أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مجدي عبد الحافظ صالح - بين البيولوجيا واللغة: دراسة نظرية بينية















المزيد.....



بين البيولوجيا واللغة: دراسة نظرية بينية


مجدي عبد الحافظ صالح
كاتب وأكاديمي ومترجم

(Magdi Abdelhafez Saleh)


الحوار المتمدن-العدد: 7483 - 2023 / 1 / 5 - 15:40
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


توطئة:
عملت على هذا الموضوع كباحث للمرة الأولى في آواخر التسعينيات من القرن الماضي، ونشرت حينها بحثا حوله لاقى قبولا طيبا ( ). ولعل موضوع ربط البيولوجيا باللغة بدأ منذ حوالي ستين عاما، وأخذ دفعة كبيرة في السنوات الأخيرة، وهو موضوع ينتمي بطبيعة الحال إلى الدراسات البينية Interdisciplinarité، التي اطلت علينا بقوة بسبب أن الظاهرة الطبيعية أو الإنسانية أو الاجتماعية، كما يعلم الجميع، أصبحت في عصرنا الراهن اشد تعقيدا ومن ثم صعوبة تناولها بالدراسة. من هنا اصبحنا في حاجة إلى تضافر عدد من المناهج المختلفة لنستطيع مقاربة الظاهرة. وفي موضوعنا سنجد انفسنا في حاجة إلى مناهج علوم من قبيل: الأنثروبولوجيا، والاركيولوجيا، والتاريخ، والبانتولوجيا، والطبيعة والجغرافيا، وعلم النفس، والفسيولوجيا، وبطبيعة الحال إلى البيولوجيا وغيرها من العلوم.. والحقيقة لا يتمثَّل أملي من خلال هذا البحث، سوى في رغبتي في التقديم لهذا الموضوع الحيوي الجديد، والذي لم نهتم به كثيرا في مجتمعاتنا العربية، وهو طموح ليس كبيرا جدا، ومن هنا إذا تحقق سأكون راضيا. ولا أنفي مع ذلك طبيعة الموضوع الصعبة واكتظاظه بالتفاصيل والمصطلحات خارج اطار تخصصات البعض منا.
بادئ ذي بدأ وقبل الدخول في ثنايا البحث، أود التوقف قليلا عند أهمية الموضوع المطروح، وهي أهمية تعتمد على جملة من الاعتبارات الموضوعية، التي ستمد موضوعنا بمشروعيته واهميته:
• ساهمت المماثلة غير العضوية بين شفرة الطاقم الوراثي والشفرة الصوتية، الامر الذي دفع الدراسات اللغوية الحديثة إلى آفاق جديدة.
• اعتبر بعض العلماء أن الحيوانية Animalité يمكن أن تصبح نموذجا ارشاديا Paradigme، وذلك لأن انتشار وتنوع الحيوان قد أمد الانسان بتسجيلات من التعبير والنقاط الأساسية للإدراك الحسي، وهو ما أدى إلى خلق نوع من اللغة الحيوانية مساو للنموذج الارشادي، والشفرة الحيوانية، وهي معادلة كلية بين نوع واحد ووحيد اعتبروه حدا لقراءة الشرط الإنساني.
• اثبتت الدراسات الحديثة أن حياة الحيوان لا تقل تعقيدا عن حياة الانسان، عكس المتصور في أن حياة الحيوان أولية وبسيطة وفطرية.
• كما اثبتت نفس الدراسات الحديثة أن ثمة تشابه كامل بين الانسان والحيوان، على مستوى تطور النوع وبخاصة فيما اتصل بالكبت الفرويدي، واكتشاف تعبير عن اللاوعي لدى الحيوان.
• اثبات أن لدى الانسان بواعث حيوانية وغرائز أولية، تقوده منذ ملايين السنين، ومحاولة العلماء البحث عن الغريزة المفقودة لخير النوع، باعتبار أن الحضارة الحديثة افسدت واضلت النوع الإنساني، وعلية ثمة ضرورة لاستقاء البراءة والحكمة من غريزته الأولى.
• قناعة بعض العلماء بأن سبب "اخفاق الانسان الاجتماعي" يكمن في تعديه على القوانين البيولوجية.
• محاولة البعض عمل مقاربة سيميوطيقية، وربطها بنظرية عامة في الانفعال لدى الانسان والحيوان، بالإضافة إلى رفض العالمان الامريكيان بيرس وموريس لفكرة خلق تمييز حاسم بين الإشارات الحيوانية والاشارات الإنسانية.
• ساهم وضع العالم سيبوك مفهوم السيميوطيقا الحيوانية Zoo-Sémiotique، في إعطاء اطار صالح لدراسة كل الأنواع الحيوانية على قدم المساواة.
خطوات البحث:
هذا وسنتناول تسعة من الموضوعات التي سنعتبرها أساسية في سياق هذا البحث، إذ سنستهله بمقدمة للمصطلحات التي سنستخدمها، وبخاصة اللغة، والكلام، واللسان. نتعرض بعدها لعرض عن طبيعة اللغة، مع عرض تاريخي لمعرفة الكيفية التي تمت بها معالجة اصل الكلمات، والمدلولات والدالات والاسماء، بمعنى طبيعة اللغة بشكل عام. لنتعرض فيما يلي لعلاقة اللغة بالعلوم الطبيعية، في عصور مختلفة وبخاصة مع الفلاسفة التطوريين، مع عرض رسم يقارن بين علوم اللغة، وعلوم الطبيعة. ثم سنقوم بدراسة الشروط البيولوجية الأولية للغة الانسان، مع التركيز على أندريه ليروا جوران، وجاك مونو، وجان بيفيتو. ونعرض بعدها للأسس التشريحية للغة، أو بطريقة أخرى لفسيولوجيا الكلام. ولمتابعة طبيعة العلاقة التي تتم بين العمليات العقلية والآليات العصبية، التي تعمل على انتاج اللغة، سيجدر بنا أن نتعرض لعلم النفس اللغوي Psycolanguistique، ولن نتغافل هنا عن طرح إشكالية مقارنة اللغة الإنسانية باللغة الحيوانية، وتاريخ العلاقة بينهما. وفي الختام ودائما في اطار العلاقة السابقة بين الانسان والحيوان، سنتابع وظائف اللغة لدى كل منهما وذلك لاستكناه ارتباط اللغة بالوظيفة لديهما.
تعريف بالمصطلحات:
تعتبر اللغة Langage عند دي سوسير والكلام Parole، كيانا عاما يحتوي على نشاط الانسان اللغوي عبر صورة ثقافية ما، سواء كانت مكتوبة أو منطوقة، وهي في الوقت نفسه تحتوي على رموز صوتية كانت أو كتابية بما فيها الإشارات والعلامات والاصطلاحات. واللسان Langue هو قدرة ذهنية مكتسبة لنظام لا يخضع لمنطق أو تبرير، إلا أنه يخضع لنسق معين في الصوت والنحو والدلالة والفونيم، وهو يتشكّل من أعداد من الرموز يتواصل بها افراد المجتمع، وهي رموز اعتباطية ومنطوقة، تفي حاجات المتكلمين بها في التعبير عن احتياجاتهم ومشاعرهم وافكارهم. وتتشكّل اللغة Langage من الأصوات والتراكيب والنحو، إضافة إلى المعاني والابعاد الاجتماعية للمجتمع. والكلام Parole هو قدرة على ارسال أصوات واضحة وصحيحة تبعا لنظام اللغة، والقدرة على مناغمة هذه الأصوات داخل نسق الإيقاع والصوت المرجِع، وذلك لتصل إلى مستقبِلها مميزة ومفهومة في شكل كلمات وجمل وعبارات. ولكي يحدث هذا تتدخل عدة عمليات فيما بينها:
1- التنفس: هواء لإنتاج الصوت، والاحبال الصوتية لتوليد الصوت من الحنجرة.
2- إعطاء صدى للصوت ليحدث الكلام.
3- حركة الفم واللسان والشفاه ليحدث النطق.
إذا يمكن القول أن الفرق بين اللسان والكلام، هو أن اللسان كما يقول دي سوسير "هو الصورة الذهنية الموجودة في عقل الجماعة اللغوية. إما عندما تخرج هذه الصورة إلى الواقع وتتحقق على لسان أي فرد من افراد هذه الجماعة، فإنها عندئذ لا تكون لسانا وإنما تكون كلاما. وهنا سنلاحظ أولا ارتباط اللسان باللغة، وأن تحققه لا يتأتى إلا بها. وسنلاحظ ثانيا انطباع الفرد باللغة التي تعبر عن واقع اجتماعي قائم، بينما يعبر الكلام عن عمل إرادي فردي ومتغير. وثالثا سنكتشف أن اللغة هي الجزء الاجتماعي من عملية الكلام. وبتعبير ارسطو: اللغة موجودة بالقوة، بينما الكلام موجود بالفعل، إذ أن اللغة نظام بينما الكلام تعبير حسي عن هذا النظام. هذا وينقسم الكلام إلى: مكتوب، ومنطوق أو ملفوظ.
وعلى عكس الاتجاه المعاصر الذي اتبعه جاك دريدا في تفكيكه للميتافيزيقا في الفكر الغربي، وذلك بإعلائه من شأن الكتابة على الكلام للوصول إلى ما اطلق عليه الاختلاف أو السيولة التي تشير للعمق الديناميكي المتحرك داخل الفكر، ليتخلص حسب رأيه من الميتافيزيقا التي قمعت الاختلاف أو السيولة التي يبحث عنها. على عكس ذلك نجد أن دراسات اللغة البيولوجية بمجملها اعتمدت على الكلام الملفوظ، وهو الجانب الحي المادي المحسوس من اللغة، الذي قامت علوم اللغة الحديثة بارتباطها بالمناهج التجريبية على الاهتمام به، وتسجيل هذا الملفوظ البشري ومقارنته بالأصوات الصادرة عن الرئيسيات والانواع غير البشرية، ورصد نشأتها وتكونها ومآلاتها.
اللغة والكائن الحي:
وللدخول في صلب موضوعنا المتعلق باللغة والبيولوجيا، سيجدر بنا أولا التعرض للمماثلة بين اللغة والكائن الحي، إذ عند القول بأن "اللغة هي كائن حي"، ينطبق عليها ما ينطبق على هذا الكائن نفسه فهو يعيش، ويموت، ويتنفس. وربما تعود بنا هذه المماثلة إلى الفيلسوف اليوناني أرسطو، الذي شبّه المجتمع من قبل بالكائن الحي: فاعتبر رأس الانسان اشبه بالرئيس، وبقية الطبقات الاجتماعية ببقية أعضاء جسم الانسان، وهو الأمر الذي أخذه عنه فلاسفة العرب والمسلمين كالفارابي وغيره. كما أن أرسطو هو الذي عرَّف الانسان بأنه حيوان ناطق، ولعله بتعريفه هذا يُعتبر أول من ألتفت إلى هذا الجانب البيولوجي الحيوي في لغة الانسان التي قرنها بالنطق، أي بالتأمل والتفكير والكلام واللغة، وهو أول من أطلق على الانسان بأنه حيوان اجتماعي، وهو تعبير مهم، لأن الاجتماع الإنساني يفترض التواصل والتفاعل والتفاهم، أي الكلام واللغة.
دفعت المماثلة السابقة القديس أوغسطين إلى أن يركز فيما بعد على فكرة جد مهمة، وهي أن الانسان وحده دون الكائنات الأخرى، هو الذي جُهِز بآلة الكلام، وذلك لكي يثبت مقولة أرسطو بأن الانسان لا يستطيع أن يعيش بمفرده، لكونه كائن اجتماعي، لذا فهو بحاجة إلى التواصل مع افراد مجتمعه، ومن هنا تأتي أهمية اللغة. وهي النقطة التي تمسك بها ديكارت عندما وحَّد بين النفس والفكر والروح، فقصر النطق والكلام على الانسان وحده دون سائر الكائنات الحية، باعتباره وحده هو الذي يملك النفس والروح والفكر. كما أنه دفع بأن الحيوانات مجرد آلات، وما اصواتها سوى أصوات ميكانيكية، مثل أصوات بندول الساعة، وهو الرأي الذي يقف ضده وبشده اليوم أصحاب دعوات الدفاع عن حقوق الحيوان. ولعل فكرة تمثيل المجتمع بالجسد الإنساني نجدها أيضا عند أوجيست كونت، الذي جعل من الفلاسفة والأطباء والشعراء دماغا لجسم الاجتماع، ومن النساء أعضاء للعاطفة (الحنان والغيرية)، ومن رجال الصناعة والمال أعضاء لتغذية الجسم، وجعل من العمال أعضاء لحركة الجسم.
