أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - البشير عبيد - النعجم الشعري و كثافة المعنى في قصيدة الضفة الأخرى من يافا للشاعر التونسي البشير عبيد















المزيد.....

النعجم الشعري و كثافة المعنى في قصيدة الضفة الأخرى من يافا للشاعر التونسي البشير عبيد


البشير عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 7487 - 2023 / 1 / 10 - 00:47
المحور: الادب والفن
    


المعجم الشعري و كثافة المعنى في قصيدة الضفة الاخرى من يافا للشاعر التونسي البشير عبيد

الأستاذ فتحي محفوظ/ مصر العربية

الضفة الأخرى من يافا

لم نكن ندري ان في الشرق القديم
بلادا يطير منها الحمام باتجاه
التلال المتاخم للظلال
ورقات المدى ضاعت منها طقوس
الليالي
و اخضرار العشب قبل مجيء العربات
هنا يداي تسأل عن خطاي
و ارتماء الجسد العليل في المياه
صامتا تراه الجموع صبيحة الخامس
من ايلول
ليس في الحقيبة ما تدعيه التقارير
و ليس في ذاكرة الأقاليم مباهج
للجنود الذين اتوا من الأساطير

من بعيد يصيح الرجل الشريد:
هنا يافا ..مهجتي و بوصلتي
لا مكان هنا لأصوات الأنين
بإمكان الأيادي ان ترفع الرايات
و تنحني الجباه للنور الطالع من الاسوار
فتيان الحي العتيق على مقربة من العاصفة
عشاق الشرق القديم
ليس لهم دفاتر و لا موسيقى
قبل مجيء عربات المياه
باغتنا الولد الكسيح بالعناق و حكم الأجداد:
لا تخف من عيون العسس
هذي بلادي و لهم خرف الأساطير
يافا.. درة الشرق المتاخم للحنين
ذاكرة الأقاليم
نوارة الروح
الذهب الخالص على شجر السنديان
موسيقى الغجر في عتمة الليل
ذهول الجنود امام الفتيان الجالسين
على عتبات الثكنات....

هنا التقى النبلاء و السفهاء
اللاهوت و الأتباع و الأنصار و ما تبقى
من صفحات الزمان البعيد
كم يلزمنا من أيام لترميم السور القديم
و اسكات القلق المتنامي في الجسد
الأمهات الهاربات من جحيم المرحلة
ليس في أجسادهن سوى دهشة الرؤيا
و ارتواء المكان من النبع البهي

في الضفة الأخرى من يافا
تأخذك الخطى إلى مدارات الرؤى
تسأل العابرين:
أين أصوات غسان و درويش و صيحات
سميح...؟
لم نكن ندري ان في الأقاليم ذاكرة
للصوت
على جدران المدينة كتبت اسماء النساء
اللواتي عشقنا ضباب الغيوم
و ارتباك الآتين من الشمال و الجنوب
هذا التراب لي و لهم ارق الرحيل
هذا السور القديم لي و لأحفاد ناجي
بإمكانهم ان يناموا سنوات على عتبات
المدى
لكن لن ينعموا سوى بالسراب......

