أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليم العوطة - الدولة والاستيلاء والعنف في فلسفة جيل دولوز وفليكس ‏غواتاري ‏(مدخل)‏















المزيد.....



الدولة والاستيلاء والعنف في فلسفة جيل دولوز وفليكس ‏غواتاري ‏(مدخل)‏


وليم العوطة
(William Outa)


الحوار المتمدن-العدد: 7358 - 2022 / 9 / 1 - 02:26
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



الدولة ‏
في الفصل الثالث من آنتي-أوديب، ومن الفصل ‏الثاني عشر إلى الثالث عشر في ألف سطح، ‏يطالعنا تحليلٌ للمكَنة الاجتماعية "المستبدة" ‏وللدولة الّتي تنتمي إليها. ويبدو أنّ نظرية دولوز ‏في "شكل الدولة" تهدف إلى توضيح وتبيان أنماط ‏الفاعلية في الانتاج الاجتماعيّ والانتاج الراغب، ‏وهو شكلٌ يجمع بين مكَنة للسلطةِ وموقعٍ رغبوي ‏عابرٍ للشخصنة ونسقٍ مؤسستيّ معقد ونسقٍ آخرٍ ‏من التذويت الجماعيّ؛ ويجري التحليل الّذي ‏يقدّمه آنتي-أوديب فوق أرضية الجدال مع ‏المدرسة الرايشية‏ الّتي جمعت بين الماركسية ‏والفرويدية، وريثة فرويد في كتابه علم نفس ‏الجماهير وتحليل الأنا، وأيضًا في خضّم نظرية ‏سبينوزا السياسية في كتابه الرسالة اللاهوتية-‏السياسية. ولكنّ هذه الإحالة إلى فرويد ورايش ‏Reich‏ لا تعني بأيّ حال تكريسَ تحليلٍ نفسيّ ‏للظاهرة الدولتية وتلك السياسية بل فكّ الشيفرة ‏التاريخية والمادية لأجهزة الدولة، وترسيم تحوّلاتها ‏وتفكيكها ؛ وذلك في حوارٍ مع الأنظمة ‏الاثنولوجية والآركيولوجية، مع مساءلةِ الشروط ‏الاجتماعية-الاقتصادية.‏

الدولة-الشكل
يعارض دولوز وغواتاري، استلهامًا لنتائج الأبحاث ‏الانتروبولوجية الّتي قدّمها بيار كلاستر‏ ‏‏(1934-1977)، النظريات السياسية التقليدية ‏الّتي تلجأ إلى تفسير تاريخيّ خطّي يرى الدولة ‏وليدة تدرّج تاريخيّ له قوانينه، والّتي تفترض نشوء ‏الدول حين يصل المجتمع إلى درجةٍ من التعقيد ‏والنمو تستوجب ظهور شكل دولتيّ محدد، وتتبنّى ‏الرؤية الّتي تنظر إلى المجتمعات البدائية من حيث ‏هي متخلّفة وبسيطة ولم تؤمّن الشروط اللازمة ‏لتأسيس دولة. وبدلاً من ذلك، يتحدّثان عن ‏شكلِ دولةٍ لا تشترطها التبدلات الاجتماعية ‏والاقتصاية، بل عن دولةٍ تظهرُ لمرة واحدةٍ، ‏وبشكلٍ واحدٍ ‏Urstaat‏ ، تكون كالدولة الأصل ‏originel، و هيالدولة المستبدة، ذلك النموذج ‏‏"الأزلي" لما تتّجه إليه كلّ دولة وترغب به، وهي ‏الدولة الّتي تعبّر عن نمط الانتاج الآسيوي وتشكّل ‏حركته المتموضعة والّتي لا تختلف عنه، فهي ‏‏"الشكل الاساس، الّذي يحدد أفق التاريخ [...] ‏الدولة المستبدة الأصلية الّتي ليست قطيعةً مثل ‏الدول الأخرى"‏ ‏. ‏
وفي حين سيعترفان– مع كلاستر - بوجود ‏مجتمعات "بدائية" تفتقر إلى الدولة، سيرفضان ‏فكرته الّتي تعتقد بخلوِّ هذه المجتمعات من الدولة ‏تمامًا، اعتقادًا منهما بوجودِ ميولٍ داخل هذه ‏المجتمعات إلى تشكيل دولةٍ وميول أخرى إلى منع ‏ذلك، كما باستحالة وجود مجتمعاتٍ بدائية لم تكن ‏على اتصال مع "دول امبراطورية، عند التخوم، أو ‏في المناطق سيّئة التحكّم. والأمر الأهم هو الفرضية ‏العكسية: كانت الدولة بحدّ ذاتها ودومًا على ‏علاقةٍ مع خارجٍ، ولا يمكن التفكير فيها بعيدًا عن ‏هذه العلاقة، " فقانون الدولة "ليس هو قانون ‏الكلّ أو لا شيء [...] بل قانون الداخل والخارج. ‏الدولة هي السيادة، ولكنّها لا تسود إلّا متى ‏أمكن لها أن تستدخل، وأن تستوليَ على المستوى ‏المحليّ"‏ ‏.‏
وبدل الانطلاق من معارضة ثابتة بين مجتمعات ‏الدولة ومجتمعات اللادولة، يحملنا التصنيف ‏التاريخي – المكَنيّ إلى الأخذ بالاعتبار سيرورة ‏الاقتدار الدولتية كبعدٍ فاعل في كافّة الحقل ‏الاجتماعيّ، راهنيًا كان أم افتراضيًا، وفاعلًا في ‏الحالّتين، أي منتِجًا للآثار المتبدّلة بحسب علاقات ‏الهيمنة أو الإخضاع مع سيرورات اقتدارٍ أخرى ‏لامتجانسة تتواجد في الآن عينه فوق الحقل ‏الاجتماعي ذاته. ‏
يشكّل هذا التمفصل المعقّد لكافة سيرورات ‏الاقتدار الموضوع العيني لمادية مكنية تاريخية تقود ‏تحليلاً لكافة القوى الموجّهة الّتي تلتقطها في حقلٍ ‏تاريخيّ، والّتي تعمل داخله كما تفعل التمثيلات ‏والتصوّرات كما الممارسات والملفوظات الجماعية، ‏والمؤسسات كما الاقتصادات، والعقلانيات ‏السياسية وأنماط التذويت. بهذا المعنى، لا يعني ‏مجتمعٌ بلا دولة مجتمعًا يفتقر إلى دولة، أو مجتمعًا ‏ضدّ الدولة، بل مجتمعًا تقطعه سيرورات دولتة ‏étatisation‏ سيميائية، وهي سيروات ‏الاستيلاء، الّتي إمّا تكون مترّهنة، قائمة، أو ‏منشودة كافتراضية ‏. ‏
من وجهة نظرٍ دولوز-غواتارية، يمكن تبرير رفض ‏المنطلق الّذي يشترط تكوّن الدولة بتوافر ظروف ‏اجتماعية اقتصادية محددة عبر القول بأنّ الدولة لا ‏تُعرّف بوجود مجموعة من الزعماء والقادة، مثل ‏حال زعماء المجتمعات البدائية، بل بالاحتفاظ ‏بأعضاء السلطة، حيث يصبّح الاحتفاظ همّ ‏الدولة، ويصبح من المفروغ منه القول بلزوم "وجود ‏مؤسسات خاصة ليصبح بإمكان زعيمٍ أن يصبح ‏رجل دولة، ولكن يجب بالقدر عينه توفّر آلية ‏جماعية نافذة تمنعه من أن يصبح كذلك"‏ ‏. ‏
وإذا كانت الماركسية تكلّمت عن خمس مراحل مرّ ‏بها المجتمع البشري (الشيوعية البدائية، المدينة ‏القديمة، الاقطاعية، الرأسمالية، وأخيرًا الاشتراكية) ‏وأضاف ماركس إليها ما سمّاه "نمط الانتاج ‏الآسيوي" كنمط يتميّز عن مكوّنات هذه ‏السلسلة، فإنّ الدولة الّتي يتحدث عنها دولوز ‏وغواتاري ليست ضمن تشكيلات هذه السلسة ‏فحسب، بل أيضًا ليست مرحلةً انتقالية بينها، ‏ولكنّها كالشاهد على بُعدٍ آخرٍ، فهي "مثالية ‏عقلية تُضاف إلى التطوّر المادي للمجتمعات، ‏وفكرة موجِّهة أو مبدأ تفكيرٍ ينظّم بشكلٍ كلّي ‏الأقسام والدفوق"‏ ‏ .‏
ويعتقد دولوز وغواتاري بوجودِ أساسٍ واحدٍ لشكل ‏الدولة (دولة استبدادية) بالرغم من كلّ ‏الاختلافات بين الدول المعروفة، سواء أكانت ‏ديكتاتورية أم ديمقراطية أو غير ذلك. هذا الشكل ‏الأوحد والأصلي هو تجريد ينتمي إلى بعدٍ آخر ‏يبزغ من جديد ويعود في الأشكال والتشكيلات ‏الّتي تمنحه وجودًا عينيًا؛ نستطيع التكلّم عن "دولة ‏متحوّلة الشكل، ولكن لن يوجد سوى دولة واحدة ‏‏[...] وكلّ التغيّرات تندرج تحت الفئة نفسها ‏‏[...] لا يفترض الإقطاع فقط دولةً استبدادية ‏مجرّدة يقطّعها بحسب نظام ملكيته الخاصّة واندفاع ‏انتاجه السوقيّ، ولكنّ هذين الاخيرين يحثّان ‏بالمقابل الوجود العيني لدولةٍ اقطاعية خالصة، ‏حيث يعود المستبد كملكية مطلقة "‏ ، والأمر عينه ‏ينطبق على الدولة المعاصرة سواء أكانت رأسماليةً ‏أم اشتراكية فهي تتقاسم السّمات عينها مع الدولة ‏الاستبدادية الاصلية الّتي تفقد وجودها المحايث ‏والعيني في الأشكال اللاحقة (اقطاعية ورأسمالية ‏واشتراكية) ولكنّها الّتي تعيد انتاجها تحت صورٍ ‏أخرى وشروطٍ مختلفة. ‏
إنطلاقًا ممّا سبق، يمكن القول بأنّه ليس من المقدّر ‏للدولة أن تزول كما تحاجّ الاطروحات الماركسية أو ‏الانارشية‏ (اللاسلطوية) مثلاً، فالدولة هي الأفق ‏التاريخي لكلّ المجتمعات حتّى تلك البدائية الّتي تميل ‏في سيرورتها إلى منع تشكّلها. بهذا المعنى، تبدو ‏الدولة كامنةً دومًا، وضمنيةً، وسفليةً، ودائمة ‏الإمكان، وغير قابلة للتدمير. لهذا السبب، لا ‏تبدو كافة أشكال الدول الّتي تحدّث دولوز عنها ‏‏(المتوحشة، البربرية المستبدة، المتمدنة، والليبرالية ‏الديموقراطية..) إلاّ أشكالًا متنوّعة للحكم (سلطة ‏السيادة الاقطاعية، الانضباطية، الحيوية ومجتمع ‏التحكم) ولا تهدف إلى إلغاء الدولة ‏.‏