نعود مرة أخرى إلى مقولة أن "اللغة كائن حي"، ينطبق عليها شروط حياة هذا الكائن كما اسلفنا، إذ يعيش ويموت ويتنفس ويختنق، إن لم تصل إلى رئتيه الاكسجين، لكن كيف يتم ذلك؟! إذا نظرنا وتأملنا تاريخ الإنسانية سنجد أن ملايين اللغات ماتت واندثرت عبر العصور مثل: الديموطيقية، والقبطية، والآرامية، والسريانية، والسنسكريتية، والاكادية، واللاتينية... الخ. ومن هنا نطلق على اللغات التي استمرت لغات حية، كالإنجليزية، والفرنسية، والعربية وغيرها...، وتختنق اللغة وتموت عندما لا يصلها الاكسجين، أي المفردات الجديدة لتستطيع التعبير عما استجد في واقعها المعيش.
ولعلنا سنجد أن البعض يعتبر لغته "لغة مقدسة"، ومن ثم يحرص على نقائها، وينطبق ذلك على جميع اللغات، فصاحب أي لغة يعتبرها مقدسة، رافضا دخول مفردات غريبة أو اجنبية عنها، بحجة الحفاظ على نقاء لغته، وهو لا يعرف أنه بهذا الفعل يخنقها بمنعها عن التنفس، بل ويقتلها وهو الامر الذي نعاينه اليوم في زماننا، إذ جل مجامع (جمع مجمع) اللغة العربية في بلداننا تقوم بعكس المطلوب منها للحفاظ على لغتها الأم!! ولعل هذا الامر يأتي على عكس لغة القرآن الكريم ذاته، الذي أدخل كثير من المفردات العبرية والفارسية واللاتينية والحبشية... وغيرها مثل كلمات: طاغوت، وعدن، وفردوس، وماعون، ومشكاة، وقسطاس، وسجيل، والزكاة (زكوت العبرية)، والصلاة (صلوت العبرية)، وسندس، واستبرق وغيرها كثير، حتى كلمة لغة فيقال أنها مشتقة من كلمة لوغوس اليونانية Logos، التي تعني: عقل وفكر ومنطق ( ).
وصار العرب على هذا الدأب فيما بعد إذ لم يكن إذن غريبا عن حضارة العرب والمسلمين، إذ حتى عند ترجمة العرب للتراث اليوناني في القرن الرابع الهجري، أدخلوا أيضا كلمات غير عربية كثيرة مثل: فلسفة، وفيلسوف، وبوتيقا، وإيتيقا وغيرها...، ونستخلص من هنا أن اسرع وسيلة لخنق لغة ما، هي رفض مدها بالمفردات الجديدة التي تحتاج إليها في عملية تواصل مستخدميها، أي قطع الاكسجين عنها ومنعها بأن تقوم بالأدوار المنوطة بها في التواصل بين الناس. بعبارة أخرى تموت اللغة إذن وتندثر عندما يخنقها أصحابها تماما، كالدبة التي احبت صاحبها وأرادت أن تذب عنه ذبابة أثناء نومه فقتلته.
إن ربط البيولوجيا باللغة موضوع قديم، ربما يمتد قدمه الى دارون الذي قدم لأول مرة براهين قوية على تلك الصلة التي تربط بين الانسان والحيوان، ومن ثم فتح الطريق لمن جاء بعده للربط بين التطور البيولوجي للإنسان وبين تطور لغته على مستوى الفرد والنوع، وهو ما كنا نجهله لحد كبير قبل أصل الأنواع. وهنا نستعيد جملة الاعتبارات الموضوعية التي سبق وأكدنا أنها دفعتنا لهذه الدراسة، وأولها: تلك المماثلة غير العضوية بين شفرتي الطاقم الوراثي وشفرة الصوت، وهو ما رأيناه قد ساهم لحد بعيد في تطوير الدراسات اللغوية الحديثة والدفع بها لآفاق لم تعهدها من قبل. وكان الاعتبار الثاني قد تمثَّل في اعتقاد عدد من العلماء بأن مقولة الحيوانية Animalité يمكن أن تصبح نموذجا ارشاديا Pradigme، هذا وقد اعتمدوا في ذلك -كما رأينا- على فكرة أن انتشار وتنوع الحيوان في العالم قد ساعد في أن يمد الإنسان بتسجيلات ومعلومات أساسية تخص الإدراك الحي للحيوان، مما ساعد على خلق طريقة لغوية جديدة يمكن الاعتماد عليها، وذلك عندما يستخدم تعبير الحيوانية وكأنه شفرة، بشكل مساوي لطبيعة النموذج الارشادي، مما يبشر بإمكانية الوصول إلى صيغة أو معادلة كلية تجمع بين كل الأنواع الحيوانية المعروفة ومنها الانسان . وهنا يصبح التنوع في مملكة الانسان اثنيا، وسياسياً، وثقافيا وأخلاقيا، بينما يصبح التنوع في العالم الحيواني خاصاً ومورفولوجيا، وسلوكيا، بل أكثر من ذلك تصبح مقولة الحيوانية في هذا السياق، من حدود قراءة الشروط التي يعيش الانسان ضمن اطرها.
وثالثاً: اكتشاف الدراسات الحديثة وإثباتها أن حياة الحيوان لا تقل تعقيداً عن حياة الانسان بعد أن كان المتصور التقليدي أن ما يتعلمه الانسان من الحيوان هو الأوُّلى، والبسيط، والفطري على عكس حياة الانسان التي ملأها التعقيد المتطور لحياته.
ورابعاً: إثبات آخر الدراسات أيضا أن ثمة تشابه تام بين الانسان والحيوان، في مستويات التطور الذي لحق بالنوع خاصة فيما اتصل "بالكبت" الفرويدي، كما لاحظنا من قبل، حيث وجد في فعل الحيوان قوي مثل تلك القوى المؤثرة على فعل الإنسان، وهي أيضا غير مرئية وعميقة ومتخفية، بل غير معروفة، مما يكشف من خلاله أن لدى الحيوان تعبير عن لا وعي خاص.
وخامساً: اثبات بعض العلماء لوجود بواعث حيوانية وغرائز أولية لدى الانسان تقود سلوكه وانفعالاته وعواطفه منذ ملايين السنين، وأن الغرائز "النبيلة" لدية يملكها منذ بضعة آلاف فقط من السنين، ولا يغيب عن هذا التصور نوع من الحنين للماضي، حيث يتمني بعض العلماء ايجاد "حكمة" حيوانية تنبؤية، يعتقدون أن الانسان قد فقدها وها هو يحاول مرة اخرى استعادة ما كان غريزيا وقد نسيه، وهم يرون أن الغريزة أياً كانت مفقودة او مقضيا عليها فلديها هنا مفهوم ايجابي، إذ أنها تنظيم موجه نحو خير النوع. ومن هنا يرون أن الانسان كنوع قد اضل وافسد عن طريق حضارته الحديثة، وهو يحاول الآن العودة لماضيه الحيواني ليستقي منه الحكمة والبراءة التي عاش بها قديما بغريزته.
وسادساً: يعزو بعض العلماء سبب "اخفاق الانسان اجتماعيا"، إلى تعدي البشر على قوانين الطبيعة البيولوجية.
سابعاً: حاول بعض العلماء، كما رأينا من قبل، القيام بمقاربة سيميوطيقية، ومحاولة إلحاقها بنظرية عامة في اشارات وتعبيرات الانفعال لدى كل من الانسان والحيوان من جهة، ويمكننا أن نضيف إلى ذلك من جهة أخرى، رفض كل من العالمين الأمريكيين بيرس Peirce وموريس Morris للفكرة التي تؤيد إمكانية إقامة، تمييز حاسم بين كل من الإشارات التي تصدر عن الحيوان وتلك الإشارات الصادرة عن الانسان.
ثامناً: وكما رأينا أيضا من قبل، أن وضع العالم سيبوك T. sebeok في سنة 1963 لمفهوم السيميوطيقا الحيوانية zoo - Sémiotique، هو الذي اعطى المشروعية، بل والاطار الصالح لتناول كل الانواع الحيوانية بالمقاربة والدراسة، جنبا إلى جنب وعلى قدم المساواة.
إن جملة الاعتبارات السابقة إذن تظل هي الحافز خلف هذه المقاربة، وهي ما دفعنا إلى السير في شعابها المتعرجة، تعقيدات تفاصيلها، وايجاد المصطلحات المناسبة، وننبه بأننا سنضرب صفحا عن معالجة موضوع "لغة الخلايا العصبية Le Langage des neurones” ، وهو يعتبر أحد أبعاد الموضوع الذي نحن بصدده، نظر لخصوصيته الشديدة، وصعوبة تناوله ضمن إطار موضوعنا. وهو يتعلق بمحاولة الاجابة عن سؤال كيف يتم اتصال الخلايا العصبية فيما بينها؟ إذ أن هذا الاتصال الذي يحدث بمجموعات صغيرة من الخلايا العصبية يمارس وظيفة تعديل قنوات الخلايا العصبية المتخصصة والتي يدخل معها في اتصال، ويسمح بتعديل كامل لحالة القناة ولوظيفتها. ويعالج المخ هذه الاشارات بطريقتين مكملتين هما الاتصال الكهربي والاتصال الكيميائي ( ). ويعتبر هذا الاتصال لغة ينطبق عليها نفس الشروط، ويدرسها تفصيلاً علم التحويلات العصبية Neurotransmission، وتتبع هذا الموضوع يحتاج لبحث مستقل، ومن هنا سنقتصر ببحثنا هذا على الشق الذي سنعالج فيه موضوعنا بمقدمة اشتقاقية، ثم سنتعرض لطبيعة اللغة، بعدها سنعرض للغة والعلوم الطبيعية متعرضين للإسهامات المختلفة في هذا المجال. بعدها سنقوم بدراسة الشروط البيولوجية الاولية للغة الانسان، وهكذا سنتعرض للأسس التشريعية للغة، ولعلم النفس اللغوي، ومن ثم نتعرض لمقارنة اللغة الانسانية باللغة الحيوانية، واخيراً نعرض لآفاق الدراسات في فلسفة اللغة بيولوجيا.
