أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كاظم حبيب - هل القسوة والعنف والإرهاب نتاج طبيعي للأصولية السلفية المتطرفة دينياً وأيديولوجياً؟















المزيد.....

هل القسوة والعنف والإرهاب نتاج طبيعي للأصولية السلفية المتطرفة دينياً وأيديولوجياً؟


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 1692 - 2006 / 10 / 3 - 10:05
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


(1)
عند متابعة تاريخ الشعوب وأنماط الإنتاج والثقافات, ومنها الأديان والمعتقدات المختلفة والإيديولوجيات, وما ارتبطت بها من سياسات ومواقف وأحداث تاريخية وما نعيشه اليوم من أحداث, سنجد دون أدنى ريب عدة ظواهر بارزة وعامة, منها بشكل خاص:
1. إن الأصولية السلفية لم تظهر لدى شعب واحد أو دين واحد أو أيديولوجية واحدة, بل ظهرت في جميعها وتمايزت في قوتها والشحنات التي كانت تحركها والعواقب التي ترتبت عنها إزاء معاداة الأديان والمذاهب أو العقائد أو الاتجاهات الأيديولوجية الأخرى.
2. وأن ممارسة الأصولية السلفية, سواء أكانت في مجال الأديان والعقائد أم الإيديولوجيات, نشأت عنها أو اقترنت بها ممارسات الاستبداد والعنف والقمع والقسوة إزاء الآخر.
3. وأن هذا النوع من الاستبداد والعنف والإرهاب الرسمي قد شكل أرضية صالحة لإنجاب أصوليات سلفية مناهضة وعنفاً وإرهاباً مضاداً في المجتمع.
4. ولا شك في أن الفقر والبطالة والحرمان وتفاقم التمايز الطبقي وغياب الحرية الفردية والمؤسسات الديمقراطية تشكل عوامل أساسية ومساعدة لنمو الإرهاب والإرهاب المضاد.
5. وأن التقاء الأصولية السلفية بالتعصب القومي أو الشوفيني يقود إلى عواقب أشد شراسة وأكثر ضرراً بالذات وإيذاءً للآخر, سواء أكان ذلك على مستوى السلطة أم خارجها.
واستناداً إلى المراحل التاريخية التي مرت بها الشعوب والقوميات المختلفة في مختلف بقاع العالم يجد الإنسان أن بروز ظواهر الأصولية السلفية والعصب القومي والاستبداد والقمع والإرهاب وردود الفعل المضادة أو الإرهاب المضاد لم تقتصر على شعب أو قومية بعينها أو دين معين أو أيديولوجية معينة, بل وجدت في تاريخ جميع الشعوب والأقوام والأديان والأيديولوجيات أو أنها ما تزال موجودة وفاعلة حتى الآن. وأنها قد نشأت وتطورت, أو تنشأ وتتطور, في ظل علاقات إنتاجية متنوعة, ولكنها استغلالية تسهم في بروز ونمو الفقر والبطالة والحرمان والتمايز الطبقي الذي يجعل من حياة طبقات وفئات اجتماعية معينة جحيماً لا يطاق ويسهم في تنشيط التطرف والتزمت والتشدد.
لقد سجل تاريخ الأديان والعقائد هذه الظواهر عبر ممارسات أتباع الأديان والعقائد المختلفة, وكذا الحال في ممارسات أتباع الأيديولوجيات المختلفة, ابتداءً من ممارسات أتباع الديانة اليهودية ومروراً بأتباع الديانة المسيحية وانتهاءً بأتباع الدين الإسلامي من جهة, ومروراً بأتباع مختلف الأيديولوجيات في العالم, ومنها أتباع الأصولية السلفية الشيوعية, ومنها ما حصل في الدول الاشتراكية السابقة. وكانت العواقب وخيمة في ممارسة التطرف الأصولي السلفي على شعوب مختلف البلدان وقادت في الغالب الأعم إلى حروب وموت ودمار وخراب سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي. وعلينا هنا أن نتذكر الإيديولوجية النازية والعواقب التي جرتها على شعوب العالم, بما فيها الذهنية المعادية للسامية.
