أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبد الرزاق التكريتي - اليسار العربي من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر















المزيد.....



اليسار العربي من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر


عبد الرزاق التكريتي

الحوار المتمدن-العدد: 7459 - 2022 / 12 / 11 - 10:09
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الفصل الختامي لكتاب:

The Arab Lefts: Histories and Legacies, 1950s–1970s, ed, by Laure Guirguis, Edinburgh University Press, 2021

إن التأمل في الفترة التاريخية التي يغطيها هذا الكتاب يصطدم بالدور الأساسي الذي لعبه اليسار العربي، على نطاق واسع، في تشكيله. بحلول العام 1970، كانت الغالبية العظمى من الشعوب العربية تعيش في دول دعت بشكل رسمي إلى مناهضة الكولونيالية والوحدة الإقليمية والاشتراكية. (1) كانت المنظمات السياسية الأكبر والأكثر أهمية- الأحزاب الشيوعية والبعثية وحركة القوميين العرب- ثورية التوجه وكانت إما ماركسية أو بدأت بالتحول، بنتائج متفاوتة، إلى الماركسية وتنويعات مختلفة من الاشتراكية. كل هذه التشكيلات كانت عابرة للحدود، وتعمل في عدة دول عربية. وقد تبنت التيارات والتكتلات المنشقة عنها أو المحاججة ضدها مجموعة واسعة من وجهات النظر العالمية الجذرية، بالاستناد إلى الماوية، والتروتسكية، واليسار الجديد والمدارس الفكرية الأخرى. عبر الراديو تمكنت العائلات العربية من الاستماع عبر صوت العرب إلى الخطاب السياسي للناصرية. أدى إخضاع الجزائر وفلسطين للكولونيالية إلى قيام اثنين من أكثر حروب التحرير أهمية على النطاق العالمي، حيث تحرك الملايين من الناس في هذين البلدين وخارجهما. باتت القاهرة والجزائر وبيروت محاور ثورية بارزة على خريطة التضامن العالمي، حيث استضافت الحركات والشخصيات من مختلف أنحاء العالم وقدمت الدعم الدبلوماسي والمادي والعسكري.

اليسار- بحسب هذا الكتاب يشمل الحركات والشخصيات التي كانت معادية للكولونيالية، أو منحازة أو مؤيدة للكتلة الشرقية خلال الحرب الباردة، أو علمانية في مقاربتها، أو إصلاحية أو ثورية في النظرة الاجتماعية وإعادة التوزيع الاقتصادي، مروجة للبرامج المتراوحة بين الرفاهية الاجتماعية الديمقراطية إلى الاستيلاء الشيوعي الصريح على وسائل الانتاج- قد لعب دوراً بارزاً في النضالات الاجتماعية. فقد أقام المنظمات النسائية، وروّج للفكر النسوي، ودفع باتجاه إصلاح قوانين الأحوال الشخصية- من خلال جهود أمثال نزيهة الدليمي، الشيوعية، وأول وزيرة عربية في العالم العربي. كما ألّف اليسار النقابات العمالية، وحرّك العمال ونظم الاحتجاجات العمالية، وأطلق الانتفاضات الطلابية وأطلق مقاومة زراعية على يد منظمين صلبين مثل شاهينة مقلد. على الصعيد الثقافي، كان له حضور بالغ الأهمية. شاعر فلسطين الوطني، محمود درويش، أمضى فترة شبابه في صفوف الحزب الشيوعي، وكان الروائي الشهير، غسان كنفاني، المتحدث الرسمي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكانت النسوية البارزة، مي صايغ، شخصية بارزة في يسار حركة فتح، وعميدة المؤرخين، بيان نويهض الحوت، كانت من كوادر حزب البعث. كما ارتفعت الراية الحمراء عالياً في مجالات أخرى. فقد هيمن على المشهد الفكري بالمنطقة مفكرون ينتمون إلى اليسار أو مرتبطين به: منيف الرزاز، وسمير أمين، وجورج طرابيشي، وأنور عبد المالك، وصادق جلال العظم، ومهدي عامل، وعبد الله العروي، ذلك لذكر عدد قليل من بين الأسماء العديدة. كما تكوّن الأدب العربي من مؤلفين كانوا في صفوف اليسار أو ما زالوا فيه. من بين مئات الكتاب الأساسيين، يمكن للمرء التفكير بالأسماء التالية: العراقي بدر شاكر السياب، والأردني غالب هلسة، والليبي ابراهيم الكوني، بالإضافة إلى المصري أمل دنقل. خلال النضال من أجل مجتمع علماني تحكمه العدالة الاجتماعية، حارب المفكرون اليساريون قوى الطائفية واليمين الديني والهوية المحلية الضيقة.

على الرغم من هذا الإرث الثري جداً، والذي برزت جوانبه في أجزاء هذا الكتاب، فقد جرى تأجيل التأريخ لليسار العربي بشكل حرفي لعدة عقود. ففي حين شهدت الـ 1960ات والـ 1970ات من القرن الماضي نشر كلاسيكيات مثل كتاب أنور عبد الملك، مصر: المجتمع العسكري، وحنا بطاطو عن الطبقات الاجتماعية القديمة وفريد هاليداي [المنطقة] العربية من دون سلاطين، لكن شهدت العقود التالية انتاجاً محدوداً باللغة الانكليزية. (2) الأسباب معروفة جيداً وجرى التدرب عليها بشكل مضجر: صعود الحركات الدينية، الردة الاستبدادية، والتوسع العسكري [للاحتلال] الإسرائيلي، وإعادة احتلال الدول العربية الأساسية، الهيمنة الأميركية على معظم الحكومات الإقليمية، والانتشار السريع للنيوليبرالية على حساب المشاريع الاشتراكية أو الاشتراكية الديمقراطية. ترافقت هذه الظواهر مع تبقرط بعض الأحزاب اليسارية، وتحول البعض الآخر من قوى ثورية ضد السلطة إلى أجهزة قمعية للدولة، والتراجع الأيديولوجي للتيارات الشيوعية بالتزامن مع انهيار الاتحاد السوفياتي، والضربات الكبرى التي وجهت ضد المقاومة الفلسطينية المناهضة للكولونيالية، إضافة إلى سقوط النظام الأمني العربي. في حين كانت الـ 1950ات والـ 1960ات مرادفة للسعي من أجل الوحدة القومية والتعاون بين القارات الثلاث، فإن “الحاضر الكولونيالي” الحالي يسيطر عليه التراجع نحو صراعات داخلية طائفية وعرقية ومحلية. (3) في ظل هذا المناخ، كل ما تبقى من اليسار العربي بات مصبوغاً بثقافة الهزيمة؛ حلّ الحزن مكان الأمل، وبدا أن تقليد “النقد الذاتي” التقدمي الشهير قد أفسح المجال أمام الأداء الجماعي للجلد الذاتي المنهك.