سيادة الدولة وأجهزة الاستيلاء ‏
يتحدث دولوز وغواتاري عن أجهزة الدولة كأجهزة ‏استيلاء، تملك، برأيهما، واستلهامًا من تحليلات ‏جورج دومزيل (1898-1986) ‏G.Dumézil، قطبين: المستبد والمشرّع، ‏الّذي يحصد والّذي ينظّم، وقد يتعارض هذان ‏القطبان كما يتعارض العنيف مع الهادىء، أو ‏السريع مع النافذ، أو المرعب مع الّذي يضبط ‏اعصابه، ولكنّ تعارضهما نسبيّ، فهما "يعملان ‏كزوجٍ، بالتناوب، كما لو كانا يعبّران عن انقسام ‏الواحد أو يشكلان معًا وحدةً سياديةً [...] هما ‏العناصر الأساسية في مكَنة الدولة الّتي تعمل بمنطق ‏الواحد المزدوج، وتوزّع التمييزات الثنائية وتشكّل ‏وسطًا للاستدخال. فهي تمفصلٌ يجعل من مكَنة ‏الدولة أنضودة ‏strate‏"‏ ‏. ‏
في السطح الثالث عشر من ألف سطح، يعود ‏الفيلسوفان إلى دومزيل ويعتبران أنّ لسيادة الدولة ‏السياسية رأسين هما الامبراطور المرعب والساحر ‏من جهة، مَن يعمل عبر الاستيلاء، والربط، وعبر ‏العُقد والشبكات؛ ومن جهة أخرى، الملك الكاهن ‏ورجل القانون الذي يدّعي الحكم عبر العقود ‏والاتفاقات. وينبغي هنا التكلّم عن وظيفةٍ ثانيةٍ ‏للدولة لا تتجانس مع السيادة ولا يمكن اختزالها ‏اليها، وهي الوظيفة الحربية ‏ ‏. ‏
ويمكن تعريف الاستيلاء بوصفه العملية الّتي تقوم ‏بها الدولة حين تكبّل وتسنّن (تشفّر) مكَنة الحرب ‏عبر تحويلها إلى موضوعٍ يمكن أن يعمل لصالح ‏الدولة من اجل تدعيم وتوسيع سيادتها. وتحيل هذه ‏المقولة إلى خطابٍ يلائم الحركة الّتي عبرها تبدو ‏الدولة دائمة الحضور، كما تعني العنف الخاص ‏بالامبراطور. وجهاز الاستيلاء سيرورة خاصة بكافة ‏المجتمعات الّتي تحكمها الدولة. وإن اطلقنا هذه ‏التسمية "على ذلك الجوهر الداخلي أو تلك ‏الوحدة للدولة، علينا القول إنّ مصطلحات ‏‏"الاستيلاء السحري" تصف جيدًا هذه الحالة، ‏فهي [هذه الاخيرة] تظهر وكأنّها حاضرة مسبقة ‏وتفترض نفسها بنفسها"‏ ‏. ‏
ويمكن والحال هذه التكلّم عن الاستيلاء على ‏مستويات متعددة: سياسيًا هو الاستيلاء على ‏الثقافة البدوية واقليمها حيث تستوطن وهو الاقليم ‏المقتلع عبر ثقافة الدولة؛ وجوديًا هو الاستيلاء ‏على الدفوق عبر النسق والنظام؛ وزمنيًا هو استيلاء ‏على الحدث عبر التاريخ ‏.‏
ويمكن لأجهزة الاستيلاء هذه أن تكون بدئيًا ‏مسألة علامات. حين تقوم صورة الامبراطور ذي ‏العين الواحدة بتثبيت وتقييد العلامات، بالتكامل ‏مع الكاهن القانونيّ الّذي يشفّر هذه العلامات في ‏الاتفاقات، والعقود والقوانين. كما يمكن ‏للاستيلاء أن يُفهَم كتأسيس لتحكمٍ بالعلامات ‏بالترافق مع البعد الانموذجي الآخر للدولة والّذي ‏هو التحكّم بالأدوات ‏. ولكنّ هذا لا يعني "أنّ ‏الواحد منهما يمتلك حصرية العلامات، والآخرية ‏حصرية الادوات. الامبراطور المرعب هو بالفعل ‏سيّد الأعمال العظيمة؛ والملك الحكيم يجلب ويحوّل ‏كلّ نظام العلامات. والتركيب علامات-أدوات ‏يشكّل من كافة النواحي العلامة الفارقة للسيادة ‏السياسية، ولتكاملية الدولة"‏ ‏.‏
وعبر نظرية الاستيلاء، لم تعد أجهزة الدولة محددّةً ‏وفق وظائفها الأيديولوجية كما عند ألتوسير، أو ‏عبر نمط الإنتاج كما عند ماركس، بل عبر نمطها ‏الاشتغالي، حيث تصبح "الملامح الأساسية لجهاز ‏الدولة: الأقلمة، والعمل أو الأعمال العامة، ‏والمالية"‏ ‏ مُثبّتة عبر الديْن، والعمل الفائض ‏والضرائبي، بحيث تعمل هذه الأخيرة كأجهزةٍ ‏للاستيلاء تشكّل ميادين الموضوع الّذي تلائمه ‏‏(الأرض، والنشاط والعمل، والتبادل). ‏
ينتج عن هذه الرؤية لأجهزة الدولة أن يصبح لكلّ ‏ارتصاف دولاني إمكانية سيرورة تراكم بدائي مثيلة ‏لتلك الّتي تكلّم عنها ماركس، ويفتح الباب أمام ‏تحليلٍ لهذا التراكم الأولي الخاص بالعنف الحربيّ، ‏أي بمعنى آخر تحليل دور الاستيلاء الّذي تقوم به ‏الدولة على الأقاليم والأعمال والتبادلات في ‏تأسيس ونمو القدرة العسكرية للدول ‏.‏

