أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - ماجد ع محمد - الهلاك القادم من الأسفل














المزيد.....

الهلاك القادم من الأسفل


ماجد ع محمد

الحوار المتمدن-العدد: 7527 - 2023 / 2 / 19 - 16:13
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
    


عزرائيل أو قابض الأرواح في الأدبيات الإسلامية هو (مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) أي الموكل من قِبل الله بقبض الأرواح، وفي معاني عزرائيل ومهامه جاء في الويكيبيديا أن اسم عزرائيل يعني حرفياً "الذي يساعد الله" عند اليهود، والذي يأتي بمعني عبد الله أو عبد الرحمن عند المسلمين؛ وإذا كان صحيحاً أن الزلازل بلاء من عند الله وفق تصور طائفة لا بأس بها من المتدينين في بلادنا، وذلك بناءً على ما نُسب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "والله ما كثرت ذنوب أمةٍ إلاَّ عاقبها الله بالزلازل وبالريح وبالأمطار التي تُغرقهم" فهذا يعني بأن علينا عدم التذمر والانزعاج من الزلزال أو عزرائيل ووظيفته المرعبة، طالما أنه يقوم بدور المساعدة وينفِّذ مشيئة خالق السموات والأرض، ولكننا لا ندري أيّة إرادة ربانية هذه وفق تصور تلك الطائفة في الوقت الذي قد بلغ فيه عدد ضحايا الكارثة إلى تاريخ يوم السبت 18/2/2023 في تركيا 40.642 قتيلاً، وفي الشمال السوري بلغ عدد الضحايا وفق الدفاع المدني 2274 شخصاً وإصابة 12400 آخرين، بينما في مناطق سيطرة النظام السوري بلغ عدد الوفيات 1414 شخصاً وإصابة 2357 آخرين.
أما بخصوص تصوراتنا الشعبية المتعلقة بمن يُنهي دورة حياة الناس ومَن الذي يتولى مهمة فصل الأرواح عن أجساد أصحابها، فتشير أغلبها إلى أن عزرائيل يأتي من جهة السماء، ويهبط من الأعلى إلينا ليأخذ أرواحنا وينطلق بها نحو الفضاء، تاركاً الأبدان للأهل والأقارب والمعارف ليتصرفوا بالجسد وفق الشرع أو العرف بدون اكسير أو لغز الحياة ومشغلها الرئسي في الإنسان، إلاَّ أن الذي جعل صورة قابض الأرواح تهتز في مخيلتنا وتبدو أقل رهبةً وسلطانا هو الهلاك القادم من طبقات الأرض الدنيا، حيث غدت صورة عزرائيل في حضرة الزلزال أقل رعباً مما كان يُشكله طوال القرون الماضية، بل وغدا المنقضُّ على الأنفس بغرض رفعها نحو السماء فرادى بكل هدوء وبدون إلحاق أي ضرر بالمكان وأهله محط ترحاب، إذ أن ما يجعل الناس تحن لزمن عزرائيل مقارنة بالهلاك القادم من القاع هو ليس حباً بالموت على السرير، إنما لأن الهالك الجديد لا يكتفي بإنهاء حياة المرء لوحده، إنما ينوي القضاء على العائلة برمتها وربما شمل عنفوانه كل الأقارب والمعارف وجميع أهل الحي، ولا يشبع من اللعب بمصير فردٍ واحدٍ أو مجموعة صغيرة، إنما يطيب له التصرف بحيوات عشرات الآلاف من الناس في كامل غفلتهم، ويعمل على تدمير كل شيء وليس الشخص بمفرده، إنما تراه عازماً على إنهاء دورة حياة قوافل بشرية بأكملها مع كل ما يرتبط بهم من منتجات وموارد وكل ما يدل عليهم من مقتنيات وذكريات كانت في الموت العادي تدل على أصحابها وتؤكد للأحياء بأنهم كانوا هنا، وعاشوا معنا، وتركوا كل هذه الأشياء الثمينة لنا، بينما في حالة الهلاك القادم من الأسفل فالعدمُ يبني مجده على أنقاض الوجود.
وليس من السهولة بمكان إحصاء الآثار النفسية الذي تركه الزلزال لدى كل من كان قريباً من مركزه أو مقيماً في إحدى نقاط التماس معه، وفي الجانب الشخصي فبالرغم من بُعدي عن مركز ثقل الزلزال عشرات الكيلومترات إلاَّ أنه ترك بصمته الواضحة عليّ كما هو الحال لدى الآلاف ممن هم عِداد الأحياء مثلي، حيث بسبب الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا في 6 من شهر شباط 2023 توقفتُ عن الصيام المتقطع الذي كنتُ قد بدأت به منذ منتصف العام الماضي، وتوقفتُ عن تناول خبز الشعير الذي دأبتُ على تناوله عوضاً عن الخبز الأبيض، وتوقفت عن ممارسة الرياضة، وتوقفت حتى عن شراء الكتب الورقية طالما أننا رغم كل العناية الصحية بالبدن ورغم كل العناية بالأشياء الشخصية لنا سنصبح مع كامل أشيائنا هباء خلال ثوانٍ معدودات، وبأننا إن حلت الكارثة سنموت مع كل أشيائنا بكامل الصحة حسب قول أحد المشاهير.
وتعبيراً عن صعوبة تفسير ما تركه الحدث المدمر على النفوس فكلما قابلتُ ناجياً ورأيتُه عاجزاً عن وصف هول الزلزال وتأثيره أتذكر ما قاله أنتوني دو مِلو في قصة "الدرويش المتوجع" حيث يقول فيها: "كان أحد الدراويش جالساً بسلام قرب النهر، حين رأى عابرُ سبيل قذاله المكشوف واستسلم لإغرائه فصفعه صفعة مدوية، ولقد امتلأ عجباً من صوت كفه على الرقبة المكتنزة، لكن الدرويش المتوجع هبّ واقفاً ليرد له الصفعة.
رويدك قال المعتدي: تستطيع صفعي إن شئت، إنما أجبني أولاً على هذا السؤال: هل كان صوت الصفعة ناجماً عن يدي أم عن قذالك؟
قال الدرويش: أجب عن ذلك أنت.
إن وجعي لن يسمح لي بالتنظير، بوسعك أن تهتم بذلك لأنك لا تحس بما أحس".
وصدق دو مِلو حيال صعوبة التعبير لدى المصفوع هناك أو المفجوع ههنا لدى الذي توقع خلال لحظات بأن ما يحصل هو القيامة بعينها، بكونه غير قادر على شرح ما جرى، لأن رهبة الهلاكِ لا تسمح للمُصاب بالهلعِ بأن يُقدم تقريراً نظرياً أو رؤية تحليلية عما أصابه أوان الفاجعة الكبرى التي عاش لحظات وقوعها، باعتبار أن الكارثة ورهبتها لا تعطيانه المجال أو الفرصة ليشرح بهدوء وموضوعية ودقة ما ألم به، إذ بخصوص الزلزال فقد يقدم البعيد عن موقعه الجغرافي أو الذي لم يتأثر به البتة رؤية نظرية كاملة وشاملة عنه، أما من عاش بالقرب من موقع الحدث فلا تطلبوا منه تفسيراً عما جرى له أو حدث أمام نواظره، لأن حاله أعظم مئات المرات من حالة المصفوع لدى دو مِلو، فألم فقدان الأهل والأقارب والمعارف ورؤيته لمعالم الحياة وهي تتلاشى أمامه وتتحول خلال هنيهات إلى أشلاء وركام لا يسمح له بأن يكون بارعاً في وصف ما جرى، إلاّ اللهم إذا ما مرت فترة طويلة على الناجي، حينها فبعد أن يستعيد توازنه النفسي من الممكن أن يقدم الصورة المرعبة للكارثة كما تُقدمها أفلام هوليود.



