أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد زكريا السقال - المنسي...ذاكرة في الحاضر















المزيد.....

المنسي...ذاكرة في الحاضر


محمد زكريا السقال

الحوار المتمدن-العدد: 1694 - 2006 / 10 / 5 - 10:41
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


المنسي عمل أدبي للطيب صالح صدر عن دار الريس للنشر عام 2004 ، هو سرد يتناول الذاكرة والسيرة الذاتية . يلقي الضوء على مرحلة من حياة الكاتب ، عبر شخصية تمتاز بالملاحة والظرف وهو المنسي أو الدكتور مكايل أو لا هم ، فبطل العمل حالة ذات تتميز ، تتفرد وتتعمم . بذلك تكون أمام نموذج للشخصية العربية في محاولة للالمام بها من جميع جوانبها وفي سياق ظروفها .
الطيب صالح ، القامة الروائية العربية العالية ، صاحب موسم الهجرة الى الشمال ودومة ود حامد وضو البيت وعرس الزين ، لايقدم عملا روائياً في المنسي ، بل يقدم سرداً قصصياً جميلاً يتناول فيه نموذج للشخصية العربية باعتبارها ذاتٌ تتفاعل مع واقعها المليء بالتعقيدات والهزائم ، شخصية تتميز بالقدرة على الشطارة والقدرة على الأونطة ، بعدم الجاهزية وانتفاء التخطيط . المنسي يُقدم على الوقائع التي تواجهه معتمدا على الفهلوية وسياسة الحلبسة كما يطلق عليها المنسي بطل الرواية.
يحقق المنسي انتصارات بهذه السياسة ويصاب بانكسارات ، تدخله في القضايا العامة وتجعله يخوض مواجهات في الندوات ومحافل الحوار من على منابر مهمة ، ومحطات ذات قيمة في المجتمع الدولي . فينقض ليدافع . يبرع ببعض القضايا لكنه لا يراكم ، وينهزم بكثير من الأحيان ، لكنه لايعتبر . ورغم ذلك يمتلك القدرة على الابحار بنفس العقلية والحيوية والنشاط . الدين حالة تفاعل إيجابي للتعايش والتفاعل . لا فوارق تبرز في هذا التعايش بل حالة من التماهي التام . قد يكون المنفى ؟ الغربة ؟ فليس هناك حالة نفي في الرواية إلا إذا لعب المكان والثقافة محورا في تجسيد دوائر للنفي السيكولوجي بمعنى الشعور الباطني بعدم الاندماج في الجديد . وهذه لا تبرز لدى المنسي ، بل على العكس فهو مغرق بحالة الاندماج ، حالة تتجلى في الندية بالتصدى للآخر ، إلا ان هذه الندية خليط من الادعاء وشعور خفي بالدونية . تتجسد هذه الحالة بارتداء الأقنعة . أقنعة كثيرة ، لا تبدأ بالتظاهر الخارجي على شكل اللباس ، ولا تنتهي بالمعرفة السطحية كأن يردد أسماء المشاهير وأسماء كتبهم . المسيحي يتحول لداعية اسلامي ، والمنسي ...ليس انتهازيا . المنسي...حالة الشعور البيئي المشبع بالذاكرة المبنية على التفاعل والتعايش ، وهذا يبرز في المنفى دائما . فالعرب يتفاعلون مع بعضهم بحميمية ظاهرة ، حميمية ترجع الدين للماوراء تلغيه وتهمله ، بانتظار بيئته وثقافته . المنسي هنا إسراف في التوغل بالحياة لاثبات الذات بالفطرة الغير متساوقة مع العصر ، لذا فهي تتطاول وتتداخل بعفوية تامة ، لا تعبأ كثيراً عندما ينكشف زيفها ولا تتردد من المغامرة ثانية وثالثة .
الكاتب هنا منحاز للمنسي منحاز للانسان في المنسي ، للقدرة على الحياة والغرف منها . منحاز لتبسيط الأمور لدى بطله ، حيث يدرك تماما الجوهر الكامن فيه . يتسامح معه رغم شدة المقالب والاحراجات التي يوقعه فيها ، يحنق عليه ويثور إلا أنه لا يفتأ أن يغفر له ويدخل بالدور الذي يرسمه المنسي له ليلعبه راضياً راضخاً ومندمجاً . حالة الغضب والحنق تذوب وتتلاشى مع أول محطة يجلسان بها ويتناولان طعاما أو شراب .
ما المميز في هذه الشخصية التي لازمت كاتبنا الطيب صالح ؟ ولماذا سكنت الطيب وألحت عليه وشكلت له قلق الكتابة ؟
لاشك ان الطيب صالح مشغول بشخصية المنسي ، ولكنه مسكون أيضا بالعام فيها ، العام الذي يؤرخ للزمن وللسياق الذي تشغله الشخصيات . فالبطلان يواكبان النهوض القومي ونكسة حزيران وأحداث لبنان من زاوية الاعلام ، فالشخصيتان تعملان لمحطة اذاعية بريطانية ، ويتفاعلان مع الخارج ونظرته للداخل ، والداخل وتصديه لقضاياه .
الطيب صالح لا يقدم هنا زوربا عربي ، بقدر ما يقدم عقلية ، تتعامل بالشطارة والفهلوة في التعبير عن وجودها ، بتبسيط الأمور ، بالقفز عن الواقع ، بالتطفل على الموضوعي المحكوم بالقوة . القوة التي تحدد تجاوز الواقع ، ثورة العقل وتطور الصناعة والسيطرة على الطبيعة وتسخيرها .
كل هذا امام الحلبسة . سياسة الحلبسة العربية ، التعبير المحبب لبطل الطيب صالح ، ثقافة مبنية على التسلق والقفز الغير متسق والغير عقلاني ، قد تصل إلا أنها لا تنجز أثراً .
المنسي ينتهي كأي برجوازي طفيلي ، يمتلك مزارع وشركات في امريكا ولندن . لكنه ذو جذور من قش في منطقته . روح المرح والتفاعل مع الأصدقاء والطيب صالح منهم ، وقد أكون أنا منهم وغيري ممن يعيشون المنفى . وقد يكون أكثر من منسي في دوائرنا . منسي نأنس له ونتفاعل معه ونحن إليه ، ولكنه لا ينقذ دافور ، ولايوصل طريقاً حراً وكريماً إلى دمشق .
قد اكون حملت رواية الطيب صالح اكثر مما ينبغي ، وقد اكون قولته ما لا يريد ، والطيب صالح له في نفسي ووجداني الكثير . وكم فرحت عندما التقيته في احدى الأماسي ببرلين ، ممتنا بذلك لصديقي الطيب الذي أحب ، الدكتور حامد فضل الله ، الذي عرفني على الكثير من السودانيين الطيبين . أقول قد أكون حملت العمل قراءة قد لا تكون في وارد الطيب ، إلا ان الأعمال الأدبية الممتازة هي التي تحمل اكثر من تأويل وأكثر من اجتهاد ، وعمله المميز موسم الهجرة الى الشمال ما زال في متناول البحث والنقد والسبر وهذا ما جعلني أتجرأ في تناول المنسي . عودنا الطيب صالح على ادخال أسلوبه السلس الصافي المتسق مع الحدث بجمالية في سبك الفكرة ، فأنت لا تقف على الكلمة بقدر ما تنساق مع الحدث ، وبذلك تكون الصياغة عمل تناسبي معجون بروح الحدث .
وبهذا يبقى عمل المنسي للطيب صالح من الأعمال الجميلة ، تتمازج السيرة الذاتية فيه مع إفصاحها عن البيئة وتعرية الذات من أجل الالتصاق بالآخر والدخول إليه ، قدمها الطيب صالح لنا بجهد مبذول وبسلاسة عالية وانسجام في الفكرة والأسلوب . وبالتأكيد وكما في كل كتابات الطيب صالح ، تغادرها وتبقى آثار المتعة متلصقة بخلاياك منها ، تفاجئ بالبساطة لكنها تدخلك الى العميق العميق . حقيقة كم من مرة راودتني بعض التفاصيل وضحكت في سري وشاهدت هذا المنسي يتجسد بكثير من الشخصيات التي حولي وبي في بعض الأحيان . لذا وكي أصل وتصل أنت الى نتيجة لابد من قراءة العمل ثانية وثالثة للاحاطة به .