الدولة وصورة الفكر
يقول دولوز إنّ الدولة الاستبدادية "لا تشترط ‏التاريخ الكونيّ إلاّ بشرطِ أن تكون، ليس في ‏الخارج، بل دائمًا عند الجانب، الوحشَ البارد الّذي ‏يمثّل الطريقة الّتي يكون بها التاريخ في الرأس، وفي ‏الدماغ، دولةً"‏ ‏. والجملة هذه تنقلنا للحديث ‏عمّا يسمّيه دولوز (وغواتاري) "فكرًا على نموذج ‏الدولة"، ويتعلق الأمر أولاً بشكل الفكر هذا ‏الّذي يصبح متكيّفًا ومبنيًا على نموذج مستعار من ‏مكَنة الدولة، يحدّد له الغايات والطرق والأدوات ‏والأعضاء، ليصبح بالنسبة إليه أورغانون. ‏وستتوفّر صورة للفكر تغطّي كلّ الفكر، وتكون ‏بمكانة الشكل-الدولة الّذي ينمو داخل الفكر. ‏وتمتلك هذه الصورة رأسين يحيلان بالتحديد إلى ‏قطبي السيادة. وهذان الرأسان، اللّذان لا ينفكّان ‏يتصادمان، هما إمبراطورية ‏‎ imperium ‎التفكير ‏الصحيح ‏penser-vrai، و جمهورية العقول الحرّة ‏‏. ‏
تعمل امبراطورية التفكير الصحيح عبر الاستيلاء ‏السحريّ الّذي يشكّل فعاليةً لأساسٍ ‏‏(‏muthos‏)، وحيث لن يوجد إلاّ صحيحٌ ‏‎ le ‎vraiواحدٌ كأساسٍ يجري تعميمه. بينما تعمل ‏جمهورية العقول الحرّة عبر العقد أو التحالف، ‏مشكّلةً تنظيمًا قانونيًا وشرعيًا، يجيز لعقلٍ ‏‏(‏logos‏) تجري فيه مشاركة الفكر بين الذوات ‏الحرّة المتعاقدة أو المتحالفة. وإن تصادمت ‏الامبراطورية مع الجمهورية، فليس مردّ ذلك فقط ‏إلى وجود حالات وسطى ومراحل انتقالية بين ‏الاثنتين، أو لأنّ الواحدة تظهر وكأنّها تحضّر ‏الأخرى، أو لأنها تحفظان وتخدمان بعضهما، ‏ولكن أيضًا لأنّهما ضروريتان لبعضهما. وتتشكّل ‏صورة الفكر على أساس هذه الامبراطورية وتلك ‏الجمهورية، "ويبدو كأنّ الأمر ليس مجرد استعارة، ‏كلّما تكلّمنا عن امبراطورية الصحيح وعن جمهورية ‏لعقول. بل هو شرط تكوّنِ الفكر كمبدأ أو شكلٍ ‏من الاستدخال، كأنضودة"‏ ‏.‏
وليست الانضودات ‏strates‏ سوى تشكيلات ‏تاريخية، وتجاريب ‏empiricités‏ ووضعيات ‏positivités، أو طبقات مترسّبة مكوّنة من ‏الكلمات ومن الأشياء، ومن النظر ومن الكلام، ‏ومن المرئي ومن الملفوظ، كأمواج من المنظورية ‏perspectivisme‏ وحقول ومن المقروئية، فهي ‏مضامينٌ وتعابير. ولكلّ تشكيلة تاريخية توزيعها ‏الخاص للمرئي وللملفوظ. ومن تشكيلة إلى أخرى ‏نلحظ اختلافًا في التوزيع هذا من حيث رؤية العالم ‏ونظام الملفوظات فيه ‏. ‏
ان ما سيكسبه الفكر من الدولة هو الجاذبية ‏gravité‏ ومركز ثقلها ‏centre de gravité، ‏وسيستحصل على سلطةٍ، وعلى قوّة تبرير كونيّة ‏وكلّية. فالدولة تمنحه شكلاً من الاستبطانية أو ‏السريرة ‏intériorité‏ في الوقت الّذي سيمنحها ‏شكلاً من الكليّة ‏universalité، في نوعٍ من ‏المساومة؛ ذلك أنّ الفكر وحدة يظلّ قادرًا على ‏اختلاق اسطورة دولة الحق الكونية، رافعًا ايّاها إلى ‏كونية الحقّ. وإن كان من المثير للانتباه ان تعتمد ‏الدولة على الفكر، فإنّها ستتمدد داخل هذا الفكر ‏ذاته الّذي سيمنحها الحقّ بأن تدّعيَ أنّ شكلها ‏هو الوحيد والكونيّ. ‏
وعلى الصعيد الحقوقي، ستُعرَّف الدولة بصفتها ‏تنظيمًا عقلانيًا لجماعةٍ لها، غايته تأمين حاجات ‏الافراد العاقلين. وسيسمح هذا التبادل بين العقل ‏والدولة، ببزوغٍ فلسفةٍ سياسية، هيغيلية ‏ ‏بالتحديد، سترى أنّ العقل المتحقق هو دولة الحق، ‏ودولة الحق صيرورة العقل والمنطق؛ ما سيجيز القول ‏أنّ الخضوع للدولة معناه الخضوع للعقل في تحققه ‏التاريخيّ ‏.‏
يوجّه دولوز نقدًا إلى الفلسفة السياسية حديثة، ‏حيث " كلّ شيء يدور حول المشرّع والذات. [و] ‏أين يجب على الدولة أنّ تحقق التمييز بين المشرّع ‏والذات في الشروط الشكلية بالنسبة إلى الفكر، ‏من جهته، كي يصبح بإمكانه التفكير بهويتهما. ‏أخضعوا دومًا، لأنهم كلّما خضعتم، كلّما اصبحتم ‏أسيادًا، لأنكم لا تخضعون إلاّ للعقل المحض، أي ‏لأنفسكم. ومنذ ان رُبِطَت الفلسفة بدور ‏التأسيس، لم تكف عن مباركة السلطات القائمة، ‏وعن إعارة عقيدتها في الملِكات إلى أعضاء الدولة ‏‏"‏ ‏. ولقد أصبح الحس المشترك، وكلّ الملكات الّتي ‏تشكّل مركز الكوجيتو إجماع الدولة محمولاً إلى ‏المطلق. ‏
وبدورها، لم تعمل الكانطية سوى على نقد هذه ‏الملِكات من أجل تأسيسٍ أقوى لهذا الخضوع ‏والمباركة، ولم يعد غريبًا أن يصبح الفيلسوف استاذًا ‏عامًا أو مجرد موظّف في الدولة. وامتدت صورة ‏الفكر هذه إلى الشعر والأدب وإلى العلوم ‏الانسانية (دوركايم‎*‎‏ مثلاً وانموذجه للفكر العلمانيّ) ‏وإلى الفكر القانونيّ، وحتّى إلى التحليل النفسيّ ‏الّذي تبنّى "الكوجيتو الكونيّ" كصورة للفكر ‏. " ‏
ونما الخطاب الفلسفيّ من الوحدة الامبريالية، عبر ‏آلهة متجسدة ‏avatars، وهي الآلهة نفسها الّتي ‏قادتنا من التشكيلات الامبريالية إلى المدينة ‏اليونانية. وحتّى في المدينة اليونانية، بقي الخطاب ‏الفلسفيّ في علاقة أساسية مع المستبد أو مع ظلّه، ‏ومع الامبريالية، ومع إدارة الأشياء والأشخاص ‏‏[...] وكان الخطاب الفلسفي دومًا متصلاً برابطٍ ‏أساسيّ مع القانون، والمؤسسة، والعقِد وكلّ ما ‏يؤسس معضلة الحاكم السيّد، الّذي يخترق التاريخ ‏المتباطىء منذ التشكيلات الاستبدادية حتى ‏الديموقراطيات. الدال هو بالفعل الإله المستبد ‏المتجسد الأخير للمستبد"‏ ‏.‏
