|
الحزب الشيوعي العراقي ومسألة الأولويات
سلامة كيلة
الحوار المتمدن-العدد: 1702 - 2006 / 10 / 13 - 10:41
المحور:
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
قدّم الحزب الشيوعي العراقي وثائق مؤتمره الوطني الثامن للنقاش. وبعد قراءتي تلك الوثائق وجدت أنه من الضروري الدخول في النقاش، خصوصاً وأن وضع العراق حساس، ويحتاج إلى نقاش مستفيض نتيجة الاختلاف الذي نشأ بعد وقوعه تحت الاحتلال. وبالتالي من أجل بلورة مواقف دقيقة تعبّر حقيقة عن رؤية ماركسية. والبرنامج يطرح مهمات في المستوى الديمقراطي والاقتصادي الاجتماعي والقومي والعالمي، يمكن النظر إليها بإيجاب، رغم الملاحظات التي سوف نبديها تالياً. وربما كان الحزب هو الحزب الشيوعي الوحيد الذي يرفض الليبرالية الجديدة، ليس بالمعنى العام فقط، بل فيما يتعلق بالنظام الاقتصادي في العراق، وبالتالي يتمسك بدور الدولة الاقتصادي. ويطرح حلاً للقومية الكردية، ويطالب بنظام ديمقراطي ....ألخ. لكن كل هذه المهمات وُضعت في سياق إشكالي، مما جعلها دون معنى، وبالتالي دون آلية للتحقق. لهذا سوف أبدي ثلاث ملاحظات في هذا المجال، تلمس الرؤية التي حكمت كتابة البرنامج، وجعلته بلا أفق: النقطة الأولى تتعلق بالأولويات، فهل البرنامج مطروح للتحقق في ظل الاحتلال أو على أنقاضه؟ ربما كان سؤالي بلا معنى، لأن البرنامج لا يشير إلى الاحتلال، ولم ترد كلمة الاحتلال إلا مرة واحدة وفي وضع ملتبس سوف أشير إليهً. حيث يدعو "إلى إستعادة السيادة والاستقلال الناجزين". وربما كان تعبير الاستقلال مؤشر على وجود الاحتلال، لكنه غير كافٍ، لأن لا معنى له دون التأسيس على وجود الاحتلال، ودون الانطلاق من وجود الاحتلال. لكن عدم التأسيس على وجود الاحتلال لا يبدو أنه جاء مصادفة، فالحزب يحدد مهماته في "الإسراع في تهيئة مستلزمات إنهاء الوجود العسكري الأجنبي وإستعادة السيادة الوطنية الكاملة، والعمل على التخلص من تركة الاحتلال بجوانبها المختلفة". فالحزب مرتبك في التعبير عما يعيشه العراق الآن، هل هو وجود عسكري أجنبي أم احتلال؟ أو أن الحزب خجل من أن برنامجه ينطلق من أنه يقرّ بأن العراق يشهد وجوداً عسكرياً أجنبياً وليس احتلالاً. لهذا أقحم كلمة الاحتلال، رغم أنه يدعو لاستعادة السيادة و يشير إلى التخلص من تركة الاحتلال. ولأن الحزب ينطلق من ذلك نلمس أن نضاله "ينصبّ" على "إنجاز أهداف ذات طابع وطني وديمقراطي عبر تحقيق أوسع تحالف إجتماعي سياسي، يضم الطبقات والفئات الاجتماعية والقوى المناهضة للاستبداد والإرهاب والتي تؤمن بالديمقراطية وآلياتها.... والتطلع إلى بناء دولة المواطنة والمؤسسات والعدل، دولة الحق والقانون، الدولة الديمقراطية العصرية". هنا، كما نلمس، يضم التحالف القوى المناهضة للاستبداد (المرتبط بنظام صدام حسين حصراً، رغم أنه أصبح من الماضي، ويقال أن الديمقراطية قد تحققت)، والإرهاب (المتمثل بالقوى الأصولية، ومجمل المقاومة العراقية حسب ما أظن). وبالتالي فالتحالف لا يضم القوى المناهضة للاحتلال، حيث يبدو واضحاً هنا أن مقاومة الاحتلال ليست أولوية، ولهذا فهي ليست من الأهداف