لحسن الحظ بالنسبة إلى الدراسات الحالية، إن انتصار الانهزامية لم يكن كاملاً. فقد اختار العديد من المشاركين في الأحداث صب جهودهم للحفاظ الدؤوب على التاريخ بدلاً من الرثاء السلبي، مستشعرين أن تجاربهم كانت بالغة الأهمية بحيث لا يمكن حرمان الأجيال الآتية منها. يفكر المرء بالجهود المتضافرة التي بذلها هاني الهندي وعبد الإله النصراوي في جمع ونشر وقائق مختارة من حركة القوميين العرب، أو رؤية كرمى النابلسي لاسترجاع وتحليل وتبادل المصادر الأولية من الثورة الفلسطينية. (4) كما يفكر الإنسان بالمشروع الأدبي اللافت للروائي السعودي عبد الرحمن منيف. انفصل عن حزب البعث بعد المؤتمر الوطني الخامس في مدينة حمص في شهر أيار/مايو عام 1962، وتراجع تدريجياً عن السياسات الحزبية وانتقل بدلاً من ذلك باتجاه الأدب. ربما تكون مجموعة مدن الملح المؤلفة من خمسة أجزاء قد تأثرت بالأجواء الكئيبة حيث بدأ بها الجزء الثالث: “وقت الهزائم، وفي المنافي، يطيب الحديث عن التاريخ أو وهم التاريخ”. (5) مع ذلك، واحدة من جوانب تلك الرواية هو روحها العنيدة، وتذكيرها المستمر تقريباً في كل صفحة من الكتاب بالواقع العبثي القاسي الراهن الذي ناضل اليسار العربي بشدة لتغييره. على العكس من الواقع الطاحن الحالي، وضد كل التواريخ التي دفنتها الروايات الرسمية، تبرز الرواية كمشروع ضخم للتنقيب التاريخي عن التاريخ السعودي على نحو خاص والخليجي بشكل عام، يؤرخ لما تغير، وما بقي، وما ضاع تماماً. تتناقض الوتيرة البطيئة التي يسرد فيها تجارب ونضالات سكان الواحات العاديين والعمال في المدن والعمال المهاجرين بشكل حاد مع السرد السريع الذي تروى فيه قصص التجاوزات البشعة للقصر الحاكم والمكائد الصغيرة والتراجيكوميديا. ينشأ التباين في السرعات من الحاجة الجوهرية إلى بديل عن الراحة، لأن القصص الأخيرة تميل إلى الهيمنة على التصورات عن السعودية، والتجارب السابقة يتم محوها باستمرار، وبالتالي تتطلب وقفة جادة وإعادة بناء مفصلة متعبة. ونظراً إلى واقع أن هذا الكتاب قد انخرط فعلياً فيه مجموعة واسعة من المسارات اليسارية في المغرب العربي ومصر وبلاد الشام والعراق، من المناسب إنهائه مع بعض الأفكار حول المنطقة التي ينحدر منيف منها والتي كتب عنها الكثير: شبه الجزيرة العربية وشاطئ الخليج.

للوهلة الأولى، تبدو شبه الجزيرة العربية أكثر أهمية لفهم تراجع اليسار العربي عن تطوره. ما عدا اليمن، ما زالت الدول الكبرى في المنطقة تحكمها سلالات تعود إلى القرن الـ 18. في الوقت الذي جرى فيه الإطاحة بالعائلات المالكة وبدء التجارب الاشتراكية في معظم الدول العربية شرقي المغرب، برز الخليج كحصن للملكية، والحكم العشائري غير المنضبط والنزعة الاستهلاكية غير المتزنة، وفي الوقت الذي سعت فيه أغلب الدول العربية للانفصال عن الامبراطورية البريطانية وخليفتها الجديدة الولايات المتحدة، استمرت دول الخليج بالدوران ضمن نفس المحور. ظهرت العديد من هذه الدول كملجأ للمحافظة الاجتماعية والدينية، حين استضافت جماعة الإخوان المسلمين المنفيين من سوريا ومصر وسواهما. في عهد الملك فيصل، ذهبت السعودية إلى أبعد من ذلك. إضافة إلى تمويل وتصدير المقاتلين السلفيين، فقد حاربت بنشاط التحول الثوري في شبه الجزيرة العربية، ومولت ودعمت عسكرياً القوى الملكية في اليمن وأوقفت عبد الناصر في صراع طويل الأمد أنهك القوات المصرية في الفترة السابقة على حرب عام 1967. باختصار، جرى تحويل الكثير من الإيرادات النفطية لتقويض الإمكانات التقدمية.

كل ما سبق صحيح، ولكن ما هو صحيح كذلك هو أن منطقة شبه الجزيرة العربية والخليج قد لعبت دوراً أساسياً في المقاومة ضد الكولونيالية، ما أدى إلى بروز نضالات يسارية كبيرة. شهدت منطقة شمال اليمن ذات التضاريس الوعرة، الحرب الوحيدة بين الجمهوريين والفصائل الملكية في التاريخ العربي الحديث (1962-7)، وثلاثة حروب أساسية، في الجبل الأخضر بعمان (1957-9)، جنوبي اليمن (1963-7) وظفار (1965-76). ونظراً لحقيقة أنها كانت آخر منطقة عربية تشهد انسحاباً كولونيالياً بريطانياً، فقد كانت موطناً لحركات حية تطالب بالاستقلال، من هيئة الاتحاد الوطني البحرينية إلى جبهة تحرير شرق الجزيرة السعودية. وقد كانت مكان انطلاقة حركة فتح، التي كانت التيار الفلسطيني الرئيسي في نهاية الـ 1950ات إلى بداية الـ 1960ات الداعية إلى إطلاق فوري للثورة، وكانت ساحة تجنيد وجمع أموال هامة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وسواهما من التشكيلات، وكانت موطناً مؤقتاً لبعض الرموز اليسارية مثل رسام الكاريكاتور الشهير ناجي العلي. كانت الاحتجاجات الشعبية في الشوارع وحملات المقاطعة لمحالها وعمليات التخريب في حقول النفط وقواعد سلاح الجو الملكي جزءاً من تحرك قومي عربي ضد العدوان الثلاثي عام 1956. ساعدت الأنشطة التضامنية في كل مدنها الأساسية بجمع أموال كثيرة للثورة الجزائرية. كما أدى تطور وعي العمال في حقول النفط إلى حصول إضرابات وانتفاضات عمالية كبيرة.

جرى تمكين كل ذلك بفعل الحركات الشعبية التي جمعت الآلاف من الناس. هذا إلى جانب بدء ظهور الأدب، والذي كان له جذور في النهضة وأفكارها الداعية إلى الإصلاح السياسي والاجتماعي في بداية القرن العشرين. (6) كانت مجتمعات التجار، وخاصة في المراكز السكنية الشمالية الخليجية الأكثر ازدهاراً في الكويت والبحرين، أرضاً اجتماعية خصبة لتلقي هذه الأفكار ونشرها خلال مواجهتها للنظام الأنغلو-مشيخي. (7) خلال الـ 1920ات والـ 1930ات، تأسست جمعيات أدبية ومدارس، وناضل أعضاؤها من أجل انتخابات وحكومة أكثر تمثيلية. لم يكن ذلك بمعزل عن التحولات الأوسع. كان العديد من القادة المدنيين البارزين، على سبيل المثال، ناشطين في التشكيلات القومية العربية العابرة للحدود مثل الحركة العربية السرية (مجموعة الكتاب الأحمر) التي يقودها البروفيسور قسطنطين زريق. (8) على الرغم من أن تجاربهم الإصلاحية تعرضت لضربة كبيرة في نهاية الـ 1930ات، إلا أنها أرست أسساً جذرية أكثر حزماً في العقود التالية. إن أي قراءة جادة لمثل هذه الأعمال مثل مذكرات القائد الكويتي البارز الدكتور أحمد الخطيب ستكشف إلى أي مدى تأثر القوميين العرب وتلقيهم للدعم خلال الـ 1950ات من قبل جيل سابق من شخصيات في المعارضة التي برزت في فترة ما بين الحربين بطريقة سرية ولكن ملموسة. (9)

مع الاعتراف بهذه الاستمرارية بين الأجيال، تتطلب التغييرات الهائلة التي حصلت المزيد من التركيز. منذ نهاية الـ 1940ات وما تلاها، شهد الخليج عملية عميقة تمت ملاحظتها في أماكن أخرى من العالم العربي: صعود الأحزاب والحركات الأيديولوجية. لعب الخطيب دوراً أساسياً في هذا المسار. من بين أبناء وبنات الخليج، كان العضو المؤسس الوحيدة لحركة سياسية علمانية كبيرة تعمل على نطاق عربي عابر للحدود. إلى جانب زملائه في الجامعة الأميركية ببيروت، جورج حبش ووديع حداد وحميد الجبوري، أنشأ حركة القوميين العرب والذي تمكن لاحقاً من بنائها خلال الـ 1950ات كحركة سياسية أساسية في الكويت. اجتذب البلد المتفوق في تلك الفترة كمركز إقليمي لانتاج النفط والثروة عدداً كبيراً من الفلسطينيين الذين تعرضوا للتطهير العرقي في نكبة عام 1948، ما ساهم بشكل كبير في انتشار السياسات الراديكالية. كما اجتذبت الكويت عدداً كبيراً من العمال والطلاب والزائرين من عدن والمحميات بظفار وعمان وإمارات الساحل المتصالحة وسواها. ضمت حركة القوميين العرب أعضاء من هذه الدول في نهاية الـ 1950ات، الذين شكلوا في نهاية الأمر فروعاً محلية قادت النضالات في دولهم.