ويُنظَر إلى الدولةِ بوصفها التنظيم العقلاني الأعلى ‏بالمقارنة مع باقي التنظيمات المغايرة لشكلها. ‏ووجهة النظر هذه تتخذ من فكر الثنائيات ‏dualismes‏ مثل الخير/الشر، والحق/الباطل، ‏الصحّ/الخطأ ..الخ منطلقًا ومبدأً لها، وهذا ما نجده ‏في الفكر المقوَلب في شكل-الدولةِ حين يُسجَن ‏ضمن ثنائيات مثل أبيض/اسود، انثى/ذكر، ‏شرق/غرب..رافضًا التعددية والاختلاف، ‏‏"متقمِّصًا" صورة الدولة الّتي تلغي أيّ خطاب ‏مختلف او مضاد. ‏
إنّ التمثيل ‏représentation‏ الّذي يقوم على ‏اعتبار المفاهيم ‏conception‏ تمثيلات ‏لموضوعات موجودة في الواقع، والّذي يفترض أنّه ‏يبدأ بالفكر بلا أيّ مصادرات، هذا التمثيل يُنظَر ‏إليه في تاريخ الفلسفة بوصفه النموذج الصحيح ‏للتفكير، ويُستبعَد على هذا الأساس كلّ نموذج ‏آخر يقوم على الاختلاف والتعددية. وفي هذا ‏الاستبعاد أثرٌ من آثارِ تعامل الدولة مع المختلف ‏عنها هي الّتي تسعى إلى تهميش كلّ تمثيلٍ يقوم ‏على الاختلاف، رغم أنّ الاختلاف بحسب دولوز ‏يسبق كلّ تحديدٍ لأيّ هوية، وهو الّذي يؤسس ‏الهوية لا الّذي يتأسس عليها. ‏
يقول دولوز في حواراته: "لا وجود لدولة لا تكون ‏في حاجة إلى صورة للفكر ستستعملها ‏كأكسيوماتية أو كمكَنة مجرّدة، وتعطيها مقابل ‏ذلك قوة السير: من هنا يأتي نقص مفهوم ‏الايديولوجيا الّذي لا يوضّح شيئًا عن هذه ‏العلاقة. كان هذا الدور المزعج للفلسفة ‏الكلاسيكية، كما رأينا ذلك، أي تزويد أجهزة ‏السلطة والكنيسة أو الدولة بالمعرفة الّتي توافقهنّ. ‏هل يمكن القول أنّ علوم الانسان قد أخذت ‏الدور ذاته، أي تزويد مكَنة مجرّدة لأجهزة السلطة ‏الحديثة، بواسطة وسائلها الخاصة، مع إحتمال ‏الحصول على المرغوب به من هذه الأجهزة؟"‏ ‏.‏
ولكن، وفي حين تبدو مكَنة الدولة مضادة لمكَنة ‏الرغبة، إلاّ أنها هي نفسها رغبة "الّتي تمرّ من عقل ‏المستبد إلى قلب الذوات، ومن القانون العقلي إلى ‏كلّ النسق الفيزيائي الّذي يتخلص أو يتحرر ‏منها. رغبة الدولة، المكَنة العجيبة للقمع هي أيضًا ‏رغبة، ذاتٌ ترغب وموضوع لرغبة. الرغبة، ها هي ‏العملية الّتي تنصّ دومًا على اعادة غرس الـ ‏Urstaat‏ الأصلية في الحالة الجديدة للأشياء، ‏وعلى جعلها أكثر محايَثةً للنسق الجديد، في ‏داخله"‏ ‏. ‏
ويُنظر إلى الدولة هذه كقوة مضادة لإنتاجات ‏الرغبة: فهي تقف بمواجهة القوّة الانتاجية ‏والابداعية للانتاج الراغب، كما للانتاج ‏الاجتماعي بما هو سيرورة تشكّل الارتصافات ‏الاجتماعية والشبكات الاجتماعية المقاومة لمكَنة ‏الدولة. وفي حين يقوم الإنتاج الراغب بتوليد ‏وتكثير الاختلافات، وتكسير الحدود عبر سيرورة ‏الرغبة في دفوقها وقطوعها، تعمل مكَنة الدولة ‏على تقييد وكبح دفوق الطاقة وتوسّع الاختلافات ‏الممكنة والإبداعية للإنتاج الراغب من أجل الحفاظ ‏على أشكال اجتماعية ثابتة. ‏
ولا تعمل الدولة الحديثة كقوّة مضادة للإنتاج ‏الراغب إلاّ بتوسّطات مثل توسّط التحليل ‏النفسيّ، لأنّ لهذا الاخير سلطته حتّى وإن كانت ‏محدودةً ومضبوطة فوق ارتصافات الرغبة، وتتيح ‏هذه السلطة للتحليل النفسيّ أن يضاعف تشفير ‏الارتصافات كي يخضع الرغبة لسلسلة من ‏الدلالات، وكي يُخضِع الملفوظات بحيث يجعلها ‏تنسجم مع نظامٍ قائم. و"صحيحٌ أن كلّ تشكّل ‏للسلطة في حاجةٍ، كما يقول فوكو، إلى معرفة لا ‏تتوقف عليه، ولكنّها تكون هي ذاتها بدونه عديمة ‏الفعالية ... [وصحيحٌ] أنّ نجاح التحليل النفسيّ ‏أمرٌ مشكوكٌ فيه: فأجهزة السلطة في حاجةٍ أكثر ‏إلى التوجّه نحو الفيزياء أو البيولوجيا أو ‏الاعلاميات، ولكنه سيكون قد قام بما كان في ‏استطاعته أن يقوم به: لم يعد يخدم النظام القائم ‏بشكل شبه رسميّ، بل يقترح نظامًا خاصًا و رمزيًا، ‏ومكَنة مجرّدةً ولغة رسمية يحاول توحيدها مع ‏اللّسانيات بشكل عام، حتى يأخذ وضع اللامتغيّر. ‏يهتم التحليل النفسيّ أكثر فأكثر بالفكر ‏الخالص، وهذا ما يجعله حيًّا"‏ ‏. ‏
وفي ما يخص الدولة الرأسمالية، يرى دولوز ‏‏(وغواتاري) هذه الدولة كقوّة فائقة تجمع معًا قوّة ‏العمل والشروط الأولية الّتي تشكّل هذه القوّة، ‏فاسحةً المجال لخلق القيمة الفائضة. وكنتيجة ‏لذلك، نشهد علاقة تأسيسية متناقضة بين الدولة ‏والعمال، بالأخص أنّ الدولة تموّن رأس المال مع ‏نموذج تحققه، وبالتالي يمكن الحديث عن تناقضٍ ‏إضافي بين رأس المال وقوة العمل. يتحقق رأس المال ‏ويؤبّد نفسه عبر تنظيمٍ ذاتيّ من أجل أن يدير دفّة ‏هذا التناقض البروليتاريّ. وتتلازم أجهزة الدول ‏الاستيلائية مع هذا التنظيم في إنتاج القيمة ‏الفائضة وتسهيل تراكم رأس المال. وكنتيجة، تبقى ‏الدولة ورأس المال تحت ضغط محاولة تحييد وضبط ‏هذا التناقض الّذي وللمفارقة سمح لها بالوجود. ‏ويخلق هذا الارتصاف الّذي تسنده الدول ورأس ‏المال ذاتوية جماعية تكوّن المظهر الماديّ للقوى ‏المنتِجة الّتي تنتج القيمة الفائضة وتجعل من الانتاج ‏والتراكم ممكنين. وبموازاة تشكّل الذاتوية الجماعية ‏نجد العنف الذي تمتلكه الدولة والّتي عبره تكون ‏قادرة على الاخضاع ‏.‏
وانطلاقًا من تحليلات فوكو لأجهزة السلطة ‏والدولة، يشير دولوز إلى أنّ جهاز الدولة ارتصافٌ ‏ملموس ينجز مكَنةً تُضاعف التشفير لمجتمعٍ ما، ‏إلاّ أن هذه المكَنة ليست الدولة بذاتها بل هي ‏‏"المكَنة المجردة الّتي تنظّم الملفوظات المهيمنة، والنظام ‏القائم لمجتمعٍ ما، وتنظّم الألسنة والمعارف المهيمنة، ‏والأفعال والاشاعير السائدة [...] و لا تتوقف ‏هذه المكَنة على الدولة، لكنّ فاعليتها تتوقف على ‏الدولة مثلما تتوقف على الارتصاف الّذي ينجزها ‏داخل حقلٍ إجتماعيّ"‏ ‏. ‏