فالظاهرة أذن غير مرتبطة بالإسلام وحده, بل وجدت في فترات أخرى في ممارسة أتباع الديانات الأخرى كاليهودية والمسيحية والهندوسية وغيرها. وعودة سريعة إلى القرون الوسطى ومحاكم التفتيش مثلاً, أو سياسات الدول الاستعمارية في القرنين التاسع عشر والعشرين, وخاصة سياسات البرتغال وبريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا في الهند وأفريقيا, ومنها الجزائر وجمهورية جنوب أفريقيا, والعراق وغيرها, فأن المتتبع سيجد مصداقية ذلك. إلا إننا نلاحظ اليوم أن هذه الظاهرة متفاقمة في صفوف نسبة غير قليلة من أتباع الدين الإسلامي وفي جميع البلدان ذات الأكثرية المسلمة أو حتى بين الجاليات الإسلامية في الغرب. على أن لا ننسى من القول بأن تاريخ الدولة الأموية والعباسية والعثمانية كان مثقلاً بسياسات الاستبداد والقمع والعنف, وكذلك التطرف الأصولي السلفي والعنف والإرهاب المضاد أيضاً. وهذه الحقيقة وحدها يفترض أن تجلب انتباه الناس في الدول ذات الأكثرية المسلمة, وخاصة بالنسبة للمثقفين والمؤسسات الدينية ورجال الدين وحكومات هذه الدول وكافة المهتمين بشؤون التربية وعلم النفس والثقافة عموماً.
إن هذه الظاهرة الصارخة والمنتشرة في المرحلة الراهنة تدفعنا إلى التفكير عن العوامل الكامنة وراء بروزها حالياً وسبل معالجتها, إذ لا يجوز لها أن تستمر لأنها مدمرة للذات وللآخر في آن واحد.
إن الإشكالية التي نواجهها ناتجة عن عوامل كثيرة ولكنها متشابكة في ما بينها ومتفاعلة, رغم اختلاف أوزانها وتأثيراتها على حركة وحجم الظاهرة بالنمو أو التقلص. وهي تخلق في حركتها آليتها الخاصة بها وتفرز ما يمكن أن نسميه بقوانين حركتها الداخلية وتداعياتها وعواقبها. ولا يمكن مواجهة ذلك بأسلوب واحد, بل يفترض أن يجري التحري عن مجموعة من العوامل المضادة التي تشكل مجتمعة المادة والأساليب والآلية الخاصة لمواجهتها والتغلب عليها جزئياً أو كلياًً. وعلينا أن نشير إلى أن مثل هذه الظواهر يمكن أن تبدو في فترات معينة وكأنها كرة الثلج التي يمكن أن تنمو عبر تدحرجها بسرعة, ولكن القضاء عليها يحتاج إلى تغيير الأجواء, إلى الكثير من الشمس والدفء في التعامل مع أولئك البؤساء والأميين سياسياً وثقافياً وتنويراً دينياً الذين ينجرون وراء البعض من التنظيمات المتطرفة لممارسة العنف والإرهاب والقتل اليومي, إذ بدون هذه الفئة الواسعة من الناس لا يمكن أن ينمو ويتطور الإرهاب. فالانتحاري القاتل هو من هذه الفئات البائسة والأمية.
ولا شك في أن للتاريخ وأحداثه وللتربية الدينية في البيت والمدرسة أو في التثقيف الأيديولوجي من جانب الدولة والمؤسسات الدينية والمجتمع والبيت والقوى السياسية من جهة, وطبيعة مرحلة التطور التي يمر بها المجتمع من حيث طبيعة علاقات الإنتاج السائدة ومستوى تطور القوى المنتجة والوعي الاجتماعي والديني المتجلي عنها من جهة أخرى, إضافة إلى العلاقات الإقليمية والدولية بمختلف جوانبها السياسية, بما فيها العسكرية, والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية, كلها لها تأثير مباشر وغير مباشر على بروز ظاهرة العنف والقسوة والإرهاب والتحامها بظاهرة الأصولية السلفية والتطرف الأعمى لدى الفرد, أو جماعة ما, الذي يعجز عن رؤية الواقع ويعيش في الماضي المنقرض والحاضر في رأسه وأحلامه وتفكيره فقط.