تزامن ذلك مع تسييس المئات من طلاب الخليج. انضم العديد منهم إلى حركات سياسية خارج المنطقة. حتى تأسيس جامعة الرياض (أعيد تسميتها باسم جامعة الملك سعود) عام 1957، لم يكن هناك أي جامعة في كل شبه الجزيرة العربية. وحتى تأسيس جامعة الكويت عام 1966، لم يكن هناك جامعة واحدة على ساحل الخليج. وبالتالي، التحق طلاب المنطقة بمؤسسات التعليم العالي في مدن مثل القاهرة وبيروت وبغداد ودمشق. وشكلوا جمعيات طلابية في هذه العواصم التي كانت تعج بالنضال الطلابي. يمكن تلمس أهمية هذه التجمعات من مصادر عديدة، مثلا، يتذكر عبد النبي العكري، القائد المستقبلي في حركة القوميين العرب الذي كان قد بدأ دراسته في بيروت عام 1961- أن “جمعية الطلاب البحرينيين كانت أولى هذه المظاهر”، تمكن من خلالها من “رؤية المجتمع والسياسة والعالم”. “عكست هذه المجموعة الطالبية المكونات المتنوعة للمجتمع البحريني… والأهم، عكست الدينامية السياسية والحركات التي كانت تتخمر تحت السطح، وانضم العديد من أعضائها إلى مجموعات مثل حركة القوميين العرب، والبعث والجبهة الوطنية لتحرير البحرين. (10)

انضم العديد من الطلاب إلى الأحزاب والحركات السياسية اليسارية في مرحلة مبكرة من حياتهم، حيث جرى استقطابهم من قبل مدرسين من فلسطين والعراق وسوريا ولبنان. ونظراً لأهميته في تشكيل الاتجاهات السياسية لجيل الشباب، ظهر تعيين المدرّس كساحة معركة سياسية، وموضوع يستحق الدراسة في المستقبل. (11) اعتمدت نتائج المعارك التعليمية التي كانت مشتعلة وقتها إلى حد كبير من التفاعل بين السلطات الكولونيالية البريطانية، والمشايخ والضغط الشعبي. لنأخذ حالة قطر، حتى عام 1956، كان التعليم يتشكل بفعل نزوات الوكيل السياسي البريطاني، وتماشياً مع السياسة البريطانية، الذي دفع باستمرار من أجل توظيف مدرسين سياسيين أو محافظين وحاول قدر المستطاع ترحيل أولئك الذين لديهم ميول شيوعية أو قومية عربية. تحت إشراف الإدارة الكولونيالية، هيمن على التعليم القطري المدرسون المحافظون المرتبطون بالإخوان المسلمين. خلال العام الدراسي 1956-7، وضع التعليم تحت إشراف الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني. وبعد العدوان الثلاثي على مصر، وفي محاولة لاحتواء الضغط الشعبي الهائل الناجم عن العدوان، وجه الشيخ خليفة التعليم القطري باتجاه مختلف. فوازن تأثير إداريي الإخوان المسلمين والمعلمين الآتين بأغلبهم من مصر عبر إحضار المدرسين الوطنيين من سوريا. عبد الله عبد الدايم، بعثي، عُين مديراً للتربية. ومن بين المعلمين الجدد الذين عملوا تحت إدارته البعثي السوري أحمد الخطيب (لا ينبغي الخلط بينه وبين الزعيم الكويتي)، ومحمود الأيوبي، كما الفلسطيني-الليبي محمد المغربي. وكان الأربعة من المناضلين الأساسيين المستقبليين ضمن إطار السياسات القومية. في سوريا، أصبح الأيوبي رئيساً للحكومة، وعبد الدايم وزيراً للتربية، والخطيب عضواً في المجلس الرئاسي. وبالنسبة للمغربي، فقد لعب دوراً بارزاً في قيادة فتح في السنوات الأولى للثورة الفلسطينية قبل أن يصبح رئيساً لحكومة ليبيا بعد إسقاط الملكية عام 1969. (12)

توضح المسارات الفردية لبعض الشخصيات اليسارية أهمية منطقة الخليج كمساحة احتضنت القيادة السياسية وتشكيل الشبكات في العالم العربي. في حين ترتبط المنطقة بشكل وثيق بانتاج واستضافة الشخصيات الإسلامية كما تصدير وإعادة تصدير التيار المحافظ على الصعيد العالمي، لم ينظر إليها فقط، أو حتى بشكل أساسي، بهذه المصطلحات في أواخر الـ 1950ات. عام 1957، وخلال التفاؤل المناهض للكولونيالية الذي أعقب العدوان الثلاثي، كتب الشاعر السوري سليمان العيسى أشهر أسطر تلك المرحلة: “من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر، لبيك عبد الناصر!”. (13) لم يكن مصادفة أن العيسى أو قرّاءه قد ربطوا الخليج بالثورة. كان مراقبو المنطقة في ذلك الوقت يعلمون بالتحركات التضامنية مع مصر والجزائر وفلسطين والتي ملأت شوارع الكويت والدوحة والشارقة ودبي وقتذاك، كما النضالات الجماهيرية المحلية التي حصلت في عمان والبحرين وسواهما.

خلال تلك السنوات حصلت توترات بين العائلات الحاكمة والسلطة الكولونيالية البريطانية، وكان هذا التوتر يزيد من مستوى التناقضات. على الرغم من الاستفادة من الحماية الامبريالية، إلا أن الشيوخ كانوا مقيدين بالهيمنة الكولونيالية، المختبرة بشكل يومي عبر التدخل المنتظم من البريطانيين. ومن بين المشايخ كان هناك شريحة شابة متأثرة بشكل حتمي بروح العصر المناهض للكولونيالية الذي لم يتشكل فقط عبر الاستماع إلى إذاعة صوت العرب المصرية إنما أيضاً بسبب الإحباط المستمر من المظالم التي ارتكبت في الجزائر وفلسطين. قد يساعد ذلك في تفسير لماذا شكل الأمير طلال بن عبد العزيز والبعض من إخوته من آل سعود- ما يسمى بمجموعة الأمراء الأحرار- متأثرين بالناصرية؛ وتفسر لماذا حاكم الشارقة السابق، الشيخ صقر القاسمي، قد حاول تقريب إمارته من مصر بقدر استطاعته، وقد سبب له ذلك خسارة موقعه في هذا المسار؛ وهذا ما يفسر لماذا انضم إلى البعث من بات اليوم حاكماً في الشارقة، الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، ولماذا بات الشيخ فهد الأحمد الجابر الصباح داعية فلسطينية، حيث أصيب خلال نضاله ليس أقل من ثلاث مرات. (14) كان هناك العديد من المشايخ من القوميين العرب، أعجبتهم بعض الأفكار اليسارية وناضلوا ضد الهيمنة الكولونيالية في الخليج وسواه، ولكن بالكاد كان هناك شيوعيون- كما هو متوقع. (15) لم تحظَ الشيوعية بشعبية بين صفوف التجار والمهنيين، لأنها كانت من ضمن الشرائح الاجتماعية المصنفة في الكتابات الماركسية كجزء من البرجوازية الوطنية في الخليج. رغم ذلك، فقد وجدت لها موطئ قدم في وسط الطبقة العاملة المتنامية وكذلك بعض السكان المهاجرين.