قصيدة جديدة قدمها الشاعر والكاتب السياسي التونسي الكبير البشير عبيد بعنوان الضفة الأخر من يافا ، وفي سبيل قراءتها تعين علينا ان نستجمع الرصيد اللغوي الذي اعتمد عليه النص لإخراج هذا النشيد ، وهو الرصيد المختزن داخل معجم الألفاظ التي يستخدمها الشاعر " لم نكن ندري ان في الشرق القديم
بلادا يطير منها الحمام باتجاه
التلال المتاخم للظلال
ورقات المدى ضاعت منها طقوس
الليالي "
والشرق القديم يقع في موقعه المحدد بمعجم النص وقد شمله تخصيص للموقع استثناء من التعميم علي دول الشرق العربي . ارض فلسطين ، والحمام الذي يطير ، هو الحمام الذي يقوم الشعراء بعقد صلة بينه وبين السلام والأمان . في هذا النص فهو يطير جافلا الي التلال المتاخمة للظلال . انه نفس الحمام الذي رأيناه سابقا يطير عابرا حدود السماء اليمنية في قصيدة ورقات الغيم ، اما عن المنطقة التي يسود فيها الظلال ، فقد رأينا ظلامها في قصيدة الغرباء ، وكانت تعني المنطقة التي تقع علي هامش الخرائط ، وفي تلك القصيدة فالظلال تحتوي علي مرادفها اللغوي الذي يعتني بالخفاء والبعد عن العيون المتربصة ، ويكون ضياع ورقات المدي التعبير الذي يتناسب مع مفهوم ضياع الأرض ( الغرباء ) ومفهوم ضياع الحدود ( اقاليم الدهشة ) وفي هذا النص فضياع ورقات المدي هو ضياع الهوية بما تشمله من طقوس وعادات ، وهو تعبير قد يضاف الي التعبيرات السابق الإشارة اليها ..
" و اخضرار العشب قبل مجيء العربات
هنا يداي تسأل عن خطاي
و ارتماء الجسد العليل في المياه
صامتا تراه الجموع صبيحة الخامس
من ايلول "
والعربات وفقا لتعبيرات النص ، هي المنوطة بحمل المياه ، وفي قصيدة اقاليم الدهشة تتطور وظائفها لتصبح العربات هي الحاملة للمياه والموسيقي معا ، كما أنها صاحبة الضجيج الذي ينبعث من محركاتها ، وربما كانت تلك العربات هي التجسيم الحي لوجه حضاري ، وكأن نص الأقاليم كان يتحسر علي عدم وجوده ، وفي هذا النص ينمو العشب ويتألق اخضرارا قبل مجيء العربات ، ويرتمي الجسد العليل في مياه لا نعرف مصدرا لها . اغلب الظن ان مصدرها لم يكن واردا من العربات بل من مصادر الطبيعة عند بحر يافا ، وعن مصدر العلة فحدث ولا حرج ، وفي ذلك الشأن يلح علينا هاجس لاستيعاب ما قامت به جماعات ايلول الاسود كرد فعل علي انتهاكات المحتل دون ان ندينه
" ليس في الحقيبة ما تدعيه التقارير
و ليس في ذاكرة الأقاليم مباهج
للجنود الذين اتوا من الأساطير "
وفي قصيدة بعيدا عن سراب المدينة ، يشير مضمون الأساطير الي البطل الملحمي الذي لا يهاب العواصف ، ولكننا في هذا النص نجد الاختلافات البينة ، فالأساطير تعتني بإبراز الفعل الذي لا يكون الواقع مصدره ، وإنما يتضمنه نوع من الخيال ، وهو الخيال الذي رسم صورة ارض الميعاد الوهمية ليهود الشتات ، فليست كل تقارير الحقيبة صائبة ..
" من بعيد يصيح الرجل الشريد:
هنا يافا ..مهجتي و بوصلتي
لا مكان هنا لأصوات الأنين
بإمكان الأيادي ان ترفع الرايات
و تنحني الجباه للنور الطالع من الاسوار "
والرجل الشريد هو الرجل الذي يعاني من التشرد والأبعاد عن موطنه ، وهذا ما تؤكده نصوص مختلفة : قصيدة ورقات الغيم وقصيدة الضفة الأخرى من يافا ، وهي صفة تتعمد تلك النصوص الإشارة اليها بوضعها الصفات اللصيقة بالفلسطيني الذي تم نهب ارضه ، وفي إشارة الي وطنه ينعم الرجل الشريد بوصف وطنه بالبوصلة والمهجة وهو يرفع له السلام بالرايات
" فتيان الحي العتيق على مقربة من العاصفة
و عشاق الشرق القديم
ليس لهم دفاتر و لا موسيقى "
لا يتماثل او يتطابق الوصف في مسيرة التعبير البلاغي بين بعض النصوص ، فنلاحظ الاختلافات في الدلالة بين نص وآخر . في نص غرباء