مقدمة اشتقاقية:
منذ بداية القرن العشرين، تحاول العلوم الانسانية فصل كلمة "لغة" عن بعض المصطلحات التي كانت تستخدم بنفس المعنى، اذ دعا تقدم العلوم وعلى الأخص اللغوية منها على الدفع قدما نحو ضبط المصطلحات، والتركيز على المناهج العلمية التخصصية في هذا، وسنبدأ بحثنا هذا بالقيام بهذه المهمة التي نعتبرها أساسية. فمصطلح "اللغة" في العربية معناه “اصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم أو هو الكلام المصطلح عليه من كل قبيلة، ويعتبر علم اللغة هو معرفة اوضاع المفردات" . وفي اللغة الفرنسية فهي اولا تدل على اللسان بالمعنى المباشر، كما انها في الوقت نفسه نظام للتعبير والاتصال شائع بين مجموعة اجتماعية ما ، وتُعتبر لدي لالاند Lalande نظاما للتعبير الشفاهي عن الفكر وهي تحمل مفردات، وقواعد محددة ونسبيا ثابتة، وتشكل بناء اجتماعيا دائما يفرض على سكان بلد ما، وتظل لحد ما مستقلة عن الارادة الفردية، واللغة ايضا لديه طريقة لكتابة كاتب، وطريقة للتحدث أو للكتابة لمجموعة أيا كان تمسكها . ويعتبر الكلام Parole عناصر للغة متحدَّثا بها، فهو عنصر بسيط للغة الملفوظة، وهو ايضا نص لقطعة موسيقية صوتية، كما انه فكرة معبر عنها بصوت عال ببضع كلمات، كما أنه يعتبر تعبيرا شفاهيا عن الفكر، فهو ملكة وصل الفكر عن طريق نظام للأصوات الملفوظة والمرسلة من خلال الصوت. كما يعتبر ايضا تمرينا لهذه الملكة. كما أن الخطاب الشفوي أو المكتوب يعتبران معارضين لنظام اللغة في علم اللغات. والملاحظ أن لالاند لا يهتم بتعبير "الكلام" فهو لا يهتم سوى بالكلام الداخلي باعتباره ظاهرة يقدم فيه الفكر نفسه إلى الوعي تحت اشكال مختلفة . اما اسلوب أو تعبير Langage وهو ما نترجمه بالعربية ايضا لغة، يعنى بالفرنسية وظيفة التعبير عن الفكر والاتصال بين الناس عن طريق الكلام أو الكتابة. كما يعتبر كل نظام للدلالات يسمح بالاتصال. كما يعتبر طريقة للتعبير الخاص عن النفس لجماعة أو لفرد . ويقول عنه لالاند أنه وظيفة تعبير شفاهية عن الفكر الداخلي أو الخارجي "كما أن نية الحديث والذي ليس بالضرورة اسلوبا أو تعبيرا Langage أو حتى لغة داخلية وصلت الى التعبير الداخلي او الى الكلام". وبهذا المعنى يرى أن التعبير او الاسلوب Langage يتعارض مع الكلام في معنيين. الأول: باعتبار أننا عن طريق الكلام نفهم مباشرة التعبير الخارجي، والتعبير الداخلي ليس ضروريا للكلام بمعنى أن تعبير Langage يعتبر نوعا genre والكلام الخارجي يعتبر جنسا. والثاني باعتبار أن مصطلح "الكلام" يحدد الفعل الفردي والذي بواسطته يباشر وظيفة التعبير Langage، كلمة وكلمات.
أن مصطلح Langage كما يحدده مصدر آخر، هو بمعنى اخر هو كل نظام او مجموعة علامات تسمح بالتعبير أو الاتصال، ومن هنا يمكن أن يصدق التعبير على الحيوانات ايضا، رغم أنه في معناه الدقيق هو نظام كوني وخاص بالإنسانية، مما يعطي التعبير سمات خاصة. واذن فهو ليس ملكة او مقدرة على تشكيل الدلالات اللغة langue التي تعتبر آلة الاتصال الخاص بطائفة انسانية. ولكي نفك الاشتباك اذن بين هذه التعبيرات الثلاثة المتداخلة لحد كبير نحدد اللغة كمجمل مؤسس وثابت للرموز الشفاهية أو المكتوبة الخاصة بهيئة اجتماعية، من الممكن أن تترجم بشكل جيد، أو سيئ في لغة أخرى، والاسلوب أو التعبير Langage لا ينبغي أن يخلط بالكلام Parole والذي هو الفعل الفردي عن طريقه يمكن ممارسة الوظيفة اللغوية .
طبيعة اللغة:
إن الاهتمام باللغة قديم قدم الانسان، حيث ارتبط التفكير وموضوعاته الفلسفية باللغة، التي لعبت دورا اساسيا السفسطائيين باعتبار ارتباطها السابق ، كذلك اعتبر أرسطو اللغة دلالة على أن الإنسان ليس موجها فقط لحياة بسيطة ، ولكن ليعيش في جماعة ينبغي لها أن تتفاهم على ما هو نافع ، وعلى الخير والعدل اذ اعتبر الانسان حيوانا سياسية ويعتبر الرواقيون من أوائل من اهتموا بالتفتيش عن أصل الكلمات وميلادها L’etymologie نتيجة لاهتمامهم بفلسفة اللغة اذ أيقنوا بقدرة الإنسان على ذلك، وقد قاموا بأنفسهم بهذه العملية ليقدموا لنا المثال، فوضعوا لنا من موروث كلمة زيوس “ zenos) “ zeun) إلى “dzên" ( يعيش vivre ) ، كما أن نظرية المعنى لديهم قد ميزت بين الدلالات والمدلولات والشيء الواقع ، فالدال Le Signifiant صورة صوتية مرتبطة بالصوت وبتأثيراته كجسم. كما يرتبط الشيء أيضا بالفضاء الطبيعي، بينما ارتأوا أن المعنى (Lekton) فهو على العكس غير جسمي لكونه منتج النشاط العقلي، واشتراك العقل هنا يعمل على تحويل التعبير الصوتي إلى لغة محسوسة . "معنى أن تتكلم هو أن تنتج تعبيراً صوتيا يعني شيئا من الفكر .
وفي سياق ربط الفكر بالواقع، ومن ثم اللغة نجد أن جورج بيركلي (١٦٨٥١٧٥٣) يؤكد على أنه من المستحيل تمثيل فكرة دون تحديدات واقعية، إذ يرى أنه ليس ثمة فكرة عن الحركة دون أن يكون موجودا وفي نفس الوقت -شيئا ما سريعا او بطيئا، وأنه ليس ثمة فكرة عن الامتداد دون لون، أو حجم، بمعنى دون شيء ما محسوس يختص بتمثيلها وهو يبرز افتراض وجود الأفكار المجردة بحكم أن اللغة تستخدم تعبيرات عامة. هذا وقد اعتبر الكلمات مثل الاسماء واعتقد أن اسم الشيء الكوني يساوقه وجود كوني. ويقوم بيركلي بتعقل وشرح العمليات العقلية التي تعتقد أنها تفرض العودة للأفكار المجردة حينما يرى أنه يمكنها أن تنجز بداية من فكرة خاصة، بشرط أن تكون تلك دلالة لأفكار خاصة اخرى ولهذا اعتبر الفعل "يفكر"، يعني الانتقال من فكرة الى اخرى بفضل الدلالة . ويهتم العالم السويسري اللغوي فرديناند دي سوسير (۱۸٥۷ ۱۹۱۳) بفكرة الدلالات فنجده يسند إلى اللغة التي يراها نظاما للدلالات في علاقة فيما بينها، ولا يجد لهذه العلاقة اكتمالا إلا في وسط مجتمع المتحدثين، كما يرى أن هذه العلاقة تُبنى باعتبارها معطي اجتماعيا -غير واع في الغالب- للكلام الفردي الواقعي. كما يرى أن معنى الوحدات اللغوية ليس محددا بطريقة فردية، ولكنه محدد ابتداء من نظام مرجعي. ومن هنا تصبح وظيفة اللغة في نظره تنظيما للمادة عديمة الشكل للعلاقة الاتفاقية المحضة بين الدال) Le Signifiant (الشكل الصوتي) والمدلول Le Signifié (المفهوم)
إلا أن ديلتاي Dilthey (۱۹۱۱ - ۱۸۳۳ (لم يلتفت إلى هذا البعد الاجتماعي الذي أقره دي سوسير محاولا ابراز ان التعبير ما هو إلا ترجمة المعيش في اشكال خارجية والمعيش لديه هو: الحركات والفن... الخ ويضيف إليهما اللغة، ومن ثم تصبح كل هذه الاشكال - وبينها اللغة - أساسا لعملية تخارج Extériorisation تحاول أن تجد مكانا لحياة النفس في الخارج .
ولعل هردر Herder (١٧٤٤١٨٠٣) قد تنبه قبل دي سوسير وديلتاي - بأكثر من نصف قرن - على اهمية العامل الفردي والاجتماعي معا في ظاهرة اللغة فوجد في الانسان "المحرر الأول للإبداع"، حيث إن ابداع طبيعته الخاصة يتوقف على حريته وتفتحه على العالم. وعليه فإنه في عودته لنفسه، عليه أن يقهر انسانيته بالتعليم. ومن هنا تبرز اللغة لديه كمانحة للإنسان موقعه المميز، وكوسيط في تشكيل وعيه .
أما نيتشه فلديه رأي آخر يتماشى مع اهتماماته والتي تحددت ضد الأخلاق والاشكاليات الفلسفية التقليدية فملاحظاته التفصيلية والتي لم تتوقف عن معنى اللغة ابرزت -لديه - أن اللغة تخفي واقعة ان الانسان بخطابه لا يدرك جوهر الاشياء الا كظاهر، بينما يخترع فقط في الواقع المعاش عالما ثانيا إلى جانب العالم الأول، ومن هنا يصبح عالم اللغة لديه عالما مساوقا لعالم الأشياء ، ولا يعبر عنها الا بشكل سطحي ، بينما تظل ماهية الأشياء قابعة فيها وغير مدركة .
والحقيقة أن هناك صعوبة كبيرة في فهم طبيعة اللغة خاصة في ابعادها الفردية أو الاجتماعية، ومدى تعبيرها عن واقعها الفردي أو الاجتماعي ، وواقعها الطبيعي الذي يزخر بالأشياء من حولها ، هذا الغموض الذي يحيط بتلك الظاهرة الانسانية الفريدة يتبدى في اجل صورة في نص لهيدجر (١٨٨٩ - ۱٩٧٦ ) يرى فيه أن الطريق إلى الكائن يفتح من خلال اللغة، لأن بإضاءة الكائن لنفسه "يكون متجها نحو اللغة"، حيث تبدو اللغة هنا مثل شيء ما لا ينتجه الانسان بإرادته، إلا أنه في داخلها دائما، وبداية منها يتكلم "فاللغة هي دار الكائن وبداخلها يسكن وبطريقة تتصل بحقيقة الوجود الذي يحفظه"، لهذا على الانسان أن يكون في الاستماع للغة ليستمع إلى ما ستقوله له. وهذا هو معنى الفعل "يقول"، بمعنى "وضح" وعمل على ظهور، لذا فحضور الكائن في اللغة -لديه- يتبدى قبل أي شيء في الكلام الأصلي وهو الشعر .
