|
ما معنى المال؟ ديفيد جريبر
وليم العوطة
(William Outa)
الحوار المتمدن-العدد: 7486 - 2023 / 1 / 9 - 20:17
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
ديفيد جريبر ما معنى المال؟ المصدر: https://theanarchistlibrary.org/library/note-worthy-what-is-the-meaning-of-money
ترجمة: وليم العوطة
يؤثّر على كلّ جانبٍ من حياتنا، وغالبًا ما يقال إنّه أصل الشرور كلّها، وتحليل العالم الذي يجعله ممكنًا، أي ما نسميه "الاقتصاد"، شديد الأهمية بالنسبة لنا، حتّى أنّ الاقتصاديين أصبحوا كبار الكهنة في مجتمعنا. ومع ذلك، من الغريب أنّه لا يوجد إجماعٌ، على الإطلاق، بين هؤلاء الاقتصاديين حول الماهية الحقيقية للمال.
يراه البعض، في المقام الأول، سلعةً يجري تداولها مقابل سلعٍ أخرى، والبعض الآخر يراه وعدًا، و إقرارًا بالديْن IOU، وبعضٌ يراه مرسومًا حكوميًا، أو ضربًا من قسيمة حصصٍ تموينية. ويراه معظم الناس نوعًا من مزيجٍ فوضوي من كلّ ما سبق. كتب الاقتصاد المدرسية، وهدفها طمأنتنا بأنّ كلَّ شيءٍ تحت السيطرة، تختزل المال إلى ثلاثة أشياء: "وسيلة تبادل" و"مقياس للقيمة" و "مخزن للقيمة". لكنّ المشكلة هنا أنّ الاقتصاديين لا يمكنهم الاتفاق على معنى "القيمة" أيضًا. ربما لم يكن هذا مفاجئًا. إذا كان الاقتصاديون هم كبار الكهنة، أليس دور الكاهن التحفّظ على بعض الألغاز الأساسية؟ لا يمكن لأيّ نظام سلطةٍ مطلقةٍ أن ينجح حقًا ما لم يوجد شيءٌ في جوهره يتعذّر على أحدٍ أن يفهمه. يمكن قياس فعالية هذه المقاربة بمدى الصعوبة التي يعانيها منتقدو النظام الاقتصادي الحالي عند محاولتهم التوصّل إلى بديلٍ مقنعٍ عنه. هذا أمر بالغ الأهمية لأنّ الذين يدافعون عن الرأسمالية تخلّوا منذ فترة طويلة عن القول بأنّه نظامٌ اقتصاديٌّ جيّد على نحوٍ خاص، أي لديه إمكانية لخلق سعادة بشرية، أو أمانٍ أو رخاءٍ مشتركٍ على نطاق واسع. الحجة الوحيدة المتبقية لديهم هي أنّ أيّ نظامٍ آخرٍ سيكون أسوأ، أو، وعلى نحوٍ متزايد، لن يوجد نظامٌ آخرٌ ممكن. التحدّي دائمًا هو: أخبرنا بالضبط كيف سيعمل نظامٌ مختلف. هذا صعب على نحوٍ خاصّ طالما نجهل حتّى كيف يعمل هذا النظام [الرأسمالية]! ولو حاول أيّ شخصٍ شرح الرأسمالية المعاصرة لمَن لم يختبرها من قبل، فلن يقدرا على التخيّل أبدًا إمكانية أن تنجح هي أيضًا.
لطالما كان المال مشكلة تخصّ الثوّار ومناهضي الرأسمالية. كيف سيبدو المال "بعد الثورة"؟ كيف سيعمل؟ وهل سيوجد أصلًا؟ من الصعب الإجابة على السؤال إذا كنّا لا نعرف ما هو المال بالفعل. وافتراض القضاء عليه بالكامل يبدو طوباويًا وساذجًا. وسيبدو الافتراض بأنّ المال سيبقى موجودًا كما لو كان المرء يعترف بحتمية نوعٍ من السوق. التجربة الفعلية للتجارب الثورية محيّرة، إذ لم يحاول أيّ نظام دولة اشتراكيّ القضاء على المال(باستثناء كمبوديا بول بوت، وهو استثناء غير ملهم بالتأكيد). في الواقع، لم يحاول أحدٌ حتّى القضاء على العمل المأجور. على نحوٍ غير مستغرَب، يمثّل المال، بالنسبة لكارل ماركس، وفي نهاية المطاف، قيمةَ العمل البشريّ، تلك الطاقات التي من خلالها نخلق العالم. كان المال طريقة لقياسها وتقسيمها، على الرغم من أنه سمح في هذه العملية لأولئك الذين يتحكمون في الموارد بممارسة جميع أنواع الحيَل والخداع. وبما أنّ الأنظمة الاشتراكية أصرّت على أنّ العمل مقدّسٌ بالفعل ومصدرُ كلّ قيمة، فقد كان من الصعب عليها ببساطة التوقّف عن دفع أجور الناس مقابل عملهم. كانت الفكرة المعتادة هي الاحتفاظ بالمال، فقط قم بالقضاء على الحيَل والخداع. وحتّى معظم أنظمة المال التجريبية مثل "أنظمة تداول العملات المحلية" (local exchanging trading systems) ، أو نظام المقايضة trueque الأرجنتيني اتّبعت المبدأ نفسه: تمثل الفواتير chits، سواء أكانت مادية أم إلكترونية، ساعاتٍ من العمل، وجرى إدخال وسائل مختلفة تجعل من المستحيل أن يعمل النظام لأجل الربح: من خلال السماح بالاعتمادات الخالية من الفوائد، على سبيل المثال، أو بالتأكّد من انتهاء صلاحية الفواتير بعد وقتٍ محدّدٍ حتى لا يجري تخزينها أو التلاعب بها.
لكن، لا حاجة حاجة للبدء من العمل. يمكن اعتبار المال أيضًا فاتورة ترشيد ration chit. إليك قسيمة قابلة للاسترداد redeemable للعديد من الأرغفة، وهنا واحدة للزبدة، وهناك واحدة يمكن مبادلتها مع أيّ شيء...إلخ لهذه العمليات آثار جد مختلفة: لقد تبيّن أن ما يسمونّه "السوق الحرة" هو سوق يجري فيه ترشيد كلّ شيء. وربّما يكون من المستحيل تخيّل مجتمعٍ لا يرشَّد فيه أيّ شيء، ولكن ألن نرغب بأن نجعل [الترشيد] في حدّه الأدنى؟ لذلك نريد حقًا الحدّ من مجال المال: ربما بأن نجعل الضروريات الأساسية متاحة مجانًا، ونوفر قسائم للأشياء الخاصّة بالنزوات، حتى يتمكّن الأشخاص من فعل ما يشاؤون بها ومعهم فواتير، من دون أن يتعرضوا لمشكلات خطيرة. أو ربما، وهذا أفضل، نوفّر الكثير من أنواع القسائم المختلفة.
ولكن من الذي سيصدر هذه القسائم؟ أليست سلطة مركزية ما؟ هذه هي المشكلة التالية. بعد كلّ شيء، يوجد تعريف آخرٌ للمال من حيث هو إقرارٌ بالديْن IOU، بما هو الوعد. فالمال هو الطريقة التي ننتج بها الوعود التي يمكن قياسها بدقة وبالتالي تعميمها. ولكن من الذي سيقطع مثل هذه الوعود؟ في النظام الحالي، لا يتعلق الأمر بالحكومة بل بالبنوك، أي البنوك المركزية، مثل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أو بنك إنجلترا... في نهاية المطاف، من المفترض أن يقوم ما يُسمّى بالـ"الشعب" بتشريع هذه البدعة بأكملها. وتصدر سلطة تكوين الأموال عنّا نحنُ جميعًا، ولكن لا يُفترض بنا أيضًا أن نفهم كيف يعمل كلّ شيءٍ، وذلك لضمان استمرارنا في التعامل مع الديون التي ندين بها في هذه الأموال التي سمحنا للمصرفيين بتحويلها كالسحر إلى التزامات مقدّسة، والتي لا يمكن لأيّ شخصٍ محترم أن يتخلف عنها. إذًا، فالسؤال هو: بمجرد أن نكتشف الأسرار ونفجر كلّ تلك البنوك، من الذي سيقطع مثل هذه الوعود؟ الجميع؟
ليس الأمر غير مسبوق. في وقتٍ ما، حتّى في إنجلترا ، كانت فيه معظم النقود تأخذ شكل رموز صادرة عن أصحاب المتاجر والتجار وحتى الأرامل... وفي مجتمع حرّ حقًا، من يمكنه منع شخصٍ ما من اختلاق أيّ نوع من الفواتير أو القسائم التي يريدها؟ في بعض المدن الصينية، تُستخدم رموز mahjong للعمل كعملاتٍ في الأسواق. لما لا؟ لطالما كانت مقبولة في الكازينو المحلي.
سيلعب الناس دائمًا الألعاب. وسيفترض البعض أنّ 12 من هذا الشيء تساوي خمسة من ذلك، وبمجرد أن تقول ذلك، ستحصل على شكل من أشكال المال. ربما يكون الحلّ الأفضل ضمان تمتّع كلّ شخص بحرية إنشاء أيّ نوع من الألعاب التي يستهويها، وهو ما قد يعني على الأرجح انتشارًا لا حدود له لأنواع المال، ولكن أيضًا أنّ الخاسرين لن يرغبوا أبدًا بالتسليم بخسارتهم.
#وليم_العوطة (هاشتاغ)
William_Outa#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فليسقط -المونديال- ولتحيا كرة القدم
-
كورنليوس كاستورياديس- عن البرنامج الاشتراكيّ
-
الدولة والاستيلاء والعنف في فلسفة جيل دولوز وفليكس غواتاري
...
-
ميتافيزيقيا المعاناة جياني فاتيمو
-
للنقاش-ملاحظات عن الحراك الحزبيّ الشيوعي في لبنان
-
سلافوى جيجيك: تسعُ نكاتٍ
-
نظرية التعدديات عند برجسون - جيل دولوز
-
كورنيليوس كاستورياديس - مقتطف من -الردّ على ريتشارد رورتي-
-
اللاسلطوية (الأناركية)
-
العدمية بإعتبارها تحررًا - جياني فاتيمو
-
التحليل النفسي: خمس قضايا – جيل دولوز
-
نيتشه و الفكر الرحّال - جيل دولوز
-
دولوز والموسيقى الشعبيّة - إيان بيوكانن*
المزيد.....
-
لماذا تؤجل فرنسا الإفراج عن المناضل جورج عبد الله؟
-
بيان حزب النهج الديمقراطي العمالي بجهة الجنوب
-
الاعلام العبري: صفارات الانذار تدوي في قيسارية ومحيطها
-
آلاف المحتجين في تيرانا يطالبون بإسقاط حكومة إدي راما وسط اش
...
-
رسالة تعزية ومواساة ،من الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية
...
-
بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع
-
زعماء دول رابطة الدول المستقلة يدعون إلى اعتبار جرائم النازي
...
-
فرنسا.. الجمعية الوطنية ترفض مذكرة التحالف اليساري بحجب الثق
...
-
صحف عالمية: تحديات هائلة أمام إسرائيل وليبراليوها يعيشون معض
...
-
-حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل تريد استغلال يوم 7 أكتوبر ل
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|