مكَنة الحرب ‏
يعتقد كلاستر أنّ الحروب الداخلية في الجماعات ‏البدائية كبَحَت تشكّل دولة، وكانت الشعائر ‏والطقوس كما الأعراف والسُنَن كفيلة بإحتواء ‏الآثار المدمّرة لهذه الحروب من دون أن يؤدي ذلك ‏إلى تشكيلٍ دولة، لا بل كانت تؤدّي دورًا في ‏الحفاظ على التجانس الداخلي للجماعة وعلى ‏تذرر الجماعات المتحاربة، وعلى تجديد المسافة بين ‏المجموعات الاجتماعية عبر تشفيرات كانت تضعها ‏آوالية جماعية نافذة. وهذا ما جعل الحرب في ‏الوقت عينه سببًا ونتيجة، وبدت وكأنها قصدية ‏إجتماعية للمجموعات البدائية منعت في كلّ ‏الأحوال نشوء دولةٍ لا يمكنها أن تُفرَض على ‏جماعات كثيرة مستقلة، ومنفصلة عن بعضها. ‏
وبفعل استحالة اختزال الإوالية ‏mécanisme‏ ‏الحربية إلى سلطةٍ من النوع الدولاني، ومن منطلق ‏التعارض بين تشكيلٍ سلطة تحتكر العنف ‏الجسدي الشرعي والإواليات البدائية في تقدير دور ‏الحرب، كما من منطلق التشفير والتحويل ‏الشعائري للحروب، سيأخذ دولوز (وغواتاري) ‏الخلاصة من جهة نظرية الدولة، حيث لن تكون ‏الصلة بين الدولة والحرب تحليلية، بل ستكون ‏الحرب كنمط فعل للدولة نتيجةً تستوجب ‏التفسير ‏.‏
وان كان كلاستر يعتقد بأنّ الحرب هي الآلية الّتي ‏تقف بوجه تشكّل الدولة ولكنها لا تشكّلها في ‏الوقت عينه، فإن دولوز وغواتاري سيوسّعان هذه ‏الصيغة بتخليصها من نزعتها التطوّرية الّتي بدت ‏عند كلاستر في كلامه عن تطوّر الحرب ضدّ الدولة ‏من خارجها، وسيطرحان بدلاً من ذلك فهمهما ‏الخاص لمكَنة الحرب الّتي ستواجه الدولة من الداخل ‏أيضًا ‏.‏
وعلى ضوء مفهوم "مكَنة الحرب" الّذي ظهر في ‏المسطح الثاني عشر من كتاب ألف سطح، يقترح ‏دولوز (وغواتاري) وجودَ علاقات بين الحرب ‏والدولة ضمن ما يشبه قطبية مكَنة الدولة - ‏خارجيتها. وبرؤية مختصرة، تحيل مكَنة الحرب إلى ‏التشكيلات الاجتماعية المتعددة من حيث بنيتها ‏وأهدافها(قد تكون عصابات، أو جماعات سرية، ‏أو روابط دينية، أو تنظيمات تجارية، أو ‏نقابات..الخ) وتكويناته، والّتي ترتصف عبرها ‏‏(سواء أكانت تقنية، أم علمية، أو فنية، أو لغوية، ‏أو ايكولوجية، أو اقتصادية، أو دينية...إلخ) ‏علاقةُ تخارجٍ بالنسبة إلى التنظيم الدولاني ‏للمجتمع. تؤسسُ مجموعة ما مكَنة حرب، لا حين ‏تضع الحرب هدفًا لها، ولكن حين تصبح في حالة ‏من اللاتجانس مع مكَنة الدولة ومع طرائقها في ‏إدارة الحقل الاجتماعي والتحكّم به ‏.‏
ويقدّم دولوز (وغواتاري) مسلّمتين من أجل ‏الإحاطة أكثر بما تعنيه مكَنة الحرب: أوّلهما، إنّها ‏تخرج عن أجهزة الدولة، وثانيهما إنّها من خلق ‏البدو أو الرحّل. ليست الحرب بالتأكيد استعارة. ‏ونفترض أنّ لمكَنة الحرب طبيعةً وأصلاً مغايران تمامًا ‏لجهاز الدولة. يكمن أصل مكَنة الحرب في الرعاة ‏الرحّل، وتتوجه ضد المستقرّين الامبراطوريين. إنّها ‏تفيد تنظيمًا حسابيًا في مجالٍ مفتوحٍ حيث يتوزّع ‏الناس والبهائم، مقابل التنظيم الهندسيّ للدولة الّتي ‏توزّع مجالاً مغلقًا. "وحتى عندما تستند مكَنة الحرب ‏إلى هندسةٍ ما، فهي عندئذٍ تفيد هندسةً مختلفة ‏جدًا عن تلك الّتي تستند اليها الدولة. هي نوع من ‏الهندسة الارخيميدية، أي هندسة "الإشكاليات" ‏وليست هندسة "النظريات" كما هو الحال في ‏هندسة اقليدس"‏ ‏. ‏
الاطروحة الّتي تفترض وجود إوالية حربية لا يمكن ‏إختزالها إلى السيادة، ووجود إواليات يمكن لها أن ‏تكون مستقلة بذاها في مكَنة الحرب هذه، ستقود ‏دولوز (وغواتاري) إلى أشكَلة موضوع الحرب فوق ‏مسطّحين. من جهة، سيطرحان مسألة انتماء ‏الحرب من أجل البحث في كيفية تشكّل مكَنة ‏الحرب بهدف وحيد هو إلحاقها بالدولة، ومن جهة ‏ثانية سيجعلان من الحرب عاملاً خارجًا عن ‏التشكيل الدولاني. إلاّ أنّ مكَنة الحرب بحد ذاتها ‏لا تفسّر شيئًا فهي دائمًا إمّا تكون بوجه الدولة، ‏أو تنتمي اليها ‏. ‏
وفي الحالّتين، فإنها تحيل إلى الدولة الّتي هي إمّا ‏حاملاً لها تدخلها في تنظيماتها المؤسساتية أو لا ‏تكون حاملاً لها. وفي جميع الاحوال، تفرضُ فكرة ‏مكَنة حرب مستقلة إلحاق العامل الخارجي للحرب ‏بعواملٍ داخلية تستند إلى القبض على مكَنة الحرب ‏وإلى تأسيس قدرة حربية للدولة. ولكن لا يمكن ‏تحديد عاملٍ ما على أنّه داخليّ إلاّ بالرجوع إلى ‏جوهرٍ داخليّ أو وحدةٍ داخلية للدولة، وهذه ‏الوحدة الداخلية هي "الاستيلاء" أو "الاستيلاء ‏السحري"‏ ‏. من ثمّ، فالحرب الفعلية هنا ‏استكمالٌ للسياسة من حيث هي إحدى أشكال ‏تحقيق العلاقات السياسية، بالضبط لأنّ فاعليتها ‏لا تتطابق مع أفهومها وماهيتها. ‏
واقترابًا من كانط أكثر من هيغل، تجد السياسة ‏مكانها الخاص في هذا الممرّ الضيّق الّذي لا يمكن ‏اختزالها بين المفهوم وبين التاريخ، والّذي هو عند ‏كلاوزفيتس فارقٌ بين الشكل المطلق للحرب ‏وأساليبها المتغيرة الّتي تحدّد الدولة تحقيقاتها ‏التجريبية. وبالنسبة لدولوز(وغواتاري) يقدم الفهمُ ‏الكلاوزفيتسي نقطة بداية صالحة بشرط تنقيحها ‏وفقًا لفرضية العلائقية بين قدرة مكَنة الحرب ‏وسلطة الدولة ‏ ‏. ولكن، على الضد من التصوّر ‏الأداتي للحرب كم ظهر عند كلاوزفيتس‏ والذي ‏يستند إلى حتمية دولانية للسياسة كما للحرب ‏والعنف، لا يظهر عنف الدولة عبر الحرب، فهي ‏تستعين برجال الشرطة والسجّانين أكثر ممّا ‏تستعين بالمحاربين، وهي لذلك لا تملك أسلحةً ‏وليست بحاجة اليها، بل هي إمّا تعمل عبر ‏الاستيلاء السحريّ، حيث تكبح وتقبض على كلّ ‏شكل من القتال المسلّح، وإمّا تستخدم السلاح، ‏ما يفترض مسبقًا دمجًا تشريعيًا وقانونيًا للحرب ‏ولكلّ التنظيمات ذات الوظيفة العسكرية ‏.‏
ويساجل دولوز (وغواتاري) أنّ هناك ثابتًا تاريخيًا ‏يفترض أنّ كلّ الدول لم تكن تملك عبر تاريخها ‏جهازها العسكريّ، وأنّ القدرة على شنّ الحرب ‏كانت تتحقق في أجاهيز (جمع اُجهوز) ‏dispositifs‏ مادية ومؤسساتية غير دولانية (كما ‏عند القبائل البدوية). وبالتالي يجري الكلام ثانية ‏عن علاقة تخارج بين الدولة ومكَنة الحرب كسيرورة ‏إقتدار (‏phylum‏) توجد عبر التاريخ وفي بيئات ‏اجتماعية متعددة، من دون أن تشنّ حربًا ‏بالضرورة، أو تعمل على الإخضاع أو تدمير ‏العدو. ‏
اذً، تفترض "جينيالوجيا الحرب" عند دولوز ‏‏(وغواتاري) لاتمركزًا للسلطة القمعية لدولةٍ ما في ‏الجسد المؤسساتيّ (الشرطة، والجيش)، إذ لا يظهر ‏هذا الجسد إلاّ في سياق علاقات الصراع المتبادلة ‏بين الدولة والقوى الّتي تعاديها أو تفلت من ‏سيادتها. كما تفترض هذه الجينيالوجيا برنامج ‏تحليلٍ لدينامية الصراعات، الّتي، وتحت أشكال ‏تنظيمية وفي مراحل إنتقالية تاريخية متغيّرة، تعيد ‏تشكيل آلاتِ حربٍ تتوجّه ضد الدولة، ضد ‏أجهزتها وضد شكلها.‏
ويخلص دولوز، موسّعًا أطروحة ماركس عن التراكم ‏الأوليّ، إلى صعوبة تعيين عنف الدولة "لأنه دائم ‏الحضور كما لو كان حاصلًا سلفًا. فلا يكفي ‏القول أنّ العنف يحيل إلى نمط الانتاج. وقد لاحظ ‏ماركس ذلك بالنسبة إلى الرأسمالية: يوجد عنف ‏يمرّ بالضرورة من خلال الدولة، يسبق نمط الانتاج ‏الرأسمالي، ويشكّل "التراكم الأوليّ"، ويجعل هذا ‏النمط ممكنًا [...] وما شكّل العاملَ والرأسماليةَ ‏يفلت من بين يدينا، لأنه يعمل [أيضًا] في أنماط ‏انتاج أخرى. هو عنفٌ يُطرَح بشكل مسبق ‏ومكتمل، رغم أنّه يُرمَّم كلّ يوم [...] تحليلات ‏ماركس هذه يجب أن تُوسَّع؛ ذلك لأنّه ينعدم ‏وجود تراكم أوليّ إمبراطوريّ يسبق نمط الانتاج ‏الزراعيّ من دون أن يجريَ به؛ وكقاعدةٍ عامةٍ، ‏يوجد تراكم أوليّ كلّما تركّب جهاز استيلاء، مع ‏كلّ العنف الخاص جدًا الذي يخلق أو يساهم في ‏خلق ما سيجري عليه، وبالتالي ما يفترضه [يفترض ‏الجهاز] سلفًا"‏ ‏.‏
تسمح تحليلات برودل ‏Braudel‏ ‏‏ لدولوز ‏‏(وغواتاري) بربط التراكم الأولي للقدرة العسكرية ‏بالتراكم البدائي لرأس المال، حيث سُيدرجان حركة ‏الاستيلاء الدولانية على مكَنة الحرب في سيرورة ‏تاريخية تصل بين نمو وتطور الرأسمالية الصناعية ‏ونمو اقتصاد الحرب، بشكلٍ يبدو مستقلاً عن ‏السمات المحدودة للغايات السياسية الّتي تطرحها ‏الدول ومؤسساتها العسكرية. ويمكن لنا ضمن هذا ‏المنظور اعتبار أنّ الجهد الحربيّ وسياسة تصدير ‏المنتوجات العسكرية تستحث مباشرةً ثورةً ‏صناعيةً، ولاحقًا زراعية وتجارية ومالية. كما يضع ‏هذا الجهد وسياسات التصدير موضع التنفيذ إدارةً ‏سكانية تهدف إلى خلق يد عاملة، ليس فقط على ‏مستوى الحيّز العسكري (في الثكنات والمرافىء..) ‏بل أيضًا على مستوى أدوات الانتاج في ‏الصناعات الحربية وما يتفرّع منها. كما يدفع إلى ‏تقليص وترشيد كلّ الهجرات الداخلية غير المرغوب ‏بها الناتجة عن تفقير الأرياف والنمو الدموغرافي ‏.‏
ولا بد أن نذكر في ما يتعلّق بهذا الموضوع، أن ‏مقولة العنف (وبالتالي الحرب كأحد تمظهراته)، ‏وإنْ نالت موقعًا يبدو هامشيًا في فلسفة جيل ‏دولوز، حيث لا تظهر إلاّ متناثرة بين كتاباته ‏السياسية، فانّها أخذت حيّزا موسّعًا في ألف سطح ‏في سياق الكلام عن "أنظمة العنف". وغني عن ‏القول أنّ هذه المقولة تجد أصولها في التراث ‏السبينوزي-النيتشوي لدولوز، وهي لذلك ‏تستحضر إثباتين: أوّلهما، غياب مبدأ أخلاقي ‏متعالٍ بإمكانه الحكم على علاقات القوى الّتي ‏تشكّل الواقع. وثانيهما، إمكانية التمييز بين هذه ‏العلاقات الفيزيائية بين ما هو جيّد (لاعنفي) وما ‏هو سيّء(عنيف) يجب إدانته. وعليه، يمكن تحديد ‏ظواهر العنف خارج الدائرة الأخلاقية للشر والخير. ‏ومن ثمَّ، لا يمكن معالجة العنف هذه من حيث ‏‏"سلبيته" المحضة، بل بالولوج إلى القلب النقدي ‏لمشكلة الشرّ والسلبيّة، وفهم ظواهر العنف ضمن ‏تقييمٍ اختلافيّ بحسب ما تظهر عليه في الواقع ‏. ‏
وبالنسبة لدولوز، يسمح المفهوم النيتشوي عن ‏الصراع ‏combat‏ بنقدٍ تناسبيّ للعنف الحربيّ ‏ولمثال اللاعنف. من جهة، نجد العنف الحربيّ ‏الوحيد القادر على إنتاج تقاطعات بين القوى ‏المتواجدة على أرض المعركة، في حين يجري، على ‏نحوٍ غير مباشر، تدمير قوى أخرى. ومن جهة ‏ثانية، نجد الصراع واللاصراع، ويكو الأخير نفيًا ‏للإرادة (كما عند بوذا والمسيح)، أو إرادة للعدم. ‏إلاّ أنّ الشكلين يشوّهان جوهر الصراع، ‏ويشكّلان نفيًا للحياة ‏.‏
وماذا عن التخارج بين الدولة ومكَنة الحرب؟
‏ يرى دولوز (وغواتاري) أنّ الحرب ليست الهدف ‏الخاصّ أو المباشر لمكَنة الحرب، بل تشكيل "فضاءٍ ‏أملس"، كنمط ارتصافٍ جماعيّ للحياة. ولا يفيد ‏المحتوى الماهوي لهذا اللاتجانس الشكلي بين مكَنة ‏الحرب والدولة المجابهةَ العسكرية، بل اللاتجانسَ في ‏أنماط استثمارات الفضاء والزمن بين تشكيليّ القوة ‏هذين. ولهذا السبب، يجد الاختلاف المفاهيمي ‏بين أجهزة الدولة ومكَنة الحرب تعبيره الصريح في ‏أنماط الأقلمة الّتي تهيمن على التشكيلات ‏الدولانية، وأنماط الاقتلاع الإقليميّ، أي تلك ‏التشكيلات الّتي يسمّيها دولوز(وغواتاري) بدوية. ‏
‏ ‏