قبل تطوير صناعة النفط، لم يكن في المنطقة طبقة عاملة صناعية. وهذا ما تغير بسرعة بعدما بدأ الانتاج النفطي في البحرين عام 1932. بدأت أولى الإضرابات الصناعية في المنطقة من حقول النفط، بدءاً من إضراب عمال شركة نفط البحرين عام 1938. سعت الإضرابات المتلاحقة إلى تحسين ظروف العمل، ولكن أيضاً اتخذت بعداً تضامنياً عربياً. وقد تجلى ذلك في واقع أن أكبر إضراب في البحرين والذي حصل في عقدي الـ 1930ات والـ 1940ات كان إضراب عمال شركة نفط البحرين الذي حصل عام 1947 احتجاجاً على قرار الأمم المتحدة القاضي بتقسيم فلسطين. وأصبحت الإضرابات طريقة راسخة للنضال في البلدان الأخرى كذلك الأمر، وكانت موجودة في أي مكان يستخرج منه النفط. على سبيل المثال، الكويت، التي شهدت إضراباً ضخماً عام 1948، حيث توقف 6 آلاف عامل عن العمل طيلة 11 يوماً، على الرغم من حملة القمع الواسعة النطاق. (16) كما حصلت إضرابات في السعودية وقطر خلال الـ 1950ات.

كانت قاعدة الطبقة العاملة هي الهدف الأساسي للتنظيم الشيوعي. تعود أصول الشيوعية في المنطقة إلى عام 1946. خلال اجتماعه في 10 حزيران/يونيو، قرر حزب توده في إيران إرسال بعض كوادره إلى الخليج لتنظيم العمال هناك، على الرغم من أنه ليس واضحاً ما إذا كان قد نتج عن ذلك تشكيل فوري لتنظيمات سياسية محلية. (17) بعد انقلاب عام 1953 على حكومة مصدق والحملة القمعية التي تلته، وصل العديد من اللاجئين الشيوعيين الإيرانيين إلى البحرين. ساهمت هذه الكوادر، بقيادة حسن نظام، في نشر الأفكار الشيوعية، مقيمة خلايا أساسية لجبهة التحرير الوطني في شباط/فبراير عام 1955. كما ساهم تأثير الحزب الشيوعي العراقي في تطوير هذا التنظيم الناشئ. تعرف العديد من البحرينيين الذين يتعلمون في العراق إلى الشيوعية، وتمكن اثنان من اللاجئين الشيوعيين العراقيين الذين تعرضوا لقمع حكومة نوري السعيد المؤيدة لبريطانيا من دخول البحرين في أوائل الـ 1950ات، حيث عملا كصحفيين في جريدة الخميلة قبل ترحيلهما إلى الهند من قبل السلطات البريطانية. (18)

بحلول العام 1962 أصدرت جبهة التحرير الوطني أول برنامج سياسي لها. وتضمنت أول ثلاث نقاط منه مطالب ديمقراطية ومناهضة الكولونيالية ومن بينها الاستقلال عن بريطانيا، “تصفية القواعد العسكرية البريطانية والأميركية العدوانية وانسحاب القوى الأجنبية”، واستبدال الإدارة الكولونيالية بحكومة دستورية منتخبة. ركزت النقاط التالية على التغيير الاقتصادي والاجتماعي، من بينها تطوير الصناعة الوطنية، الإصلاح الزراعي عبر “إعادة الأراضي المسروقة من الفلاحين وصغار الملاكين بواسطة عملاء الكولونيالية”؛ إلغاء الاحتكارات الدولية؛ الدفاع عن حقوق العمال وتشكيل النقابات؛ زيادة مستوى التعليم؛ تأمين الرعاية الصحية؛ تحقيق المساواة بين الرجال والنساء في “كل الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية”، كما تحقيق المساواة بين كل المواطنين؛ خوض نضال مشترك يجمع كل الحركات العربية المناهضة للكولونيالية؛ تعزيز التضامن بين الشعوب العربية والمنظمات الشعبية العربية للعمال والطلاب والمثقفين؛ وإقامة تعاون اقتصادي بين الدول العربية. (19)

يظهر هذا البرنامج سمتين من سمات التنظيم الشيوعي في تلك الفترة. السمة الأولى، بحسب العكري، كان التركيز الأكبر على الإصلاح المحلي بدلاً من التحديات الإقليمية الواسعة النطاق. لم يتضمن النص إشارة محددة إلى المسائل المتعلقة بمناهضة الكولونيالية المتمثلة بالقومية العربية، أو وحدة دول الخليج العربي، أو فلسطين، وكل هذه الأمور كانت في صلب عقيدة الأحزاب القومية العربية المتنافسة مع الشيوعيين. (20) إن تحرير فلسطين، الذي كان مطلباً شعبياً في المنطقة ونقطة أبرزتها كل القوى القومية، كان مندرجاً ضمن الدعوة لتحرير كل الدول العربية المستعمرة. أما بالنسبة لمطلب تحقيق الوحدة العربية والخليجية فقد حلت مكانها الدعوة لتحقيق التعاون بين الدول العربية. كانت هذه هي نقاط الخلاف بين التيارين الشيوعي والقومي داخل اليسار، ليس فقط في الخليج ولكن أيضاً في أماكن أخرى من المنطقة، الأمر الذي تسبب بشكوك كبيرة وخلافات فيما بينها. أدى موقف الأحزاب الشيوعية العربية الداعمة لتبني الاتحاد السوفياتي خطة التقسيم التي وضعتها الأمم المتحدة عام 1947 إلى زيادة هذه التوترات. كما أشار سوني هوغبول في فصله [ضمن الكتاب] عن إعادة النظر في إرث خالد بكداش المتناقض في دعم هذا القرار، فقد أدت هذه السياسة إلى ردة فعل عنيفة للغاية ضمن الحركة الشيوعية العربية. مع ذلك، لم يكن هذا كافياً لتحرير الشيوعيين في الخليج من وصمة العار التي ألحقت بهم بفعل قرارات سابقة من رفاق لهم في مناطق أخرى من المشرق.

كما يمكن إضافة ملاحظة هامة أخرى، هي أن برنامج الجبهة الوطنية للتحرير لم يتضمن صراحة أي إشارة إلى الاشتراكية أو الشيوعية، تميزت المطالب بأنها ذات طابع اشتراكي ديمقراطي بامتياز. وهذا ما يعكس معايير الفكر السائدة في المجال العام في الخليج وقتها. ففي ظل مناخ حيث الشيوعية مجرّمة رسمياً ومستهزأ بها شعبياً، اختارت المنظمات الشيوعية، حتى بداية الـ 1960ات، طرح برامج إصلاحية بدلاً من البرامج الماركسية الثورية. لم يحصل هذا في البحرين فقط، إنما كذلك في السعودية. كان الحدث التأسيسي في تاريخ الحركة العمالية في هذا البلد إضراب عمال شركة أرامكو عام 1953. (21) وكان أحد أبرز قادة الإضراب عبد العزيز أبو سنيد، المولود من والد سعودي وأم عراقية وقد تعرف إلى الأفكار الشيوعية خلال تعلمه في مدارس العراق. بعد عودته إلى السعودية في نهاية الـ 1940ات، التقى بشيوعيين فلسطينيين يعملون في أرامكو، من بينهم محمد ملحم عياش. وعلى قاعدة التنسيق مع هؤلاء الأشخاص تشكلت لجنة من العمال. (22) ومن الإضراب الكبير الذي أطلقته اللجنة العمالية، تأسست جبهة الإصلاح الوطني، وتحولت بحلول عام 1958 إلى جبهة التحرير الوطني. إن حقيقة أن هذا التشكيل قد تشارك نفس اسم المجموعة في البحرين لم يكن مصادفة، فقد ساهم العديد من الشيوعيين البحرينيين في تأسيسه. كما أدى القمع الذي شنته الدولة في كل من إيران والعراق إلى هجرة الكوادر الشيوعية إلى البحرين في بداية الـ 1950ات، أدى قمع الدولة البحرينية إلى وصول العديد من الكوادر الشيوعية البحرينية إلى المنطقة الشرقية في السعودية بنهاية الـ 1950ات. (23) وهذا ما يظهر درجة ترابط المنطقة في تلك الفترة، والأحداث الحاصلة في جزء منها كانت تؤدي إلى تغييرات في منطقة أخرى. على كل، عملت الجبهة السعودية ضمن معايير مشابهة لشقيقتها البحرينية، حيث قدمت ما يمكن وصفه بأنه أجندة للإصلاح الاشتراكي الديمقراطي بدلاً من الثورة الشيوعية. كان لظهور حزب شيوعي فعلي في السعودية أن ينتظر حتى عام 1975. (24)

