أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - البشير عبيد - كتابة الرؤيا..رؤى و مقاربات















المزيد.....

كتابة الرؤيا..رؤى و مقاربات


البشير عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 7489 - 2023 / 1 / 12 - 00:47
المحور: الادب والفن
    


كتابة الرؤيا...رؤى و مقاربات

*البشير عبيد

كيف تبدو الكتابة كيانا مستقلا ومغايرا لحيثيات الواقع في ذهن صانعها الكاتب المبدع ؟: هذا هو السؤال الحارق والمحوري والضارب بعمق في مخيلة الكائن البشري المثخن بطقوس ومناخات الكتابة الإبداعية المؤثثة بالأماكن القريبة والقصية والأيام الخوالي المنبعثة منها خيبات وانكسارات ومواجع الإنسان الحالم بعالم خال من الحروب والاضطهاد والاستغلال والاستبداد. الكتابة الإبداعية هنا هي البوصلة الحقيقية والمنارة التي تشع منها مسارات الضوء الطالع من إنفاق الظلمات والمبددة لكل الغيوم المتراكمة في كل الجهات شرقا وغربا، شمالا وجنوبا. منذ القدم، كانت علاقة الإنسان بالكتابة تعبر عن جوهر الصراع الدائر في كينونة هذا الكائن بين معسكرين متضادين, معسكر الحرية والآخر الغارق في أوحال العبودية. في هذا الإطار حاولت الأصابع الممسكة بالقلم والورقات أن تخط إبداعات شتى، شعرا ونثرا وفكرا بعيدا عن أسوار الحصار المضروب على قلاع محصنة مناهضة بطبيعتها لإعتاق الإنسان من كل ضروب التهميش والتنكيل والتشريد والاضطهاد.. هذه الأصابع المكتوية بجمرات الواقع، لا تستطيع أن تنسى أو تتناسى الأسئلة الحارقة المؤثثة لجوهر الكتابة الإبداعية وما تحمله من دلالات التجاوز والخروج من النفق المظلم إلى الأضواء الساطعة.
.
الكتابة وتجليات الرحيل
:
قد يبدو هذا الوصف غامضا إلى حد الإبهام، لكن المتمعن في مسارات الكتابة الإبداعية منذ البدايات الأولى للتاريخ الإنساني يلحظ مباشرة ودون عناء كبير، الارتباط العضوي والمركزي والجدلي بين طقوس الكتابة ومناخاتها وتقنياتها ورحيل الأفكار والقيم المنبعثة منها إلى كل الأمكنة والأقاليم في كل أصقاع الأرض. هنا يحدث الرحيل تقنيا ومعرفيا ويقع التجاوز لإحداث النقلة النوعية على مستوى الأفكار ومنظومات المعرفة لتكسير “ثقافة” السائد/الموجود والذهاب عاجلا وآجلا إلى العالم المنشود الغارق في بياض البهاء. هذا هو الرحيل الاستثنائي وما يحمله من مقاصد التضاد مع الواقع ومناهضته على كل المستويات، فكريا ومعرفيا، لإخراج الكائن الإنساني المراوح في نفس المكان وكأنه معزول عن كل بقاع العالم وحيثيات تراكماته الموبوءة بالطعنات والانكسار وحمل الأجساد المنهكة إلى تخوم الأمل وتناغم الذات مع العالم والخروج من العزلة والانفتاح على فضاءات البهاء. في اللحظة الفارقة التي يحياها المبدع، يكون بالضرورة ممسكا بأدوات وتقنيات التفرد طالما أن طموحه اللامتناهي هو الذهاب بنصه “الإبداعي” إلى أقاصي الكون واختراق كل المنظومات والأنساق المعرفية والحضارية ولا ينجز هذا العمل الشاق والمضني إلا بإتقان “المثاقفة” ومحاورة ما أبدعته الأمم والحضارات والأعراق عبر التاريخ القديم والوسيط والحديث والمعاصر. الموهبة هنا هي بيت القصيد أو مربط الفرس في الكتابة الإبداعية وميكانيزماتها وحضورها اللافت في شخصية الكاتب/المبدع، ليعطي لعملية بناء النص الإبداعي، تقنيا وجماليا ومعرفيا، نصا زاخرا بالإضافة والتجاوز والتفرد، الأمر الذي يجعل هذا النص في قمة التماسك، مبنى ومعنى، شكلا ومحتوى. الكتابة الاستثنائية هي الثمرة الطبيعية لعملية التخييل وخلق التناغم والتناسق بين المعمار الهندسي ومقاصد اللغة وتجلياتها الفنية وأبعادها الجمالية وما تحمله دلالاتها من رحيل الكلام المكتوب برحيق الخيال الخلاق إلى مدارات الحلم ومرافئ الدهشة. الكتابة الخارجة عن سياق روتين السائد وفجاجة الواقع هي المحققة بالضرورة لإبداعية النص المكتوب بالأصابع المكتوية بجمرات القاع الاجتماعي والمُؤثَثة في نفس اللحظة بتقنيات اللغة الحالمة المبحرة في مياه النور. لا نستطيع أن نحقق الحبكة الفنية والمعمار الهندسي الرشيق لنص إبداعي، شعرا ونثرا، إذا كان الواقع بكل تعقيداته وتعبيراته في حالة غياب، بل الأحرى بكاتب هذا النص أن يثابر من أجل خلق تناسق بين المبنى والمعنى، لنلحظ من الوهلة الأولى الانصهار الكامل بين الاثنين.
.
الإبداع والمأزق الإنساني