الضرورية لبناء دولة المواطنة والمؤسسات والعدل، الدولة الديمقراطية العصرية.. وسيبدو هذا التحالف مضاداً للمقاومة (التي لم تذكر إطلاقاٌ، وكان تغييبها مقصوداً) ما دام لم يتطرق إلى الاحتلال وأشار إلى الإرهاب فقط دون المقاومة. وبالتالي فإن ذلك يتساوق مع الاحتلال ذاته، وليبدو التحالف كتحالف ضد المقاومة كذلك. ثم أن هذا التحالف الذي يقوم على مواجهة هذين العدوين (الاستبداد والإرهاب) سيضم القوى المرتبطة مع الاحتلال والتي هي ضد النظام السابق كما هي ضد "الإرهاب" الذي يُقصد به المقاومة. وهذه القوى تدعو إلى بقاء الاحتلال أو بقاء "الوجود العسكري الأجنبي"، الأمر الذي يجعل مسألة السيادة وإنهاء الوجود العسكري مسألة خلاف في وجهات النظر، وليست ضرورة ملحة لا سيادة بدونها. بمعنى أن هذه الدولة يمكن أن تتحقق في ظل "الوجود العسكري الأجنبي"، لكن مع المطالبة باستكمال السيادة. بمعنى أن بناء الدولة، الذي هو أولوية، يفترض "القضاء على الإرهاب"، وبالتالي تشكيل تحالف واسع على هذا الأساس. أما "الوجود العسكري الأجنبي" فيحل في إطار المفاوضات وعلى ضوء نجاح بناء الدولة. مما يشير إلى وجهة الصراع الذي يطرحه الحزب، والخالي من مواجهة الاحتلال. ليبدو تعبير "الوجود العسكري الأجنبي" هو المحدد للنظر إلى حالة العراق. بمعنى أن المسألة تتعلق بالتفاوض من أجل خروج ذلك الوجود، وليست مسألة وجود إحتلال يفرض المقاومة. لهذا جاء البرنامج كمعبر عن وضعية دولة مستقلة وليست وضعية دولة محتلة، حيث تأسس البرنامج على أساس المشكلات "الداخلية" بمعزل عن وجود الاحتلال، وفقط بالإشارة إلى "الوجود العسكري الأجنبي"، أو بروحية تنطلق من أن هناك قواعد عسكرية أجنبية تجري الدعوة لإنهائها كيما تتحقق السيادة كاملة. فهل يمكن "تهميش" قضية الاحتلال إلى هذا الحد؟ وبالتالي هل يمكن رؤية الصراعات الداخلية بمعزل عن الصراع مع الاحتلال؟ من هو "الحاكم" في العراق؟ أي السلطة لمن؟ وما هو البديل؟ كما أشرت، فإن هدف البرنامج هو تكريس سلطة الدولة (أو بناء الدولة) في مواجهة الإرهاب والاستبداد (المغفل من التحديد، فمن هم ممارسوه؟ هل هو نظام صدام الذي أصبح من الماضي؟). ومن ثم تحقيق النقاط الواردة في البرنامج إذا استطاع الحزب الوصول إلى السلطة. وهو هنا يتجاوز مسألة الاحتلال. وبالتالي فالبرنامج لا ينطلق من الواقع الحقيقي، ومن التناقضات التي تخترقه، بل ينطلق من تناقض مع قوى نتجت عن وجود الاحتلال (الإرهاب)، وبدعم أو تسهيل منه. أو من مسألة صارت من الماضي (الاستبداد). حيث أن الواقع يشير إلى وجود إحتلال، والى ممارسات دولة محتلة. و قوة الاحتلال هي التي تحكم العراق، وليس السلطة القائمة التي يريد الاحتلال لها أن تكون واجهة. وهي المقررة بالتالي في كل السياسات، من شكل السلطة ورئيس الحكومة، إلى السياسة النفطية، إلى عقود ما يسمى إعادة الإعمار، إلى السياسة الخارجية، إلى كل ما يتعلق بـ"الأمن". إن النظر إلى الاحتلال وكأنه وجود عسكري أحنبي يشير إلى غياب الوعي بالواقع ومشكلاته. إن التناقض مع الاحتلال هو التناقض المحدد لكل التناقضات الأخرى، فالاحتلال مؤسس للتناقضات، ولا يمكن حل تلك التناقضات إلا في سياق حل التناقض الرئيسي هذا. ولاشك في أن تحكمه في كل السياسات، ودوره "الأمني"،هما أساس نشوء التناقضات، لأنه يمارس السلطة، وينهب الاقتصاد. وبالتالي يفقر قطاعات واسعة من المجتمع. وهو المؤسس للفوضى كذلك. وهنا يأخذ الصراع الطبقي شكلاً وطنياً.وتكون المقاومة بأشكالها المختلفة (الشعبية والسياسية والعسكرية) ضرورة، وطريقاً لتحقيق الاستقلال، وتأسيس الدولة الديمقراطية العصرية. الاحتلال يريد واجهة، أي سلطة عراقية خاضعة لقراره. ومن ثم فإن أي سلطة تتشكل في ظل الاحتلال لن تخرج عن أن تكون واجهة. وفي هذا الوضع يصبح برنامج الحزب "طوباوياً"، لأنه من غير الممكن تأسيس دولة ديمقراطية عصرية، كما يطالب الحزب، في ظل الاحتلال. وبالتالي فإن الهدف الأول هو الاستقلال، وليس إستعادة السيادة كما يطالب الحزب. حيث أن الأولى تعني التأكيد على ضرورة المقاومة، أما الثانية فتعني المطالبة والمفاوضة إنطلاقاً من أن العراق ليس محتلاً لكنه منقوص السيادة، ويرتبط ذلك بمدى القدرة على تحقيق تقدم في مواجهة الاستبداد والإرهاب. وهو الأمر الذي يغرق الحزب في سياسة مهادنة للاحتلال ومتناقضة مع الشعب. ولأن التناقض مع الاحتلال هو التناقض الرئيسي فإن قوى مختلفة، مثل الإرهاب الأصولي وقوى نظام صدام حسين، تستفيد منه، وتؤسس قوتها على أساسه. ولاشك في أن مواجهة هذه القوى ستكون فاشلة دون الانطلاق من أولوية المواجهة مع الاحتلال، لأنه حينها يكون الحزب قد إمتلك "هدفاً حقيقياً". ولهذا ففي سياق حل التناقض الرئيسي، أي في سياق الصراع مع الاحتلال يمكن حل التناقضات الأخرى، سواء مع القوى الأصولية الطائفية أو مع الإرهاب. حيث أن الحل في مواجهة هؤلاء لا يتم بشكل فعلي إلا عبر إستقطاب الطبقات الشعبية وتنظيم نشاطها ضد الاحتلال، وبالتالي تهميش كل القوى الأصولية والطائفية التي تمارس الإرهاب، وكذلك فرق الموت التابعة لوزارة الداخلية (وللاحتلال). وخارج ذلك سوف تبقى هذه القوى تتغذى على شعار المقاومة، رغم أن جلّ نشاطها منصبّ على قتل المدنيين وإثارة حرب طائفية. حيث أن كل مواجهة لها خارج سياق التناقض الرئيسي سوف تبدو أنها خدمة للاحتلال، فتضع الحزب في موقع المنبوذ شعبياً. فقد أصبحت القوى الطائفية قوة لأن الحزب الشيوعي تخلى منذ البدء عن مواجهة الاحتلال، وهذا ما أشرت إليه منذ زمن. فهو الحزب الذي كان قادراً على توحيد الشعب على أساس وطني. وبالتالي لا يجب الندب على الإرهاب، فهو نتاج التخلي عن الدور الضروري لحزب شيوعي في بلد بات محتلاً. لقد خلى البرنامج إذن من المسألة الأساس، وهي مواجهة الاحتلال من أجل تحقيق الاستقلال. وتجاهل مسألة المقاومة التي هي ضرورة في بلد محلّ. وبالتالي كيف يمكن بناء عراق ديمقراطي وتطوير الاقتصاد عبر دور الدولة – وهو ما يدعو إليه البرنامج – في ظل الاحتلال؟ خصوصاً وأن مصالحه تتناقض مع مصلحة الطبقات الشعبية. حيث أنه المسيطر على النفط ويفرض خصخصته، وهو الذي يوقع عقود "إعادة الإعمار" ويخصصها لشركات أميركية تحديداً. وكيف يمكن أن تكتمل الديمقراطية والاحتلال هو الذي يقرر؟ وكيف يمكن تطوير التعليم والاحتلال هو الذي يضع المناهج؟ لهذا أشرت إلى أن البرنامج يبدو بلا معنى. فهو يسعى لبناء دولة والسلطة بيد الاحتلال. والواقع أن الاحتلال مأزوم نتيجة فعل المقاومة وليس نتيجة المشاركة في الحكومة، أو "النضال" من داخل السلطة (أو الدولة). وإذا كانت هناك قوى إرهابية تتستر بالمقاومة، فإن هناك مقاومة حقيقية تقاتل الجيش الأميركي والجيوش الأخرى. ولقد أدنت منذ البدء كل تلك القوى الإرهابية، ربما قبل الحزب الشيوعي، ,أشرت إلى خطرها ( يمكن مراجعة موقعي على الانترنت ضمن موقع الحوار المتمدن)، لهذا لن أتردد في القول بأن الحزب الشيوعي يتحمل مسؤولية مهمة في تنامي هذه القوى، لأنه ترك الفئات الاجتماعية التي سعت إلى المشاركة في المقاومة (وهي كثيرة في العراق) لقوى أصولية لها أجندتها الإرهابية ومسعاها الطائفي. إذن، إن المحور الأساس في أي برنامج حقيقي في العراق يجب أن ينطلق من مواجهة الاحتلال، والسعي لمقاومته بكل الأشكال الممكنة. دون تجاهل مواجهة قوى أخرى، طائفية وأصولية تمارس الإرهاب. أو قوى ترتبط بالاحتلال، أصبحت هي السلطة، وباتت تمارس النهب والقتل والاستبداد، وتدعم وجود الاحتلال. وهذه القوى الأخيرة يتجاهلها البرنامج، بل على العكس، يفتح لها أفق التحالف الواسع. وهو الأمر الذي يضع الحزب في موقع صعب، ويفضي إلى تهميشه. النقطة الثانية: ربما كان البحث في النقطة الأولى يلغي الحاجة إلى البحث في هذه النقطة، لكنني وددت الإشارة إلى إشكالية عميقة حكمت الحركة الشيوعية العربية منذ عقود، وهي تتكرر هنا في البرنامج. لهذا كان ضرورياً تناولها لأنها تعبر عن منطق خاطئ يحكم هذه الحركة، وقاد إلى تهميشها في الفترة الماضية. فهل أن البرنامج مطروح للتحقق في ظل سيطرة الفئات "الرأسمالية" (التي هي كومبرادورية) في إطار ما يسمى "النمط الرأسمالي، أو على أنقاضها؟ هنا يعود السؤال ذاته: هل يساعد الحزب الشيوعي في إنتصار تكوين اقتصادي اجتماعي سياسي رأسمالي وسلطة رأسمالية أم يسعى إلى شيء مختلف؟ الفكرة العامة القديمة تمثلت في أن الرأسمالية هي التي يجب أن تنتصر، أي أن تصبح في السلطة، وأن مهمة الحزب الشيوعي تتمثل في دعم ذلك، ربما من موقع نقدي، أو عبر ملاحظات، وأن دور الحزب في تحقيق الاشتراكية مؤجل لفترة طويلة قادمة. وإذا كان الحزب ينطلق من وجود الدولة وليس وجود الاحتلال، رغم وجود قواعد عسكرية أجنبية. وأن المسألة الراهنة هي مسألة السلطة. فقد كرر الموقف التقليدي للحركة الشيوعية وله هو بالذات. فهو يشير إلى أن الوثيقة البرنامجية التي إنطلق "في وضعها من الواقع الموضوعي لبلادنا ومرحلة تطورها الراهنة وآفاقها، يؤكد في الوقت نفسه على خياره الاشتراكي لبناء المجتمع في المستقبل". وهذه موضوعة صحيحة، حيث ليس مطروحاً بناء الاشتراكية الآن. رغم أن الطريق الخاص إلى الاشتراكية، كما يشير البرنامج، و الذي سيكون محصلة عمل فكري وسياسي تراكمي ومتدرج، لن يكون كما يقول البرنامج محصلة نضال قوى سياسية متعددة وتحالفات واسعة، وهو ما كان فعله حينما تحالف مع البعث لتحقيق الاشتراكية "معاً". لأن الاشتراكية هي هدف الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، ولن تكون هدف الفئات الوسطى إلا إذا كانت اشتراكيتنا شبيهة باشتراكية البعث والناصرية، أي تطور رأسمالي تحت مسمى الاشتراكية كما بدا واضحاً في مصر وسوريا و العراق والجزائر. وبالتالي فالاشتراكية المطروحة هنا تحتاج إلى تدقيق وإعادة نظر. لكن ما الذي يجب أن يبنى الآن؟ يجيب الحزب أنه "في ظل التوازنات السياسية الداخلية والدولية الدافعة بقوة لصالح التطور الرأسمالي بصورته الليبرالية الجديدة الأكثر غلواً، ينصبّ نضالنا في المرحلة الراهنة على تجنيب شعبنا مصائب رأسمالية متوحشة، وإنجاز أهداف ذات طابع وطني وديمقراطي عبر تحقيق أوسع تحالف إجتماعي سياسي، يضم الطبقات والفئات الاجتماعية والقوى المناهضة للاستبداد والإرهاب والتي تؤمن بالديمقراطية وآلياتها، بما فيها الإقرار بمبدأ التداول السلمي للسلطة وحل التناقضات بالوسائل السلمية، واحترام الاستقلال السياسي والفكري والتنظيمي لهذه القوى، والاعتراف المتبادل والتطلع إلى بناء دولة المواطنة والمؤسسات والعدل، دولة الحق والقانون، الدولة الديمقراطية العصرية". إذن الهدف هو تجنب رأسمالية وحشية لمصلحة رأسمالية أخرى. هل هناك رأسمالية غير وحشية اليوم؟ الجواب لا، حيث الرأسمالية كومبرادورية. ثم الهدف هو بناء الدولة الديمقراطية العصرية. أي الطبقات هي المعنية بتحقيقها؟ هل الرأسمالية معنية بذلك؟ طبعاً لا. وهل يكفي الانطلاق من مناهضة الاستبداد والإرهاب لكي يكون ممكناً تأسيس تحالف يسعى لبناء دولة ديمقراطية عصرية دون لمس مصالح هذه الطبقات والقوى، وبالتالي لمس خياراتها الاقتصادية الاجتماعية؟ وما هو دور الحزب الشيوعي بالتحديد؟ إن عدم راهنية الاشتراكية لا يعني عدم راهنية دور الحزب الشيوعي، لأن المهمات المطروحة، والتي يشير إليها البرنامج، والتي هي ضرورية لتطور العراق ودمقرطته، لن يكون ممكناً تحقيقها دون دور فاعل وأساسي للحزب الشيوعي. وهنا سنلمس إشكالية قديمة حكمت الحركة الشيوعية، والحزب الشيوعي العراقي خصوصاً، وجعلته ملحقاً بالنظم التي قامت بعد ثورة تموز 1958، تتمثل في الرؤية التي تحكم فيما يتعلق بدوره الواقعي: هل يطرح على نفسه دوراً تغييرياً، أي إستلام السلطة؟ لا، فقد حاول التعبير عن مطامح الطبقة العاملة المطلبية (إلى حد ما)، ولم يعبر عن مطمحها السياسي، أي مسألة السلطة. على العكس من ذلك فقد كان "واعيا" لضرورة عدم إستلام السلطة، وضرورة تكريس سيطرة قوى اجتماعية أخرى: البرجوازية أو البرجوازية الصغيرة. وكان في ذلك مقتله. لقد كان الحزب حين تأسيسه حزب النضال الطبقي، لكنه تحول إلى حزب "النشاط السياسي". حيث مال إلى عدم تطوير نضالات الطبقة العاملة والفلاحين المطلبية والسياسية، بل مال إلى "المساومة" مع السلطات القائمة، والتكيف مع الأمر الواقع. وبالتالي بقي ينشط في تكوين رأسمالي دون أن يسعى إلى تغييره، بل عمل على التكيف معه. المشكلة تتمثل في أنه في الصيغة المطروحة من قبل الحزب تنتصر الليبرالية والفئات الكومبرادورية، وتهزل الديمقراطية، وبالتالي تغيب الدولة الديمقراطية العصرية. وتتعمق مشكلات الطبقة