بدأت الدعوات الأكثر وضوحاً للاشتراكية بالانتشار في الخليج وشبه الجزيرة العربية خلال الـ 1960ات. ساهمت عدة عوامل في ذلك. كان أهمها التحول في السياسة الاقتصادية والخطاب الناصري، خاصة بعد صدور الميثاق الوطني في أيار/مايو عام 1962. أعلن قسم أساسي من الميثاق “حول حتمية الحل الاشتراكي”: “الاشتراكية هي الطريق إلى الحرية الاجتماعية. لا يمكن تحقيق الحرية الاجتماعية من دون تحقيق فرص متساوية لكل مواطن للحصول على نصيبه العادل من الثروة الوطنية”. (25) حدود رؤية عبد الناصر للاشتراكية- وتباينها عن الفهم الماركسي لهذه الكلمة- معروفة على نطاق واسع، ولكن ما لا يمكن نكرانه هو أنه سيكون لها تداعيات هائلة لشرعية الخطاب الاشتراكي عبر المنطقة، بالنسبة لكل التيارات السياسية العربية في المشرق حيث كان جزءاً منها يتحاور مع الناصرية والجزء الآخر يعاديها، ولأسباب ليس أقلها قيادة عبد الناصر التي لا شبيه لها في السياسات العربية وهيمنة وسائل الإعلام المصرية في هذه الفترة.

ترافق الكلام الناصري عن الاشتراكية العربية مع تحول متزايد باتجاه اليسار من جانب البعث وحركة القوميين العرب. وقد ترافق ذلك مع تقييمات إيجابية للدور الإقليمي للمعسكر الشرقي. على الرغم من الوصمة التي التصقت بالاتحاد السوفياتي بسبب تأييده الحماسي لقرار التقسيم عام 1947 وإنشاء [الكيان] الإسرائيلي استمرت ملاحقة الحركة الشيوعية، لكن الدعم السوفياتي المتزايد لمصر والدول العربية الراديكالية الأخرى سمح بتطوير انطباع أكثر إيجابية عن ذلك البلد. في الوقت عينه، جرى استكشاف أفكار “اليسار الجديد” خلال الـ 1970ات في الفصل الذي كتبه جينارو جيرفاسيو من هذا الكتاب.

بدأت مصر في البروز. والأهم من ذلك، أن التجارب الصينية والكوبية والفيتنامية جذبت المزيد من الاهتمام، حيث قدمت نماذج من العالم الثالث للتطور الشيوعي والتحرر الوطني التي لعبت دوراً بارزاً في ظهور البديل القومي العربي للماركسية، وخاصة بعد حرب عام 1967. في شبه الجزيرة العربية والخليج، كانت هذه الأفكار والنماذج الجديدة ذات أهمية خاصة في بؤرتين للثورة المسلحة في المنطقة خلال تلك الفترة: ظفار في عمان، وعدن والمحميات في اليمن.

من السمات للسياسات اليسارية في شبه الجزيرة العربية هي أن الثورات المسلحة التي تستحق الملاحظة حصلت فقط في القسم الجنوبي من هذه المنطقة. على الرغم من أن السعودية قد شهدت تاريخاً طويلاً من المعارضة على أراضيها المختلفة، وفي بعض الأحيان أخذت شكل المواجهة المسلحة، إلا أنها كانت تتمتع بكونها دولة ثرية تدير شبكات المحسوبيات الواسعة النطاق، ومشيعة أيديولوجية دينية محافظة فعالة، وتمتلك جهازاً قمعياً قوياً مدعوماً من الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن البحرين كانت أرضاً خصبة- فاقمتها النزاعات الاجتماعية، والتقسيم الطائفي والوصول إلى الأفكار الراديكالية التي سهلتها مستويات مرتفعة من القراءة والكتابة- لمعارضة بريطانيا والعائلة الحاكمة، إلا أن حجم الجزيرة الصغير والأجهزة الأمنية التي تديرها بريطانيا عرقلت مثل تلك التحركات، كما حصل مع الانتفاضة الشعبية عام 1965 التي لم تتطور إلى صراعات مسلحة طويلة الأمد. كما أن الكويت وقطر كانا صغيري الحجم، وتضاريسهما إلى جانب البحرين غير متناسبة لحرب العصابات، واستعملت هذه الدول مواردهما المالية الهائلة لامتصاص الضغط الشعبي عبر توفير الرعاية الاجتماعية السخية. في الكويت، قدم الحكم “الإصلاحي” المديد بقيادة الشيخ عبدالله السالم الصباح (من 1950 إلى 1965) تنازلات ديمقراطية، من بينها برلماناً ودستوراً، لسماح بإقامة عقد اجتماعي دائم ولكن هش. أما بالنسبة لإمارات الساحل المتصالحة في أبو ظبي ودبي والشارقة ورأس الخيمة وعجمان وأم القيوان والفجيرة، فقد كانت- على الرغم من تخلفها النسبي حتى آخر الـ 1960ات- تحت رقابة السلطات البريطانية المشددة، خاصة بعد إقامة كشافة ساحل عمان عام 1951. (26)

على العكس من ذلك، شهد اليمن الثورتين الوحيدتين في شبه الجزيرة العربية اللتين استطاعتا الإطاحة بعائلات حاكمة: ثورة 1962 في شمالي اليمن، وثورة عام 1963 في عدن والمحميات جنوب الجزيرة العربية (جنوب اليمن). الأخيرة حصلت ضد الإمامة اليمنية على يد الضباط الأحرار بقيادة عبد الله السلال ومدعومة مباشرة من مصر الناصرية، الأمر الذي أدى إلى تشكل الجمهورية العربية اليمنية. وقد حصلت الأخيرة على يد جبهة التحرير الوطني بقيادة كوادر من حركة القوميين العرب كما من منافستها السياسية جبهة تحرير جنوب اليمن التي رعتها مصر. بعد أربع سنوات من العمليات العسكرية، تحقق الاستقلال، وظهرت جبهة التحرير الوطني كقوة مهيمنة في البلاد، الأمر الذي أدى إلى تشريد الثانية وأسس في نهاية المطاف الدولة الماركسية الوحيدة في العالم العربي. (27)

