أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الكبير الداديسي - مقطع من رواية قادمة ( رقصة الفلامنكو )















المزيد.....

مقطع من رواية قادمة ( رقصة الفلامنكو )


الكبير الداديسي
ناقد وروائي

(Lekbir Eddadissi)


الحوار المتمدن-العدد: 7522 - 2023 / 2 / 14 - 16:13
المحور: الادب والفن
    


مقطع صغير من رواية قادمة (رقصة الفلامنكو) نبش في التاريخ المشترك المغربي الأندلسي حيث ابن الخطيب يربط الوشائج بين فاس وغرناطة من زمن الطاعون إلى كورونا (البطل أستاذ جامعي وطالبة إسبانية تعد رسالتها حول ابن الخطيب:
(.... خفق القلب... التفتت يمينا وشمالا أبحث عن أي طيف يطمئن الفؤاد، وظمأ القلب لا يرويه شرب الماء... أعدت مسح الفضاء الممتد أمامي بعيني... سرتُ خطوات، نزلتُ درجات أمام المحطة، تقدمت نحو سيارات الأجرة وهدفي فندق المرينيين حيث أتوقع أليخندرا في انتظاري... توقفت لحظات، أخرجت هاتفي واتصلت بالرقم الذي وصلتني منه الرسالة ورجف القلب، ولما خاطبتها بلغتها:
-Hola... Alejandra... Soy Adnan... Dónde estás ahora?
(ألو... أليخندرا... مرحبا أنا عدنان... أين أنت الآن؟)
تفاجأت بها وهي تجيبني بعربية متكسرة:
- مرخباً أدنان... أنا بالمدينة الكديمة على وشك الخروج من باب "مخروء"...
استحسنت لثغتها وغُنَّتها وكيف شوهت نطق كلمات اسمي وصفة المدينة، وابتسمت للغتها وهي تحوَّل كلمة "محروق" إلى "مخروء"
- نلتقي أمام باب "مخروء" بعد دقائق... محبتي...
عدلت عن ركوب سيارة الأجرة، نزلت درجات... مشيت خطوات... قطعت الشارع، لأجد نفسني أمام سور المدينة العتيقة، أتأمل قوس الباب، أستمطر من التاريخ أحداثا، كأني أحضِّر ما أقوله لأليخندرا... وقبل الموعد الذي خمّنته برقت أمامي... خفق القلب ثانية كما خفق أول مرة لرؤيتها بغرناطة... بدت لي وقد ازدادت رشاقة وعلى صدرها من غرناطة رمانتان ازدادتا نضجا، ابتسمت ففترت شفتاها النعمانيتان عن فم كخاتم سليمان، ونضيد أسنان، زادت عن اللقاء السابق في البياض واللمعان... جمعت كل صفات الحسن والجمال، ومالت إليها أبصار من كان في ساحة الباب من النساء والرجال... خوفا عليها من العيون حضنتها فتوحدت فاس بغرناطة، وتربو الأحاسيس عندما يذوب الماضي في الحاضر، تشابكت أصابع يدي اليسرى بأنامل يدها اليمنى وتقدمنا تجحضهما العيون... وفي إشارة من يتجاهل ما يدور حوله أشرت بسبابتي اليمنى:
- أنظري كل شيء هنا مرتبط بابن الخطيب: هناك مقبرة الشرفاء يفصلها عن مقبرة باب محروق ذلك الشارع المؤدي إلى فندق المرينيين، وشارع متشبث بالمنحدر يرسم حدّاً بين المقبرتين يوهم العامة باختلاف مصير دفين كل مقبرة عن الدفين بالمقبرة الأخرى... تمتد المقبرتان ليطل من خلفهما مستشفى لسان الدين بن الخطيب بلون حيطانه المتعبة، وسور المدينة العتيق، كاتم أسرارها، يحضن الجميع... له في كل طوبة أو حصاة حكاية، وكل حكاية لها صدى في غرناطة...
شعرت في اللحظة أنني سأؤدي الدور الذي تمنيت أن تلعبه أليخندرا في غرناطة يوم تمنيتها تكون دليلي بين أزقتها... لن أُخلف الموعد وسأكون الأكرم... تابعت:
ــــ ... ولابن الخطيب حضور في كل شبر بهذه الأمكنة...
عاودتني نفس الحال ولبسني ابن الخطيب من جديد... وتساءلت وأنا أمطط شفتي السفلى مستغربا:
