أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى الأحول - يوم أسود














المزيد.....

يوم أسود


مصطفى الأحول
كاتب وشاعر

(Mustapha Elahoual)


الحوار المتمدن-العدد: 7427 - 2022 / 11 / 9 - 14:02
المحور: الادب والفن
    


استيقظ متأخرا ،قبل موعد صلاة الجمعة بقليل ،نظر إلى ساعته ،لم يتبقى له سوى ساعات قليلة عن موعد عمله.
قال في نفسه ،استيقظت متأخرا اليوم ،كثيرة هي الأشياء ستؤجل لأن موعدها أعدمه النوم أو بتره السيف ،الأمر سيان. ثم توجه نحو المغسلة ،أدار الصنبور ،لم يأتي الماء بعد ،ربما حتى المساء ، من حسن حظه لازالت قارورتين مملؤتين بالماء ،رش أو صفع وجهه الذابل بصفعات من ماء بارد ،طرد منه الكسل والخمول وكل جيوش النوم المستعمرة جسده.بخطى ثقيلة واهنة ،كخطى محارب انتهى لتوه من حرب طويلة الأمد .الى مطبخه قادته خطاه أو معدته الفارغة والحق أنهما معا. مطبخه والذي كعادته يكون نصيبه من التأجيل وافرا. المغسلة مملوءة عن آخرها بآواني عشاء أمس المتأخر ،تركه واتجه نحو ابريق الشاي الذي من حسن حظه ،كان يوجد خارج بالوعة مغسلة الأواني. ملءه بماء معدني لأن ماء الصنبور غير صالح للاستهلاك ،وعلى نار هادئة تركه ينضج ،لينشغل بتحضير أمور أخرى ،هي نصف ساعة ،كان الفطور جاهزا ،تناوله على مهل ،وتأبط محفظته وهم خارجا نحو مقهى الحي ،لم يتبقى له سوى ساعة ونيف ،ساعة كافية لأن يعدل فيها ميزاجه ويتحرر من جبروت النوم ،وبعد انصرام الساعة كان قد ارتشف قهوته ودخن سجائرة فعدل ميزاجه المضطرب.ولما اقتربت النصف ساعة المتبقية،آن اوان سيزيف بالظهور وتكرار المهمة ،حمل صخرته بل محفظته وصعد ،انه صعود شاق وموحش ،لا يلطف من وحشيته عشب ولا شجر ،لن تسمع فيه سوى صرير وقع أقدامك الصلبة وهي تمشي على خشخشة الحصى وهي تسحق الأحجار من تحتها ،ولما وصل مقر عمله.تسائل ماذا لو وصل سيزيف إلى القمة ؟ولم يجد شيئا ،لا خلاص ولا ألهة ،فقط نهر هيراقليطي في صيرورة لا تنتهي ؟ماذا لو كان يعلم سيزيف بذلك ؟ أكان سينتقم من نفسه لسذاجته ؟ فيقاطون تلاميذه تساؤلاته ،أطفال كلهم بشاشة وحيوية ونشاط ،إنهم ورود حديقته ونتاج أفضل أرض يملكها،عيونهم متقدة ،يحفظون عن ظهر قلب كل أقواله وعباراته ،تعجبهم طريقته السلسة في الشرح ،في تقديم أمثلة حية من واقعهم المعاش ،يندهشون فتتولد الأسئلة الجذرية ،فبدون الدهشة تحافظ الأراء على يقينها المطلق ،والحق يقال ،أن أصل الفن والعلم والفلسفة هو الدهشة أمام أسرار العالم. انتهت الحصة.
غادروا والتحقو تلاميذ قسم آخر،وأثناء إلقائه للدرس ،اهتز هاتفه ،المرة الأولى وضعه على الطاولة مع تفعيل خاصية صامت ،يقوم بإعادة الإتصال للمرة الثانية والثالثة...،آه رقم غريب ويتصل بإلحاح ،هناك طارئ ما ،أظن أنها كارثة جديدة تنتظرني ،وابتسم في وجه تلاميذه ،ليردوا عليه خيرا أستاذ إن شاء الله. اعتذر منهم وخرج إلى الباب فضغط على زر الإستقبال.ألو السلام عليكم!!؟ أهلاً صديقي أين أنت ؟ رقم غريب وصوت لم يميزه لمن بعد وكلمات مريبة ،كل هذا جعله يصمت قليلا ويتساءل.من يكون ؟ فأجاب أنا هنا. وهي إجابة اكثر تلغيزا ،هدفها يكمن في استدراج المتصل ليفصح عن هويته وسبب اتصاله ،فيجيبه المتصل: لقد جئت عندك للدار ،فوجدت الماء خارج باب العمارة،إنه يخرج من شقتك.
آه أجاب. إنه شعور مزدوج فرح وتذمر ،فرح لمعرفة المتصل وحزن وتدمر من الكارثة العظمى التي أصابته هذا المساء .ثم أجاب: صديقي عبدو ،الآن في العمل ،حاول من فضلك قطع الماء على شقتي.فأجابه لقد غادرت. فشكره وقطع الإتصال وعشرات الصور تروج مخيلته.كثيرة هي الأشياء غرقت .كتب وأوراق عديدة كانت على الأرض ،وملابس أيضاً وكل أفرشة الأرض.إنه طوفان بحق فمن له القدرة على النجاة ؟،هكذا قال.ثم تذكر أن اليوم هو موعد مجيء الماء ،وصنبور مغسلة المطبخ تركه مفتوحا في الصباح ،ومع أن بالوعة المغسلة مسدودة بالآواني ،فاض الماء عنها وساح كل أرجاء الشقة.بضع دقائق كانت كافية لتحول معالم الشقة إلى مسبح تسبح فيه الكتب والأوراق وباقي الأغراض الآخرى. استأنف الحصة ،حتى دق الجرس.بخطى مسرعة تدحرج عبر المنحدر الشاق ،ولما وصل باب العمارة ،وجد صاحبها وأخيه عند بابها ،قال الأخ ،لقد علمت بالأمر متأخرا فقطعت الماء عن الشقة ،وبعبارة وجيزة قال لهم:شكرا لكم ،وصعد حيث توجد شقته بالطابق الثاني ،ادراج العمارة وكأنها شلال أطلسي في بداية الربيع ،يتدفق برفق.
فتح الباب وتفقد أغراضه ،فلم ينجو من الغرق سوى ما يحمله السرير ،وما تحمله الطاولة وكأنهما سفينة نوح غرق كل من تعذر عليه الصعود اليهما.
ابتسم وتوجه إلى النافذة وأشعل سيجارته وكأنه نيرون يلقي نظرته الآخيرة على روما وهي تغرق.



#مصطفى_الأحول (هاشتاغ)       Mustapha_Elahoual#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفلسفة الإسلامية
- العقل في فلسفة فريديريك نيتشه
- الفلسفة فن البحث عن الجواب ، وليست فن إثارة السؤال.


المزيد.....




- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى الأحول - يوم أسود