أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى الأحول - يوميات مسافر














المزيد.....

يوميات مسافر


مصطفى الأحول
كاتب وشاعر

(Mustapha Elahoual)


الحوار المتمدن-العدد: 7444 - 2022 / 11 / 26 - 17:46
المحور: الادب والفن
    


ذات صباح،أياما قليلة بعد استقراره في كتامة .هب من فراشه ،فغسل وجهه ثم غادر الفندق، من غير أن يعرف وجهته على وجه التحديد. قادته غريزته والتي كعادتها تستيقظ قبل عقله ،الى مقهى وسط المركز. بجانب محطة بئيسة منزوية على حافة النهر ،بنايات حديثة البناء،كانت تنبجس الواحدة إلى جوار الأخرى في غير انسجام مع أرض مغبرة وطريق غير معبد لم يسو بعد،مشكلة بذلك مشهدا كئيبا وحزينا في ذات الوقت .دخل الى المقهى واختار طاولة متقدمة تطل على الشارع عبر زجاج شفاف تقابل النهر والجبل ،جلس ثم اعتدل واضعا وجهه قبالة النهر ،لم يكن المكان هنا قد غص بالزبائن، فأغلب الطاولات خالية،الا من بعض التلاميذ الغارقين في متابعة هواتفهم المحمولة.
جاءه النادل مسرعا ،مسح أثار الغبار على الطاولة ،بخرقة مبلولة ،واستقام .طلب منه الفطور ،بضع دقائق كان الفطور جاهزا ، بيضة مقلية في الماء ،وكأس شاي وجبن وقطعة فرماج ،وأربع حبات من الزيتون الأسود غير مجفف،ولا مشمس، وكأس عصير ليمون صغير. فطور بئيس، قادر على إتلاف معدته دون أن يأكل جيداً .تناول وجبته على مضض ،وعند الإنتهاء طلب قهوة سوداء ليعدل مزاجه أو بالأحرى ليساعد العقل،هذا الكسول الخامل بالإستيقاظ . فالوعي لحظة متأخرة الظهور،عاش الإنسان ردحا من الزمن بسعادة وهناء دونما حاجة لهذا المشاكس. لقد فكر الإنسان طويلا دونه،وأحس وفعل أشياء كثيرة وعظيمة . فالحياة ممكنة دون أن تنظر إلى ظلها . فحالة التأمل كانت في أكثر مناحيها مضادة للطبيعة،وأن الإنسان المفكر حيوان فاسد.هذا ما قاله الرومانتيكي روسو وعند تدخينه لسجارتين بينهما فاصل زمني قصير .
ترجل خارج المقهى في اتجاه النهر الرقراق .أشجار أرز شامخة منتشية بعلوها صباح مساء ،تداعب السحب الملبدة سماء المكان.النهر يغني ، ترانيم تارة وتارة أخرى تعويذة بلحن صوفي زاهد يتعبد بها للجبل الجليل العالي علو ما في المكان. شجيرات الجوز واللوز منتشرة على جنبات النهر كأبي الهول تحرسه في الشتاء أعتى الفصول وأكثرها شرا.حقول صغيرة غير منبسطة ،منتشرة هنا وهناك ،وفلاح يغازل شجيرات"التريكيتا"،في حقله الصغير الغير المستوي. منجذب إليها بقلب عاطفي جبار. متناغم معها حد التماهي ومنسجم أتم الإنسجام ،لدرجة اتخاذه من حقله هذا معيار للخير والشر. فالخير بالنسبة إليه هو كل شيء يميل الى صون هذا الإنسجام والتماهي وجمال الحقل كله ،ويكون شرا عندما يميل عكس ذلك. إنه مرتبط أشد الإرتباط بحقله ،عكس إنسان المدن المفصول نهائيا عن الأرض من قبل الكثير من الوسطاء ،والأدوات المادية ،وبالتالي غياب تلك العلاقة الحيوية ،وظهور علاقة اقتصادية تستتبع امتيازات لا إلتزامات.
على ضفاف النهر الرقراق ،تحث شجرة الجوز العريقة الضاربة في أعماق تاريخ المكان ،مسندا ظهره على غصنها.فتذوق لفافات الحشيش.اللفافة الأولى والثانية من حشيش" زݣارة " فتسمر في سكون بهيج ملء لا مبالة سعيدة ،فشعر بالسنين والهوم والأحزان تتداعى ،وأحس برأسه كما لو لم يكن ابدا مشدودا إلى جسد ،بل مستقلا بذاته، يسبح في عوالم أخرى ،هكذا تحرر من ثقله وعاش تجربة صوفية زاهدة.
ولما بدأ المساء يدنو ،والشمس وهي تأوي إلى مضجعها ،صبغت وجه المساء بحمرتها وأصبحت كعروس في ليلة عرسها في ابهى حللها. هدوء وصمت لا يكسرهما سوى عواء الثعالب، وأغاني مزعجة بلحن كئيب لعلجوم ثمل بنسمات القنب الهندي التي تفوح في أرجاء المكان. ساعدته على العودة إلى جسده. كسفينة ظلت طول اليوم تنتظر عودة شاطئها المسافر.



#مصطفى_الأحول (هاشتاغ)       Mustapha_Elahoual#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوم أسود
- الفلسفة الإسلامية
- العقل في فلسفة فريديريك نيتشه
- الفلسفة فن البحث عن الجواب ، وليست فن إثارة السؤال.


المزيد.....




- شاهد رد فعل هيلاري كلينتون على إقالة الكوميدي جيمي كيميل
- موسم أصيلة الثقافي 46 . برنامج حافل بالسياسة والأدب والفنون ...
- إندبندنت: غزة تلاحق إسرائيل في ساحات الرياضة والثقافة العالم ...
- إندبندنت: غزة تلاحق إسرائيل في ساحات الرياضة والثقافة العالم ...
- مسرح الحرية.. حين يتجسد النزوح في أعمال فنية
- مسرح الحرية.. حين يتجسد النزوح في أعمال فنية
- أبحث عن الشعر: مروان ياسين الدليمي وصوت الشعر في ذروته
- ما قصة السوار الفرعوني الذي اختفى إلى الأبد من المتحف المصري ...
- الوزير الفلسطيني أحمد عساف: حريصون على نقل الرواية الفلسطيني ...
- فيلم -ذا روزز- كوميديا سوداء تكشف ثنائية الحب والكراهية


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى الأحول - يوميات مسافر