اللغة والعلوم الطبيعية:
إن غموض، وصعوبة المعالجات الفلسفية لظاهرة اللغة تعود في جزء كبير منها إلى أنها كانت معالجات يغلب عليها الطابع النظري ، والتأمل الفلسفي، وإن كان بعضها قد غلب عليه الدراسة التحليلية والتطبيقية، إلا أنه بداية من القرن التاسع عشر، وفي ظل المناخ الذي تقدمت فيه كثيرا العلوم الطبيعية والبحتة، نظر البعض إلى ظاهرة اللغة أبعد من أن تكون ظاهرة حديثة، بل وفي ظل ظهور النظريات العلمية ومنها نظرية التطور البيولوجي الداروينية وامكانية تطبيقها على الظواهر الطبيعية والانسانية والاجتماعية، وبصرامة علمية، دخلت دراسات اللغة لآفاق جديدة لم تعهدها من قبل، وامكن النظر إلى هذه الظاهرة الانسانية المعقدة بالرجوع إلى أصولها البيولوجية الاولى لدى الانسان الأول، بل وفي اصوله الحيوانية السابقة على وجوده الانساني، ولعل سؤال لماذا وكيف نتكلم ؟ لم يكن وليدا لنظرية التطور، بل أنه سؤال ألح على الانسان عبر العصور المختلفة، فتصور روسو (۱۷۷۸ - ۱۷۱۲) أنه قد وضع يده على الاجابة حينما اوضح أن اللغات الأولى قد ولدت من انفعالات الانسان "فليس الجوع ولا العطش، ولكن الحب والكراهية، والرحمة والغضب، هذا وحده ما انتزع الاصوات الاولى من الانسان. فالإنسان يمكنه ان يتغذى دون أن ينبذ بكلمة (...) إلا أنه لتحريك قلب صغير لكي يدفع مهاجم ظالم، فإن الطبيعة هنا هي التي تملي حروفها وصيحاتها وشكاواها" . اعتقد روسو في الانفعال الانساني كمصدر قديم يستطيع الإجابة عن السؤال الذي طرحناه. إلا أنه بتقدم العلوم وتطورها -كما ذكرنا - وظهور نظرية التطور كنظرية علمية تستطيع أن تفسر كثيرا مما عجز الإنسان عن تفسيره من قبل مثل اصل الانسان والعالم، أصبح الطريق ممهدا لمحاولة فهم ظاهرة اللغة على اسس جديدة تختلف كل الاختلاف عن سابقاتها، فلقد وضع دارون) Ch. DARWIN ۱۸۸۲ - ۱۸۰۹ (، ولأول مرة قواعد منهجية تستطيع أن تعتمد على بعض المبادئ التي ثبت له صحتها عن طريق الملاحظة الدقيقة والمتابعة والاختبار، إذ ارتأى أن كل الكائنات الحية تتناسل بنسية كبيرة جدا، وبأكثر مما تستطيع حماية نسلها من هذه الأجيال والتي تتخللها اشكال منحرفة، لديها خصائص معدّلة (وهو التنوع الذي نسميه اليوم بالتحول) تستطيع من خلالها أن تفرض وجودها وتتناسل في ظل حالة الصراع على البقاء. وعملية انتقاء الأصلح تلك ممن يتكيف مع محيطه تقود إلى استمرارية تطور الانواع. فكل الأنواع الحيوانية والنباتية تخرج من عمليتي التنوع والتحول والانتقاء . وعلى هذا فان دارون يعتقد "أن التدرجات نحو الكمال بالنسبة لأي عضو أو غريزة، يمكن أن نعتبرها إما قائمة الآن أو إن امكن وجودها في الماضي، وكلها في صالح النوع الذي توجد به. وأن كل الاعضاء والغرائز قابلة للتغير ولو بأقل درجة ممكنة - واخيرا - أن هناك تنازعا على البقاء يؤدي إلى الاحتفاظ بكل انحراف مفيد في التركيب أو الغريزة" . كما يبين دارون كيف أن تعديل التكون الانساني قد لعب دورا مهما في نجاح تطور الانسان إلى جانب طاقاته العقلية والاجتماعية، حيث أن الحرية التامة التي يستخدم بها الانسان يديه وذراعيه، والتي جاءت نتيجة لانتصاب القامة كانت ولا شك ذات نفع كبير للسلف، الذي تحدر منه الانسان، كما أنها قد جاءت في مصلحة الانسان لدواعي الدفاع والهجوم من حيث قدرته على استعمال الهراوات والأحجار واسلحة اخرى، وأدى تحرير اليدين من مشاق السير أو حمل الجسم إلى ازدياد في المهارة والحساسية اللازمتين لإنتاج الأسلحة والعدد. إن تطور الانسان إلى مخلوق يمشي على قدمين فقط قد استلزم تغيرات كثيرة في تركيبه الجسماني، مثل انسطاح الاقدام وزيادة عرض عظم الحوض، والانحناء الخاص في العمود الفقري، وتبديل مكان الرأس . وبالنسبة للقوى العقلية التي يحوزها الانسان (الجمالية والعاطفية والفكرية.. الخ)، يرى دارون عند مقارنتها المفصلة بالحيوان أن الفرق في الدرجة وليس في النوع، حيث تشارك الحيوانات العليا الانسان في كثير منها، ويظل الفارق الاوحد بينها وبين الانسان هو أنه اسرع منها في احكام روابطه العقلية. وبوصول الانسان إلى مستوى فكرى واجتماعي يوفر له وسائل تحسين وضعه في البيئة فإن الانتخاب الطبيعي يتوقف عن اداء مهمته في تعديل تركيبه الانساني حيث يستطيع عن طريق ملكاته العقلية التكيف، وتبقى القيمة في صراع البقاء في امتياز الفكر والتعاون وليس لامتياز البنيان الجسماني .
هذه النظرية الجديدة استطاعت أن تقدم الأدلة على التطور وتفسر الطريقة التي تم بها، ولهذا وفرت الماهية والسببية وهما اساس أي تفسير علمي حقيقي، ولذا استطاعت أن تؤثر تأثيرا لاحد له في كل الأوساط العلمية، بشكل دفع البحوث العلمية إلى آفاق لم يكن أحد يتوقعها، خاصة حينما تبنى النظرية علماء ينتمون للعلوم الانسانية واخذوا يدفعون بهذه المبادئ إلى الأمام ، بتطبيقها على الظواهر الاجتماعية والنفسية والثقافية المختلفة، وكان هربرت سبنسر H Spencer (۱۸۲۰ – ۱۹۰۳ (في طليعة هؤلاء حيث حول التطور لمبدأ عام يفسر ظواهر الحياة، والعقل والمجتمع في كل اشكال تطورهما من المادة والحركة والقوة، بحيث اصبح التطور لديه قانون الوجود الأعلى، الذي ينظم في داخله عمليات: التحلل والاندماج والاختلاف، ويجعل منها حلقة واحدة تؤدي في النهاية إلى التطور، وعلى الرغم من أن سبنسر قد نشر قبل دارون بحثه تحت عنوان "فرضية التطور"، حول التطور العضوي، إلا أنه افاد لحد كبير من اطروحات دارون العلمية وخلص لنتيجة مفادها: أن قانون التطور قانون عام ينطبق على كل مستويات الظواهر "سواء في تطور الأرض، كان ذلك، أم في تطور الحياة على سطحها، أم تطور المجتمع والحكومة والصناعة والتجارة واللغة والأدب والعلم والفن، هذا التطور نفسه من البسيط إلى المعقد، وعبر ازدياد متعاقب في التخصص، ينطبق عليها جميعا. وسنجد، ابتداء من أقدم ما يمكن معرفته من التغيرات الكونية وانتهاء بآخر مآثر المدنية، أن تحول المتجانس إلى المغاير هو التحول الذي يتحقق التقدم فيه بالضرورة" .
أيضاً لعب ارنست هيكل) E. Haeckel ۱۹۱۹ – ١٨٣٤ (دورا مهما في تطوير نظرية التطور، وإليه يرجع الفضل في وضع القاعدة الأساسية لعلم البيولوجيا الوراثي biogénétique، وهي التي قررت أن تطور الفرد l’ontogenèse هو الخلاصة المختصرة والسريعة، لتطور النوع la phylogenèse . إلا أن هذه القاعدة الجديدة قد حالت إلى عديد من الأفكار التي لم تكن مطروقة من قبل، مثل ظهور خصائص بيولوجية لدى الانسان تماما مثل الحيوان، وأن الجزء الأكبر من تطور الانسان يصبح ثقافيا، وليس بطبيعي، ومن هنا يعوض الانسان عما ينقصه من اعضاء أو اسلحة بيولوجية (الأسنان، والأظافر، وسرعة الحركة.. الخ.) بخصائص ثقافية. بحيث يصبح الانسان محددا بهذه الخصائص الجديدة، وليس بالغريزة مثل الحيوان. ومع ذلك تهتم البيولوجيا بالاختلافات بين الانسان والحيوان، ولكن بدءا من قاعدة وراثية ترتبط بالتطور "فقط المخ، والحنجرة، واليد (. . .) في تطور سريع ومستمر، ومن هنا يتميز الانسان بذكائه الشديد نسبيا، وقدراته اليدوية، ولغته الواضحة .
هذا وقد وجد هيكسلي) Huxley ۱۸۲٥ - ۱۸۹۰ (أن اصحاب الابستمولوجية التي تم تجاوزها، وهم المؤيدون للعقل الحدسي، ولغريزية الافكار هم أيضا المؤيدون لقطيعة جذرية بين الانسان والحيوان. وقرر بأنه بمجرد أن نعترف بالدور النشط للغة، وأن لدينا نظرية للمعنى مبنية على العلامات، وليس على الأفكار، ومفهوم احتمالي للحقيقة، فهذا ما يمكننا تسميته بأبستمولوجيا الحد الأدنى minimaliste ويصبح التقريب ممكنا، وتتوقف الاختلافات عن أن تكون اجمالية ويتعذر تبسيطها لتصبح دقيقة ومفصلة .
وقد انحصرت علوم اللغات في علاقاتها بعلوم الطبيعة في اقسام ثلاثة، وظلت كذلك حتى تم اكتشاف شفرة الطاقم الوراثي، وتحددت هذه الاقسام أولا: في دراسة الشروط البيولوجية الأولية للغة الانسان، وثانيا: في مقارنة اللغة الانسانية مع اللغة الحيوانية، وثالثا: في البحث عن اصل اللغة الانسانية، ذلك الاصل المفترض في تنظيم الحياة الحيوانية، ويمكن توضيح تلك الاقسام على النحو التالي:
مقارنة علوم اللغة بعلوم الطبيعة قبل اكتشاف شفرة الطاقم الوراثي
أولا دراسة الشروط البيولوجية الأولية للغة الانسانية:
قبل الحديث عن الاسهامات المهمة في هذا المجال سيجدر بنا أن نبسط امام القارئ مجموعة العلوم المتشعبة، التي تدخل تحت هذا العنوان، وهي ما حاولنا عن طريق الرسم السابق توضيح صورتها، فنرى أن تلك الدراسات الخاصة بالشروط البيولوجية المختصة بلغة الانسان، تتشعب لقسمين الأول منها عبارة عن مجموعة كبيرة من الأبحاث المتنوعة والتفصيلية التجميعية، وهي ابحاث تحاول الوصول إلى نتائج محددة في تفصيلاتها -وفي الوقت نفسه- حيث أنها تجمع فيما بين العلوم المختلفة (علوما بينية interdisciplinaire(والقسم الثاني لفسيولوجيا الكلام والذي يتشعب بدوره إلى علم قواعد النحو للغات الطبيعية وعلم الصوتيات، حيث افترضت كل النقاشات التي دارت حول الغريزي والمكتسب، السيطرة المتقدمة للأبعاد الكونية لهذين العلمين. إضافة إلى أن علم فسيولوجيا الكلام يجمع في الوقت نفسه فيما بين علم الصوتيات والبيولوجيا الميكانيكية، بينما يبدأ علم بيولوجيا الاعصاب من الفسيولوجيا القشرية إلى علم امراض اللغة، هذا ويتحدد موقع دراسة اكتساب اللغة في نقطة الملتقى بين علم نفس التعلم وبيولوجيا التكيف.

الاسهامات المهمة:
بعد أن بسطنا لطبيعة العلوم المرتبطة بالشق الأول، سنحاول أن نفرد لبعض الاسهامات الاساسية في هذا المجال، وهي اسهامات معاصرة:
اندريه ليروا جوران A. Leroi – Gourhan (١٩١١١٩٨٦(
يعتبر ليروا جوران أن الوضع الواقف للإنسان، والوجه القصير، بالإضافة إلى اليد التي اصبحت حرة الحركة اثناء الانتقال واثناء حيازة المعدات ونقلها، هي بالفعل المعايير الاساسية للإنسانية.
من هنا يصبح التطور العصبي بمعنى ما معياراً ثانوياً، إذ عند ادراك مرحلة الانسان يبدأ في لعب الدور الحاسم في تطور المجتمعات، إلا أنه وبالتأكيد، وعلى محك التطور الخالص يرتبط بالوضع الرأسي، وليس كما اعتقدنا لفترة طويلة بأن أثره كان جوهريا. ولذا فهو يرى أن الشروط الانسانية للوضع الرأسي تنفتح على شروط التصور العصبي النفسي neuro- psychique والذي يجعل من تطور المخ الانساني شيئاً آخر غير زيادة الحجم. كما أن علاقة الوجه واليد تبقى أيضا وثيقة في التطور العصبي عما كانت عليه من قبل، فالعِدد لليد، واللغة للوجه، وهو ما يعتبره ليروا جوران قطبين لنفس الجهاز. فاللغة الناندرتالية Néanderthalien ما كان يجب أن تختلف كثيراً عن اللغات، التي نعرفها اليوم عند الانسان الحالي. فهي مرتبطة بشكل اساسي بالتعبير عن الواقع، إذ كان عليها تأمين الاتصال اثناء القيام بالأفعال، وهي وظيفة كان ينبغي لها أيضا أن تؤمِّن النقل المؤجل لرموز الفعل Action تحت شكل الحكايات. كما يرى جوران أن تلك الوظيفة الثانية كان ينبغي عليها أن تنطلق تطوريا لدى ارشانتروبيان ArchanThropiens ، إلا أنه كان من الصعوبة إقامة البرهان على ذلك. ويقدم جوران الوظيفة الثالثة اثناء تطور البالنثروبيين ويوضح أن تلك الوظيفة الثالثة، التي تظهر لنا تتعدى فيها اللغة الواقع وانعكاساته، لكي تعبر عن الاحاسيس غير المحددة المتصلة في جانب كبير منها بالناحية الدينية .
