أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - قاسم المحبشي - تأملات في نهاية عالم كنا نعرفه















المزيد.....

تأملات في نهاية عالم كنا نعرفه


قاسم المحبشي
كاتب

(Qasem Abed)


الحوار المتمدن-العدد: 7390 - 2022 / 10 / 3 - 11:41
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


والعالم يفلت من بين إيدينا في كل لحظة من لحظات حياتنا المعاصرة. ما الذي بقي لدينا من ممكنات في تدبير حياتنا وتأكيد حضورنا الفاعل فيه طالما وقد شاءت لنا الأقدار أنا نكون هنا والآن؟ ذلك هو السؤال الحيوي الذي يجب أن يشغلنا في لحظة تاريخية شديدة الحساسية والتغير والاضطراب. ضاقت فيها خيارات الناس السياسية واتسعت العوالم الثقافية. فنحن في عصر العولمة حيث ينكمش الزمان والمكان إلى حدا بتنا فيه نعيش فيما يشبه قرية سبيرانتية، كل شيء بات متاح للجميع المعرفة والعلم والآداب والثقافة بكل صورها وأنماطها وقيمها ورمزها إذ لم يعد للمثقف تلك السلطة التقليدية والدور الاجتماعي الذي كان يضطلع فيه في زمن مضى- نقصد المثقف العضوي بمعناه الجرامشي أو حتى بصيغة جان بول سارتر المثقف العارف الكلي الملتزم الانشغال في الشأن العام صوت من لا صوت لهم- ففي عصر العولمة والمعلومة والشبكة والمنصة والتغريدة، اختلف الحال والمآل في حقل الثقافة ودور المثقف ومدراتهما إذ تفتحت إمكانات جديدة أمام البشر انكسرت معها ثنائية النخبة والجمهور أو العامة والخاصة أو الزعيم والحشد. لم يعد الفرد مجرد متلقٍّ للمعلومات أو الأوامر من النخب التي تفكر عنه، وتدّعي تمثيله والنطق باسمه أو الدفاع عن مصالحه وحقوقه. وبتنا " ننخرط في واقع أصبح فيه المواطن الفرد، يتصرف كلاعب فاعل، يسهم في بناء مجتمعه أو تغيير عالمه، بقدر ما هو منتج أو مبتكر في مجال عمله؛ ويشارك في صنع ذاته وَقَود مصيره بقدر ما يمارس حريته في التفكير ولا يتخلى عن عينه النقدية في قراءة ما يحدث. ومن لا يتاح له أن يفعل بصورة إيجابية وبناءة، فإنه يفعل بصورة سلبية ومدمرة".ورغم ما تعيشه مجتمعاتنا العربية اليوم من ضعف وتمزق سياسي إلا أنها تحمل تراثا ثقافيا زاخرا بالممكنات الثقافية الإبداعية المتنوعة المشتركة بين الشعوب العربية الراهنة والثقافة هي ما يبقى بعد نسيان كل شي! إن الثقافات لا تموت طالما ظل حاملها المادي والمعنوي حيا أي الناس واللغة والقيم والعادات والتقاليد والرموز … لكنها تتغير وتطور أو تتخلف بهذا القدر أو ذاك ، وهذا يعود إلى مستوى التفاعل والتواصل والانفتاح والانغلاق ، الجمود والحيوية والديناميكية والاستاتيكية التي تتسم بها أي يعود إلى قدرة الثقافة على تجديد ذاتها وإخصاب هويتها وتجاوز كبواتها باستمرار غير أن ما يقتل الثقافات ويهدد هويتها بالتمزق أكثر من أي شيء آخر، هو الانغلاق على الذات والنكوص للماضي، والسير وفق مشيئة التاريخ واقداره. إذ تعد الثقافة من بين قوى التاريخ هي القاسم المشترك بين الناس وهي الطبيعة الثانية للكائنات الإنسانية إذ لم يكن للإنسان أن يتمكن من العيش في الأرض بدون العلم والتفكير العلمي وأول قانون علمي أدركه الإنسان هو قانون مقاومة الفناء والحفاظ على البقاء وأول المدنية كهف أو مغارة أو موطئ قدم يحتله الإنسان ويجد فيه أسباب العافية والأمن والأمان فيدافع عنه وطناً في العراء قبل اللجوء إلى الكهوف والمغارات وأول الثقافة خيال وتصور وتعبير وتفكير وبحث عن الأشياء التي تؤمن حياة الإنسان وتجنبه المهالك فحينما واجه الإنسان معضلة مرور النهر فكر باستخدام ألواح الخشب وصنع الغارب وحينما واجه الإنسان تحدي البرد والمطر فكر بالبحث عن ما يحمي بدنه من البرد والمطر والشمس والريح فصنع ملابسه من الجلد والصوف وحينما واجه الإنسان تحدي العيش في العراء فكر ببناء منزل يحميه من غوائل الوحوش والضواري وحينما واجه الإنسان تحدي الجوع والعطش فكر باستصلاح الأرض وزراعتها وحفر الآبار وحمايتها. وحينما واجه الإنسان تحدي المسافات فكر بترويض الحيوانات واستخدامها في المواصلات وحينما واجه الإنسان تحدي البحار فكر بصناعة السفن الشراعية وحينما واجه الإنسان تحدي المرض فكر بالبحث عن الدواء وهكذا كان العلم هو الحليف الأول للإنسان على هذه الكوكب ومازال ومن المعروف أن إي فعل أو سلوك إذا ما تكرار يصير عادة وإذا ما ترسخت العادة صارت ثقافة! وبهذا المعنى الثقافة هي ما يبقى بعد نسيان كل شئ!