إن الفجوة الثقافية والحضارية التي تفصل بين أجزاء مهمة من الشرق الإسلامي وبين الغرب على نحو خاص من جهة, وفجوة التطور العلمي والتقني من جهة أخرى, وفجوة التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتمايز في مستوى النمو ومعدل حصة الفرد الواحد من الدخل القومي من جهة ثالثة, وغياب التنوير الاجتماعي والديني في الشرق الإسلامي في مقابل حصوله منذ عدة قرون في الغرب المسيحي من جهة رابعة, هي من بين العوامل التي تثير حفيظة أجزاء معينة من الناس الذين يسقطون تحت تأثير الأصولية السلفية الدينية أو الإيديولوجية والتي تقود دون أدنى ريب إلى الاستبداد الديني أو الأيديولوجي والقمع والإرهاب, بغض النظر عما إذا كانت هذه الجهة أو تلك في السلطة, كما في حالة أفغانستان قبل سقوط طالبان, أو في إيران حتى الآن, أو خارج السلطة, كما في ممارسات تنظيم القاعدة أو غيرها من القوى الإسلامية السياسية المتطرفة أو قوى البعث الصدامية المتطرفة.
لا شك في أن هذه الظواهر السلبية لم تكن, كما أنها الآن, ليست خارج تأثير السياسات التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية أو الاتحاد السوفييتي سابقاً أثناء الحرب الباردة, أو ما تزال تمارسها الدول العظمى وخاصة الولايات المتحدة, إزاء الشرق الإسلامي وبشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط. ولا يقتصر هذا على سياسات المحافظين الجدد أو أتباع اللبرالية الجديدة, بل سبقتهم بكثير. ومما يزيد في الطين بلة هو محاولة الولايات المتحدة الأمريكية الاستفادة من ظاهرة العولمة الموضوعية دولياً لصالحها وصالح الدول الصناعية السبع الكبار على حساب الدول النامية حديثاً عبر سياسات لا تساهم في تقليص الفجوة الراهنة بل تزيدها عمقاً وسعة وشمولية. فما هي إمكانيات وسبل معالجة هذه الظواهر السلبية للخلاص من ظاهرة الأصولية السلفية بكل تنوعاتها ومن الإرهاب الدولي الراهن الذي تمارسه قوى الإسلام السياسي المتطرفة في الدول ذات الأكثرية المسلمة؟ هذا ما سنناقشه في المقال اللاحق.

نهاية أيلول/سبتمبر 2006 كاظم حبيب






كاظم حبيب

من أجل معالجة جادة لفكر وممارسات العنف والقسوة
ًلدى الحركات الأصولية السلفية!
(2)
إن غياب الحرية الفردية والحياة الديمقراطية والتجاوز على حقوق الإنسان وحقوق القوميات وممارسة سياسات شوفينية قهرية وتمييز بمختلف أشكاله من جانب حكومة البعث وأجهزتها القمعية من جهة, وتنامي الفجوة في مستويات الدخل والعيش والتعليم والثقافة, وتفاقم الفساد المالي والإداري من جهة ثانية, كلها سياسات وإجراءات وظواهر وفرت الأجواء أو الأرضية السياسية المناسبة لنمو مختلف الأصوليات السلفية والتطرف الفكري والسياسي والعنف والقسوة والإرهاب, وخاصة الانكفاء الديني والاجتماعي والغوص في عمق الانحطاط الحضاري, إذ أن سياسات نظام الحكم ذاته كانت تمثل التطرف في ممارساته ضد الفرد والمجتمع وتحفز الآخرين على ممارسته ضد النظام وبعضها ضد البعض الآخر. هذا ما حصل في العراق بشكل صارخ ونموذجي, وهو ما نعيشه اليوم من نتاج تلك الفترة التي حكم فيها حزب البعث وجمهرة من القوميين العرب العراق والتي استمرت طيلة 40 عاماً (1963-2003).