جاك مونو Monod Jacques (١٩١٠ -١٩٧٦)
يرى مونو بأن في واقعة تطور بعض المجموعات نلاحظ اتجاه عاما معضدا خلال ملايين الأعوام للتطور، الذي يبدو موجها لبعض الأعضاء وهو يشهد بأن الاختيار الاولى لبعض اشكال السلوك (امام هجوم مخاتل على سبيل المثال)، يلزم النوع على السير في طريق التحسين المستمر للبنيات، وللنجاحات وهما القاعدة التي يرتكز عليها السلوك. كما يرى في هذه المصطلحات ضرورة مواجهة مشكلة ضغوط الانتخاب، التي توجه تطور الانسان، ويقرر أنه من الممكن أن يؤكد اليوم بأن تطور الانسان منذ اسلافه الأباعد المعروفين قد حمل قبل كل شيء على التطور المتدرج للجمجمة أي المخ. حيث وجب هذا على ضغط الانتخاب الموجه والمستمر والمعضد منذ اكثر من مليوني عام. لعب الانتخاب ضغطاً عظيماً، حيث أن هذه الفترة الزمنية تعتبر قصيرة نسبية خاصة لعدم ملاحظتنا شيئا مشابها في أي سلالة اخرى: فالقدرة الجمجمية للقرود الأنثروبودية الحديثة، تعتبر صغيرة إذا قسناها بتلك التي لأسلافهم منذ بضعة ملايين من الأعوام. وهو يفترض أنه من غير الممكن عدم افتراض أنه بين التطور المتميز للجهاز العصبي المركزي للإنسان، وبين تطور التحسين الفريد الذي يميزه عدم وجود تزاوج وثيق الصلة، والذي جعل من اللغة ليس فقط منتجا، ولكن إحدى الشروط الاولية لهذا التطور. والافتراض الذي يبدو لمونو اكثر مصداقية، هو الذي بدى في وقت مبكر في سلالتنا، ألا وهو التواصل الرمزي الاكثر بدائية، عن طريق الامكانيات الجديدة -جذرياً- والتي كان يقدمها، إذ شكلَّت واحدا من هذه "الاختيارات" الأولية، التي التزمت بمستقبل النوع عندما خلقت ضغطا لانتخاب جديد، سيقتضي تشجيع النمو والتحسين اللغوي نفسه، ومن ثم العضو الذي يُستخدم ألا وهو المخ.
جان بيفيتو:
يتفق جان بيفيتو استاذ علم الإحاثة البشرية Palentologie بأكاديمية العلوم الفرنسية، مع ليروا جوران في أن الانسان في طوره الأول، أي ما قبل الانسان مباشرة تميز بصفات تشريحية، لم يكن يملكها كظهور الوقفة المستقيمة، مما كان له الأثر البالغ في تحرير اليد من كل وظيفة للدعم والتوازن، ما جعلها عضوا للالتقاط والادراك فحسب، وتبع هذا تطور حاسة اللمس -وهي اساسية- بفضل هذا الانتصاب، إضافة لكبر الدماغ، وقد حدث تأثير متبادل بينهما ساهم في تطورهما معا. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه: هل فقط تلك العلاقة الجدلية بين اليد والدماغ هي التي هيأت لتطورهما معا؟ وهنا يرى بيفيتو أن ظهور اللغة قد لعب دورا أساسيا في عملية التطور تلك، ويقوم بالرد على من يعتقد بأن الانسان الصانع قد صنع ادوات في البداية، ثم وصل بعد ذلك للفكر التصوري أي للعقل، حيث يعتقد بأنه "ربما كان الانسان، حتى قبل الانسان الصانع هو الانسان المتفاهم بالكلام أو بالإشارات. أي الانسان الذي يستطيع أن يتصل مع اقرانه. وربما كان هذا حدثاً أساسيا في ولادة النوع البشري. ولكن من الطبيعي ألا نتوصل إلى اثبات هذا الحدث، إذ اجريت دراسات تشريحية عديدة دون فائدة كبيرة، وذلك لمعرفة هل البشر الذين عاشوا في العصر الحجري كانوا يتكلمون. إن علم المستحاثات لا يستطيع الجزم بتحديد في أي فترة ظهرت اللغة. وكل ما نعرفه هو أن النوع البشري، ربما وجد منذ مليوني عام على وجه التقريب، لكنه كان موجوداً حتماً منذ مليون عام.
وإذا اخذنا في الاعتبار ما يمكن أن يمليه علينا فسيمكننا في هذه الحالة، استنتاج برهان الحياة الاجتماعية من اسلافنا القدماء، لكي نوافق لهم على امتلاكهم لآلة الاتصال المتقن. وصناعة المعدات، والانتاج، ومناقشات النار والاتفاق الضروري على الصيد ولا بد أن يفترض تبادل كبير للمعلومات، وللأنظمة، وللشروحات، وكل هذا ما كان يمكن تحقيقه دون لغة ملفوظة. ولعل ما يراه ليروا جوران في تلك النقطة يكتسب اهمية، حيث رأى أن اللغة ربما تكون قد تحسنت في موازاة مع الآلات، وتصبح هنا العلاقة بين تطور اللغة وتطور اسلوب الحياة ممكنة، إلا أن بناء كهف يصبح أكثر تعقيدا، ويبدو اكثر تنسيقا مما لا يمكننا معه تخيل إن كانت هناك لغة بدائية.
" فلغة ملفوظة حتى وإن كانت ناقصة، كانت موجودة بالتأكيد منذ خمسين الفا أو مائة ألف عام. أكثر من هذا فإن الحفائر لا تتحدث بالقدر الكافي لكي تمدنا بعناصر مؤكدة علميا .
فسيولوجية الكلام (الأسس التشريحية للغة):
يكمن الاختلاف الحقيقي بين اللغة الانسانية الملفوظة واللغات الحيوانية في الثروة العجيبة للغة الإنسانية، التي تعتبر امكاناتها شبه لا نهائية، فالإنسان وحده يعرف تجميع الأصوات (الساكنة والمتحركة) في مقاطع لفظية، والمقاطع اللفظية في كلمات ثم في جمل. من ثم يولد الكلام من تنظيم بضع عشرات من الأصوات الأساسية المرتبطة بإيقاع سريع جدا. كما تؤمِّن الحنجرة انتاج الاصوات. وهي عبارة عن مجموعة اجزاء منشأة من غضاريف، منها تفاحة آدم، وعضلات أخرى يشكل بعضها الأحبال الصوتية، المعلقة بالعظم اللامي (أي المثبت بقاعدة اللسان)، إلا أن الحنجرة لا تعرف إلا تنويع التردد عندما يمر هواء الزفير في البلعوم، ثم في التجويف الأنفي والفمي. وبفضل حركات اللسان، وحاجز البلعوم الفمي والشفاه، تسمح التغيرات الخاصة بهيئة هذا المسار الصوتي بتنويع الاصوات .
وبصورة أكثر دقة فإن الكلام الإنساني يولد من أصوات فظة تتحول إلى سواكن أو متحركات مجمعة في كلمات. تصدر الأصوات الفظة عن الحنجرة والتي هي قفص الرنين الصوتي عن طريق زفير الهواء، الذي تحتويه الرئة التي تعمل على ذبذبة زوج من الأحبال الصوتية المرنة. بينما تعطى هذه الأصوات شكل الخطاب عن طريق الفم، والأسنان، والحاجز، واللسان، والعضلات الوجهية. ويقدر طول قفص الرنين الصوتي حوالي ٤سم، ويعتبر جزءا من القنوات التنفسية العليا. ويقع في شكل علبة مثلثة مكونة من أربعة غضاريف اكثرها بروزا تفاحة آدم -كما رأينا- أو الغضروف الدرقي. وكلها متصلة بعضلات واربطة عظمية. من كل جهة بداية من فم الحنجرة (فتحة الحنجرة تحت اللسان ونحو الخلف) حيث توجد ثنيتان من نسيج يشكِّل الأحبال الصوتية، مثبتين بالغضروف الدرقي بالأمام، وفي الخلف بزوج من الغضاريف الصغيرة. وعندما يتكلم الانسان أو يغني يمر الهواء على الأحبال الصوتية ويعمل على ذبذباتها، وعندما يتعدل تردد الذبذبات (وهو ما نفعله عندما نقوم بتحريك الأحبال عن طريق العضلات، وعند ملاقاتها بالغضاريف الصغيرة) نعدل طابع الاصوات التي نشكلها . وكان من الطبيعي أن يعود الأنثروبولوجيون إلى الحفائر الانسانية ليحاولوا تحديد تاريخ ظهور اللغة الملفوظة. فلسوء الحظ، فلا الغضاريف ولا العضلات يمكنها الاحتفاظ بحالتها لفترة طويلة بعد الموت. لذا كان ينبغي الاعتماد على اعادة تركيب هذه "الأجزاء اللدنة" على اساس التشريح العظمي، مثل الواجهة الداخلية للفك السفلي، وحاجز التوجيه لشوكة اساس الجمجمة.
ويعتقد الباحث الأمريكي P. Liberman أن الوضع الأعلى للحنجرة والتشكل غير المكوع للقناة الصوتية للإنسان النياندرتالي وحسب منذ مائة الف عام كانت تشبه كثيرا المواليد اكثر من الراشدين في ايامنا الحالية، ولذا يعتقد أنه كان مستحيلا عليهم نطق بعض الحروف المتحركة. بينما يرى في رجل استراليا القديم منذ مليون عام، أن قناته الصوتية كانت تشبه لحد كبير قناة القرد الصوتية، وبهذا يؤكد أن اللغة الملفوظة كانت ممنوعة عليه، وهو يرى في افكاره تلك بأنها مجرد افتراضات، حتى وإن بدت مبرهنا عليها بشكل كاف.
وهناك طريق آخر للبحث في لغة انسان ما قبل التاريخ، وهو لا يشمل دراسة الناحية الميكانيكية، ولكن دراسة الطلب والتنسيق مع الجهاز العصبي. فاللغة الانسانية مرتبطة بقشرة الدماغ العصبية وتطورها، خلال التطور الانساني، ومن ثم تزايدت الإمكانات مثل كل حركة معقدة، فنشاط المناطق القشرية الدماغية التي تحكم عناصر مختلفة منتجة للغة، تعمل بالتنسيق مع مركز وحيد. ويقع مركز اللغة في الجزء الأيسر من نصف الدماغ لدى من يستخدمون اليد اليمنى، وهو ما نسميه مركز بروكا Broca، وهو اسم العالم الفرنسي الذي اكتشف هذا المركز في سنة ۱۸٦١، وأظهر أن خلله يؤدى إلى الحبسة الكلامية (فقد القدرة على الكلام)، أو فقد النطق. منطقة بروكا توجد أيضا لدى كل الحيوانات البدائية إلا أنها ليست متطورة إلا لدى الانسان. وقد حاول العلماء البحث عنها في حفريات الانسان القديمة. ويعتقدون في نمو سطحه منذ انسان الهابيليس Homo Habilis منذ مليوني عام، وكان عليه أن يحوز من قبل على لغة أكثر تهيئة من تلك التي للقرود .
