أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالجبار الرفاعي - للإنسانِ في القرآن الكريم بُعدان















المزيد.....

للإنسانِ في القرآن الكريم بُعدان


عبدالجبار الرفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 7450 - 2022 / 12 / 2 - 22:35
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عبد الجبار الرفاعي
هناك مَنْ يتعاطى مع الإنسان بوصفه كائنًا لا يتغير ولا يتحول أيُّ شيء فيه، وهناك مَنْ ينظر إليه بوصفه صيرورةً وتشكّلًا مستمرًا في كلِّ أبعاد وجوده، لا يرى كينونةً وجودية جوهرية ثابتة فيه،كلُّ شيء فيه متغيّر بتغيُّر الأحوال والظروف المتنوعة بتنوع نمط العيش والمحيط والثقافة. وقد انتهى هذا الموقفُ إلى القول لدى بعض المفكرين بنسبية الحقيقة وكلِّ القيم والأخلاق، والارتياب في كلِّ شيء له صلة بالإنسان، ولم يعد هناك شيءٌ ثابت، أو قيمة روحية وأخلاقية وجمالية كونية على رأيهم. الثابتُ الوحيد هو عدمُ الثبات، اللامتغير الوحيد هو التغيرّ الكلي المستمر، وهذا ضربٌ من الارتياب الذي ينتهي إلى نفي كلِّ شيء.
تختزل كلا النظرتين الإنسانَ في بُعد واحد، فهو إما ثابت لا يتغيّر أبدًا مهما تغيرت ظروف حياته، وهذا فهم متحجّر يراه كأنه صخرة، أو متغير على الدوام لا شيءَ ثابت في وجوده، والمبالغة في هذا الفهم تنتهي إلى ارتيابية لا تعلم بشيء. القرآنُ الكريم يتحدث عن بُعدين للإنسان، كلُّ بُعدٍ منهما يُتخَذ موضوعًا لنوعٍ من أحكامه وقيمه:
الأول: الإنسانُ ببُعده الفيزيائي الأنثروبولوجي الثقافي، الإنسانُ الذي يعبّر عن هوياته المتغيرة تبعًا لتغيّر الواقع الذي يعيش فيه، الإنسانُ بالمعنى الفيزيائي والأنثروبولوجي والثقافي المتحول، الإنسانُ بوصفه صيرورةً وتشكّلًا مستمرًا في هوياته المتغيرة، الإنسانُ الذي يخضع لتحوُّلات الواقع والظروف ومختلف أنماط العيش. هذا البُعد للإنسان هو الموضوع الذي تدرسه العلومُ الإنسانية، وتتحدث عن تغيّره المستمر تبعًا للتحولات في واقعه وظروف عيشه وأحواله. وهو الموضوع للأحكام الخاصة بعصر البعثة الشريفة وامتداداته الظرفية في زمان الخلفاء وأزمنة لاحقة مماثلة له، تشترك معه في مستوى تطور العلم والمعرفة والثقافة ونمط العيش، ومختلف المعطيات السائدة في الواقع.
الثاني: الإنسانُ ببُعده الوجودي، الإنسانُ بجوهره الفلسفي، من حيث هو إنسان أبديّ لا يتغيّر في كلِّ الظروف والأزمنة والأحوال، الإنسانُ بغضّ النظر عن هوياته المتغيرة. الإنسانُ خارج كلّ الهويات المجتمعية، الإنسانُ بوصفه كينونةً لا تتغيّر مهما تغيّرت الظروف والأحوال والأزمان، ومهما تغيّر الواقعُ وكيفيةُ العيش، بمعنى ما يكون به الإنسانُ إنسانًا بغضِّ النظرِ عن أي شيءٍ آخر يتدخل في تصنيفِه عرقيًّا أو جغرافيًّا أو اقتصاديًّا أو ثقافيًّا أو دينيًّا أو هوياتيًا. يتحدث القرآن عن الإنسان بالنظر إلى كينونته الوجودية وراء المعنى الفيزيائي والثقافي والأنثروبولوجي المتغيّر، الإنسانُ بهذا العنوان الثابت هو موضوعُ الكرامة والحرية والمساواة والقيم الأخلاقية والروحية والجمالية الكونية المشتركة بين الناس كلّهم.
في ضوء فهمنا لهذين البُعدين يكون الإنسان موضوعًا لنوعين من الأحكام في القرآن:
1. الإنسان بوصفه كائنًا تاريخيًّا متغيِّرًا: يعبّر عنه عنوانُ الإنسان بلحاظ هوياته المتغيرة، الإنسان منظورًا إليه هنا بوصفه إنسانًا عاش في زمان ومكان وبيئة وثقافة وواقع خاص، ومأخوذة كلّ هذه الأحوال في كونه موضوعًا للأحكام. في ضوء هذا المفهوم للإنسان تتغير الأحكامُ بتغير الأحوال والظروف والأزمان، لأن الموضوعَ فيها مأخوذٌ بنحو القضية الخارجية كما يصطلح علماءُ أصول الفقه . هذا هو الإنسانُ التاريخي الذي يقع موضوعًا لآيات الأحكام الخاصة بذلك الزمان، ومن أوضحها مصداقًا آياتُ الرقّ، وغيرها من أحكام معاملات أمضاها الإسلام مؤقتًا لضرورات فرضها الواقع، وهي كلُّها تمثّل عصر البعثة الشريفة. أحكامُ الرق مثلًا ليست منسوخةً، لا حكمًا ولا تلاوة، ومع ذلك نسخها تغيّرُ الزمان والمكان والبيئة والواقع. تضمن القرآنُ الكريم آياتٍ تتحدّث عن أحكام الرقّ، لا يعمل بها أحدٌ اليوم، مثل: "وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ واللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ"، النساء:25. "وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ"، المؤمنون:5-6. "وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ واللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ"، القصص،3. أحكامُ الرقّ مثالٌ لموارد متنوعة من آياتِ أحكام المعاملات الخاصة بذلك العصر، أمضاها القرآنُ مؤقتًا ، الحكمُ فيها يتغيّر تبعًا لتغيّر الواقع.
2. الإنسان ببُعده الوجودي الذي لا يتغيّر: يعبّر هذا المعنى عن الإنسانِ بوصفه فردًا، إنسانٌ ينطبق على حقيقةِ الإنسان الفرد الوجودية، ما ينطبق عليه عنوانُ الإنسان في الحياة الدنيا وبعد الموت في الحياة الآخرة. هذا هو البُعد الذي يعبّر عن كينونة وجوديّة جوهرية لا تتغيّر في الإنسان،كما يعبّر هذا المعنى عن الإنسان بوصفه إنسانًا كليًّا.كينونةُ الإنسان العاقل أمس ووجودُه هي ذاتها كينونةُ الإنسان ووجودُه اليوم، لا اختلافَ في صدق مفهوم الإنسان عليها مهما اختلف الواقعُ وتغيّرت أنماطُ العيش والثقافة والأحوال. نعني به الإنسانَ بوصفه ذلك الجوهر الواحد الذي يشتركُ فيه كلُّ كائنٍ بشري مع غيره، والمتمثّل في ما يصيِّر كلَّ إنسانٍ إنسانًا.
الموضوعُ هو كينونة الإنسان ووجودُه العابر للزمان والمكان والظروف والبيئة والثقافة والهويات والواقع، موضوعُ الأحكام مأخوذٌ فيه عنوانُه بنحو القضية الحقيقية حسب مصطلح الأصوليين. هذا العنوانُ للإنسان هو موضوعُ القيم الأخلاقية والروحية والجمالية في الآيات القرآنية. وهو ما تخاطبه آياتُ القرآن في حديثها عن الله والتوحيد والغيب وكلِّ القيم الكونية المشتركة.
على هذا الأساس يبتني تصنيفُنا لمضامين آياتِ القرآن، واعتماد ذلك معيارًا في اكتشاف المعنى الديني الذي ينشده القرآنُ في الظرف الخاص بعصر البعثة، والمعنى الروحي والأخلاقي والجمالي الشامل الذي يتسع لكلِّ عصر، وفي ضوء ذلك نفهم ما هو ثابت وما هو متغير، على وفق لما يلي:
1. آيات تتضمن أحكامًا وتشريعاتٍ تعكس واقعَ مجتمع عصر البعثة، مثل آيات الرق، وغيرها من آيات تتحدّث عن معاملات متنوعة، وهي أحكامٌ ليست كونية عامة، ولا تستوعب كلَّ العصور.
2. آيات تتضمن قيمًا إنسانيةكلية، قيمٌ أبدية، قيمٌ يحتاجها الإنسانُ بوصفه إنسانًا، في كلِّ زمان ومكان، قيم غايتها أن يعيش الإنسان في أُفق المعنى، قيمًا تنشد بناءَ الحياة الروحية والأخلاقية والجمالية.
هذا هو المفتاح المحوري للمنهج الذي أعتمده لتفسير القرآن الكريم، وهو الأساس الذي يبتني عليه ويتفرّع عنه ما أوردتُه بتنويعات وتطبيقات كثيرة في مؤلفاتي.
مازال كثيرٌ من الكتابات تخلطُ بين الإنسانِ بوصفه كينونةً لا تتغيّر، الإنسان بالمعنى الوجودي الفلسفي، الإنسان وراء هويته الفيزيائية والأنثروبولوجية المتغيّرة، الإنسانُ الذي يكونُ موضوعًا للقيم الكونية الكلية، وبين الإنسانِ بوصفه هويةً متحولة، الإنسانُ بالمعنى الفيزيائي والأنثروبولوجي والثقافي، وهو ما يكون موضوعًا للأحكام الظرفية المتغيّرة.


#عبدالجبار_الرفاعي
#الإنسانِ_في_القرآن



#عبدالجبار_الرفاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدود الديني والدنيوي
- مَنْ ينسى الفلسفةَ تنساه أعيادُ التاريخ
- ايقاظ النزعة الإنسانية في الدين
- الكتب كالأبناء يصعب الانفصال عنهم
- اقتصاديات الكلام
- مفهوم الاغتراب الميتافيزيقي
- الخلاصُ من احتكارِ الخلاص في علم الكلام الجديد
- يولَدُ الإنسانُ مُكرّمًا ولا يكتسبُ الكرامةَ بعدَ ولادته
- الدينُ والرؤيةِ الجمالية للعالَم
- الدينُ والرؤيةِ الجمالية للعالَم (1)
- هاني فحص: روحانية متسامحة في زمن الطوائف
- مناقشة -الرؤى الرسولية- لعبد الكريم سروش (2)
- مناقشة -الرؤى الرسولية- لعبد الكريم سروش
- نسيان الله في تفسير حسن حنفي
- الدكتور حسن حنفي: الأضدادُ في كأسٍ واحد – 8
- الدكتور حسن حنفي: الأضدادُ في كأسٍ واحد – 1
- الدكتور حسن حنفي: الأضدادُ في كأسٍ واحد – 7
- الدكتور حسن حنفي: الأضدادُ في كأسٍ واحد – 6
- الدكتور حسن حنفي: الأضدادُ في كأسٍ واحد – 5
- الدكتور حسن حنفي: الأضدادُ في كأسٍ واحد – 4


المزيد.....




- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالجبار الرفاعي - للإنسانِ في القرآن الكريم بُعدان