أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم إبراهيم - (الطنطل) من إبداعات ذاكرة الأجداد الخصبة














المزيد.....

(الطنطل) من إبداعات ذاكرة الأجداد الخصبة


عبدالكريم إبراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 7508 - 2023 / 1 / 31 - 19:14
المحور: الادب والفن
    


الإنسان بتكوينه صاحب مخيلة واسعة، يطلقها لتفسير بعض الظواهر الطبيعية والخارقة التي عجز عن تحليل ماهيتها في ذلك الوقت؛ فيطلق العنان لهذه المخيلة في إيجاد تفسير يتناسب وتوجهاته النفسية والفكرية والدينية. لذا ظهرت الأساطير كي تحقق هذه الرغبة الجامحة في تجاوز العقل والمنطق وسبح في متخيلات أوسع تراد لها أن تكون لها سحر الخوارق المطعم بالرغبة البشرية في التغلب على النواميس الطبيعية. ولعل وجود الآلهة مختصة ومسؤولة عن بعض الأعمال الخارقة في الحضارات القديمة ( اليونانية ، العراقية ،المصرية ، الهندية والفارسية )؛ أمر شائع إلى درجة المبالغة في بعض الأحيان.
لم يكن العربي بعيداً عن هذا المنحى الفكري، ولكن كان ينسب بعض الخوارق إلى الجن والعفاريت؛ حتى أن الشعر الذي هو لغة العرب السائدة كان بعض الشعراء يعزون إلهامهم وقريحتهم الشعرية وريادتهم إلى بأنه من وحي الجن؛ حتى شاع بينهم بأن لكل شاعر في عصر الجاهلية قرين من الجن كان يوحي إليه قول الشعر. ربما تغير هذا التفكير بعد الإسلام الذي جاء بتعاليم تحاكي منطلق العقل، وتقيس الأمر بمقياس التفسير العلمي السليم. ولكن مع كل هذه الثورة الثقافية التي أحدثها الإسلام في تغير بعض المفاهيم الفكرية السابقة، بقيت بعض رواسبها عالقة في الذهنية العربية حتى وقت متأخر حيث تحاول إن تجد لها دوراً في تفسير الظواهر وحالات التوهم بشكل يتناسب وثقافتها المحلية.
يعد (الطنطل) من أهم الشخصيات الشعبية التي صنعتها المخيلة العراقية لأسباب عديدة، قد يدخل في مقدمتها بعض القضايا الاجتماعية والنفسية فضلاً عن وجود مخيلة واسعة يراد لها أن تحقق رغبات محبوسة داخل النفس البشرية تريد الخروج من عالم الواقع الرتيب إلى عالم فيه أجنحة للخيال يطير بها البشر. حفظت وسردت ذاكرة الأجداد الكثير من حكايات عن هذا المخلوق المتوهم، وأبدعت الألسن بتأليف حوله الروايات التي تم نقلها بنوع من البالغة حتى أصبحت من بعد ذلك أمراً مسلماً به عند الكثير من كبار السن الذين يمتعون الآخرين بحلو حديثهم عن (الطنطل) ومغامراته، وكل راوية يضيف من (عندياته) من تمسح له الذاكرة ومفردات السرد القصصي.
(الطنطل) كما صورته الذاكرة العراقية نوعاً من الجن الذي يحاول أن يشاكس حين يصاب بالملل أو بطرد من قبيلته لسبب معين؛ فيخرج عن عالمه إلى عالم أنس راغباً في كشف بعض أسراره، ومرة مرغماً عنه، لأنه ارتكب جرماً، ويجب عليه قضاء بعض سنوات النفي بجوار الإنسان. وبرغم من اختلاف التسميات التي تُطلق على هذا الكائن الخرافي من (الطنطل) إلى (عبد الشط ) و(أم المساحي) من منطقة لأخرى، نجد أجماعاً وتوحيداً في أوصاف من شاهدهُ كما يزعم. من هذه الأوصاف : طويل القامة لدرجة أن بعضهم يبالغ أن رأسه في السماء ورجليه في الأرض، أشعث الشعر كأنه غابة العاقول والصبار، اسمر اللون ، لا يلبس من الثياب سوى ما يتسر العورة، حاد الذكاء فله القدرة على التقمص والتحول إلى أشياء يألفها البشر مثل أدوات الحصاد والمنزل فضلاً على الظهور على هيئة حيوانات ، ويسكن بالقرب من الشطوط والأماكن الخربة والمنازل المهجورة. هذه بعض صفات من ادعى مشاهدته ومصاحبته عن قرب لدرجة أن بعض هؤلاء استغل صفة الذكاء في تسخريه لإنجاز الأعمال الشاقة في غمضة عين. هذا الأمر يتم إلا للذين تربطهم علاقة صداقة مع (الطنطل) حيث يمدحونه بأنه صديقٌ مخلصٌ لمن أحبهُ حتى أنه بعض هؤلاء عقد صداقة تصل إلى أخوة الدم. ولأن (الطنطل) حاد الذكاء فأنه يستطيع تميز الرجل الشجاع ومن الجبان، فيجود بإنجاز الأعمال الجبارة للأول ، ويعمد إلى اللعب والسخرية من الثاني لدرجة قطع النفس؛ حيث أن صاحبنا(الطنطل) من النوع الكوميدي الذي يبالغ في أسلوب الفكاهة من خلال الصعود على الأكتاف والضرب بالعصا والحنق ومحاولة جر الضحية إلى النهر للممارسة السباحة مرغماً عنه، عندها يمارس هوايته المحببة في التسلي في إغراق فريسته، والتحول والاختباء والظهور بأشكال عديدة، ولا يترك صيده ألا وقد أرهق من الإعياء إلى درجة الموت، ليطلق سراح ضحيته بعد أن مارس كل أنواع الخدع والمشاكسة. وعادة ما يكمن للخائفين في طريق ذهابهم إلى الفيافي والشطوط المهجورة. ربما يعتقد أن هؤلاء المتطفلين عكروا عليه خلوته، وعزلته التي تعتز بها، وتجاوزوا حدود منطقة نفوذه، لذا استحقوا العقاب المناسب. ويذكر بعض أهل الدراية والمعرفة أن (الطنطل) من النوع الخجول، وكثير الحياء فهو لا يتقرب من النساء، بل يمارس هوايته فقط على جنس الرجال.
مثل هذا المخلوق لابد من وجود نقاط ضعف يستطيع أن الإنسان يتجنب شروره، ومن خلال تجارب الذين يدعون مشاهدته، استطاعوا تحليل شخصيته الغريبة، فوجدوا أنه يخشى أشياء منها: الإبرة الكبيرة (المخيط) والسكين والملح ،لذا عندما يقع احدهم في مأزقه، فما عليه سوى أن ينادي بصوتٍ عالٍ" سكين وملح" ويفضل أن يخرج (المخيط) محاولاً وخزه في جسده أذا أمكن، وعندها يرى هذا الأسلحة الفتاكة يهرب بسرعة البرق، ولم تعد أساليب التخفي ذات جدوى أمام نقاط الضعف هذه.
بعد التطور العمراني والتقديم التكنولوجي ،اندثر(الطنطل) ليبقى حبيس الذاكرة العراقية، ولم تعرف الأجيال الحالية سوى بعض الحكايات الأجداد ،وهي تحاول أن تحوك بخيالها الخصب مغامرات هذه الشخصية المتوهمة، وأحياناً تستخدم نوعاً من المبالغة السردية في وصف مخلوق متوهم من نسج الذاكرة العراقية يطلق عليه(الطنطل)، متعدد المواهب، وصاحب روح مرحة، وله القدرة على التحول والمشاكسة، أدعت مخيلة الأجداد أنها كانت على علاقة به. لم يستطع العلم الحديث تفسير ماهية هذا المخلق، سوى أن يطلق على هذا خيال متوهم أفضت به الروح السردية الحكائية، وهي تحاول أن تعلل بعض الخوارق على أساس المخيلة الخصبة وإشباع غريزة المتعة القصصية.