مصادر ومراجع
‏1.‏ دولوز، جيل، مع بارني، كلير، حوارات، ترجمة عبد الحي زرقان و أحمد ‏العلمي، أفريقيا الشرق، المغرب، 1999، 195 صفحة.‏
‎2.‎ Deleuze, Gilles, Guattari, Félix, ‎Capitalisme et Schizophrénie2 - Milles ‎Plateaux, les éditions de Minuits, Paris, ‎‎1980‎
‎3.‎ ‎____________et Guattari, Félix, ‎Capitalisme et schizophrénie1-L’Anti-‎Oedipe, Éditions de Minuit, 1973, 496 ‎pages.‎
‎4.‎ ‎____________l’Ile déserte, éditions de ‎minuit, 2002, 417 pages.‎
‎5.‎ ‎____________Foucault, éditions de ‎minuit, 2eme édition, 2004, 144 pages.‎
‎6.‎ Igor Krtolica et Guillaume Sibertin-‎Blanc, “Deleuze, une critique de la ‎violence”, dans Deleuze et la violence, ‎coll. Champs&contrechamps, Juin 2012.‎
‎7.‎ Lampert, Jay, Deleuze and Guattari s ‎Philosophy of History, Continuum ‎publishing group, 1st edition, 2006, 178 ‎pages.‎
‎8.‎ Mingue, Philipe, Faire l’idiot- la politique ‎de Deleuze, editions Germina, fevrier ‎‎2013, 102 pages.‎
‎9.‎ Parr, Adrian, the Deleuze Dictionary -‎Revised Edition, Edinburgh University ‎Press, 2010, 328 pages.‎
‎10.‎ Sibertin-Blanc Guillaume, « État et ‎généalogie de la guerre : l’hypothèse de la « ‎machine de guerre » de Gilles Deleuze et ‎Félix Guattari », Astérion [Online], 3 | ‎‎2005, Online since 09 Septembre 2005, ‎connection on 09 January 2015. URL : ‎http://asterion.revues.org/425.‎
‎11.‎ Sibertin-Blanc, Guillaume, “La théorie de ‎l Etat de Deleuze et Guattari: ‎Matérialisme historico-machinique et ‎schizoanalyse de la forme-Etat”, Revista ‎de Antropologia Social dos Alunos do ‎PPGAS-UFSCar, v.3, n.1, jan.-jun., 2011‎



#وليم_العوطة (هاشتاغ)       William_Outa#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ميتافيزيقيا المعاناة جياني فاتيمو
- للنقاش-ملاحظات عن الحراك الحزبيّ الشيوعي في لبنان
- سلافوى جيجيك: تسعُ نكاتٍ
- نظرية التعدديات عند برجسون - جيل دولوز
- كورنيليوس كاستورياديس - مقتطف من -الردّ على ريتشارد رورتي-
- اللاسلطوية (الأناركية)
- العدمية بإعتبارها تحررًا - جياني فاتيمو
- التحليل النفسي: خمس قضايا – جيل دولوز
- نيتشه و الفكر الرحّال - جيل دولوز
- دولوز والموسيقى الشعبيّة - إيان بيوكانن*


المزيد.....




- من مقاتل في -القاعدة- إلى قائد الفصائل المناهضة لنظام الأسد. ...
- سوريا.. ما حقيقة التسجيل الصوتي لتنحي بشار الأسد عن الرئاسة؟ ...
- مقتل 5 إسرائيليين في حادث مروع في المغرب
- زيلينسكي يشارك في إحياء ذكرى الجنود الأوكرانيين الذين سقطوا ...
- قديروف يستقل مدرعة -برادلي- الأمريكية في غروزني (فيديو)
- رئيس ائتلاف -النصر- حيدر العبادي: العراقيون لا يخافون المناز ...
- أبرز تصريحات الرئيسين الجزائري والجنوب إفريقي
- مصر.. عرض مسلسل يتحدث عن جريمة مروعة وأسرة الضحية تعلق
- الأمن الروسي يفكك عصابة كولومبية حاولت تهريب 570 كغ من الكوك ...
- مراسلتنا: غارة من مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة تتجه من بلدة ...


المزيد.....

- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليم العوطة - الدولة والاستيلاء والعنف في فلسفة جيل دولوز وفليكس ‏غواتاري ‏(مدخل)‏