علم النفس اللغوي (Psycolanguistique) :
بعد أن تعرضنا للأسس التشريحية للغة من خلال قنوات الصوت التي تشكلت بيولوجيا، نننتقل هنا إلى الكيفية التي تُصنع بها اللغة من خلال علم النفس اللغوي، حيث اهتم علماؤه بالإجابة على سؤال طبيعة العلاقة التي تتم بين العمليات العقلية والاليات العصبية التي تعمل على انتاج اللغة. فاللغة كوسيلة اتصال مميزة بين الآدميين تدخل في علاقات وثيقة مع الفكر، وهي مرتبطة لحد كبير بالنظام البيولوجي، فاللغة هي واحدة من طبائع العقل البشري. ولا تعرف مجتمعات انسانية خالية منها، واللغة بطبيعتها تشكل مركزاً تنصب عليه الأبحاث من مجالات مختلفة، تكشف عن مجال العلوم العقلية وهي بالأساس: علم النفس، وعلم النفس العصبي neuropsycologie وعلوم الأعصاب العقلية neurosciences Cognitives وهي علوم يمكنها بداية من مقاربات متباينة وتكاملية أن تسهم في معرفتنا بملكة اللغة.
وفي الستينيات وتحت التأثير المزدوج للنظريات اللغوية الصورية وللمقاربة الوظيفية في علم النفس، ساعد هذا على خلق علم النفس اللغوي كعلم عقلي قطع مع تراث السلوكية behavioriste الذي كان يدعى بأنه أخذ بعين الاعتبار كل أشكال السلوك، عندما اقتصر في مرجعيته على علاقة: المنبهات / الاجابات. وكانت تبحث المقاربة الوظيفية في المقابل عن معرفة: كيف يمارس النظام العقلي وظيفته لكي يحدد السلوك الملاحظ، مستلهما في ذلك خطوة الحاسبات الآلية التي ارتبطت بوصف طبيعة العمليات الداخلية لعلاج المعلومات.
ويرى جوان سيجي مدير معمل علم النفس التجريبي بجامعة باريس، أن هذه العمليات الداخلية تقدم نفسها كعمليات تحول تنسحب على التمثيلات العقلية. وفيما يتعلق بالنظريات الارتباطية Théories Connexionnistes يرى أنها تواجه التنظيم العقلي، تحت شكل قناة لوحدات العلاج المرتبطة فيما بينها بشدة، كطوفان من المعلومات بين الوحدات من مستويات مختلفة، ويضيف أن الاهتمام ينصب على الطبيعة التفاعلية للعمليات العقلية. وعلى الرغم من الاختلافات الكبيرة في دراسة السلوك العقلي بين النظريتين إلا أن سيجي يرى أن المقاربة العقلية الكلاسيكية، والطريقة الارتباطية يتعايشان معا في الوقت الحالي، ويمدوننا بالافتراضات والمعطيات الجوهرية لدراسة التعقل.
والملاحظ أن هذه النظريات تطبق في مجملها على المرضى العقليين، مما نكشف معه يوما بعد يوم تفاصيل كثيرة عن وظائف الدماغ وعلاقتها بالسلوك اللغوي، وما يتم في هذه العملية المعقدة التي تبدأ في الغالب بالتحليل البصري للصورة، ثم يتم الانتقال إلى التمثيلات البنيوية للأشياء الدارجة للشخص، بعدها يتم الانتقال للنظام السيمانطيقي، الذي يؤدي بدوره إلى المفردات اللغوية والتي في سبيلها للخروج وهو ما يشكل الصورة الصوتية للكلمات، بعدها يتم النطق بالكلمة المعبرة عن الصورة البصرية.
ويبدى سيجي بعض ملاحظاته العلمية التي تنحصر في أن تغيرات معدل الكهرو بيولوجي في المخ، يبدو حساسا لطبيعة المعلومات اللغوية التي تتم معالجتها (صوتية وسيمانطيقية ونحوية، . . . الخ). ويشير بأن تعالج هذه المعلومات اللغوية عن طريق مكونات المخ المتباينة. ويعتبر هذا الافتراض بالخصوصية مطابقا لافتراض تغييرية مركبات المعالجة، وهي متقدمة عن طريق عمليات القولبة العقلية. كما يشيد سيجي بالاستخدام الحديث لصور الأشعة المقطعية، التي أمدتنا بمعلومات مهمة حول تطور النشاط العصبي في كل لحظة من لحظات المعالجات اللغوية، ومن هنا استطعنا بكثير من الدقة تحديد المناطق العصبية المنشطة بكلمات مختلفة في وظيفة قولبتها التمثيلية (بصرية، سمعية) ومعالجتها التنفيذية (استقبال سلبي، ترديد الكلمة، انتاج الكلمة بشكل سيمانطيقي معاون) .
ثانيا: مقارنة اللغة الانسانية باللغة الحيوانية:
يغلف هذه المقارنة نوعان من المشكلات لم يتفق عليها حتى الآن، وتعتبر اولي هذه المشكلات أن المقارنة بين اللغة الحيوانية ولغة الانسان دائما ما تكون معقدة، حيث أن تحديد الموقع المتميز للغة الإنسانية بشكل أكثر دقة لن يتأتى إلا بمعرفة شديدة التميز بخطوط سير الرسائل الحيوانية، اكثر مما نعرفه الآن وهو ما يتحدد في أن وسيلة الاتصال بين الحيوانات المختلفة تنقسم إلى اربعة اشكال أساسية: الرائحة والصوت والضوء، ونهارا اللون كما في الفراشات والعصافير، ولن يتأتى أيضا إلا بتقدم علم اللغات العام، والتأكيد على ظاهرة التمفصل Articulation المزدوج الذي يؤسس ازدواجية الوحدات المتميزة والوحدات ذات الدلالة، وعلى ازدواجية المصطلح وقواعد النحو، وتتعلق ثاني تلك المشكلات بأصل العلامات L origine des signes ، وهي اشكالية فرضها الواقع العام للتطور، وتبدو شديدة الغموض، إذ كيف يمكن الانتقال من اللغة الحيوانية إلى اللغة الانسانية؟ فنجد أن الاتجاه المناهض للنزعة التاريخية لعلم اللغات البنيوي، يميل إلى وضع مشكلة اصل العلامات تلك بين قوسين، وهو ما فعله تراث النزعة الرومانسية الفلسفية مثلما فعلته النزعة التجريبية. إلا أن المشكلة قد تقدمت في اتجاه آخر عندما تم الربط، بين تأسيس العلامات وبين الأداة وبين القانون الاجتماعي، وعلى وجه الخصوص منع ارتكاب المحارم الذي يميز المشارك الجنسي المسموح به من قبل الأبوين، ولعل مؤلَّف اندريه ليروا جوران في هذا الخصوص، مؤلفا مهما لأنه حاول أن يقرب بين تأسيس التكنولوجيا واللغة والناحية الاجتماعية وفي الوقت نفسه .
لغة الانسان واللغة الحيوانية وتاريخ العلاقة:
الحقيقة أن هذه المشكلة لم تكن وليدة اليوم، بل شغلت كثيرا من الفلاسفة، وعلى رأسهم ديكارت (١٥٩٦١٦٥٠)، الذي اهتم بالتفرقة بين لغة الانسان والحيوان، فاستخدم الكلمات والاشارات ليستبعد كلام الببغاوات، ورأى أن الأبكم يستخدم الاشارات بنفس الطريقة اللي نستخدم بها نحن الصوت، ويرفض أن تكون تلك الاشارات والكلام تعبير عن أي انفعال، فيستبعد صيحات الفرح والحزن وما يشابههما، وكل ما يمكن تعليمه لحيوانات بشكل متصنع "لأننا لو علمنا عصفورا ثرثارا أن يقول صباح الخير لسيدته عندما يراها مقبلة ناحيته، لا يمكن أن يكون إلا عندما نقوم بتحويل هذه الكلمة إلى حركة لبعض من انفعالاته، أي ستكون حركة للأمل في أن يكون لديها طعام، إذا ما عودناه دائما أن نعطيه بعضا من المكافأة عندما يقولها. وهكذا -حسبما يرى ديكارت- كل الاشياء التي نقوم بتعليمها للكلاب، وللخيول، وللقرود، ليست إلا حركات لخشيتها، لأملها أو لفرحها، بمعنى أنها تقوم بفعله دون أي تفكير يذكر. ولهذا يبدو له كملاحظة جديرة بالأهمية أن الكلام [. . .] لا يناسب سوى الانسان وحده" .
ويعتمد ديكارت على مونتاني Montaigne وشارون Charon على اقرار الحقيقة السابقة، وبخاصة في تأكيدهما على الاختلاف الواقع بين البشر وبعضهم من جهة، وبين البشر والحيوان من جهة أخرى، ويركن ديكارت على مشاهداته الشخصية والتي لم يعاين فيها ابدا أي حيوان قد استخدم بضع اشارات لكي يتفاهم مع حيوانات اخرى شبيهة له على ما ليس له علاقة بانفعالاته، بينما في المقابل يرى أن الإنسان حتى ولو كان ناقصا كالأصم والابكم، فهو يخترع اشارات خاصة يعبر بها عن افكاره، مما يبدو له "حجة كبرى للبرهنة على أن ما لا يجعل الحيوانات تتكلم مثلنا هو انه ليس لديها افكارا وليس لأنها تفتقد لأعضاء تتحدث بها. ولا نستطيع أن نقول بأنها تتكلم فيما بينها، ولكننا لا نسمعها، لأنه مثل الكلاب وبعض الحيوانات الأخرى التي تعبر لنا عن انفعالاتها كان يمكنها أيضا أن تعبر عن افكارها إن كان لديها أفكار" .
ولا يرى جيرو دي كوردموي Géraud de Cardemoy (١٦٢٠ – ١٦٨٤) فارقا جوهريا، بين ما يقوم بترديده الببغاء وصدى الصوت الذي تحدثه صخرة ما، سوى في أن الصخرة تعيد إلينا نفس الصوت وبنفس الانطباع، بينما يشكِّل الببغاء صوتا آخر مشابها لذلك الذي قرع مسامعه، ويقرر إذا كان لا يستطيع الادعاء بأن الصخرة تتكلم فلن يجرؤ أيضا بنفس القدر على التأكيد بأن الببغاء يتكلم، ولكنه يردد الصوت. إذ يرى أن التكلم ليس ترديد نفس الكلام الذي سمعناه، ولكنه القدرة على انتاج غيره، ومن هنا يقرر بأن الببغاء لا يفكر وهو هنا يتفق تماما مع ديكارت.
إلا أنه وإلى جانب ذلك الرفض القاطع لتلك المماثلة، نجد أن النزعة الطوطمية كانت أقدم ما جمع بين الانسانية والحيوانية إضافة، لكتب الحيوان في القرون الوسطى التي استفادت بالأبعاد الحيوانية انسانياً خاصة فيما تعلق بالأخلاق والسياسة، حيث قدم علماء الأخلاق للإنسان دروسا من الحيوانية في لغة أخلاقية، ولا ننسى في العالم الاسلامي "كليلة ودمنة"، وغيره من الكتب التي كرست هذا المفهوم واخذ الحكمة من افواه الحيوانات. وقدم الانسان منذ القديم في حكاياته الحيوان في معالجات مختلفة مرة كشخص انساني، واخرى كمتجاوز للإنسانية، ومرة ثالثة ككائن لم يتخط حد الإنسانية (تحت انساني). اكثر من ذلك اوضح لنا مارسيا إلياد أن الشاماني يقوم باستخدام اللغة السرية للحيوانات لكي يبلغ المدارج العليا، فيبدأ في البحث عن مقابلة الحيوان ليكشف له عن اسرار العالم، ويعلمه الحكمة كما يعلمه دقائق مهنته. فالحيوان يعتبر -لدى الشاماني- هو الوسيط والرسول لكل الاماكن الاصلية. ومن هنا في وسع هذا العالم الحيواني -دائما من وجهة نظر الشاماني- المقدرة على اعطاء دروس مليئة بحكمه البسيطة والتنبؤية للإنسان.
