا يفتح أي آفاق للحوار ، او التضاد بل يفتح مجالا رحبا لصراع البقاء . ان هذا الصراع يأخذ أشكالا مختلفة ، وان انصهرت في نهاية المطاف ، صراعا ثقافيا ، يتخلله أشكال مختلفة من التمظهرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية .

التي تؤدي عادة إلى أزمات مزمنة ، واخفاقات متلاحقة ، تعمل الثقافة المقاومة على تفكيكها واعادة إنتاج ثقافة مغايرة متجددة تتجه نحو سعادة الإنسان ، وستبقى الثقافة الاستهلاكية تلد هذه الأزمات بعدة فكرية قديمة ، قدم الإنسان .



#سليم_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوعي الشقي .... وشقاء ثقافة السياسي المتأسلم .
- ثقافة الاصلاح ...ديمومة القطع مع تراث ثقافة القبور
- قبل الأوان بكثير
- . وهم البصر ....المرأة الفلسطينية حلم الرغبة .
- رؤى بعض المثقفين العرب ....كوميديا سوداء .
- قراءة ماركسية للفكر السياسي النظري الفلسطيني .
- الاصولية تجذر مداميكها بالتعاون مع الانظمة الراهنة
- سرك حماس في غزة
- الدراما العربية تستشف هي الاخري ازمات التاريخ العربي
- ناجي العلي.. قمر المنفى
- المشروع النهضوي العربي- التحدي التاريخي
- قراءة في الاسلام السياسي - مسلسل الطريق الوعر
- تصريحات محمود عباس كوميدية
- حفل راقص امريكي ايراني
- انبهـــــار الثقافـــــة العربيـــة فـي اشكالاتهـــا
- انجاد مرشح الفقراء ........ حصر الاصوات .....
- لمــاذا اليســـار الان ؟ قتـــل جـورج حـاوي خطوة علـى الطريـ ...
- الحلقة الثانية في قراءة المشهد الثقافي الفلسطيني
- قراءة في المشهد الثقافي الفلسطيني
- الثقافة الفلسطينية -أنا- منغلقة على ذاتها، وفضاءا مفتوحا على ...


المزيد.....




- اختيار أعضاء هيئة المحلفين في محاكمة ترامب في نيويورك
- الاتحاد الأوروبي يعاقب برشلونة بسبب تصرفات -عنصرية- من جماهي ...
- الهند وانتخابات المليار: مودي يعزز مكانه بدعمه المطلق للقومي ...
- حداد وطني في كينيا إثر مقتل قائد جيش البلاد في حادث تحطم مرو ...
- جهود لا تنضب من أجل مساعدة أوكرانيا داخل حلف الأطلسي
- تأهل ليفركوزن وأتالانتا وروما ومارسيليا لنصف نهائي يوروبا لي ...
- الولايات المتحدة تفرض قيودا على تنقل وزير الخارجية الإيراني ...
- محتال يشتري بيتزا للجنود الإسرائيليين ويجمع تبرعات مالية بنص ...
- نيبينزيا: باستخدامها للفيتو واشنطن أظهرت موقفها الحقيقي تجاه ...
- نتنياهو لكبار مسؤولي الموساد والشاباك: الخلاف الداخلي يجب يخ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سليم النجار - الثقافة في ومواجهة ثقافة الاستهلاك