أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - أين هم شيوعيو الأمس؟















المزيد.....

أين هم شيوعيو الأمس؟


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 7449 - 2022 / 12 / 1 - 14:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عرضت علينا العقود الثلاثة الماضية مشهداً معقداً وفريداً يخص شيوعيي العالم الثالث الذين كانت الدول الاشتراكية بالنسبة لهم، رغم القليل أو الكثير من النقد الذي كانوا يوجهونه لها، طليعة العالم والمؤشر الأكيد على اتجاه التاريخ. فقد وجد هؤلاء الشيوعيون أنفسهم في قلب عاصفة تغيير شملت العالم الاشتراكي، مذهولين من هذا التلاشي المفاجئ لأنظمة سياسية كانوا يضعونها على رأس معسكر الثورة العالمية، المعسكر الذي بات في مقبرة التاريخ، في حين كان يعتبر هذه المقبرة، وبيقين ثابت، المصير المحتوم للمعسكر المعادي.
كثير من الشيوعيين كانوا قد دفعوا سنوات طويلة من أعمارهم في السجون والملاحقات الأمنية بسبب انخراطهم في أحزاب تسعى، في الإطار العام، إلى خوض تجربة اشتراكية مشابهة لتلك التي انهارت أمام أعينهم مثل هياكل من رمل. ومن تلك الأحزاب من أراد بناء تجربة اشتراكية أكثر جذرية، والجذرية هنا لا تذهب باتجاه ديموقراطي بل تذهب عكس هذا الاتجاه بالأحرى، سواء في الداخل أو في العلاقة مع الغرب الرأسمالي.
ظهر أن الشعوب في تلك "الديموقراطيات الشعبية" لم تهب دفاعاً عن النظام الاشتراكي الذي يفترض أنه نظامها. كان لا بد لقناعات الشيوعيين وتصوراتهم الراسخة حيال هذه الأنظمة التي انهارت، أن تتبدل. ومن الطبيعي أنه ليس من السهل تبدل القناعات والتصورات الذهنية التي شكلت بالنسبة للكثيرين معنى حياتهم ومصدر قيمتهم الذاتية.
تحت تأثير انهيار المنظومة الاشتراكية، يمكن، بعمومية واسعة، رصد ثلاث استجابات فكرية مختلفة لدى الشيوعيين السابقين. الأولى هي الأقل انزياحاً، ومضمونها هو التعامل مع انهيار المنظومة الاشتراكية على أنه تعثر عابر، بالمقياس التاريخي، في سياق الانتصار الأخير و"الحتمي" للاشتراكية. العدو في نظر هذه الاستجابة لم يتبدل، إنه الرأسمالية التي بلغت مستويات عالية من التوحش، وقد فازت في هذه الجولة بسبب أخطاء في تطبيق الاشتراكية. يتحسر هؤلاء على "رفاق الطريق" الذين تخلوا عن قناعاتهم من الصدمة التاريخية الأولى، وانقلبوا إلى المعسكر "الليبرالي" المضاد. ولعل في الخلفية الذهنية لبعض هؤلاء أن العودة الاشتراكية أو النهوض الاشتراكي التالي، سيتم على يد أصحاب التجربة الأولى أنفسهم، فيحملون لذلك عاطفة خاصة تجاه روسيا حتى في تحولها البوتيني. وقد يفسر هذا اصطفافهم مع الروس في حربهم الحالية في أوكرانيا.
الاستجابة الثانية هي الأكثر انزياحاً، ومضمونها هو الإقرار بأن الليبرالية، التي كانوا يهملونها أو قل يعادونها، بوصفها قيمة رأسمالية وبورجوازية، إنما هي القيمة السياسية الأساسية، وأن الأنظمة الرأسمالية الديموقراطية هي قاطرة التاريخ وليس الأنظمة الاشتراكية التي أخطأوا سابقاً في اعتبارها كذلك. هنا تحول العدو السابق إلى حليف، وتولد في أذهان هؤلاء "مسلمات" معاكسة لمسلماتهم السابقة، مثل هجاء واستفظاع ما تنطوي عليه التجربة السوفييتية من جرائم وقمع، ومثل جمع الشيوعية مع النازية تحت بند الأنظمة الشمولية، في تشديد يشبه الانشغال النفسي بغسل ماض فكري ليس بعيد. يتحسر هؤلاء على من لم يدرك بعد، الدور الطليعي للغرب، ويميلون إلى نسب النقد الموجه للغرب إلى عقلية شرقية مريضة بالعداء للغرب، أو إلى بقايا "تفكير قديم" أي شيوعي.
يغلب الانفعال على الاستجابتين السابقتين، الأولى تصر على ما كانت عليه وتحاول استيعاب الزلزال الذي حدث ضمن منظومة التفكير السابقة نفسها، والثانية تغير الاتجاه بالكامل وترمي ما كان يميزها من إعلاء مصلحة المجموع (العدالة) على مصلحة الفرد (الحرية)، لترى إلى التاريخ، هذه المرة، من منظور ليبرالي (حرية الفرد).