- ما لهذه الشخصية تحاصرني في كل حين وآن؟ مناي أن تأخذ مني ما يكيفها وقتا وتخلصني من هذا الشرود الذي تأخذني فيه بين الحين والآخر...
عدت أتأمل باب الشريعة الشامخ وهو يبتلع بنهم من يقصده من المارة في الاتجاهين، من كل حدب وصوب، أناس كثيرون عبروا من هنا، والباب لا زال يقف شاهدا تاريخيا على أحداث كثيرة تحاصرني ويفترض بي كمتخصص في تاريخ المرينيين أن أشرح كل شيء لأليخندرا...
سمعت الكثير عن هذا الباب، وقرأت عن الأحداث التي ارتبطت به، وها أنا الآن نقطة صغيرة بين العابرين، أستحضر من التاريخ أحداثَ تطايرِ الرؤوس، وإحراق جثث مَن صدرت في حقهم أحكام بالإعدام أو الحرق... هنا على أعتاب هذا الباب نُفِّذت أحكام، ودفنت في تلك المقبرة ضحايا... التفتت إلى أليخندرا وقد تحركت بداخلي حمية مدرس التاريخ، فاستطردت:
- هذا الباب كان يسمى باب الشريعة، بناه السلطان المُوَحّدي محمد الناصر الخليفة الرابع لدولة الموحدين مطلع القرن الثالث عشر الميلادي، والأندلس وقتها تابعة للمغرب، لينفذ فيه الأحكام الشرعية الصادرة في حق الخارجين عن شريعته... نُفِّذ فيه أول حكم إعدام بالحرق في حق محمد بن عبد الله العبيدي الثائر بجبال الريف ووزان على السلطان آنئذٍ... في هذه الساحة ...أمام هذا الباب وربما في موطئ قدميك أليخندرا تم قطع عدد من الرؤوس، وتم سحل مارقين والتنكيل بهم قبل أن يُحرقوا أو يدفنوا... على هذه الأرض سُحل وجُرف، أُحرق وأُعدم الكثير... وعلى أعتاب هذا القوس الواقف في إباء علقت الرؤوس المملحة مصفوفة بانتظام تتطاير عليها أسراب الذباب عِبرة لمن يفكر في التمرد على السلطة...
كنت أتحدث وأنا الوح بيدي عسى حركة اليدين تسع الفضاء الذي لا تعطيه الكلمات حقه... وعندما أخبرتها أن جثة ابن الخطيب أحرقت بهذه الساحة... أحسست كما لو أنها شعرتْ بسخونة الأرض تحت حذائها الرياضي الخفيف، انتابتها رعشه وقد خيّل إليها حرق جثة لسان الدين ابن الخطيب في موطئ قدميها... حاولت أن أبين لها لماذا استعاض الناس عن وصف باب الشريعة، باسم مفعول "محروق" في وصف الباب:
- لهذا الباب وتلك المقبرة الممتدة أمامنا نفس الوصف (باب محروق/ مقبرة محروق)...
بصوت الواثق من كلامه قلت لها:
- كان آخر حكم تم تنفيذه على أعتاب هذا الباب مطلع شتنبر من سنة 1909، رهيبا يصعب تخيله... تم سلخ أكثر من ثلاثين جثة بشرية حية قبل إعدامها مع زعيمها "بوحمارة" الجيلالي الزرهوني الذي دام تمرده على السلطان سبع سنوات ليؤرخ باب محروق آخر حلقة من مسلسله المأساوي...
أحداث كثيرة تتلاطم في ذاكرتي وأنا أستكشف الباب، أسترجع التاريخ، وأشرح لها بعض الأحداث المرتبطة به، كما لو أنها تُعرض أمامي في شاشة على السور الطيني الممتد عبر التاريخ في الجغرافيا، فتستحيل أغوار السور أفواها تصدح بما رافق تلك الأحداث من صياح، هرج ومرج...
صداع خفيف يداعبني، وأشباح المعدَمين والمحروقين تتراقص أمام عيني وعندما تشرق شمس ابن الخطيب تفل باقي النجوم:
- لهذا المكان حكاية، مع ابن الخطيب، هناك في تلك المقبرة "مقبرة محروق" تم دفنه بعد أن خنقوه ليلا... طعنوه غدرا في سجنه، قتلوه ودفنوه... وما كفاهم ذلك فاستخرجوا جثمانه من قبره وأحرقوا الجثة، ليتم إرجاع ما تبقى منها إلى القبر... وعلى كل هذه الفضاءات لا زالت تطوف نفس ابن الخطيب أينما لاح بصرك ...أنظري... أنظري هناك مستشفى ابن الخطيب، وهنالك ضريح ابن الخطيب، وباب محروق، ومقبرة محروق، مقبرة الشرفاء وباب السفراء... هل تعرفين أليخندرا، أن أول زيارة رسمية زار فيها ابن الخطيب فاس وهو يافع، جاء سفيرا حقق فيها ما لم يحققه سفير غيره... وفي ذات المدينة كانت نهايته المأساوية... كل مكان هنا شهادة على مأساة شخصية قل نظيرها في التاريخ....
درت ببصري نصف دورة... ألقيت نظرة على الجرف، حيث يقف فندق المرينيين يحرس المدينة العتيقة من أعلى ربوة تٌقدِّم للمُطل منها ما تعجز كتب التاريخ عن تقديمه... ازدادت حركة الناس أمام الباب قبيل الغروب غير عابئين بما يغلي في عقلي، استخرجت من حقيبتي كمَّامَتين في حركة أوهم بها نفسي أولا اتقاء شر فيروس كرونا الذي بدأ يقض مضجع شرق الكرة الأرضية هذه الأيام، وسلمت واحدة لأليخندرا أدعوها للاحتياط من وباء لا يوجد إلا في الصين وعلى شاشة التلفزيون...
أتأمل المكان وأشرح لها التاريخ مشخصا أحداثا أحفظها عن ظهر قلب من كثرة تدريسها لطلابي عن الأزمات السياسية في العهد المريني... وفي النفس لهفة إلى فندق المرينيين لأختلي بأليخندرا وأكتب تاريخا جديدا في علاقة المغرب بالأندلس...
وكمن يهرب من وضع محرج، أو خطر يطارده دعوتها لإتمام دردشتنا بالفندق، أخذنا سيارة أجرة واتجهنا صوب فندق المرينيين – كانت الجمعية المشرفة على التظاهرة الثقافية قد حجزت لكل منهما غرفة لثلاث ليال، وحجزنا على حسابنا الخاص مثلها قبل موعد التظاهرة – انطلقت بنا سيارة الأجرة دون أن أحدث أليخندرا بما يدور في شبكات التواصل الاجتماعي عن كثرة الإجرام ليلا بالمدينة مما جعل زائرها يحتاط في التجوال بها وحيدا...
وما هي إلا دقائق حتى توقفت السيارة أمام فندق فخم زينت واجهته -التي اصطفت أمامها أعلام بعض الدول ترفرف مرحبة بكل زائر- بكتابة كلمة Mérinides Les (المرينيين) بخط نحاسي بارز في تناسق بين الأصفر وخضرة القرميد الأخضر الذي يزين القباب والنوافذ... وأفكار تحاصرني أطيافها تطفو بين الحين والآخر تتداخل فيها مغامراتي في فندق Los Tilos بغرناطة بأوهام ابن الخطيب التي لا تفارقني، لم يبددها سوى جمال مدخل الفندق الذي استقبلنا بنافورة رخامية بيضاء تنفث ماء فضِّياً ينكسر بحياء على ورود مرشوشة على أديم حوض أذكى حنيني لنافورات قصر الحمراء... احتار بصري بين تأمل الأرضية التي تحضن النافورة بفسيفساء مغرب ــ أندلسية تسرّ الناظرين بألوانها الزاهية وتشكيلاتها المتناسقة في إتقان يزيدها انكسار الماء عليها لمعانا، وبين تأمل سقفٍ جمع كل فنون النقش وزخرفة الجبس والخشب، تتدلى منه ثريا نحاسية ضخمة تزد المكان رهبة، فلم أجد سوى الوقوف احتراما لعبقرية أنامل ينبعث إبداعها من تاريخ يوحد غرناطة بفاس....
تقدمنا اتجاه الشرفة التي تطل على المدينة العتيقة نستمتع بمرأى الجمال، نستنشق عطر التاريخ... تعمدنا اختيار أبعد نقطة معزولة في الزاوية حتى نتفرغ لترتيب نقط مداخلتينا في هدوء، ونستمتع بمرأى المدينة العتيقة تبسط سطوحها المتلاصقة سجادة تاريخية دافئة يضفي عليها صدأ وعشوائية الهوائيات المقعرة توغلا في قدامة...) يتبع



#الكبير_الداديسي (هاشتاغ)       Lekbir_Eddadissi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صراع المواقف والقيم في مسرحية (مقال افتتاحي)
- صراعةالقيمةوالمواقف في مسرحية : مقال افتتاحي
- مقامة ساخرة حول نتائج العرب في الكرة
- المقامة الكروية والنتائج العربية
- اختتام المهرجان الوطني للمسرح وتتويج الفائزين+فيديو
- المعلم بين الأمس واليوم في منظومة القيم
- نقد سينمائي : شريط -ستة أشهر ويوم- فصاحة الصورة وبلاغة التقن ...
- رأس الأفعى
- الواقعية والاغتراب في الرواية الفلسطينية
- الغرابة والاغتراب في رواية - عمر الغريب -
- عندما تفاجئك تلميذة غرة بمقال نقدي
- الاحتفالية في مسرحية -قصة لوزان-
- رواية عائد إلى بياضة جماع الفنون 2
- -عائد إلى بيّاضة- رواية جُماع فنون 1 العمارة في الرواية
- -آخر مرة- شريط سينمائي جديد: عندما تساهم الرياضة في تفجير ال ...
- لماذا حرك الطفل المغربي ريان الضمير الإنساني؟
- الثقافة في ظل النموذج التنموي الجديد بالمغرب(ندوة+ فيديو)
- حِكم المغاربة في منازل الشتاء
- توقيع كتاب - بلاغة الخطاب السياسي: الاستعارة وبناء المعنى-
- المهرجان الدولي : السينما والأدب + فيديو


المزيد.....




- الحرب على غزة تلقي بظلالها على انطلاق مسابقة يوروفجين للأغني ...
- أخلاقيات ثقافية وآفاق زمنية.. تباين تصورات الغد بين معمار ال ...
- المدارس العتيقة في المغرب.. منارات علمية تنهل من عبق التاريخ ...
- تردد قناة بطوط كيدز الجديد 2024 على نايل سات أفلام وأغاني لل ...
- مصر.. نسرين طافش تصالح بـ-4 ملايين جنيه-
- الفنان عبد الجليل الرازم يسكن القدس وتسكنه
- أسعدى وضحكي أطفالك على القط والفار..تردد قناة توم وجيري 2024 ...
- منصة إلكترونية أردنية لدحض الرواية الإسرائيلية في الغرب.. تع ...
- “نزلها الان” تردد قناة نيمو كيدز الجديد Nemo kids 2024 لمشاه ...
- مشاهير الموضة والموسيقى والسينما.. في مهرجان ميت غالا حمل عن ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الكبير الداديسي - مقطع من رواية قادمة ( رقصة الفلامنكو )