إن مواجهة عواقب السياسات التي مارسها النظام البعثي الصدامي في العراق كانت وستبقى لفترة طويلة, صعبة ومعقدة, إذ أن أجيالاً من البشر وفي مناطق مختلفة من العراق قد تربت في أجواء وفكر الكراهية والحقد والشوفينية وإقصاء الآخر والاستعداد لممارسة العنف والاضطهاد ليس عبر سياسات النظام الداخلية ذات الوجهة والمضمون الهتلري فحسب, بل وفي السياسة العدوانية الخارجية والحروب والغزو والموت والخراب والنهب لثروات المجتمع. فمناطق من العراق عاشت في ظل التمييز الطائفي الشرس, ومناطق أخرى مورس باسمها الاضطهاد والتمييز, مناطق عانت الأمرين بفعل عنصرية وشوفينية وعدوانية النظام وتعريبه وقهره وتهجير الناس, كما في كردستان, ومناطق أخرى مورس باسمها كل ذلك., فنشأت عن كل ذلك أجواء مسمومة لا تساعد على خلق الصفاء بين مكونات الشعب العراقي القومية والدينية والمذهبية والفكرية والسياسية بسهولة بعد سقوط النظام بقوى خارجية لم تكن مستعدة أو عارفة وواعية لعمق الأزمة الفكرية والسياسية والاجتماعية والنفسية التي كان يعاني منها الفرد والمجتمع وحجم الخراب الروحي الذي تسبب فيه النظام وعواقبه على نفسية ومزاج وسلوك الفرد العراقي والمجتمع, خاصة وان قوى سياسية بعينها وجدت من مصلحتها تشديد الاستقطاب للاستفادة منه في نشاطها ونهجها الفكري والسياسي المتخلف.
إن أي معالجة جادة لمظاهر العنف والقسوة والإرهاب والفساد والتمييز التي مارسها النظام في السابق وتمارسها اليوم أطراف عديدة في الحركات الأصولية السلفية, سواء أكانت دينية أم ذات بعد أيديولوجي علماني, يفترض أن تستند إلى أرض الواقع وأن تعي الأسباب أو العوامل التي تسببت في ظهورها وأبعادها وعلاقاتها المتشابكة محلياً وإقليمياً ودولياً والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها. إذ عندها يمكن أن تتخذ مجموعات من السياسات والإجراءات والوسائل والأدوات أو الآليات الكفيلة بمعالجتها. فغالبية الحركات الإسلامية السياسية المتطرفة التي تمارس الإرهاب في العراق مثلاً, وغالبية القوى البعثية والقومية ذات الخلفية العلمانية التي تمارس الإرهاب في العراق أيضاً, ولا نتحدث هنا عن عصابات الجريمة المنظمة, تستند في دعاواها إلى أربع مسائل, وهي:
1. أنها تكافح ضد الاحتلال وتريد أخراج القوات الأجنبية.
2. وأنها تكافح ضد الكفر والإلحاد وتسعى إلى تطهير البلاد من رجسيهما.
3. وأن الإسلام أو (و) القومية العربية يواجهان خطراً داهماً من الأعداء في الداخل والخارج.
4. وأنها ضد النظام الفيدرالي في العراق.
ولكنها في الجوهر تسعى إلى الاستيلاء على السلطة وتغيير نهج ووجهة الحكم وإقامة أحد شكلين من النظم السياسية ذات المضمون الواحد:
أ‌. نظام سياسي قومي متطرف يماثل في طبيعته نظام صدام حسين في طبيعته الاستبدادية والقهرية ويقيم ما يشاء من المقابر الجماعية مجدداً,
ب‌. وأما نظام "إسلامي" سياسي ظلامي متطرف وإرهابي يماثل في طبيعته نظام طالبان في أفغانستان أو نظام يستند إلى ما يدعى بولاية الفقيه الذي لا يختلف في تطرفه عما يسعى إليه قوى بن لادن ولكن باتجاه طائفي آخر. ولن يختلف في ما سوف يفعله بالناس وقوى المعارضة من مظالم عما فعله نظام صدام حسين أو دول أخرى باسم الإسلام.
