نبيل جاسم
الحوار المتمدن-العدد: 1696 - 2006 / 10 / 7 - 03:56
المحور:
الصحافة والاعلام
زادت في الاونة الاخيرة الكتابات التي تتناول شبكة الاعلام العراقي، وتحديدا قناة العراقي، بالانتقاد الاقرب الى الشتيمة، او المديح الذي يصل حد التملق، ولا يكاد يمر يوم واحد، الا وتطالعك العديد من المقالات على الشبكة العنكبوتية، حتى ساورني الشك في ان ما سأكتبه سيجد صدى في القراءة.
اذ يمكن ان يخمن القراء ان الموضوع المكتوب هو اما يقع في باب الشتيمة، او التملق، وذلك بسبب الحرب التي دارت بين زملاء المهنة عن هذا الموضوع .
واستطيع الادعاء ان الملاحظات التي احاول ان اوردها هنا ليست من هذه البيئة او تلك ( الشيمة- التملق).
كما اشير الى ان البعض يسأل عن سبب ايراد السلبيات بعيدا عن الايجابيات، اقول: ان تأشير مواطن الخلل اهم من الثناء، فلا يجب ان نشكر اية مؤسة لمجرد انها تقوم بواجبها، كما ان استعراض الهفوات والسلبيات، اكثر اهمية لانه يشير الى مواطن الخلل التي يكمن في تجاوزها سر التفوق.
في البدء اقول ان الاباء المؤسسين لشبكة الاعلام العراقي، اشاروا الى ان هدفهم من بناء هذه المؤسسة هي ان تكون شبيهة بالـ(bbc) وكان مثل هذا الطموح المشروع رائعا ولكن النيات وحدها لا تستطيع ان تبني مؤسسة مثل الامبراطورية المذكورة، اذ كشف السياسيون العراقيون ورغم كل دعوات الانفتاح، وحرية التعبير، عن حرصهم على فرض سيطرتهم على وسائل الاعلام التي تمول من الخزينة العامة، وساعدهم في ذلك (بقصد او من دون قصد) العاملون في حقل الاعلام العراقي، فذهنية المسؤول كانت وما زالت، تتعامل مع الاعلام من واقع ان الاعلام المملوك للدولة لا بد بالضرورة ان يكون ناطقا بأسمه، ومعبرا عن طموحاته، ومشاريعه، وبرامجه، ذلك ان الذهنية السياسية وبيئتها ما زالت مركبة بالشكل التقليدي للانظمة التي تسيطر فيها الحكومة على قطاع الاعلام، وبنفس الذهنية تعامل الاعلاميون، نتيجة للخبرات السابقة التي اكتسبوها في مجال الاعلام الحكومي، ولم يعرفوا غيرها، او لاسباب تتعلق بتوجهات العاملين التي يكون لها ابلغ الاثر في توجه القناة او اية وسيلة اعلامية في العالم .
كان هناك شبه اتفاق غير محكي عنه في اعادة وسائل الاعلام الممولة من الحكومة الى سيطرة السياسيين الذين تسلموا مناصب حكومية.
بهذه الروحية ومن غير ان يطلب منهم احد وضع المسؤولون عن الشبكة، تصرف العراقية في خدمة حكومة الدكتور اياد علاوي ووصل حد التخصيص الى ان تكون القناة ما يشبه قناته الشخصية، من دون ان يكون هناك امر مباشر للقيام بهذه الخطوة.
ورغم ذلك فأن مسؤولين حكوميين كانوا منزعجين من ان العراقية لا تعبر عن وجهة نظرهم بشكل مطلق!.
وفي حديثي مع مسؤول كبير في حكومة الدكتور علاوي قال لي: اني اشعر ان العراقية لا تمثلي بشكل مطلق؟ فقلت له: لا يفترض بالقناة ان تمثلك بشكل مطلق بل يجب ان تمثل توجهات الجميع اضافة الى الحراك الاجتماعي والسياسي في كل العراق. فقال لي اذن لماذا نمولها من خزينة الحكومة؟ قلت له : انتم اعلنتم انكم تريدون نموذجا شبيها بالـ (bbc) وذلك لا يتم من دون ثمن وذلك ثمن حرية التعبير.
