أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحي زيدان جوابرة - مقالة سردية أو خاطرة: (زيارة مؤلمة لكن لا بدّ منها)














المزيد.....

مقالة سردية أو خاطرة: (زيارة مؤلمة لكن لا بدّ منها)


فتحي زيدان جوابرة
كاتب ، قاصّ ، روائي

(Fathy Zedan Jawabreh)


الحوار المتمدن-العدد: 7426 - 2022 / 11 / 8 - 01:05
المحور: الادب والفن
    


ثمة زيارات نخطّط لها ونعرف مسبقا أنها ستكون مؤلمة، ولكن لا بدّ منها، فأن تزور قريتك الأصلية التي هُجِّر منها آباؤك وأجدادك ليس بالأمر الهين.
قبل سنتين سنحت لي الفرصة فعبرتُ من فتحات الشبك الفاصل بين أرضنا وأرضنا وزرتُ السنديانة، وجدتُها حزينة منكفئة على حجارتها، عاتبةً علينا كثيرا، فلم يكن لديها الرغبة أن تردّ السلام، عندما قلت لها:
- "السلام عليك يا بلدنا".
ولسان حالها يقول:
-"طولتوا الغيبة يا أولادي" .
ربما يئست من عودتنا فاستعاضت عنا بالزرد والعليق والزعتر والميرمية والأقحوان، وصنعت من شجيرات الصبر وأشواك الخرفيش سياجا يُعيد لها ذكريات الدروب والأحواش والسناسل.
هناك على مدخل المقبرة وقفتُ وقلت للأجداد:
-"السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم السابقون ونحن اللاحقون".
كانوا نائمين بهدوء، ولم يجبني أحد، فساورني الشكّ أنهم يحملونني وحدي المسؤولية عمّا حصل ويحصل اليوم. قرأت الفاتحة على أرواحهم، وصليتُ العصر بينهم، وغادرتهم وأنا أشعر بذنبٍ ما لا أدري ما هو.
هناك وأنا أتجوّل في هذا العالَم القروي المطمور، وقفتُ على بقعة صغيرة رماديّة التراب، فتفحّصت ما حول قَدَمَيّ لأكتشف بعد حين أنه سَـ chــن، واقتحمتْ أنفي رائحة الطوابين، وطاف في مخيلتي تلك المرأة التي طوّقت خصرها بالزنار العكاوي وعلى رأسها عصبة، وحضرت إلى مرفق من مرافق مملكتها الخاصة، وطرحت السَـ chــن جانبا... رحلتْ هي وبقي الطلل دليلا على أنّ فلّاحة سنديانية صنعت حياة هنا ذات يوم.
أشاروا لي بأن موقع المدرسة قابع هناك، فانطلقت إلى حيث أشاروا، جدران مهدّمة آثرت أن تلوذ عن أنظار المتفرجين بين الزرد والسريس، ومن هناك قادتني غريزة الموطن نحو بيت جدّي، وعثرت عليه بين الركام والأشواك. اشتممتُ رائحة جدّي وجدتي في المكان، وناجيتُ حجارة البيت، ودمعت عيناي...
يتّسم زعتر قريتنا باللذوعة الشهية والرائحة النفاذة، ويتميّز ماؤها بالبرودة وسلاسة الانسياب إلى المعدة، أما ترابها فتشعر أنه خليط مركب من التعب والعَرق واللهجة الروحائية الحيفاوية ورُفات العظام والأقمشة البالية.
ميرميتها وزعترها خُلِقا لها فقط، فليس غريبا أن يأبى العيش في بلاد أخرى غيرها؛ فقد جلبتُ عدة شتلات من أرضها وزرعتُها في مكان إقامتي، لكنها ماتت رغم العناية الحثيثة بها، وعلى ما يبدو أن ميرميتها وزعترها أكثر انتماء منا إليها.
غادرت أطلالَ قريةٍ كانت عامرة بناسها وأنفاسها ذات يوم، ثم أمست حجارة متراكمة على بعضها، غادرتها وأنا أشعر بركام عجزنا عن العودة إليها، غادرتها وأنا أشعر بالهزيمة، فثمّة فرق كبير بين عيادتها والعودة إليها. نحن ندرك أنّ قرانا المهجّرة مريضة ومشتاقة لنا ويتوجب أن نعودها، لكنّ الأوجب أن نعود إليها؛ فإن كنّا عاجزين عن الحياة والموت فيها، فلنعِشْ أو نَمُتْ من أجلها.
انهضْ يا وَجَعا في القلبِ، أتُراكَ وَهَنْت؟ أغَدَوْتَ عجوزًا يكسِرُ أنفكَ تِبْغٌ أو قهوة؟ وشرِبَتْ غلواءَكَ أمواجُ القهر؟ سنواتٌ سبْعٌ فِرعونية أكلتْ كلّ الثورة فيك... انهض، فإني مأساة من أسطورة حيفا، أحيا بالوجع المرسوم على خيط النّاي... وأستنسخ ذاتي من بذرة قمح في وادي القرية، ومن عباءات البلوط المتساقط في كرمل حيفا.



#فتحي_زيدان_جوابرة (هاشتاغ)       Fathy_Zedan_Jawabreh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة (ليلة سقوط عروس الروحة)
- (حركة فتح: أسباب التّشتّت والعجز عن توحيد الصفوف)
- قصة قصيرة: أنا و(لولو) كلب آل روخمان
- قراءة عامة في مجموعة (التفاحة النهرية) لمحمد نفاع
- قصة قصيرة ( أنا وكلب نتانيا لولو روخمان)
- قصة قصيرة ( مجندة إسرائيلية )
- قصة قصيرة: ( هل من مترجم في المعبر؟ )


المزيد.....




- المخرج الأمريكي كوبولا على البساط الأحمر في مهرجان كان
- تحديات المسرح العربي في زمن الذكاء الصناعي
- بورتريه دموي لـ تشارلز الثالث يثير جدلا عاما
- -الحرب أولها الكلام-.. اللغة السودانية في ظلامية الخطاب الشع ...
- الجائزة الكبرى في مهرجان كان السينمائي.. ما حكايتها؟
- -موسكو الشرقية-.. كيف أصبحت هاربن الروسية صينية؟
- -جَنين جِنين- يفتتح فعاليات -النكبة سرديةٌ سينمائية-
- السفارة الروسية في بكين تشهد إزاحة الستار عن تمثالي الكاتبين ...
- الخارجية الروسية: القوات المسلحة الأوكرانية تستخدم المنشآت ا ...
- تولى التأليف والإخراج والإنتاج والتصوير.. هل نجح زاك سنايدر ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحي زيدان جوابرة - مقالة سردية أو خاطرة: (زيارة مؤلمة لكن لا بدّ منها)