العاملة والفلاحين وكل الفئات الوسطى. لهذا يجب أن يكون الحزب، هو حزب النضال من أجل التغيير. طبعاً في إطار تحالف، لكن يقوم على أسس غير تلك التي يطرحها الحزب، وفي ظل فاعلية أساسية للحزب ذاته. بمعنى أن المهمات الديمقراطية التي يطرحها الحزب يجب أن تتحقق (وهي لن تتحقق إلا) في ظل دوره الأساسي والفاعل والمركزي، وليس في ظل أدوار أحزاب تمثل البرجوازية أو البرجوازية الصغيرة. وهذا يفرض أن يدافع عن الطبقة العاملة والفلاحون الفقراء أولاً، أي قبل أن يغرق في تحالف يكون ملحقاً فيه. وهذا التحالف يجب أن يبنى على أساس الأولويات والتناقض الرئيسي وليس على التناقضات الثانوية. ولهذا يجب أن يكون موقع الحزب مع المقاومة (وليس الإرهاب)، وفي إطار تحالف مع كل القوى المعنية بهزيمة المشروع الامبريالي الأميركي.كما بهزيمة قوى الإرهاب والقوى الطائفية. من أجل تحقيق المهمات الوطنية (الاستقلال) والديمقراطية (دولة ديمقراطية عصرية) والمجتمعية (المتعلقة بالتطور وبمطالب الطبقة العاملة والفلاحون الفقراء وكل الفئات الوسطى). ولكي يكون العراق جزءاً من البلدان المناهضة للمشروع الامبريالي. النقطة الثالثة: وهي تتعلق ببعض الأفكار الواردة في البرنامج، والتي تحتاج إلى التفات. منها مسألة الفيدرالية، والحزب يكرر ما بات رائجاً في العراق، دون تمييز بين ما يطرح هو وما هو مطروح من قبل القوى السياسية الأخرى (الطائفية خصوصاً)، والتي تقيم هذا المفهوم على أساس التقسيم الطائفي. وبالتالي دون أن يدين الميل لتقسيم العراق "فيدرالياً" على أساس طائفي. بالنسبة للأكراد الحزب يطرح حق تقرير المصير وهو محق. لكن الحل "المؤقت" ليس الفيدرالية إذا ما أراد الأكراد الاستمرار في إطار العراق الموحد، بل الإدارة الذاتية والحقوق الثقافية. فالفيدرالية نظام إداري وليس نظام سياسي، يقوم على تخفيف أعباء الدولة المركزية، عبر توزيع مهمات لها على المناطق. المسألة الأخرى تتمثل في أساليب النضال، حيث حصرها البرنامج في أسلوب واحد فقط، هو "حل المشكلات الاجتماعية عبر أشكال النضال السلمية والديمقراطية التي ينبغي أن تكون شرعيتها مكفولة بالدستور وقوة القانون". وهي النغمة التي تعممت بعد إنهيار النظم الاشتراكية، بينما يفرز الواقع أشكال متعددة، منها الثورة (التي بات تردادها يخيف الكثيرين). وخصوصاً أن أي دستور سوف يضبط احتجاجات الطبقات الفقيرة ويجرمها، إلا في حدود "موافقة وزارة الداخلية". المسألة الثالثة، فيما يتعلق بالشرعية الدولية التي باتت الحاجة ملحة للنظر إليها بريبة بعد أن أصبحت الأمم المتحدة خاضعة لإبتزازات الدولة الأميركية. كما أن الموقف من القضية الفلسطينية يحتاج إلى تغيير جذري، ولم يعد مقبولاً التأكيد على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعد أن حسمت الدولة الصهيونية المسألة في الواقع (عبر توسيع الاستيطان والسيطرة على الأرض والجدار العازل، وتقسيم الضفة الغربية وقطاع غزة إلى كانتونات معزولة). والبديل هو إعادة النظر بالمشروع الصهيوني ورؤيته ضمن واقعه الحقيقي كمشروع إمبريالي يهدف إلى السيطرة على الوطن العربي، ومواجهته