#ماجد_ع_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في تفضيل القشور على الأبدان
- تلاوة اللامبالاة
- تجنب مخاطِر الحسد
- الحرية وأحلام المقيم
- آلية السرنمة بدل الإيقاظ
- ماتت دون رؤية بيتها واسم ابنها في غينيس
- من فضاءات الحرية إلى المأوى
- نموذج من بيدر المغالطات في وسائل التواصل
- من محتوى الهرم إلى إطار القدم
- الحشد البشري وجيراننا الزواحف
- العبث بالأمن غاية العدوِ والحاسِد
- الفاسد بين المحاربة والحماية
- تقارير السجن الكبير
- كل سني إخواني وكل كردي PKK
- مخططات البُلهاء
- باقة من قصائد الشاعر روخاش زيفار
- النظام في المحرَّر
- مَنَاقِص القُفة في سورية
- سورية وسطوة الهَمَج
- انتصار الحبّ في -أرواح تحت الصفر-


المزيد.....




- عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر
- واشنطن: سعي إسرائيل لشرعنة مستوطنات في الضفة الغربية -خطير و ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من استهدافه دبابة إسرائيلية في موقع ال ...
- هل أفشلت صواريخ ومسيرات الحوثيين التحالف البحري الأمريكي؟
- اليمن.. انفجار عبوة ناسفة جرفتها السيول يوقع إصابات (فيديو) ...
- أعراض غير اعتيادية للحساسية
- دراجات نارية رباعية الدفع في خدمة المظليين الروس (فيديو)
- مصر.. التحقيقات تكشف تفاصيل اتهام الـ-بلوغر- نادين طارق بنشر ...
- ابتكار -ذكاء اصطناعي سام- لوقف خطر روبوتات الدردشة
- الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة على جنوب لبنان


المزيد.....

- ‫-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر ... / هيثم الفقى
- la cigogne blanche de la ville des marguerites / جدو جبريل
- قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك ... / مصعب قاسم عزاوي
- نحن والطاقة النووية - 1 / محمد منير مجاهد
- ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء / حسن العمراوي
- التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر / خالد السيد حسن
- انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان ... / عبد السلام أديب
- الجغرافية العامة لمصر / محمد عادل زكى
- تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية / حمزة الجواهري
- الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على ... / هاشم نعمة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - ماجد ع محمد - الهلاك القادم من الأسفل