وكما هو معروف فقد ساهمت العراقية بحملة للترويج لقائمة الدكتور اياد علاوي وارتكبت بذلك خطأ فادحا، اذ لم يكن من الممكن استخدام وسيلة تمول من المال العام لصالح حزب سياسي بعينه.
وجرت العادة على نفس المنوال في حكومة الدكتور الجعفري اذ انقلبت القناة بشكل ملحوظ في تأييد سياسة حكومة الدكتور الجعفري، وتم استخدامها ايضا من قبل الحكومة للترويج للسياسيين المشاركين في الحكومة، وفي دراسة اعدتها مجموعة من منظمات المجتمع المدني العراقي، كشفت عن حجم اللاتوازن في اعطاء الفرصة للمشاركين في الانتخابات بين مرشح واخر، وكان القدح المعلى في حجم التغطية من نصيب الاحزاب التي كانت مشاركة بفعالية في تشكيل حكومة الدكتور الجعفري، وبذلك كانت القناة تميل بشدة اين ما يميل مؤشر السياسة المسيطرة ودفتها، وذلك تعبير جلي عن السيطرة، والسطوة التي تملكها الحكومة على وسيلة اعلام لا يفترض ان تكون ذراعا للحكومة وفق مبادي الاعلام الحر وقوانينه. بل يجب تكون من حق الجميع، ويفترض انها تمثل الجميع لانها وببساطة تمول من اموال جميع العراقيين وثرواتهم.
اضافة الى سمتين تميزت بها قناة العراقية اولها الهدف المعلن لهذه القناة العملاقة في كادرها وفي تمويلها.
ولو ان القناة حددت اهدافها التي تروم تحقيقها، لكان من السهل تحديد مدى التزامها بهذه الاهداف، وعدم الميل عنها ولكن غياب الهدف الذي تسعى كل وسيلة اعلام الى تحقيقه يجعلها غير ذات سمة ويؤثر في حجم التعرض لها، لغياب الهدف من وجودها.
وثاني السمتين هو ان العديد من الكيانات الاجتماعية والسياسية كان لها اعتراضات جوهرية على طريقة اداء العراقية، وصلت حد العداء الذي لم يكن مفترضا به ان يكون.
كما يمكن ملاحظة حالة اللاتوازن في القناة من خلال سخط الكثيرين من توجهاتها رغم ان الهيئة الوطنية العراقية للاتصالات والاعلام وفي اللائحة المؤقتة لقواعد ونظم البث الاعلامي، اكدت على (مراعاة المعايير المتعارف عليها لمبادىء اللياقة وعدم التمييز والانصاف والدقة والتوازن) في عمل محطات البث، وكذلك مراعاة (النزاهة والحياد في مضمون البرامج) دون ان ننسى ان ذلك لا يعني فتح الباب امام ما يثير، او يحرض على العنف، او الكراهية، وهو ما اوردته الهيئة ايضا من (منع التحريض على العنف والكراهية) واذا ما قمنا بمطابقة الاهداف التي وضعها السياسيون من انهم يريدون ان تكون العراقية مشروعا شبيها بـ(bbc) او بقواعد عمل الهيئة الوطنية العراقي للاتصالات والاعلام، فهل سنجد على ارض الواقع ما يشبه هذين الهدفين؟
ان الاجابة عن هذه الاسئلة يمكن ان تقطع بنا شوطا من اجل عملية التصحيح، بدل كيل الشتائم من جهة، وكيل المديح من جهة اخرى، وسنتناول لاحقا الاداء العام لقناة العراقية بمنجزها على الصعيد الاخباري او البرامجي اوحتى الترفيهي مقارنة بحجم الانفاق عليها.
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