وإذا كان هذا هو المتخيل لدى الشاماني، فإن العلم الحديث لا يبتعد كثيرا عندما يرى أن الاقتناع المنتشر بين الناس، بأن الحيوان فاقدا للقدرة على الكلام، وبأن هناك شعور بمحيط من الاظلام الصامت يحيط بالعالم الحيواني، يحاول أن يخفي الحيوانية دائما في غموض المعني ويقصر الكلام الملفوظ، والمعنى والفكرة على الانسان، لا يبتعد العلم كثيرا خاصة بعد أن أثبت علم الاخلاق أن انظمة الاتصال المتعدي للخصوصيات، ما بين الخصوصيات أنظمة معقده، ومن ثم لم يعد لأطروحة الصمت الحيواني ما يبررها. إضافة إلى أن النزعة العرقية الانسانية humano centrisme ومن خلفها استراتيجيتها الدفاعية، كثيرا ما يخلطان الأوراق، إذ ينبغي التمييز بعناية بين الاتصال البسيط واللغة الحقيقية، التي تكمن خصوصيتها في وظائفها مثل الوظيفة الحكائية التي تفترض الاستقلال في مواجهة الاطار العام، كما تحمل في بنيتها تلفظا مزدوجا، وقائمة للقواعد النحوية .
لقد كان من اهم خصائص العصر الحديث هو الانتقال، الذي تم للبحث العلمي من مرحلة الأسطورة والتأمل الفلسفي إلى مرحلة التجريب المعملي، فاهتم العلماء والباحثون من العلوم النفسية واللغوية بإذا ما كان القرد قادرا على تعلم اللغة الإنسانية، وتعود المحاولات الأولي للاتصال بالشمبانزي إلى عام ١٩٦٦ في الولايات المتحدة، على يد الين وبياتريس جاردنير Gardner، وديفيد بريماك، Premack وروجيه فوتس Fouts، وبيني باترسون Patterson وآخرين. في البداية حاولوا تعليم الشمبانزي اللغة الإنجليزية دون نجاح يذكر، لأنه إذا ما كان القرد يستطيع أن يفهم عديدا من الكلمات، إلا أنه غير قادر على نطقها فيما عدا ثلاث أو أربع كلمات، وبعد تجارب معملية عديدة على صغار الشمبانزي وإخفاقها ايقنوا بالدليل العلمي، أن تشريح الجهاز الصوتي لهذه الحيوانات ادى لعدم مقدرتها على تقليد اي صوت انساني، مما منعها من اكتساب لغة الحديث، وكان لهم السبق في اكتشاف ذلك والاعلان عنه، وربط هذا الاخفاق بالأسباب الفسيولوجية المحضة، التي تتعلق بتشكُّل حنجرة الحيوانات. إلا أن العلماء قد عاودوا التجربة مرة أخرى مع اختلاف التقنية في هذه المرة، حيث قاموا باستخدام الاشارات التي يستخدمها الصم والبكم في الولايات المتحدة L Ameslan بمساعدة رموز مستقاة من مواد بلاستيكية ومرئية، وقطعا على مربع حروف الحاسب الآلي وبمساعدته، وراعوا تطبيق الشروط العلمية الأساسية اللازمة للتبادل اللغوي مثل وجود الراسل والمستقبل والرسالة فيما بينهما، مما سمح لبضع عشرات من الشمبانزي والغوريلا اكتساب مفردات اساسية، وأن يظهروا قدرتهم على المحادثة فيما بينهم، وبين الآدميين. وللوصول لهذه النتيجة لم يكن على المعلمين أن يتحلوا بالصبر والولع فحسب، ولكن كان عليهم أيضا أن يجمعوا بعض الشروط الابستمولوجية، مثل التخلي عن أطروحة الهوية بين اللغة والكلام الصوتي، والتخلي عن الهيمنة الممنوحة لوظيفة تمثيل اللغة، واسبقية البنية النحوية، لكي تعترف بأن لدى الإنسان أيضا طابعا اول ومحدد لوظيفة الاتصال .
وبالرغم من الاشكالية التي تظهر في كل مرة، وهي غياب الحافز لدى القرد، إلا أن النتائج التي حصلوا عليها كانت رائعة. حتى وإن لم يكن الحيوان يضيف أي "كلمة" جديدة للغة التي تعلمها، إلا أنه قد توصل إلى تداول أسماء الأشياء وأيضا الصفات، والأفعال، وحتى العلامات المعقدة. ويمكن القول إن كان هذا مازال موضع نقاش أن الشمبانزي يملك القدرة على عملية اعطاء الرموز Symbolisation والتي اعتُقد طويلا، إنها خاصية مقصورة على الانسان، إذ عرف القرد أن يطلب فاكهة ما حتى إذا ما كانت الفاكهة غير موجودة في الحجرة، فهو قادر على التعرف على حجمها ولونها، وقادر على التعبير بنظام، وعن الرفض، وأن يطلب اسم لشيء ما. وهذا ما برهن على قدرته على ادراك وربط مفاهيم المجردة. ولعل ما كان اكثر ادهاشا للمراقبين أن الشمبانزي عندما يتداول بشكل جيد تعبيرا ما فإنه يستعمله بعفوية فيما بينه وبين أقرانه، حتى في ظل غياب من يقومون بالتجريب عليه.
هذا وقد أظهر العلماء بعد تجارب عديدة أن قدرة الإدراك التراتبية بداية من الأصوات الطبيعية أو الصناعية يمكن للقرود ادراكها، وهو ما سمح بأن يستخلصوا أن القرود تستطيع أن تتعرف داخل فهرس مرتب ومدرج، على تراتبيات صوتية مختلفة تبعا للمدة أو لطابع تنميط المحطة المرسلة. هذه الاختلافات لديها أو مؤهلة ليكون لديها معان وظيفية. حيث كشف التحليل الوظيفي أن الصيحات التي يصدرها القرد، من الممكن أن تكون لديها وظائف مختلفة تبعا للظرف الذي اصدر فيه الصيحة، لذا قام الباحثون بتسجيل كل اشارة وتأثيراتها، كما استطاع باحثون آخرون عن طريق منهج آخر تحقيق تقدم في هذا البحث، عن طريق تسجيلاتهم (البيوتليمترية biotélémetrique القياس المرئي البيولوجي) لأفراد قطيع كامل من القرود، مما سمح بالإحصاء الكمي لكل الاشارات التي تبودلت بين افراد القطيع. وتوصل العلماء أيضا إلى أن ما يجعل وظائف الصيحات دائما غير متغيرة، هو ضرورة ارتباطها بمبدأ المحافظة على البقاء، وهو مبدأ يشملها جميعا في ضرورة الوصول لأماكن الطعام، والدفاع عن نفسها ضد المهاجمين، وضرورة تناسلها وتربيتها لصغارها، كما اكتشفوا وجود وظيفة اخرى اجتماعية، تمثلت في المحافظة على بقاء النوع، واقتضى أن يكون هناك نوع من تنسيق الأنشطة الروتينية للوحدة الاجتماعية، والتمسك بالعلاقات بين كل افرادها. من هنا كان الكم الكبير من الصيحات شديدة التنوع والتي تشارك في تنظم حياة القطيع، ويصاحب الصيحات عموما حركات تقليد واوضاع جسمية، تعطي معلومات بصرية وتبادلات لمسية أو شمية. وصنف الباحثون نتائجهم تلك في مرتبتين: الأولى وهي تلك التي تترجم علاقات "سلبية"، وتعمل على اشارة زيادة المسافات وتتمثل في الصيحات المصاحبة للسلوك العدواني، بينما ترتبط الثانية بعلاقات "ايجابية"، وتعمل على التقليل أو التمسك بالمسافات بين افراد القطيع. وعلى الرغم من هذه التحليلات التفصيلية إلا أن العلماء قد أدركوا بأنهم لا يستطيعون فهم كل المعاني من هذه الصيحات، المرتبطة بالعلاقات الداخلية بين افراد القطيع. كما أنهم ما زالوا يجهلون الدور الذي تلعبه تلك الصيحات، في الفعل وفي التماسك، وفي تقوية الوحدات الاجتماعية، وبخاصة لدى الأنواع المتقدمة جدا من الناحية الاجتماعية كالغوريلا والشمبانزي .
لقد حاولوا البحث جديا لدى هذه الأنواع عن شذرات اللغة، وهم يعلمون أن اللغة لدى الانسان ما هي إلا تملك شفرة للعلامات الصوتية المعقدة، التي تحدد عناصر الوسط الخارجي وتفاعلات هذه العناصر، ويعلمون أيضا أن تعلم هذه الشفرة والذي يتشكل خلال تطور الفرد، يصبح موضوعا تحت تحكم قشرة الدماغ. وإن هذا لا يمكن أن ينطبق على الرئيسات الحيوانية غير الانسانية، والتي أظهرت مجمل الدراسات أن السلوك الصوتي لديها، يرتبط بشكل اساسي بمظاهر تحت - قشرة الدماغ. فالتدخل الضعيف جدا لقشرة الدماغ الجديدة Neo - Cortex تعني أن القرود، لا تستطيع ممارسة التحكم الارادي لتعبيراتها الصوتية. فالقرد الصغير كالطفل الانساني تماما، لا يرسل اصواتا إلا لجبرية تحت قشرية: إلا أنه بخلاف الانسان الصغير لا يستطيع أبدا، أن بتخطي هذه المرحلة وينجح في يوم ما في تقليد واعادة انتاج الأصوات الملفوظة، لذا فقد رأى الباحثون أنه إذا ما كان التحكم القشري لدى الرئيسات الحيوانية ضعيفا في انتاج الارسالات الصوتية، فإن ما يتبقى لهم هو البحث عن أي البنيات العصبية يتعلق بهذا الأمر. كما اعتقدوا في أن التنبيه المعطى والآتي من وسط خارجي أو داخلي، يثير تعديلا نفسيا للحيوان ويدفع على اصدار نوع معين من الصيحات. ويؤكد الباحثون على رؤيتهم لعلاقات وثيقة بين الاتصال الصوتي والتنظيم الاجتماعي للقطيع. مع ذلك لا ينبغي اعتبار العلاقات الصوتية مستقلة عن العلامات الأخرى، مثل البصرية واللمسية والشمية. إذ أنه بالفعل وفي حالات كثيرة يكون الاتصال متعدد الصيغ: إن ما نلاحظه لدى عديد من الأنواع، في سلوك للتعانق المشترك مثلا هو نفسه، عندما يأخذ الحيوان شريكه بين ذراعيه (علامة لمسية) ، ويتشممه (علامة شمية)، ويصدر نخيرا خافتا (علامة صوتية) مكشرا أو مصفقا لشفتيه (علامة بصرية). وعندما تتقابل الحيوانات المتفاعلة في مسافة وسطى فإن الصيحات تستخدم بشكل أساسي، في جذب انتباه الشريك ليرتبط بعد ذلك بالعلامات البصرية أو لتقويتها لديه، بدلاً من العلامات الصوتية، ويتبدى ذلك في حالة السلوك العدواني الذي يرتبط التهديد فيه بالصيحة. كما يرى الباحثون أيضا بإن من الصعوبة الاقرار من وجهة نظر نظرية، ما يشكل أو لا يشكل فعل الاتصال، ويتساءلون إذا ما كان من الواجب أن نفهم في هذه المرتبة أن العلامات، التي تثير إجابة واضحة لدى الحيوان المتجانس مع نظرائه، هي اجابة تؤكد أن الرسالة قد وصلت؟ أو ما إذا كان ينبغي علينا الاعتقاد مثل سميث W , J . Smith أن كل تغير في المستقبل -بما فيه كل تعديل- "عقلي" يشكل اجابة، ويرون إذا ما تبنينا وجهة النظر تلك فعندئذ فإن الكل سيأخذ قيمة العلامة، حتى خصائص الجانب التشكُّلي للحيوانات .