#محمد_زكريا_السقال (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اقرأ طرقت باب التابو في -قبل أن تحاسبوا*
- علي الشهابي ..المعتقل الدائم
- تصريحات البابا ، دوائر مغلقة
- مناضلان إشكالية ، وإشكالية المناضلان
- ما بعد الحرب على لبنان قلق أسئلة لآفاق قادمة
- الذكرى الخامسة للحادي عشر من سبتمبر
- لاصدر إلاك
- عندما يبكي لبنان
- مشروع ايراني ..أين المشروع العربي؟
- السيف أصدق أنباء
- غزة والطلقة الأخيرة
- على ضفاف المدن الغريبة - إلى صديقي فاتح جاموس والمستقبل الذي ...
- الوطن العمارة
- الأمن اختصاص وطني غبر قابل للتصدير
- الشعر والانتصار على الحياة
- رحلة مع نزار قباني
- الإخوان المسلمون في سوريا والحوار المطلوب
- أي سياق تسلك المعارضة في خطابها


المزيد.....




- تباين ردود الفعل في أمريكا بشأن حجم الضرر الذي لحق بمنشآت إي ...
- مشاهد قاسية بعد غارة إسرائيلية على مدرسة في شمال غزة
- زيارة مفاجئة لضيف مميّز.. حيوان الموظ يتفقد قسم مصلحة الإطفا ...
- حرب إسرائيل وإيران: هل هي طوق نجاة سياسي لنتنياهو؟
- دراسة بريطانية: فنجان قهوتك الصباحي قد يفعّل مفتاح طول العمر ...
- إيران تشيّع قادة عسكريين وعلماء نوويين اغتيلوا في الحرب مع إ ...
- مجلس الشيوخ يرفض تقييد صلاحيات ترامب في الحرب مع إيران
- ترامب: سأعمل على حل النزاع مع كوريا الشمالية
- علماء يؤكدون: العقل البشري يولد ضوءً خافتا أثناء التفكير
- ترامب: كندا دولة يصعب التعامل معها منذ سنوات


المزيد.....

- قراءة تفكيكية في رواية - ورقات من دفاتر ناظم العربي - لبشير ... / رياض الشرايطي
- نظرية التطور الاجتماعي نحو الفعل والحرية بين الوعي الحضاري و ... / زهير الخويلدي
- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد زكريا السقال - المنسي...ذاكرة في الحاضر