أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - المهاجر وهويّته الثقافية














المزيد.....

المهاجر وهويّته الثقافية


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 7428 - 2022 / 11 / 10 - 12:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كان تولّي ريشي سوناك منصب رئيس وزراء بريطانيا، وهو من أصل هندي خلفًا لرئيسة الوزراء ليز تراس، التي لم تستمر في رئاسة الحكومة سوى 44 يومًا، والتي جاءت على أعقاب بوريس جونسون، سببًا جديدًا في طرح أسئلة قديمة وجديدة، بل معتقة بخصوص الهويّة والثقافة، فالجيلين الثاني والثالث من المهاجرين إلى بريطانيا وإلى عموم البلدان الأوروبية، مرّا بتجارب ذات طبيعة إشكالية بقدر ما هي مشكلة في الآن ذاته، خصوصًا وهما يحملان أو يمثلان أو يعبّران عن ثقافتين مختلفتين، لاسيّما بالنسبة للمهاجرين غير الأوروبيين.
لم يكن مفاجئًا تكليف سوناك من جانب الملك تشارلز الثالث، وهو المعروف بانفتاحه على القيم الإنسانية للحضارات والثقافات والأديان والشعوب والأمم المختلفة، وذلك بعد استقالة تراس وسط ذهول داخلي وترقّب خارجي فيما يتعلّق بإعادة لُحمة حزب المحافظين من جهة، واستعادة دور بريطانيا على الصعيد العالمي من جهة أخرى، خصوصًا بعد الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها، إضافة إلى تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا وأزمة الطاقة.
يُنظر إلى المهاجرين من غير الأوروبيين باعتبارهم يحملون "ثقافة خاصّة ومميّزة". وقد أظهرت الحداثة والعولمة صيرورات هذه الهويّات بإدراك الذات في تداخلاتها، خصوصًا للجيلين الثاني والثالث، وذلك من خلال القيم والحياة العامة بين المهاجرين وفي داخلهم مع مجتمعاتهم الذي يعيشون فيها؛ فضلًا عن التحولّ الذي يظهر على الإنسان بين الهويّة الأولى والهويّة الثانية، ولا أريد القول الهويّة الأصليّة والهويّة المكتسبة، فكلاهما يمثّلان انتماءً مندغمًا في شخصية المهاجرين بعد العيش في مجتمع بقيمه السائدة. وقد بيّنت التجربة أن توتّرًا يحصل بين الجيل الأول وما يليه من أجيال، أي بين الأبناء من جهة والآباء والأجداد من جهة أخرى، وثمة عوامل تحول دون الاندماج داخليًا وخارجيًا، وقد حاول توماس هايلاند إريكسون معالجتها من وجهة نظر أنثروبولوجية في كتابه "العرقية والقومية".
صحيح أن العيش في ثقافتين ليس أمرًا إشكاليًا إذا كانت البيئة الاجتماعية تسمح بذلك، إلّا أن ثمة معوّقات وعقبات تحول دون ذلك أحيانًا، فالهويّة الغالبة أو السائدة يُراد لها أن تكون مترابطة ومحدّدة وواضحة المعالم، وبهذا المعنى يصبح المهاجرون من الذين لم يندمجوا أقرب إلى التمايز، والأمر لا يتعلّق بالثقافة بقدر ما يتعلّق بالفشل في الاندماج والتواصل المنسجم مع الفئات المهيمنة على التركيبة الاجتماعية.
قد تنبعث حركات باسم "الهويّة" أو "الخصوصيّة" أو "الأصل" أو "الحق في التعبير"، لكنها بالتدرّج تتضاءل الأهميّة الاجتماعية لمثل هذا التمايز مع مرور الأيام، ويندفع أحيانًا أبناء المهاجرين أو أحفادهم إلى الاندغام الذي هو أقرب إلى إضاعة الأصل، بل أن بعضهم يبالغ به أكثر من اللّازم، خصوصًا حين يزداد الشعور بعدم أهمية هذا التمايز ورغبة الأكثرية في عدم رؤيته أو الاستجابة إليه، سواء بالمساواة الثقافية أو توازن المصالح واتفاقها.
ومن ملاحظتي الشخصية خلال إقامتي في بريطانيا، أن التباينات الثقافية بما فيها اللغة، ليست مفصولة عن العرقية تمامًا، على الرغم من أن بعض الدراسات الأنثروبولوجية تقلّل من أهميتها أو تجعلها نسبية، والمهم كيف يمكن استخدام الاختلافات الثقافية سبيلًا للاتصال وليس للانفصال، بما يعطيها دلالة اجتماعية بتغيّر المحتوى الثقافي للهويّة ذاتها؟