الاستجابة الثالثة أقل تبلوراً، وما يمكن تلمسه لدى أصحابها هو السعي للتحرر من مسلمات سابقة كانت لديهم، ولكن دون التسليم بمسلمات جاهزة أخرى، والانطلاق في استيعاب العالم السياسي من الحقائق الملموسة للناس، وليس من كلمات أو تسميات أو أهداف غير منظورة. هؤلاء يغلب عليهم القلق وغياب اليقين، وقد يكونون لذلك أكثر قدرة على إنتاج ما يفيد.
يمكن رصد استجابات فردية أكثر تنوعاً، مثل الارتداد الديني والميول العدمية واللامبالاة اليائسة. الواقع أن كل الاستجابات السابقة تحمل قاسماً مشتركاً هو الثقل النفسي الناجم عن فشل تجربة لم يخضها هؤلاء ولكنهم ورثوا تبعات فشل غيرهم.
على الضد من ميل ملحوظ لدى البعض، لحذف قيمة نضال هؤلاء الشيوعيين وربما لتجريمهم حتى، يتوجب علينا القول إن قيمة نضالهم، كما هو الحال بالنسبة لنضال كل المعارضين السياسيين الآخرين في ظل سلطات مستبدة، لا تنبع أبداً مما يحملون في رؤوسهم أو في أوراقهم من فكر ومشاريع وبرامج سياسية، بل تنبع من حقيقة معارضتهم ووقوفهم في وجه سلطات تكرس كل طاقتها على تدجين المجتمع وقتل عصب المقاومة فيه. في ظل السلطات المستبدة التي تسعى إلى تغييب من يعلن معارضته لها، في السجون أو القبور أو المصحات العقلية، يبقى للمعارضين السياسيين، بصرف النظر عن أفكارهم، قيمة مستقلة.
ينبع وجوب هذا القول من ضرورة إنصاف هؤلاء الأشخاص الذين دفعوا، مع عائلاتهم، ثمن الانكماش أو الخضوع المزمن للمجتمع، أكان خوفاً أو تبلداً أو قناعة أو جهلاً أو انتهازية ... الخ. على هذا، يبدو لنا إنه قبل أن يحق لأحد أن يحاسب هؤلاء على ما كانوا يحملون من أفكار (ربما كانوا يحملون أفكاراً وتصورات عامة تعد بتأسيس نظام سياسي لا يقل سوءاً أو قد يكون أسوأ من النظام الذي يعارضونه)، عليه أن يلتفت إلى نفسه وإلى الذين صمتوا عن حرمان هؤلاء وغيرهم، من التعبير السياسي عن أفكارهم وعن أنفسهم. تراجع الناس أمام السلطات وإحجامهم عن الاحتجاج على تجاوزاتها التي منها اعتقال المعارضين لها، هو ما يكمن في أساس تفسير تغول السلطة، وليس فكر المعارضين، حتى لو كان فكراً "ديكتاتورياً". تماماً كما أن ما الفكر السياسي للسلطات المستبدة لا يكمن في أساس مشكلتها مع المجتمع، بقدر ما تكمن في الاستبداد والقمع المعمم، تستوي في ذلك السلطات التي تحمل فكراً علمانياً مع تلك التي تحمل فكراً دينياً، وتلك التي تحمل فكراً قومياً مع تلك التي تحمل فكراً أممياً.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفكيك الاستبداد في السودان
- عن تماسك معسكر النظام في سورية
- -العاقل-، إله تائه يبحث عبثاً عن الرضا
- مأزق الجيش في السودان
- الأمم المتحدة تتراجع، الجولاني يتقدم
- هذه الجوانب الخطيرة في الانتفاضة الإيرانية
- قصة الحجاب بين الفرض والحظر
- نساء العائلة، تاريخ خاص
- الوهم الذي لا يتبدد
- السوريون في أوروبا، هل يتحول المنفى إلى وطن؟
- نحن وغورباتشوف
- هل من مخرج للعراق؟
- هذه الفتاوى والتابوهات
- عن انتفاضة الصدريين في العراق
- ليالي السجن، العازل والاسمنت
- سلطات العنف، أو الشرعية المستمدة من العنف
- السويداء السورية، انتفاضة محلية ببعد وطني
- خطوة إلى الخلف في تونس
- السلطة والثورة، الاعتماد المتبادل
- لجان المقاومة، أشباح تنظم احتجاجات السودان


المزيد.....




- ساندرز لـCNN: محاسبة الحكومة الإسرائيلية على أفعالها في غزة ...
- الخطوط الجوية التركية تستأنف رحلاتها إلى أفغانستان
- استهداف 3 مواقع عسكرية ومبنى يستخدمه الجنود-.. -حزب الله- ين ...
- سموتريتش مخاطبا نتنياهو: -إلغاء العملية في رفح وقبول الصفقة ...
- تقرير: 30 جنديا إسرائيليا يرفضون الاستعداد لعملية اجتياح رفح ...
- البيت الأبيض: بايدن يجدد لنتنياهو موقفه من عملية رفح
- عيد ميلاد الأميرة رجوة الحسين يثير تفاعلا كبيرا..كيف هنأها و ...
- شولتس.. وجوب الابتعاد عن مواجهة مع روسيا
- مقترحات فرنسية لوقف التصعيد جنوب لبنان
- الأسد: تعزيز العمل العربي المشترك ضروري


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - أين هم شيوعيو الأمس؟