|
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 147
ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن-العدد: 7489 - 2023 / 1 / 12 - 14:58
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
وَمَن يَّعمَل سوءًا أَو يَظلِم نَفسَهُ ثُمَّ يَستَغفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفورًا رَّحيمًا (110) وَمَن يَّكسِب إِثمًا فَإِنَّما يَكسِبُهُ عَلى نَفسِهِ وَكانَ اللهُ عَليمًا حَكيمًا (111) يكاد يكون كل إنسان معرضا لأن يرتكب عملا سيئا، دون أن يكون إنسانا سيئا بالضرورة. لكن من لوازم استقامة وصلاح الإنسان، إنه إذا ارتكب سوءً راجع نفسه وندم على فعله، واعتذر من الذي توجه إليه العمل السيئ، وإذا كان قد ترك عمله السيئ أثرا، لا بد أن يعمل على إزالة ذلك الأثر، وتدارك خطئه وإصلاح ما أفسده. ومن الناس من تأخذه العزة بالإثم كما يعبر القرآن تعبيرا جميلا، ومثل هذا يستنكف من الاعتذار، وكأنه يخدش كرامته، لكنه لم يفكر حين وجه عمله السيئ تجاه شخص آخر، أن لذلك الشخص كرامة، هو الآخر معتز بها، والمسيء أولى من المساء إليه أن يضحي ولو تضحية معنوية بإعادة الاعتبار إلى من خدش اعتباره. هذا طبعا إذا كانت الإساءة معنوية، أما إذا كانت مادية فلا بد من المبادرة إلى تعويض من أضره ماديا. هذه قضية دينية وأخلاقية على حد سواء، مع الفارق بين معايير الدين ومعايير الأخلاق في تحديد الحسن من القبيح. وطبعا هذا التفاوت ليس على طول الخط، فبعض ما هو حسن أو قبيح دينيا، يكون أيضا بمعايير الأخلاق حسنا أو قبيحا، وهكذا بعض ما هو حسن وقبيح في ميزان الأخلاق هو كذلك في ميزان الدين. فأخلاقيا لا يشعر الإنسان بالذنب، إذا أكل ما هو محرم دينيا، أو شرب الخمر، أو مارس العلاقة الجنسية من غير عقد شرعي بتراضي طرفي الممارسة الجنسية، ودون تسبيب أذى لشخص ثالث، أو إذا لم يؤدِّ الصلاة. وفي نفس الوقت بعض المحرمات الأخلاقية قد لا تعتبر محرمات دينية، كاستغابة أو إهانة غير المؤمن أو الاعتداء عليه على أي نحو كان كان. وحتى لو اعتبر الإساءة تجاه غير المسلم أو غير المؤمن غير محبذة، فهي لا تعدو أن تكون من المكروهات وليست من المحرمات، بمعنى أننا هنا أمام نهي ترخيصي أو إرشادي، وليس نهيا إلزاميا، يعاقب عليها مرتكبها أخرويا. ومن هنا فإنه قول جميل «مَن يَّعمَل سوءًا أَو يَظلِم نَفسَهُ ثُمَّ يَستَغفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفورًا رَّحيمًا»، والتعبير القرآني بظلم الإنسان لنفسه، هو مرادف لارتكاب الذنب، أي المعصية لأوامر الله، حسب الفهم الديني، كالزنا وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير، فيما هي المحرمات في الإسلام، ويا ليت الأديان قد ركزت على الجانب الأخلاقي، فيما هو تعامل الإنسان مع الإنسان الآخر، أكثر من تركيزها على ما اعتبرته معاصي بالمعنى الديني، كترك صيام شهر رمضان، أو عدم المبادرة لحج البيت بمجرد تحقق الاستطاعة بشروطها الدينية، وهكذا لو تأملنا في الوصايا العشر، فقد ركزت على قضايا اعتبرتها مركزية، وما هي بمركزية حسب معايير الأخلاق، وبالتالي حسب معايير الله، وأهملت الكثير من القضايا الإنسانية المركزية، بل أباحت بعض المحرمات الأخلاقية، كالرق والعبودية. وكذلك يعتبر قولا جميلا أن «مَن يَّكسِب إِثمًا فَإِنَّما يَكسِبُهُ عَلى نَفسِهِ»، وهذا له معنيان، الأول إنه وحده يحمل وزر عمله السيئ، ولا يتحمله غيره، مما يؤيده القول القرآني والفلسفي الدقيق «لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِّزرَ أُخرى»، والمعنى الثاني إنما مرتكب العمل السيئ إنما يضر نفسه بالدرجة الأولى. وَمَن يَّكسِب خَطيئَةً أَو إِثمًا ثُمَّ يَرمِ بِهِ بَريئًا فَقَدِ احتَمَلَ بُهتانًا وَّإِثمًا مُّبينًا (112) وهنا من غير شك تكون السيئة مضاعفة، فهي تعبر عن ارتكاب عمل قبيح، ثم الأقبح منه أن يرمي مرتكب السيئة بها شخصا آخر بريئا، وهذا ما يعد كذبا وافتراءً وبهتانا. وَلَولا فَضلُ اللهِ عَلَيكَ وَرَحمَتُهُ لَهَمَّت طّائِفَةٌ مِّنهُم أَن يُّضِلّوكَ وَما يُضِلّونَ إِلّا أَنفُسَهُم وَما يَضُرّونَكَ مِن شَيءٍ وَّأَنزَلَ اللهُ عَلَيكَ الكِتابَ وَالحِكمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَم تَكُن تَعلَمُ وَكانَ فَضلُ اللهِ عَلَيكَ عَظيمًا (113) من الصعب أن يفهم المرء كيف يمكن لنبي رسول مصطفى من مجموع النوع البشري من أول إنسان حتى آخر إنسان، ليكلف من الله المطلق في علمه وحكمته ولطفه، بأهم وأخطر وأشرف رسالة إلهية إلى بني الإنسان، تعتبر عينة وزبدة وخاتمة الرسالات؛ كيف يمكن له أن يضله آخرون، حتى لو لم يكن هذا الإضلال قد تم، بل يكفي أنه كاد أن يحصل، بمعنى أنه كان ممكن الحصول. وإذا علمنا أو لنقل افترضنا أن محمدا هو نفسه مؤلف القرآن فيتقمص شخصية الله ليجعله يتحدث عن نبيه، بدلا من أن يتحدث النبي نفسه عن نفسه، فيعني ذلك إنه يقر بضعفه، واحتمال وقوعه تحت تأثير أو خداع آخرين له. لكنه يكتشف ذلك بطريقة ما، فيجعل الله ينبئه به، وهكذا هو كلام العديد من الآيات عن شك محمد بأن ما يأتيه هو الوحي من الله، فينهاه الله عن أن يجعل الريب يتسرب إلى قلبه، بأن ما يأتيه هو الحق من ربه، ثم يطلب منه إذا كان لديه شك أن يسأل الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب. هذه واحدة من العديد من غرائب وعجائب القرآن، كما هي عجائب وغرائب بقية الكتب المقدسة والنصوص الدينية.
#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 146
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 145
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 144
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 143
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 142
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 141
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 140
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 139
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 138
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة ١٣٧
-
مشروع أمريكي لاستبدال الحروف العربية 1/5
-
مشروع أمريكي لاستبدال الحروف العربية 4/5
-
مشروع أمريكي لاستبدال الحروف العربية 3/5
-
مشروع أمريكي لاستبدال الحروف العربية 2/5
-
مشروع أمريكي لاستبدال الحروف العربية 1/5
-
مناقشتي لمقالة لمحمد شحرور 3/3
-
مناقشتي لمقالة لمحمد شحرور 2/3
-
مناقشتي لمقالة لمحمد شحرور 1/3
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 136
-
القرآن محاولة لقراءة مغايرة 135
المزيد.....
-
راهبة أميركية: حماس حركة مقاومة والمسيحيون يعانون بسبب الاحت
...
-
كنائس بروتستانتية تدعو الحكومة الهولندية للاعتراف بفلسطين
-
بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي.. قطر تحكم بالسجن خ
...
-
أفغانستان بعد أربع سنوات من استيلاء حركة طالبان على السلطة
-
31 دولة عربية وإسلامية تدين تصريحات نتنياهو وخطة الاحتلال ال
...
-
وزراء خارجية 31 دولة عربية وإسلامية يدينون تصريحات نتنياهو و
...
-
-إسرائيل الكبرى-.. 31 دولة عربية وإسلامية تصدر بيانا مشتركا
...
-
فلسطين تحذر من هجمة إسرائيلية -غير مسبوقة- على الكنائس
-
حركة طالبان الأفغانية تحيي الذكرى الرابعة لاستيلائها على الس
...
-
31 دولة عربية وإسلامية تهاجم تصريحات نتنياهو وخطط الاستيطان
...
المزيد.....
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
المزيد.....
|