وقد كتبنا عن هذه المسائل كلها في أكثر من مقال, ومنها مقال "حذاري.. حذاري من حزب يماثل حزب الله في العراق!". ويهمنا في هذا المقال أن نشير إلى أن المعالجة يفترض أن تتخذ خمسة مسارات مترابطة بشكل خاص بحيث تتفاعل في أفعالها وتتبادل التأثير وتدفع باتجاه النتائج الإيجابية, وهي:
1. الإجراءات السياسية, وأبرزها موضوع المصالحة الوطنية وإبداء الاستعداد للمساومة على بعض الأمور التي يمكن تأجيل البت بها إلى حين تتوفر أرضية أكثر عقلانية في الحوار بين القوى السياسية المختلفة.
2. الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية, وهي الأكثر أهمية للفرد العراقي إذ تشمل موضوع مكافحة البطالة الواسعة وإيجاد فرص لتشغيل القوى العاملة وتحسين ظروف حياة ومعيشة الناس وتوفير الخدمات الأساسية وانتشال العوائل من حالة اليأس الذي تعيش فيه, ومكافحة جادة للفساد السائد حالياً.
3. الإجراءات الثقافية والإعلامية, التي تمس العمل من أجل مكافحة الإرهاب والعنف والتحول صوب سياسة الحوار الديمقراطي, ومكافحة التمييز القومي والديني والمذهبي والاستقطاب الطائفي والديني الراهن وتعميم الثقافة الديمقراطية والإعلام الإنساني غير المتحيز وهجر السياسيات الشوفينية وضيق الأفق القومي وإقصاء الآخر.
4. الإجراءات الأمنية الداخلية التي يفترض أن تميز بين القوى التي تريد هدر دم العراقيين والقوات الأجنبية المقيمة في العراق بناء على موافقة رئاسة الدولة والحكومة ومجلس النواب, وبين أولئك الذين يبدون الاستعداد للحوار والتحول صوب العمل السياسي. ويبدو لي بوضوح أن على الحكومة تشديد الكفاح الصارم ضد الإرهابيين الإسلاميين السياسيين المتطرفين من مختلف الطوائف الدينية والقوى البعثية الصدامية التي ترفض الانصياع لإرادة الناس, إذ بدون ذلك سيستمر الإرهاب ويخسر العراق المزيد من البشر. وعلينا أن ننبه إلى أن قوى تتغذى اليوم من الأسلحة الإيرانية وأموالها وفنييها وعسكرييها ستكون في الفترة الراهنة واللاحقة الخطر الرئيسي المحدق بالعراق, إذ أنهم يعززون اليوم مواقعهم وتأمين الأسلحة الحديثة والثقيلة من أجل شن الهجمات الشرسة للهيمنة على المحافظات وإقامة نظام ظلامي عنفي رهيب في العراق, وهو ما يفترض تأكيده وجلب الانتباه إليه قبل فوات الأوان. إن النظام الإيراني مصمم على تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى العراق وعلينا أن نرى ذلك بوضوح كبير, وتجد الدعم والتأييد من جانب النظام السوري. وستكون بغداد مركز هذا النشاط أيضاً وموقعاً لتخزين الأسلحة والعتاد.
5. الإجراءات الخاصة بالعلاقات الإقليمية والدولية, وهي إجراءات يفترض أن تتوجه صوب القضايا الأمنية والنشاط الاقتصادي المشترك ودعم جهود العراق في إعادة بناء ما خربته الحروب ودمره الإرهاب والفساد المستشري في البلاد. وعلينا أن نبين الإشكاليات التي ستثار ضد الدول الأخرى المجاورة وأوروبا أن تواصل التخريب في العراق.
لا يمكن بأي حال إغفال أي من هذه المجالات الخمسة, إذ سينعكس سباً عل ى بقية المجالات. فالبطالة الكبيرة السائدة حالياً تساهم في تشديد النقد ورفض سياسة الحكومة وتشجع على النشاط المضاد لها من جهة, واحتمال تحول البعض غير القليل منهم صوب قوى الإرهاب للاستعانة بما يحصلون عليه من لقمة مغموسة بدم الأبرياء من الناس ودموع الثكالى من جهة أخرى. وكذا الحال حين يكون هناك سكوتاً على الفساد السائد, إذ أنه الطريق لاستمرار الإرهاب وتعطيل قدرة الدولة والحكومة على مواجهته والقضاء عليه.
ولا شك فنحن أمام إشكالية كبيرة هي دول الجوار, إذ أن استمرار التوتر على الحدود من جهة, واستعداد دول الجوار على فتح منافذ لتسرب الإرهابيين وسلاحهم إلى العراق من جهة ثانية, سيسهم في مواصلة العمليات الإرهابية في العراق باتجاهين من جانب قوى تحسب على أهل السنة وأخرى على أهل الشيعة. ومن هنا تأتي أهمية ضبط الحدود بقوى مقتنعة حقاً بالمسيرة الديمقراطية للعراق وليس بقوى ملتزمة باتجاهات ضيقة لا تعير للمواطنة العراقية أي اهتمام بقدر ما تعيره للهوية الطائفية مثلاً أو الهوية القومية الشوفينية.
إن منظومة القيم والمعايير يفترض فيها أن تتغير, أن تبعد عن أذهان الناس ما خلفه النظام البعثي الصدامي من قيم ومعايير شوفينية وفاشية ورجعية خلال العقود المنصرمة, وأن ترفض المفاهيم الظلامية الجديدة القديمة أيضاً, وأن تحل محلها القيم الإنسانية والديمقراطية التي تعترف بالأخر وبحقوقه وكرامته ومساواته, تعترف بلائحة حقوق الإنسان وكل العهود والمواثيق التي صدرت عن الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية, وأن تقر بحقوق القوميات المختلفة وبالمواطنة المتساوية بين الناس وبين المرأة والرجل ... الخ.
إن الأمل معقود, رغم الخسائر المتفاقمة, ورغم البنية المشوهة لراهنة للمجلس النيابي ومجلس الوزراء المبني على أسس معينة, ولكنها مع ذلك تمثل اتفاقاً عاماً بين مختلف مكونات المجتمع نسبياً, بأن الدولة والمجتمع في العراق سيتمكنان من مواجهة الإرهاب وقوى الظلام والفساد والقهر ودحرها وإقامة المجتمع المدني الديمقراطي الفيدرالي الحر في العراق. ولكن لم نصل إلى هذا دون جهود مضنية وعمل جماعي دؤوب.
نهاية أيلول/ سبتمبر 2006 كاظم حبيب




#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل من حلول عملية لأزمة السودان الشاملة؟
- هل من علاقة بين قوى مقتدى الصدر وجيش المهدي والحوزة الدينية؟
- البابا والغضب والعنف الذي تفجر من جديد!
- الدكتاتور صدام حسين ومجازر الأنفال والقاضي العامري!
- حوار مع الأستاذ الدكتور منذر الفضل حول فيدرالية لوسط والجنوب
- الفيدرالية والفتاوى الدينية!
- هل من جدوى لغلق مكاتب العربية في بغداد؟
- ما مدى الصدق والعقلانية في موقف الرئيس البارزاني في إنزال ال ...
- بعد خراب لبنان ... قدم السيد اعتذار!
- ندوة عمان وعراقيون أولاً!
- هل من صعوبات جدية في طريق المصالحة لوطنية العراقية؟
- من أجل تنشيط العلاقة النضالية بين قوى الشعب الكردي وبقية الق ...
- كلمة هيئة الدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب المختلفة في العر ...
- أخبار بغداد الموحشة!
- هل من معالجة جادة لمطالب شعب إقليم كردستان؟
- حوار مع الدكتور ميثم الجنابي حول رؤية مس بيل للعرب! 1 & 2
- حذاري حذاري من نموذج حزب الله في العراق!
- حوار ما يزال مفتوحاً حول مضامين رسالتي إلى الشيوعيين العراقي ...
- المرأة العراقية وحقيقة أوضاعها في المجتمع الذكوري الإسلامي ا ...
- العرب والأحداث الجارية في المنطقة!


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كاظم حبيب - هل القسوة والعنف والإرهاب نتاج طبيعي للأصولية السلفية المتطرفة دينياً وأيديولوجياً؟