مثلما أكدنا سلفا أن الكتابة الإبداعية هي الحاملة للبوصلة والمعبرة عن تناقضات ومفارقات الحياة وخيبات وانكسارات الإنسان، بل هي المرآة التي تعكس كل تفاصيل المشهد الإنساني: الموت والألم والجرح والفرح والأمل والحنين والفقدان والحرمان والقهر الاجتماعي المناهض لقيم التقدم والعدالة والمساواة. الكتابة بهذه الشاكلة تعطي نموذجا فريدا لمنتجات إبداعية مغايرة ومفارقة ومشاكسة للا إنساني في مشهد الحياة المثخنة بالتناقضات الصارخة. الكاتب/المبدع الحر سواء كان شاعرا أو قاصا أو روائيا أو مفكرا، لا يستطيع أن يكتب نصوصه خارج سياق اللحظة التاريخية التي يحياها، بل من أبجديات الكتابة الحضور الطاغي للوعي التاريخي وإتقان الإمساك بقضايا المرحلة والولوج بذكاء نادر إلى المناطق الوعرة التي تمثل حجر الزاوية بين الوعي والذاكرة والحرية واستحداث التقنيات لإعطاء هذا الثالوث الذهبي أبعادا جمالية وسفرا عجائبيا إلى مباهج الحلم وعتبات النور لإخراج الكائن البشري من مآزقه وانحداراته وإدخاله طواعية إلى الحصون والقلاع المضيئة حيث الأنوار الآتية من تشابك وتقاطع اللغة والواقع والوعي التاريخي دون نسيان الفكر النقدي والرؤية المعرفية. هذه العناصر المتشابكة هي المحددة لإبداعية النص وجعله كيانا لغويا مستقلا بذاته ومحلقا في سماوات جمال الفن. لو لم تتوفر هذه العناصر لما قرأنا “مديح الظل العالي” و”ذاكرة للنسيان” و”غنائية أحمد العربي” للراحل الكبير محمود درويش. كذلك الأمر، لو لم تكن هذه العناصر متناغمة ومتناسقة حد الانصهار لما أصابتنا الدهشة لحظة قراءتنا لـ”شرق المتوسط” و”أرض السواد” لعملاق الرواية العربية المعاصرة عبد الرحمان منيف. واضح إذن، أن لا كتابة إبداعية مشهود لها بالحبكة الفنية الفريدة دون ولوج مجاهل الواقع وتعقيداته وقضاياه المتعددة. الكاتب المبدع الحر هو المتمرد على كل شيء، والذاهب بأحلامه إلى أقاصي الدنيا، حاملا بين يديه جماليات اللغة المشتهاة وواضعا أقدامه على أرض صلبة أساسها الوعي والذاكرة والتحرر الاجتماعي لإخراج الكائن الإنساني من انكساراته وخيباته وجعله أكثر قدرة على مواجهة قوى القهر والاستغلال والإحباط والخنوع والخضوع لأوضاع العبودية المعاصرة. هكذا رأينا كبار الكتاب الموهوبين، شرقا وغربا، من كل الأمم والحضارات والأعراق، يخوضون معارك كبرى وقاسية ضد أعداء الحياة لكي تصير هذه الأخيرة جديرة بأن تُعاش في سياقها الإنساني الطبيعي. خلاصة القول: الكتابة الإبداعية هي الحياة ومحورها الإنسان ومركزها الحرية وأساسها العدالة وعمودها جمال اللغة عبر استحداث المبتكر في التعبير والمقاصد والمعاني. إذن، في هذا المسار حتما سنصل إلى مرافئ الحلم حيث الينابيع والتلال والحدائق والأنهار والسلم والأمان، وتختفي من مشهد الحياة، افتراضيا وجماليا صور الانكسار والآلام المتناسلة هنا وهناك. الحبر المشاكس هو بوصلة الاتجاهات المتشابكة والقلم الحر هو القلب النابض الصاعد إلى الأعالي والذاهب إلى الأقاصي والمسافر إلى كل الأقاليم.

*شاعرو كاتب تونسي



#البشير_عبيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النعجم الشعري و كثافة المعنى في قصيدة الضفة الأخرى من يافا ل ...
- وحدهم يعبرون الجسر
- الضفة الأخرى من يافا
- تونس ةبين راهنية اللحظة و الأفق و الأفق الغامض
- قوى رأس المال و اوهام الهيمنة


المزيد.....




- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - البشير عبيد - كتابة الرؤيا..رؤى و مقاربات