سمحت عدة ظروف بنيوية بهذا النصر الثوري. حتى أواسط الـ 1960ات، كانت عدن واحدة من أهم المرافئ في العالم، وتبعاً لذلك ولدت حركة عمالية كبيرة وناضجة طورت وعياً مناهضاً للكولونيالية، حفّزها لدرجات هامة، وجود طبقة مستغلة من التجار الأجانب. الحياة السياسية في المناطق المتخلفة اقتصادياً والمحيطة بهذه المدينة الأساسية أثراها تاريخ الهجرة العالمية الطويلة المنطلقة من حضرموت. تطورت شبكات الطلاب والعمالية اليمنية في العواصم العربية مثل القاهرة والكويت مع إقامة صلات قوية مع البعث وحركة القوميين العرب والسلطات المصرية، ما أنتج قيادة ثورية راديكالية ملتزمة بإسقاط الكولونيالية كما الخمسين حاكماً التي تحميهم. تشرذم وضعف هؤلاء الحكام، والشكوك والصراعات فيما بينهم، قوض قدرتهم على قمع التحديات الراديكالية الجدية. أدت المحاولات الكولونيالية البريطانية إلى توحيدهم وتعزيز قدرتهم القمعية عبر اتحاد الإمارات العربية للجنوب عام 1959 واتحاد الجنوب العربي عام 1962 ما زاد من أزمة شرعيتهم، وزاد من تزايد الرفض الشعبي للحكام المحليين باعتبارهم دمى للكولونيالية. (28) كما لعب جنوب اليمن دوراً كذلك: فقد سمحت تضاريسه الوعرة والممتدة والتي يتعذر الوصول إليها- إضافة إلى الأحياء الكثيفة في مدينة عدن- بنشوب حرب في المناطق الريفية والمُدنية على حد سواء.

كما كانت الجغرافيا والبيئة كذلك من العوامل التي مكنت الكفاح المسلح في محافظة ظفار العمانية. فمرتفعاتها، التي يغطيها ضباب الرياح الموسمية لقسم كبير من السنة، يعطي قاعدة ممتازة للمقاتلين الثوريين المقاتلين ضد حكام عائلة السعيد المدعومين من بريطانيا. كما هو الحال في الجنوب اليمني، ضمت قيادة الصراع الظفاري العديد من الكوادر في حركة القوميين العرب، والتي تبنت الماركسية-اللينينية بعد مؤتمر حمرين عام 1968. (29) تأثر هؤلاء القادة بالتيارات اليسارية في الثورة الفلسطينية وبدؤوا بالتدريج تلقي الدعم المحدود من الصين والاتحاد السوفياتي. والأهم من ذلك، استفادة نضالهم من انتصار الثورة في الجنوب اليمني. وقد لعبت النساء دوراً هاماً في الصراع. وبالفعل، كانت هذه الساحة الوحيدة التي حملت فيها الكوادر النسائية السلاح في كل الخليج. وفي حين أن بعض الثائرات- ليلى وبثينة فخرو- قد جئن من البحرين، كانت الأغلبية منهن عاملات ريفيات من ظفار. (30)

بحلول أوائل عام 1976، هزمت ثورة ظفار من خلال حملة عسكرية شديدة شنتها القوات الجوية البريطانية، والجيش الإيراني الامبراطوري والجيش الأردني، من دون نسيان الدعم السخي للنظامين السعودي والأبوظبيّ. وقد كان ذلك زوال آخر تهديد يساري أساسي لأنظمة الخليج. في ظل تدفق الأموال بعد الطفرة النفطية التي تلت عام 1973، باتت الأنظمة الحاكمة أكثر ثراء من أي وقت مضى، وقد أدى ذلك، إلى أسرع تجارب التغيير الاقتصادي في تاريخ البشرية. ملاحظة متمعنة في نهاية الـ 1970ات ستبين أن النشاط الاقتصادي البدوي الذي كان موجوداً منذ آلاف السنوات قد اختفى بالكامل، وتركت مجموعات صغيرة جداً من المترحلين للعيش على رعي الماشية. كذلك، اختفى النمط الاقتصادي الزراعي القديم، بغياب الفلاحين الذين يحرثون الأرض ويزرعون النخيل بأيديهم. شهدت الحياة البحرية نفس التغييرات التي حصلت في البر. حيث اختفى الغواصون لصيد اللؤلؤ، وتراجعت أعداد طواقم الشحن البحري المحلية والصيادين بشكل كبير.

ترافق محو الاقتصاد القديم مع نزع البلترة المحلية. على الرغم من أن العديد من السكان المحليين قد باتوا عمالاً صناعيين في القطاع النفطي خلال الـ 1940ات والـ 1950ات، إلا أنهم لم يبقوا في الوظائف الدنيا من هذا القطاع خلال الـ 1970ات. في دول الخليج الأغنى والأصغر مثل الكويت وقطر والإمارات، اختفت تقريباً الطبقة العاملة المحلية وتولت العمالة الأجنبية المهام اليدوية والصناعية. كما هو معلوم، حازت المواطنة في هذه الدول على امتيازات اقتصادية كبيرة وإمكانية الوصول إلى اقتصاد استهلاكي مدعوم بالكامل تقريباً من الريوع المتأتية من استخراج الموارد الطبيعية. الغياب التام لحقوق المواطنة أو إمكانية التجنيس للعمال الأجانب، إضافة إلى معدلات مرتفعة في تغيير العمال، كان يعني أن الطبقة العاملة الجديدة التي جيء بها من جنوب آسيا وأماكن أخرى ليس لديها فرصة للتنظّم الفعال على المدى الطويل. كان أي تحريض عرضة للعقاب الشديد والترحيل. (31) الشيوعية والاشتراكية والتيارات اليسارية الأخرى بالكاد كان لديها الإمكانية للاستمرار، دعكم من الازدهار، في مثل هذه الظروف. لا يعني أن جميع أبناء الخليج كانوا أثرياء. على الرغم من استمرار القوالب النمطية التي تدل على انتشار الثروات الكبيرة في كل مكان، إلا أن مساحات واسعة من السعودية، أكبر دولة في المنطقة، استمرت في المعاناة من الفقر والتخلف والبطالة، وذلك مثال متطرف للتنمية المتفاوتة والمركبة. كانت الدول الغنية بالنفط مثل البحرين وعمان قادرة فقط على تأمين حياة مريحة لبعض شرائح السكان. مع ذلك، كان لدى الدول المحلية موارد كافية لضمان ولاء الكثير من السكان وقمع أي بدائل راديكالية. مع بداية الـ 1980ات، كان اليسار يتصارع ليس فقط مع هذه الحقائق البنيوية ولكن أيضاً مع التحولات الإقليمية والعالمية التي مكنت من بروز تيار محافظ بدلاً من آخر تقدمي.

المواضيع الأساسية التي يمكن استخلاصها من تجارب اليسار في شبه الجزيرة العربية والخليج والتي شملها هذا الفصل باختصار حصلت في العديد من أقسام أخرى من العالم العربي. بالفعل، لا يكاد أي مراقب جدي أن يفوّت الترابطات السياسية خلال العقود التي ناقشها الكتاب. لقي التضامن الإقليمي، ومعارضة الكولونيالية ودعم النضالات الثورية الكبرى في الجزائر وفلسطين الأولوية، حيث تعبَّأت الطاقات الشعبية الكبيرة لسنوات عديدة. كما لاحظنا في الكثير من الأوقات، كان لفلسطين التأثير الكبير على مسار الشيوعية العربية كما القومية. ونظراً إلى مركزيتها في الخيال العربي الراديكالي، فقد خصصت لها عدة فصول في هذا الكتاب أو كانت ملتزمة بها.