هي جزء من مواجهة المشروع الامبريالي. الغريب في البرنامج أنه يدعم حق الشعوب في تقرير مصيرها، وحقها في إستخدام كافة الوسائل لمقاومة العدوان عليها، ومن أجل تحرير أرضها المحتله، دون أن يطال هذا الحق الشعب العراقي ذاته. وهذا يشير إلى ما ذهبنا إليه من أن كلمة الاحتلال التي وردت مرة واحدة كانت عابرة ودون معنى، ففي العراق "وجود عسكري أجنبي" فقط. البرنامج بالتالي بحاجة إلى إعادة بناء، إنطلاقاً من الأولوية الحقيقية: التي هي مواجهة الاحتلال.
#سلامة_كيلة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من اجل تحالف القوى الماركسية في الوطن العربي
-
حزب الشعب الفلسطيني وتعزيز الهوية اليسارية
-
المساءلة حول المقاومة:بصدد حجج الليبراليين العرب الساذجة
-
ترقيع السلطة الفلسطينية
-
وحدة اليسار: حول اعادة صياغة اليسار الماركسي
-
من أجل المواجهة مع المشروع الامبريالي الصهيوني
-
الحرب على لبنان: الدور الصهيوني في الاستراتيجية الأميركية
-
وضع فلسطين بعد الحرب على لبنان
-
الصراع الطائفي يُفشل القتال مع الاحتلال الأميركي
-
إنتصار حماس ومآل الوضع الفلسطيني
-
توضيح -إعلان دمشق-
-
مأزق حزب الله
-
-فرق الموت- في العراق
-
الوطن والوطنية: بصدد المفاهيم
-
ملاحظات أخيرة على إعلان دمشق
-
أزمة - القطاع العام - في سوريا
-
ثورة أكتوبر، محاولة للتفكير
-
دعوة لتجاوز - إعلان دمشق -
-
التاريخ و صيرورة الديمقراطية و العلمانية
-
ملاحظات حول - إعلان دمشق -
المزيد.....
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (إ.م.ش) تدعو للمشاركة الوازنة
...
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 576
-
فريق حزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب يُطالب الحكومة بتقد
...
-
السيد الحوثي: بقية الفصائل الفلسطينية المجاهدة في غزة تواصل
...
-
هل تسعى تركيا إلى إنهاء الصراع مع حزب العمال الكردستاني؟
-
تركيا.. اعتقال رئيس بلدية -أسنيورت- بتهمة الانتماء لحزب العم
...
-
العدد 577 من جريدة النهج الديمقراطي بالأكشاك
-
الجبهة الديمقراطية تراسل الاحزاب السياسية والبرلمانات العالم
...
-
المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي يدين بشدة وصف ا
...
-
بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
...
المزيد.....
-
نَقْد شِعَار المَلَكِيَة البَرْلَمانية 1/2
/ عبد الرحمان النوضة
-
اللينينية والفوضوية فى التنظيم الحزبى - جدال مع العفيف الأخض
...
/ سعيد العليمى
-
هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟...
/ محمد الحنفي
-
عندما نراهن على إقناع المقتنع.....
/ محمد الحنفي
-
في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟...
/ محمد الحنفي
-
حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك
...
/ سعيد العليمى
-
نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب
/ عبد الرحمان النوضة
-
حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس
...
/ سعيد العليمى
-
نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|