كما يرون أن الرسالة المحولة عن طريق علامة محددة، تعطى لمن يستقبلها عديدا من المعلومات الزائدة المرتبطة بإطار ارسال العلامة، وهي تعني اطارا مباشرا (على سبيل المثال حضور أو غياب شريك ما حبيبا كان أو عدوا)، كما تعني اطارا تاريخيا (مجموع الخبرات المعيشة للحيوان المستقبل مع المرسل). بمعنى أن وصف الفهرس الصوتي أو حتي وصف مجمل فهارس العلامات، لا يمكن أن تكفي عند الأخذ في الاعتبار رقة المبادلات، التي تنظم الحياة الاجتماعية للقرود وتنسج قناة علاقاتهما ضمن قطيع، يمكنها العيش بداخله على مدى عشرات السنين. وإذا ما كان مؤكدا أن القرود "لا تتحدث"، فمع ذلك فإن لديها كثيرا ما تقوله فيما بينها.
ولعل نعوم تشومسكي) Noam Chomsky 1928(قد تنبه منذ فترة طويلة، بل قبل اجراء التجارب السابقة إلى تحديد وفهم وجهة النظر الديكارتية، التي اعتبرت أن اللغة خاصية انسانية، إذ أقر بصحة هذه الملاحظة لأنه وجد في ادنى درجات مستويات الذكاء لدى الانسان، بل على المستوى المرضي بأن هناك سيطرة على اللغة، تخرج عما في قدرة القرد الذي يستطيع تحت علاقات أخرى أن يتخطى الانسان الغبي، فيما يتصل بالقدرة على حل المشكلات أو سلوك آخر خاص بالتكيف. كما رأى تشومسكي أن أهم صفات اللغة التي تمسك بها ديكارت واتباعه من بعده هي المناقشة، وهو ما يسميه تشومسكي " بالبعد المبدع لاستخدام اللغة "، حينما يضيف أبعاده الثلاثة على اللغة وهي: الجدة La Novatrice، والتحرر من أي تحكم ، وأخيرا الترابط المنطقي La cohérence أي المطابقة Adequation مع كل موقف .
مع ذلك فإن الأمل الذي يبقى للعلماء لتحقيق تقدم جد اساسي في ميدان مقارنة اللغة الانسانية باللغة الحيوانية، هو الاعتماد على علم إحاثة المعدات Palentologie de L outil ، إذ طالما لا يوجد علم إحاثة لغوي فإن علم احاثة المعدات عندما يُربط باللغة وعلى قاعدة فهم أفضل لقواعد نحو الدلالة La Syntaxe du geste، ومشكلة أصل اللغة، يمكنه أن يساعد في تحقيق تقدم في هذا المجال الإشكالي.
بين الحيوان والانسان وارتباط اللغة بالوظيفة:
كثير من الحيوانات قادرة على أن ترسل أصواتا ذات تموجات ودرجات متفاوتة، مما شد انتباه المتخصصين واستطاعوا بفضل عمل التسجيلات المزدوجة لها، وتحليلاتها الرقمية تمييز بضع عشرات من التنويعات في "اللغة" الطبيعية للشمبانزي، والدرفيل الذي يقوم بالاتصال بطريق صوت خفيف، وهو ما يبرهن على امكانية عالية. وتنحصر الوظائف الاساسية للغة لدى اللبونات في التعبير عن المشاعر أو الاحساسات مثل الرضا أو الهلع، والدور الاجتماعي للإنذار أو الاحتراس. ويتحدد طابع اللغة الحيوانية تبعا لوظيفته، فلغة النحل (الرقص) مقصورة على الوصف، ولغة الشمبانزي تعبر بشكل اكبر عن حياته الداخلية، والتساؤل الذي يطرح نفسه: هل في لغة الانسان اكثر من هذا؟ وتقول الاجابات الكلاسيكية، نعم كالقدرة على ارسال رموز، وافكار، ومفاهيم مجردة، إذ من الممكن أن نترجم لبعض اللغات الحيوانية جملة مثل : "اعطني تفاحة"، ولكن أيا من تلك اللغات الحيوانية لا تملك القدرة على التعبير عن جملة مثل: "أعتقد أنه يعلم أني افكر فيما قاله" . وليس مؤكدا أيضا أنه اختلاف في الطبيعة، فالقدرة على عملية اعطاء رموز ليست دون شك كلية غائبة عن الحيوانات. ولغات المجموعات "البدائية"، تتجه بشكل كبير نحو الجسد. يمكننا الاعتقاد أن تلك الابعاد للغة الانسانية كامتداد للمفردات قد تطورت باضطراد بمقدار الحاجة التي تمر بها، أو ببساطة كانت تنمي المعارف، والثقافة والوقت المكرس للأنشطة غير الحيوية. فثمة اختلافات نراها في نفس المجموعة المنتمية لأصل واحد في قدرات التعبير الشفوي. وهذا ممكن لأن اللغة وتعلمها يبدأ قبل الميلاد، لدي الجنين الذي يستمع لوالدته إلى ثرثرة الكلمات الأولى ثم الى الجمل، وهذه العملية تسير في انسجام مع التطور الفسيولوجي للعقل ولأجهزة الصوت. ولا يعرف الباحثون بالضبط كيف يتم هذا النضج، إلا أن المؤكد أن هناك تفاعلا وثيقا في ماضي الطفل، بدونه يصبح تعلم اللغة شبه مستحيل .
آفاق الدراسات في فلسفة اللغة بيولوجيا:
إن اكتشاف طاقم الشفرة الوراثي Le Code génétique في السنوات الأخيرة، يعد حدثا غاية في الأهمية بالنسبة لفلسفة اللغة، وهو ما يتشابه لحد كبير مع الشفرة الشفاهية Le Code Verbal دون أن تكون هناك أي علاقة عضوية فيما بينهما، بل اكثر من ذلك فإن طاقم الشفرة الوراثي، ليس لديه أي تشابه مع أي انظمة اخرى سيميوطيقية إنسانية، أو مع أي نظام اتصال حيواني. وتعتبر الجينة gene وحدة عنصرية للكروموزمات Chromosomes وهي بدورها عبارة عن الصبغيات الموجودة في نواة الخلية، وهي مكونة من عنصر يسمى ADN وهو الوحدة العنصرية للمعلومات الوراثية، وتحتل كل جينة موقعا محددا على الكروموزم وهي تقوم بتحويل الخصائص الوراثية للكائنات الحية، وتوجه الجينات بشكل اساسي إلى تخليق البروتينات. بينما يعتبر علم الوراثة أو الوراثية génétique علما للوراثة، إضافة إلى أنها صفة كل ما يعود على الجينات والوراثة . ويعتمد طاقم الشفرة الوراثي على وحدات منفصلة، بعدد الحروف الأبجدية، وهي وحدات مجردة من المعنى مثل الأصوات phonèmes، وتعمل على تنظيم معنى يمكن مقارنته بمعنى الكلمات، وهي وحدات ذات دلالة بحد ادنى من اللغة، وتنتظم هذه الكلمات في جمل عبارة عن رسائل جزيئية moléculaire مسجلة بطول الكروموزمات، والغريب أن هذه الرسائل تقدم تنظيماً وترتيباً تدرجيا، يمكن مقارنته بقواعد النحو وهو تفاعل منظم، إضافة إلى أنها تذكر بظاهرة التخاطب. وكان طاقم الشفرة الوراثي يومئ إلى الوظيفة التقديرية المبرمجة للغة، وكأنها استعادة لإشكالية الغائية Teléolgie عن طريق مصطلحات، تتصل باللغة بقدر ما تتصل بطاقم الشفرة الوراثي مثل: التشفير codage ورفع التشفير D’ecodage.
هكذا تشكل اللغة على المستوى البيولوجي، مثلما تشكل على المستوى الانساني نظاما غائيا بامتياز. لكن فيم التشابه؟ هل هناك بالفعل مماثلة بين بنية شفرة الطاقم الوراثي، وبنية الشفرة الشفاهية الانسانية؟ حاول جاكوبسون Jakobson من قبل، الاجابة على نفس هذا السؤال فقال: "إنه لمن المشروع السؤال عما إذا كان التماثل في الشكل isomorphisme لهاتين الشفرتين المختلفتين، الوراثية والشفاهية، يمكن شرحه عن طريق تقارب بسيط يعزى إلى الحاجات المشابهة، أو ما إذا كانت أسس البنيات اللغوية تبدو مموهة في الاتصال الجزيئي، ولا يمكنها أن تكون مقولبة على المبادئ البنيوية لأسس بنيات طاقم الشفرة الوراثي" .
إن هذه المماثلة وإن لم تكن البنيات ذات طبيعة واحدة أو صدرت إحداها عن الأخرى. إلا أنها قد دفعت البحث العلمي إلى آفاق لا يعرف أحد مداها، إذ تم استخدام الشفرة الشفاهية للإنسان (البصمة الصوتية)، مثلما تم استخدام طاقم الشفرة الوراثي، الذي ميز البحث الآن في المعامل خاصة في مجال الهندسة الوراثية، وما يحمله هذا من آفاق تتجاوز خيال الإنسان، ولسنا هنا بصدد عمل حصر لتطبيقاته، التي يعتبر من أقلها استخدامه حديثا في التمييز بين الأفراد، بطريقة غاية في التقدم والدقة، فاستخدم بوليس الأدلة الجنائية طاقم الشفرة الوراثي في البحث عن مرتكبي الجرائم، كما استخدمت البنوك الشفرة أو البصمة الصوتية، في المقابل للتمييز بين حسابات عملائها عن طريق التليفون، بل تقدمت بحوث الحاسب الآلي حيث استطاع العلماء استخدام شفرة الصوت الخاصة بكل انسان، ليستطيع أن يُملي على الحاسب النص الذي يريد كتابته وطبعه، وإذا بالحاسب يتعرف على شفرة الصوت ويقوم بالكتابة والطبع، دون ادنى مجهود من الانسان. كما استخدمت شفرات الأصوات لتأمين مداخل ومخارج الشركات والمصانع الكبرى، كما تم استخدامها أيضا في تحريك الاشياء عن بعد Télécommand.. الخ، وجارى تطبيقها في مجالات أخرى عديدة وشديدة الحساسية.
أخيرا هل يمكننا القول بأننا قد وضعنا ايدينا على عناصر هذا الموضوع الشائك والمتشعب؟
لا ادعى ذلك فطبيعة الموضوع نفسه تنكر هذا الادعاء، ما قمت به كان مجرد محاولة لتقديم الموضوع من طريق مقاربة فلسفية، ربما نجحت وربما لم تحقق النجاح المأمول، إلا أنها على كل استطاعت أن توجد الصلة العميقة، بين موضوع اللغة والبيولوجيا، وهو مالم يحظ بالدراسات اللائقة لدينا.



#مجدي_عبد_الحافظ_صالح (هاشتاغ)       Magdi_Abdelhafez_Saleh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مستقبل الاستشراق: ملاحظات أولية
- التعليم الديني والحس النقدي: رؤية تحليلية على خلفية المواطني ...
- المشروع المجتمعي الحضاري عند محمود أمين العالم
- ثقافة الهوية بين التشرنق والانفتاح: مدخل فلسفي
- المشروع الحضاري المجتمعي العملي للدكتور محمد رؤوف حامد


المزيد.....




- الدبلوماسية الأمريكية هالة هاريت توضح لـCNN دوافعها للاستقال ...
- الصحة السعودية تصدر بيانا بشأن آخر مستجدات واقعة التسمم في ا ...
- وثائقي مرتقب يدفع كيفين سبيسي للظهور ونفي -اعتداءات جنسية مز ...
- القوات الإسرائيلية تقتل فلسطينيا وتهدم منزلا في بلدة دير الغ ...
- الاتحاد الأوربي يدين -بشدة- اعتداء مستوطنين على قافلة أردنية ...
- -كلما طال الانتظار كبرت وصمة العار-.. الملكة رانيا تستذكر نص ...
- فوتشيتش يصف شي جين بينغ بالشريك الأفضل لصربيا
- لماذا تستعجل قيادة الجيش السوداني تحديد مرحلة ما بعد الحرب؟ ...
- شهيد في عملية مستمرة للاحتلال ضد مقاومين بطولكرم
- سحبت الميكروفون من يدها.. جامعة أميركية تفتح تحقيقا بعد مواج ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مجدي عبد الحافظ صالح - بين البيولوجيا واللغة: دراسة نظرية بينية