#عبدالكريم_إبراهيم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حيرة ... غربة عراقية وأجواء تركية ونهاية هندية
- جيمس دين وناظم الغزالي وعبدالحليم حافظ


المزيد.....




- الجزيرة 360 تشارك في مهرجان شفيلد للفيلم الوثائقي بـ-غزة.. ص ...
- النيابة تطالب بمضاعفة عقوبة الكاتب بوعلام صنصال إلى عشر سنوا ...
- دعوات من فنانين عرب لأمن قطر واستقرار المنطقة
- -الهجوم الإيراني على قاعدة العُديد مسرحية استعراضية- - مقال ...
- ميادة الحناوي وأصالة في مهرجان -جرش للثقافة والفنون-.. الإعل ...
- صدر حديثا : كتاب إبداعات منداوية 13
- لماذا يفضل صناع السينما بناء مدن بدلا من التصوير في الشارع؟ ...
- ميسلون فاخر.. روائية عراقية تُنقّب عن الهوية في عوالم الغربة ...
- مركز الاتصال الحكومي: وزارة الثقافة تُعزّز الهوية الوطنية وت ...
- التعبيرية في الأدب.. من صرخة الإنسان إلى عالم جديد مثالي


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم إبراهيم - (الطنطل) من إبداعات ذاكرة الأجداد الخصبة