يرصد النص حالة فتيان الحي العتيق بأنهم الذين قاموا بتدخين السجائر ، وقتلوا احلامهم ، وهي صفات تجسم تحت ستار اللغة ذلك الجانب السلبي من الصفات ، وفي هذا النص فالحديث عن الفتيان هو الحديث الذي يقوم بترتيب اوضاعهم وفق الرؤية الموجبة ، وهي الرؤية التي اعتمدت علي وضعهم في مقابل العواصف ، ويكمن اللغز في تعبير عشاق الشرق القديم باولئك الذين يحتفظون برؤية من لا يحظى بمعرفة هوية تلك المناطق من دفاترهم ، ولا يملكون حوافز المياه والموسيقي ..
" قبل مجيء عربات المياه
باغتنا الولد الكسيح بالعناق و حكم الأجداد:
لا تخف من عيون العسس
هذي بلادي و لهم خرف الأساطير
يافا.. درة الشرق المتاخم للحنين
ذاكرة الأقاليم
نوارة الروح
الذهب الخالص على شجر السنديان
موسيقى الغجر في عتمة الليل "
وفي طرح عاطفي لتنبيه الوعي بعدم الخوف من العسس وخرف الأساطير ينضح الإناء بما تم وصفه بالولد الكسيح ، وهو الولد الذي يتغنى بالمزيد من الصفات لمدينته فيصفها : بالذهب الخالص ، ونوارة الروح ، وذاكرة الأقاليم ، ودرة الشرق . وتعبير الولد الكسيح هو التعبير المرادف لحالة من الشجاعة المقترنة بالعجز وقلة الحيلة ..
" ذهول الجنود امام الفتيان الجالسين
على عتبات الثكنات....
هنا التقى النبلاء و السفهاء
اللاهوت و الأتباع و الأنصار و ما تبقى
من صفحات الزمان البعيد "
وبهذا الصدد يرسم النص الصورة الجامعة في الزمن الحاضر بين الفرقاء : فتيان المقاومة في وضع الجلوس المتحدي علي اعتاب ثكنات الجنود ، كما يرسم صورة لتاريخ المكان حيث التقي فيه العديد من اطراف الصراعات العرقية والمذهبية مما اطلق عليهم النص باللاهوت والأتباع والانصار ..
" كم يلزمنا من أيام لترميم السور القديم
و اسكات القلق المتنامي في الجسد
الأمهات الهاربات من جحيم المرحلة
ليس في أجسادهن سوى دهشة الرؤيا
و ارتواء المكان من النبع البهي "
وبحساب السنين كم من الوقت يلزم لإصلاح ذلك العطب . ذلك الوجود الاستعماري الطفيلي . يحسبها النص بالأيام تحت ستار التفاؤل ، ثم يدفع بصورة القلق المتنامي في صدور الامهات وهم لا يملكون سوي المشاهدة والرؤية ، وفي المعجم تكون الرؤيا في نص اقاليم الدهشة هي المعادل اللفظي لحالة بين اليقظة والنوم إبان الهزيع الأخير من الليل ، ويستمر نفس المعني في ذلك السياق ..
" في الضفة الأخرى من يافا
تأخذك الخطى إلى مدارات الرؤى
و تسأل العابرين:
أين أصوات غسان و درويش و صيحات
سميح...؟
لم نكن ندري ان في الأقاليم ذاكرة
للصوت "
ويصيبنا النص بالحسرة علي غياب اصوات الرموز الثقافية عن الوطن السليب وقد رحلوا عن دنيانا " غسان كنفاني بالاغتيال ، ومن بعده محمود درويش بالشيخوخة ، وانتهاء بسميح القاسم للمرض، ولكنها الحياة بتعقيداتها ..
" و على جدران المدينة كتبت اسماء النساء
اللواتي عشقنا ضباب الغيوم
و ارتباك الآتين من الشمال و الجنوب
هذا التراب لي و لهم ارق الرحيل
هذا السور القديم لي و لأحفاد ناجي
بإمكانهم ان يناموا سنوات على عتبات
المدى
لكن لن ينعموا سوى بالسراب......"
في قصيدة بعيدا عن سراب المدينة يعتني النص بالمساواة بين الغيوم والتحديات ، كما يعني وجود الضباب بذلك الساتر الذي يعوق الرؤية الصائبة ، اما السراب في قصيدة ورقات الغيم فهو الوهم ، وهو العمي في قصيدة بعيدا عن سراب المدينة ، وفي هذا النص يتوجه الخطاب الي من اسماهم الآتين من الشمال والجنوب ، وهم اولئك الغزاة الذين وفدوا تحت حماية ووعد بلفور . واليهم يكون النذير في خطاب الإدانة قد فرض ايقاعه الهائل ليقيم الفعل الموازي للسراب باعتباره هباء لا يتحصل علي قيمة او معنى.



#البشير_عبيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وحدهم يعبرون الجسر
- الضفة الأخرى من يافا
- تونس ةبين راهنية اللحظة و الأفق و الأفق الغامض
- قوى رأس المال و اوهام الهيمنة


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - البشير عبيد - النعجم الشعري و كثافة المعنى في قصيدة الضفة الأخرى من يافا للشاعر التونسي البشير عبيد