في مساهمتها، كتبت أوريت باشكين عن الشيوعيين العراقيين اليهود ضمن التقليد اليساري العربي الأوسع، موضحة أن خلفيتهم العربية لم تميزهم فقط عن رفاقهم اليساريين الأشكيناز، إنما سمحت لهم بالتواصل السياسي مع الفلسطينيين، وتطوير معهم “سياسة التعاطف” التي تجاوزت ثنائية “عربي” و”يهودي” التي فرضتها الرؤية الصهيونية الطائفية والعرقية. تنظر هانا مورغنستون في فصلها إلى هذه العملية من منظور الكتاب الفلسطينيين، مضيئة على جهودهم المشتركة، مع الكتاب العرب اليهود، في خلق رؤية أدبية متجذرة في مناهضة ماركسية للكولونيالية. وانطلاقاً من البحث الذي طورته في كتابها المهم Brothers Apart، (٣٢) استكشفت مهى نصار الطرق التي تعامل فيها مركز الأبحاث في منظمة التحرير الفلسطينية مع هذه النقاشات التي جرت في اليسار “الإسرائيلي”، الأمر الذي يوضح الفروقات الدقيقة لمفكري منظمة التحرير اليساريين، وغالباً ما كانوا متعاطفين، مع مقاربة اليسار الشرقي واليسار الأشكنازي “الإسرائيليين”، في وقت أضاءت على النقد المناهض للكولونيالية لحدود هذه التجربة.

كان هذا النقد أممياً بلهجته، كما هو الحال مع مناطق أخرى، كانت إحدى السمات الأساسية لليسار العربي- كما جرى إيضاحه في هذا الكتاب- هو دعمه للصلات الثورية في كل أنحاء العالم. في ضوء ذلك، يجب عدم رؤية اليسار العربي على أنه معزول عن التيارات المناهضة للكولونيالية في القارات الثلاث. عبر استكشاف إرث القائد المعارض المغربي مهدي بن بركة، يلقي نايت جورج الضوء على دور اليساريين العرب في بناء هذا العالم في القارات الثلاث. عندما يجيء الأمر إلى الرموز والخطابات، ولكن كذلك الاستراتيجيات العسكرية والسياسية، لعب هذا المجال دوراً تمكينياً في العالم العربي. إحدى الأمثلة نجدها في قصة خالد أحمد زكي. كما أظهر هنا فيليب وينكلر، تبنى زكي نموذجاً غيفارياً في قراره إطلاق انتفاضته الشيوعية المسلحة ضد الدولة العراقية من الهوامش التي يصعب الوصول إليها في الأهوار الجنوبية، واكتسب، على الرغم من (أو ربما بسبب) هزيمته وموته، اللقب الرمزي: “غيفارا الشرق الأوسط”.

مع ذلك، لم تكن الأممية تخلو من التعقيدات، على الرغم من أن قضايا مثل فيتنام وجنوب أفريقيا قد تمتعتا بإجماع سياسي، بعض النضالات التحررية، وخاصة نضالات الصحراويين، أثارت جدالات وفي بعض الحالات خلافات. على سبيل المثال، في وقت تلقت القضية الصحراوية دعماً من الجزائر ومن المجموعات الفلسطينية الراديكالية مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فقد جرى التعامل معها، كما توضح دانيلا ميلفا، بتعاطف أقل بكثير من قبل بعض الأطراف من اليسار التونسي التي اعتبرتها انفصالية بدلاً من أنها مناهضة للكولونيالية أو للملكية. وإذا أوضح ذلك شيئاً فهو الحاجة إلى التمييز بين اليسار العربي في ضوء مواقفه وآرائه المتنوعة حيال مختلف القضايا والنضالات، مع الحفاظ على تقدير قواسمه المشتركة الغنية وروابطه الحية.

من بين هذه القواسم المشتركة، كان الالتزام بالنضالات الاجتماعية والاقتصادية مصدر قلق دائم من دون شك. على الرغم من أنه لا يظهر بشكل واضح في هذا الكتاب، فإن التقاطع بين الحركات اليسارية والنسوية ظاهرة تاريخية تستحق دراسة أكثر جدية بكثير مما جرت محاولته حتى الآن. لا تتضمن المكتبة الأكاديمية بعد كتاباً شاملاً يركز على هذا التقاطع على المستوى العربي. كذلك، وكما تقترح لور جرجس في فصلها، فإن العوامل الاقتصادية التي تشكل الفكر اليساري وممارساته تتطلب الإضاءة والتحقيق بشكل عاجل. بعد كل شيء، إن الحديث عن اليسار بشكل يفصله عن الصراعات الاقتصادية، ومحو إرثه في الإضرابات التي لا تعد، والدفع باتجاه تشكيل النقابات، والمواجهات مع ملاك الأراضي والرأسماليين في القطاعين المصرفي والصناعي، هو تشويه شديد لتاريخه.

عند تناول هذه المواضيع، من الضروري الأخذ بعين الاعتبار المسار الذي وصفه سامر فرنجيه في مساهمته حول عواقب اليسار، وهو مسار شهد انتقال الإرث اليساري من “المجال العابر للقوميات إلى المجال الوطني”ومن ثم من “الوطني إلى الخاص”. ونظراً إلى ضعف اليسار العربي الشديد منذ نهاية الـ 1970ات، فإن قدراً كبيراً من الانتباه الأكاديمي مطلوبة لقراءة ردود الفعل الكئيبة بعد انهياره والتي أنتجت في عصر الهزيمة. وخاصة، إن الإغراء الحالي، والذي غالباً ما يكون مدفوعاً من استشراق كامن أو واضح، لتقزيم تاريخ اليسار إلى تاريخ علاقته بالإسلام والإسلام السياسي وذلك يتطلب قدراً كبيراً من المقاومة. على الرغم من أهمية هذه العلاقة، لا يجب التعاطي معها وفق قراءة الماضي إنطلاقاً من الحاضر، بدءاً من الانتصار الإسلامي الظاهر أو التراجع اليساري. هناك حاجة ملحة كذلك لتفادي مساواة تاريخ اليسار بتاريخ الاستبداد. هذه الموجة بديهية، كما رأى ماثيو ري في فصله، في حالة حزب البعث، ولكن يمكن كذلك العثور عليها بغزارة في الأدبيات المتناولة لعبد الناصر. من دون شك أن عبد الناصر قد لعب دوراً مركزياً في تقويض المسار البرلماني وإقامة دولة أمنية في مصر؛ مع ذلك، يمكن، ويجب، رؤية سياسته إنطلاقاً من عدسة مختلفة عن تلك الديمقراطية الليبرالية، من بينها إعادة التوزيع الاقتصادي والليبرالية الاجتماعية، كما التحرر الوطني والعالمي. (33) وهذا يتطلب مقاربات دقيقة وليس مجرد كتابات مختزلة. أخيراً وليس آخراً، إن خطاب “الأزمة” الذي بات شبه مهيمن على العديد من الحلقات اليسارية في المنطقة يستحق مقاربة متأنية. وكما حاجج ينس هانسن في فصله، هذا الخطاب يتطلب وضعه في سياقه بشكل صارم، لأنه ظهر في منعطف تاريخي محدد، وجرى استعماله من قبل مثقفين يساريين مختلفين لتحقيق نتائج سياسية متعددة. وهذا ما يلمح إلى الحاجة لتاريخ فكري جديد لليسار، متحرر من تحليل موجه بشكل مَرَضي بدأ بعصر التفاؤل المضلل وبلغ ذروته بمرحلة لا تنتهي من الضيق. في هذا الوقت بالذات، وإذ نقترب من الذكرى السنوية لعقد من الهبات والثورات والانتفاضات، ليس فقط ضد الأنظمة غير الديمقراطية ولكن أيضاً ضد الرأسمالية النيوليبرالية الجشعة والجيوسياسية الكولونيالية الجديدة التي تساهم في المحافظة على هذه البنى السياسية والاقتصادية. في حين أظهر الجيل الجديد من الثوريين العرب، عدة مرات، استعداده لمواجهة المسائل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والكولونيالية، إن إلتزامه يتفكك في ظل غياب البنى والأدوات التنظيمية التي كان يمتلكها في السابق. هذه هي إحدى الاختلافات بين الماضي والحاضر. اليوم، جرى استبدال الأحزاب اليسارية الجماهيرية والجماعات السرية المتماسكة بحملات فضفاضة وتحالفات مشكّلة على أساس القضايا ومنصات فكرية أحادية. على الرغم من أنه جرى الاحتفال بذلك في بداية الربيع العربي كشكل جديد من أشكال السياسة الأفقية، إلا أن حدود هذا الشكل باتت واضحة اليوم حين حوصرت التحركات الشعبية في نهاية المطاف من قبل “سيلا” الحركات الإسلامية الأكثر تنظيماً و”كاريبديس” الدولة الأمنية. في هذا المنعطف التاريخي بالذات، استعادة التواريخ النضالية القديمة يتطلب ما هو أكثر بكثير من مجرد تذكر التراث، ما يدعونا إلى الاستعادة العاجلة لشعار: “من المحيط الهادر إلى الخليج الثوري”.