ويبدو منطقيًا أن المهاجرين، وخصوصًا من الجيلين الثاني والثالث، ممّن ولدوا وعاشوا ودرسوا في المدارس البريطانية سيكونون مجبرين على إقامة صِلات وثيقة بالسكان الذين يمثّلون الأكثرية وبالنظام الذي تقيمه في الانتاج والاستهلاك، فابن المهاجر "البريطاني" من أصل هندي أو إفريقي أو عربي، لم يختر أن يكون كذلك، فذلك مفروض عليه ولا يستطيع هو، إن كان رجلًا، أو هي، إن كانت امرأة، أن تتجاوز الدولة وقوانينها من التدخّل في حياتهما ومستقبلهما واندماجهما في المجتمع، فهما لا يمكنهما تغيير نمط حياة الناس أو علاقاتهم أو شكل انتاجهم أو خلفياتهم الثقافية، وإنما عليهم هم أن يتغيّروا مع ما هو سائد ومتواصل وتاريخي والتصرّف بموجبه، مع بقاء بعض الخيارات قائمة نسبيًا.
على سبيل المثال، المسلم يذهب إلى الجامع حتى وإن لم يكن متديّنًا، وقد يكون ذلك في الأعياد أو في المناسبات بما فيها حضور مراسم العزاء، ويفعل الهندوسي ذلك بالذهاب إلى المعبد، وهكذا كلّ منهما يجد طريقة ذات معنى في تعبيره عن خصوصيته لاعتبارات رمزية أو تاريخية وثقافية، فالهويّة ليست ثابتة وإنما مفتوحة وتقبل الإضافة والحذف والتجديد، وهي ليست نهائية أو كاملة بمعنى سرمدي، وإنما هي في حالة تفاعل وتراكب وتواصل مع محيطها وفي ظلّ تراكم طويل الأمد، فما بالك حين تعيش في مجتمع بقيم وتوجهات أخرى سائدة.
بهذا المعنى تكون الهويّة غير راكدة أو مستقرّة، سواء كانت هويّة الجيل الأول أو الأجيال التي تبعته، بما تفرضه عوامل مختلفة وأوضاع اجتماعية واقتصادية وثقافية سائدة، ولعلّ تلك هي هويّة ريشي سوناك، وهو ما عبّر عنه بوضوح منذ وصوله إلى 10 داونغ ستريت.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المستقبل العربي 2045
- الحق في السلام
- مجموعة السلام العربي (نداء القاهرة 2022)
- لا مرجعية فوق مرجعية الدولة وهناك سلفيون دينيون وسلفيون علما ...
- جامعة الدول العربية كلمة الافتتاح لمجموعة السلام العربي القا ...
- الدولة وسؤال النهضة
- البيان الختامي الصادر عن المؤتمر التأسيسي لمجموعة السلام الع ...
- نداء القاهرة
- دين العقل ، وفقه الواقع كتاب يضع الظلام تحت الشمس
- حوار مجلة كولان مع المفكّر والأكاديمي الدكتور عبد الحسين شعب ...
- عن مفهوم الدولة وتفريعاتها
- الإسلام الشعبي والإسلام الأيديولوجي
- نجاح العطّار السنديّانة الثقافية السامقة
- هل سيتكرّر النموذج الأفغاني في أوكرانيا؟
- حسين شحادة الركن الثالث - الاجتماع الإسلامي – المسيحي (الحلق ...
- المفكر عبد الحسين شعبان: يدعو الى دين العقل
- خريطة الفكر الإرهابي
- الرابطة العربية للقانون الدولي: إلى الملوك والرؤساء العرب
- الإرهاب واحتكار العدالة
- عبد الحسين شعبان في كتاب -دين العقل و فقه الواقع- مغامرة الت ...


المزيد.....




- تخطت 52 درجة مئوية.. موجة حر شديدة تضرب أجزاء من جنوب آسيا
- جنوب أفريقيا: حزب المؤتمر الوطني ينوي إجراء مشاورات لتشكيل ح ...
- وزير الدفاع الإسرائيلي: -لن نقبل- حكم حماس في غزة كجزء من أي ...
- مصدر مصري يكشف حقيقة تدخل السفارة الأمريكية في قضية -سفاح ال ...
- -كتائب القسام- تنشر مشاهد لعتاد وحطام آليات القوات الإسرائيل ...
- واشنطن تتوقع قبول إسرائيل بمقترح الهدنة.. إذا قبلته حماس
- نبات يثير -العجب- بخريطة جينية فاق ارتفاعها ساعة -بيغ بن-
- شاهد: حريق كبير شب في جزء من المتحف الإسرائيلي في القدس
- شولتس وشتاينماير ينددان بالعنف السياسي بغض النظر عن مصدره
- أكبر مستودع لتخزين الغاز في العالم.. روسيا تشن هجوما على منظ ...


المزيد.....

- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - المهاجر وهويّته الثقافية