والخلاصة أن ما تمتلكه الشعوب العربية من مقومات ثقافية مشتركة جديرة بالدراسة والبحث والتفعيل وتزخر المجتمعات العربية الراهنة بتراث ثقافي وفني وأخلاقي وجمالي مشترك غني ففي كل بلد عربي يوجد مستودع خصيب للهوية الثقافية العربية المشتركة المتمثل في اللغة والعادات والتقاليد والقيم والمعتقدات والنقوش والآثار والأزياء والأطعمة والرموز وغيرها. كل تلك المقومات تجعل الإنسان العربي في كل قطر يقيم به إنسانا مندمجا ثقافيا ولا يشعر بالغربة والاغتراب الا حينما يتذكر البسبور الذي يحمله بوصفه موطنا من دولة عربية أجنبية. فماذا بوسع النخب العربية عمله اليوم في ظل التحديات الخطيرة التي توجهها الشعوب والدول العربية في اللحظة الراهنة ؛ جملة متشابكة من التحديات بنسب ومستويات مختلفة محلية خاصة بكل قطر على حدة وتحديات إقليمية تهدد الوجود العربي بكليته وتحديات عالمية دولية تتصل بتنافس وصراع قوى الهيمنة الامبريالية الجديدة؟ كتب فوكوياما في كتبه نهاية الإنسان ؛ عواقب الثورة البيولوجية "لقد أصبحنا الآن على عتبة مرحلة جديدة هي: مرحلة ما بعد الإنسان، أو ما بعد إنسانية الإنسان. وربما توصلنا إلى مرحلة الإنسان الاصطناعي الذي تتحكم بالعقاقير الطبية أو التلاعبات الوراثية . ولكن كيف يمكن أن نتحاشى كل هذه المخاطر؟ عن طريق تنظيم الاستخدامات الشرعية أو غير الشرعية للعلم فمن الواضح ان هناك استخداماً شرعياً وايجابياً للعلم. وهو الذي أدى إلى تشكيل الحضارة الحديثة بكل تسهيلاتها ومتعها وتخفيف العناء عن البشر. وهذا الاستخدام يؤدي إلى سعادة، الإنسان وخيره. ولكن هناك استخدام آخر للعلم استخدام خطر وغير مسؤول. وقد يؤدي إلى دمار الإنسان في نهاية المطاف. ونلاحظ ان فوكوياما يتذبذب باستمرار بين قطب التشاؤم وقطب التفاؤل فيما يخص مستقبل الإنسان. فهو من جهة يقول بان البشرية قادرة على التحكم بعلم البيولوجيا العصبية، وهو من جهة أخرى يقول باستحالة هذا التحكم! فإذا استطعنا ان نتحكم بمسيرة العلم فإننا سنتحاشى بالطبع الكارثة المتوقعة وإذا لم نستطع فسوف نسير نحو مصير مجهول لا يعلم إلا الله شكله ونوعيته. والواقع ان نتائج علم البيولوجيا العصبية سوف تنعكس على النظام الاجتماعي والسياسي وليس فقط على طبيعة الإنسان وخلاياه ومورثاته الدماغية والعصبية فسوف تودي إلى عالم أقل مساواة وعدلاً. ولهذا السبب فينبغي ان نفعل كل شيء من أجل التحكم بالعلم ومنعه من التدخل في أشياء مقدسة كالطبيعة البشرية والصبغيات الوراثية (أي الجينوم أو القانون الوراثي للإنسان) وبالتالي فحذار من المسّ بكرامة الإنسان. واذا لم نستطع ان نفعل ذلك فإن الحكمة الطبيعية للإنسان سوف تتدخل في آخر لحظة وتمنع الكارثة من الحصول. ومن ثم فالكتاب ليس كله تشاؤماً. على العكس انه ينتهي بلهجة متفائلة على الرغم من كل شيء فهناك حكمة عملية لدى الإنسان. وهي تتحرك في اللحظة الاخيرة لكي تمنع وقوع الكارثة. وفي رأيه ان الجنس البشري سينتصر في نهاية المطاف لأنه كان دائماً ينتصر ويتجاوز الكوارث الطبيعية التي تعرض لها على مدار التاريخ. فالإنسان قادر على التأقلم وعلى تجاوز المحن والصعاب.وهنا تبدو نزعة فوكوياما الهيغلية (نسبة إلى هيغل) أي التفاؤلية بمسار التاريخ ووجهته على الرغم من كل المحن والصعاب والأزمات، والواقع ان كتاب فوكوياما يطرح مشكلة الطبيعة والثقافة، أو الطبيعة البدائية والحضارة. فهل كل شيء يعتمد على الطبيعة يا ترى؟ أم ان الثقافة والحضارة تلعب دورها وينتج عن ذلك ان مصير الإنسان ليس مرتبطاً فقط بما سيطرأ على طبيعته البيولوجية، وإنما أيضاً بشكل خاص بما سيطرأ على تفكيره وثقافته من تطورات. وبالتالي فالثقافة تتحكم بالطبيعة مثلما ان الطبيعة تتحكم بالثقافة وبتركيبة الإنسان ككل.



#قاسم_المحبشي (هاشتاغ)       Qasem_Abed#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسفة التاريخ في القرن التاسع عشر
- في معنى التاريخ وفلسفته
- في فلسفة التاريخ النقدية
- الإنسان مبدع العلوم وموضوعها
- حينما لا تجد الذات من يعينها
- حوار عام عن الديني والفضاء العمومي مع الأستاذ الدكتور بن شرق ...
- من سؤال الإنسان إلى سؤال التاريخ
- الكائن والكينونة والاسطورة
- ما يشبه الحوار حول مشروع تدريس الفلسفة للأطفال مع صالح الوائ ...
- أزمة التربية والتعليم في عالم سريع التغيير
- في فلسفة اللغة والثقافة والهوية
- الفلسفة وسياقاتها واسئلتها
- مجتمع الأقارب ومجتمع الغرباء الغائب
- قلق التربية في عالم متغير
- الثقافة والحضارة علاقة تكاملية
- الحرية المتخيلة والعدالة الغائبة
- المفاهيم المجردة والسياقات المختلفة
- الجزء المختفي من جبل الجليد
- الفلسفة والوظيفة المزدوجة
- الفلسفة والدراسات الثقافية؛ علاقة تكاملية


المزيد.....




- أحذية كانت ترتديها جثث قبل اختفائها.. شاهد ما عُثر عليه في م ...
- -بينهم ناصف ساويرس وحمد بن جاسم-.. المليارديرات الأغنى في 7 ...
- صحة غزة: جميع سكان القطاع يشربون مياها غير آمنة (صور)
- تقرير استخباراتي أمريكي: بوتين لم يأمر بقتل المعارض الروسي ن ...
- مسؤول أمريكي يحذر من اجتياح رفح: إسرائيل دمرت خان يونس بحثا ...
- شاهد: احتفالات صاخبة في هولندا بعيد ميلاد الملك فيليم ألكسند ...
- مليارات الزيزان تستعد لغزو الولايات المتحدة الأمريكية
- -تحالف أسطول الحرية- يكشف عن تدخل إسرائيلي يعطل وصول سفن الم ...
- انطلاق مسيرة ضخمة تضامنا مع غزة من أمام مبنى البرلمان البريط ...
- بوغدانوف يبحث مع مبعوثي -بريكس- الوضع في غزة وقضايا المنطقة ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - قاسم المحبشي - تأملات في نهاية عالم كنا نعرفه