ليلى فخرو-مناضلة بحرينية. شاركت في ثورة ظفار في عمان
الهوامش:

1. These included the most heavily populated Arab countries – Egypt, Sudan, Algeria, Iraq and Syria – as well as the less densely populated states of Libya and South Yemen.

2. Abdel-Malek, Egypt: Military Society Batatu, The Old Social Classes and the Revolutionary Movements of Iraq Halliday, Arabia Without Sultans.

3. For the notion of the colonial present see Gregory, The Colonial Present. For an analysis of recent fragmentation see Bishara, Fi al-mas’ala al-‘arabiyya.

4. Al-Hindi and al-Nasrawi (eds), Harakat al-qawmiyyin al-‘arab Nabulsi and Takriti, The Palestinian Revolution, (last accessed 2 March 2020).

5. منيف، مدن الملح.

6. The role of the nahda in Bahrain in particular is discussed in Alshehabi, Contested Modernity.

7. For the role of education in this process see al-Rashoud, Modern Education and Arab Nationalism in Kuwait.

8. A detailed study of the ‘Red Book Group’ is provided in Juha, Al-haraka ‘arabiyya al-siriyya.

9. Al-Khatib, Al-kuwayt Takriti, ‘Political Praxis in the Gulf ’, 86–112.

10. Al-Ikri, Zakirat al-watan wa al-manfa, 27.

11. Fortunately, some authors are beginning to tackle this question in different parts of the Arab world. For Egyptian teachers in the Gulf see Tsourapas, ‘Nasser’s Educators and Agitators’. For a detailed study of Palestinian teachers in 1950s Jordan see Mezna Qato’s fascinating doctoral dissertation on the subject Education in Exile.

12. Al-Kuwari,Al-‘awsaj.

13. This poem, ‘Nashid li al-dawla al-‘arabiyya’, was very popular at the time and is still remembered by Gulf Arab nationalists such as al-Kuwari. See al-Kuwari, Al-‘awsaj.

14. Talal bin Abdel Aziz spoke extensively of his relationship to Nasserism in his interviews with Aljazeera’s ‘Shahid ‘ala al-‘Asr’ as for Sheikh Sultan al-Qassimi, he recounts his experience with the Baath in his memoirs Sard al-that.

15. The only exception with which this author is familiar is Muhammad Talib Al Bu Said, who was a member of Popular Front for the Liberation of Oman and the Occupied Arab Gulf (PFLOAG). He, however, did not belong to the ruling al-Sa‘id branch of the Al Bu Sa‘id family.

16. Al-Mdairis, Al-tawajuhat markisiyya al-kuwaytiyya, 16.

17. Ibid.,16.

18. Al-Ikri, Al-tanzimat al-yasariyya, 22–3.

19. Ibid.,24–5.

20. Ibid.,25.

21. An important study authored by a political leader from that period discussing in depth the 1953 strike and its aftermath is al-Awami, Al-haraka al-wataniyya sharq al-saudia, 65–151. Although that strike was not the first one in the country (the earliest major labour mobilisation was the 1945 strike), it was much more organised and militant than previous strikes. English-language works that discuss the labour movement include Matthiesen, The Other Saudis and Vitalis, America’s Kingdom.

22. Al-Awami, Al-haraka al-wataniyya sharq al-saudia, fns 1, 74.

23. Al-Ikri,40.

24. For recent scholarship on the Saudi left see Bsheer, ‘A Counterrevolutionary State’, 233–77 Matthiesen, ‘Migration, Minorities, and Radical Networks’, 473–504.

25. ‘Kalimat al-ra’is Gamal Abdel Nasser fi taqdim al-mithaq al-watani min jami‘at al-qahira’, 21 May 1962, <http://nasser.bibalex.org/Speeches/browser.aspx?SID=1015&lang=ar> (last accessed 29 May 2019).

26. These troops were not only used for security operations, but sometimes even for the removal of rulers who proved too conservative´-or-too radical for the effective perpetuation of the status quo. See Takriti, ‘Colonial Coups’, 878–909.

27. For the history of the development of the MAN in South Yemen see the chapter on the Yemeni branch in Barut, Muhammad Jamal, Harakat al-qawmiyyin al-‘arab. For the PDRY period see Ismael and Ismael, People’s Democratic Republic of Yemen Halliday, Revolution and Foreign Policy and Lackner, P.D.R. Yemen. An interesting study that examines social changes that were enacted by the revolutionary regime, especially from the prism of family laws and gender roles, is provided by Dahlgren, Contesting Realities.

28. The MAN denounced the 1959 federation soon after its announcement in its booklet Ittihad al-imarat al-muzayyaf mu’amara ‘ala al-wihda al-‘arabiyya (1959).

29. The new national charter that was drafted out of the Hamrin conference can be found in al-Jabha al-Shabiya Li Tahrir Oman, Watha’iq al-nidal al watani, 12.

30. Several oral histories were conducted with female cadres from the Dhufar revolution. My own interviews were utilised in Takriti, Monsoon Revolution. Muna Jaboub also drew on oral histories with female cadres in her Qiyadat al-mujtama‘. Despite the fact that they were written by male authors, memoirs also offer an important source base for exploring the social history of Dhufar, including that of women’s participation in the revolution. See for example Muhanna, Malh’amat al-khiyarat al-sa‘ba.

31. A detailed discussion of the dynamics of labour and citizenship in the contemporary Gulf is offered in Alshehabi, Hanieh and Khalaf (eds), Transit States.

32. Nassar, Brothers Apart.

33. Nimer Sultany has recently offered an important critical reflection on this issue, arguing that, in much of the literature, ‘Egypt’s presidents Nasser and Sadat are both considered authoritarian . . . is uncritical labeling neutralises the difference between Nasser, the leftwing socialist leader who lifted millions from poverty, and Sadat, the rightwing leader who liberalised the economy, redistributed wealth upwards to the benefit of the upper classes, and sought to Islamise the constitutional order. It neutralises the difference between the former, who sought national sovereignty, including over the economy, and the latter, who plunged Egypt into political and economic dependency on the US. Finally, it erases the difference between a genuine republican leader and a mere populist´-or-demagogue.’ Sultany, ‘Arab Constitutionalism’, in Alvar Garcia and Frankenberg (eds), Authoritarian Constitutionalism.



#عبد_الرزاق_التكريتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليسار العربي من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر


المزيد.....




- الاحتجاجات بالجامعات الأميركية تتوسع ومنظمات تندد بانتهاكات ...
- بعد اعتقال متظاهرين داعمين للفلسطينيين.. شكوى اتحادية ضد جام ...
- كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة القوة في اعتقال متظاهرين مؤي ...
- “اعرف صلاة الجمعة امتا؟!” أوقات الصلاة اليوم الجمعة بالتوقيت ...
- هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية
- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية
- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الإتحاد المغربي للشغل) تدعو ...
- الرفيق جمال براجع يهنئ الرفيق فهد سليمان أميناً عاماً للجبهة ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبد الرزاق التكريتي - اليسار العربي من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر