أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طلال حسن عبد الرحمن - رواية للفتيان البحث عن تيكي تيكيس الناس الصغار







رواية للفتيان البحث عن تيكي تيكيس الناس الصغار


طلال حسن عبد الرحمن

الحوار المتمدن-العدد: 7389 - 2022 / 10 / 2 - 20:57
المحور: الادب والفن
    


رواية للفتيان









البحث عن تيكي تيكيس
الناس الصغار







طلال حسن



شخصيات الرواية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ جيمس

2 ـ جيني

3 ـ شيرلي

4 ـ الدليل

5 ـ المرأة العجوز

6 ـ الرجل الحكيم







" 1 "
ـــــــــــــــــــ
منذ الفجر ، وقبل أن تطل الشمس من وراء الأفق ، مالت جيني على طفلتها شيرلي ، التي لم تتجاوز العاشرة من العمر ، وهتفت بها : شيرلي .
وهبت شيرلي من فراشها ، وقد فتحت عينيها الزرقاوين ، وقالت : سنذهب الآن ؟
وردّ جيمس ، وكان عند الباب ، وقد ارتدى ملابسه كاملة : غابة آتوري تنتظرنا ، هيا أسرعي .
وخرج جيمس من الغرفة ، وهو يقول : السيارة أمام الفندق ، سأنتظركما هناك .
وعلى عجل ، وبمساعدة أمها ، ارتدت شيرلي ملابسها ، وتناولت أمها قبعة ، وضعتها على رأسها ذي الشعر الذهبي ، وقالت : ضعي هذه القبعة ، ولا تنزعيها إلا عند النوم ، فنحن ذاهبون إلى غابة آتوري .
وطوقت شيرلي أمها بيديها ، وطبعت قبلة على خدها ، وهي تقول : أشكركِ يا ماما ، لولاكِ لما وافق بابا أن يأخذني معكما إلى الغابة .
ودفعت جين طفلتها شيرلي برفق ، وهي تقول مازحة : هيا فلنسرع ، وإلا مضى أبوك والدليل القزم وحدهما إلى غابة آتوري .
وخرجت جيني وشيرلي من الغرفة ، وأغلقت جيني الباب ، فقالت شيرلي : لم أرَ قزماً من قبل ..
وقاطعتها جيني قائلة ، وهي تتجه نحو درج السلم : سترين واحداً منهم بعد قليل .
وتابعت شيرلي متسائلة : ما معنى أقزام ، يا ماما ؟
وأجابت الأم وهي تنزل السلم ، هم قصار القامة ، ولا يزيد طول أحدهم عن طولكِ أنت .
وتوقفت شيرلي في منتصف السلم ، وقالت : لستُ قزماً ، يا ماما .
وابتسمت الأم قائلة : أنت طفلة ، وحين تكبرين سيكون طولك بطولي إن لم يكن أكثر .
وواصلت شيرلي نزولها للسلم ، فتابعت الأم قائلة : القزم في غابة آتوري ، حتى بعد أن يكون بالغاً ، لن يزيد طوله عن " 120 " سنتمتراً إلا بقليل ، والمرأة أقصر من الرجل القزم بكثير .
وحين خرجتا من باب الفندق ، استقبلهما جيمس ، وكان إلى جانبه رجل متوسط العمر ، لكنه قصير القامة جداً ، فهمست شيرلي لأمها : هذا هو القزم ؟
وهمست لها أمها قائلة : صه يا بنيتي ، فقد لا يحب أن نسميه بهذا الاسم .
وقبل أن تتفوه شيرلي بشيء ، هتف جيمس ، وهو يفتح باب السيارة : هيا اصعدا ، فلا أريد أن نصل الغابة ، وقد خيم الليل .
وصعدت جيني وشيرلي ، وجلستا جنباً إلى جنب ، وصعد الدليل إلى جانبهما ، وجلس جيمس إلى جانب السائق ، وأغلق باب السيارة ، وقال له : هيا ، انطلق ، الشمس توشك أن تشرق .
















" 2 "
ــــــــــــــــــ
درجت السيارة على الطريق العام ، وقد ران الصمت على جميع من فيها ، ومدّ السائق يده ، وأدار الراديو فصدر عنه أصوت مختلطة مشوشة ، فأغلقه بشيء من الحدة ، وهو يقول : هذا الراديو مثل سيارتي ، لا يعمل جيداً حين أحتاج إليه .
ونظر جيمس إليه متوجساً ، وقال : أرجو أن توصلنا سيارتك هذه إلى مشارف الغابة اليوم .
وقهقه السائق ، وهو يضرب مقود السيارة بيده الخشنة ، وقال : اطمئن مستر ، ستنام الليلة بين الأشجار والأحراش الكثيفة ، على أنغم القرد العواء .
وعلقت جيني قائلة : يُقال أن هذا القرد يُصدر أصواتٍ مرتفعة مزعجة .
والتفت إليها الدليل ، وقال : رغم أن حجمه صغير ، وربما أصغر القرود في الغابة .
ورمق السائق جيمس بنظرة سريعة ، وقال : أنتم البيض غريبو الأطوار ..
وقال جيمس : لماذا ؟
فأضاف السائق قائلاً : نحن نتجنب الغابة ، ولا نريد أن ندخلها ، وأنتم تأتون من مدنكم الجميلة المتقدمة ، وتتوغلون فيها ، رغم مخاطرها الكثيرة .
وقال جيمس : لكل منّا أسبابه ..
وصمت لحظة ، ثمّ استطرد قائلاً : أنا مثلاً جئت وزوجتي المصورة والكاتبة أيضاً ، لأكتب كتاباً مصوراً عن إنسان تيكي تيكس .
وقهقه السائق ثانية ، وقال : إن وراءك واحداً منهم ، فلا داعي للتوغل في الغابة بحثاً عنهم ، وقد لا تجد واحداً من تيكي تيكس ، فهم حذرون جداً مع الغرباء .
وقال الدليل : نحن حذرون فعلاً ، فلنا تجاربنا القاسية مع الغرباء ، لكن إذا طمأنهم واحد منهم ، كما سأفعل أنا ، فسيرحبون بالقادمين ، ويكرمونهم أشد الكرم .
ورمق السائق الدليل بنظرة سريعة ، وقال : يُقال أنكم عند الحاجة تأكلون لحوم البشر .
ولاذت شيرلي بأمها ، وقالت خائفة : ماما .
وردّ الدليل منفعلاً : هذا كذب .
وابتسم جيمس ، وخاطب الدليل قائلاً : دعك منه ، يا صديقي ، إنه يمازحك .
وضحك السائق ، وقال مخاطباً شيرلي : إنني أمزح ، يا بنيتي ، لا أطيب وأرق من إنسان تيكي تيكيس ، ولا ألطف منهم مع الأطفال .
وأبطأ السائق بسيارته ، وهو يقول : سنغادر الطريق المعبد هنا ، ونواصل الطريق حتى الغابة ، على هذا الطريق الترابي .
وسار السائق بسيارته على الطريق الترابي ، وقد لاحت مشارف الغابة الكثيفة الأشجار من بعيد ، ونظر إلى جيمس ، وقال : كن حذراً من الحيوانات الخطرة ، وخاصة الأفاعي والتماسيح والنمور و .. وخاصة قطعان الخنازير المتوحشة ..
وعلق جيمس قائلاً : معي بندقيتي .
وقال السائق : لكن بندقيتك لن تكون مجدية مع الحشرات ، وخاصة البعوض ليلاً .
فقال جيمس : لن تصلنا ليلاً ، فسينام كلّ واحد منّا تحت كُلة تقيه من الحشرات .










" 3 "
ــــــــــــــــــ
واصلت السيارة سيرها ، بشيء من الصعوبة ، على الطريق الترابي ، وقد تجاوز النهار منتصفه ، وراحت أشجار الغابة المتكاثفة ، تقترب شيئاً فشيئاً .
وصاح السائق ، وهو يتشبث بمقود السيارة : يبدو أننا اقتربنا من نهاية الطريق .
ورمق جيمس الدليل بنظرة سريعة ، فردّ الأخير قائلاً : أوشكنا أن نصل ، لكن لا تتوقف هنا ، مازال مدخل الغابة بعيداً بعض الشيء .
وقال السائق بشيء من الحدة : الغابة أمامك ، وهذه نهاية الطريق ، ولن أتقدم أكثر .
وأوقف السائق السيارة ، ثم التفت إلى جيمس ، وقال له : مستر جيمس ، لقد وصلتم ، أتمنى لكم رحلة طيبة ، وإن كانت رحلة مع حشرات هذه الغابة لن تكون طيبة .
ونزل جيمس ، ونزل الدليل ، وساعد جين والطفلة شيرلي عل النزول ، وأخذوا حاجياتهم من السيارة ، واستدار السائق بسيارته ، وانطلق بها مقهقهاً ، وهو يقول : حذار من نملة توكنديرو .
ونظرت شيرلي إلى أمها خائفة ، فقالت الأم : دعكِ منه ، إنه يظن أننا جهلة مثله ، نحن نعرف كيف نتقي من هذه النملة وغيرها من الحشرات .
وابتعدت السيارة وهي تسير على الطريق غير المعبد ، والغبار يكاد يخفيها عن الأنظار ، وحمل جيمس والدليل معظم الأغراض ، وحملت جيني البقية ، وقال جيمس : هيا ، رحلتنا تبدأ من هنا .
وسار الدليل في المقدمة ، وهو يقول : فلنتقدم ، غابة آتوري ترحب بكم .
وارتفع من بين الأشجار عواء وضجيج يصمّ الآذان ، ولاذت شيرلي بأمها هامسة : ماما .
واحتضنت جيني طفلتها بيدها ، وقالت : يا له من ترحيب جماهيري صاخب .
والتفت الدليل إليها ، وقال مبتسماً : لا تخافي ، يا سيدتي ، إنه القرد العواء ، وهو أصغر القرود جميعاً ، وأقلها أذى ، عدا صوته المزعج .
وسحبت شيرلي يدها من يد أمها ، وخاطبت الدليل قائلة : رأيت بعض القرود في السينما .
وابتسم الدليل لها ، وقال : أنا لا أعرف السينما ، أرى القرود حقيقة هنا في الغابة .
وقالت شيرلي : أنا أحب الشمبانزي ، وقد قدمت لها الموز في حديقة الحيوانات .
والتفت جيمس إليها ، وقال : سترينها هنا ، وقد تقدم لك هي الموز ، فالموز هنا كثير .
وتلفتت جيني حولها ، وقالت : الشمس بدأت تختفي ، يبدو أن الليل يقترب .
والتفت الدليل إليها ، وهو يواصل السير ، وقال : ما يشبه الليل سيخيم في النهار وسط الغابة ، من جراء تكاثف أشجار الغابة وارتفاعها .
وتباطأ جيمس في مشيه ، وقال : مهما يكن ، لقد تعبنا ، فلنخيم في مكان قريب .
وأشار الدليل إلى أجمة قريبة ، بدت وكأنها خيمة خضراء ، وقال : فلنخيم هناك ، يا سيدي ، إنها مكان مناسب لقضاء الليل .











" 4 "

ــــــــــــــــــ
توغلوا وسط الأجمة ، يتقدمهم الدليل القزم ، وهو يحمل بعض الأغراض ، يتبعه جيمس بشيء من التوجس ، وأغراض أخرى بين يديه ، وفي أعقابهما تسير جيني ، وقد أطبقت بكفها ، على يد طفلتها شيرلي ، التي بدت مندهشة ، أكثر من كونها خائفة .
وتوقف الدليل في الأجمة ، وأشار إلى الأعلى ، حيث الأغصان المتشابكة ، التي تحجب السماء تماماً ، وقال : انظر ، يا سيدي ، إنها خيمة خضراء .
وابتسم جيمس ، ونظر إلى زوجته ، وقال : هذا مكان جيد ، لنقضِ الليلة هنا .
وردت جيني ، وهي تضع ما تحمله على الأرض المعشبة : نحن متعبون ، وهذا مكان سيوفر لنا الراحة والأمان أيضاً .
ونظر جيمس إلى الدليل ، وكأنه يسأله عن رأيه فيما قالته جيني ، فأشار بيديه حوله ، وقال : هذا حق ، لكن علينا أن نكون حذرين .
ونظرت إليه جيني ، فأضاف قائلاً : سيدتي ، نحن في غابة آتوري .
وجلس جيمس متكئاً على ساق شجرة ، وقال بصوت متعب : سأجلس هنا ، لعلي أرتاح قليلاً ، وأنت دليلنا العزيز ، أعدّ لنا ما نتعشى به .
وردّ الدليل : حاضر سيدي .
ولحقت جيني به ، وهي تقول : تعال عاوني ، سأعدّ طعام العشاء بنفسي .
وردّ الدليل قائلاً : كما تشائين ، يا سيدتي .
وأعدت جيني الطعام ، بالتعاون مع الدليل ، ووضعوه على السفرة ، وجلسوا جميعاً جنباً إلى جنب ، يتناولون الطعام دون أن يتفوه أحدهم بكلمة واحدة .
وبعد أن فرغوا من تناول الطعام ، نهضت جيني ، وهي تخاطب طفلتها شيرلي : بنيتي ، الطريق كان متعباً ، هيا ننصب الكلة وننام معا .
ونهض الدليل ، وقال وهو ينظر إلى جيمس : سيدي ، البعوض هنا لا يرحم ، سأنصب كلتك ، ويمكنك أن تنام فيها مرتاحاً مطمئناً .
وتساءل جيمس : وأنت ؟
وراح الدليل ينصب الكلة بأيدي ماهرة ، وهو يقول مازحاً : أنا من أهالي غابة آتوري ، يا سيدي ، والبعوض منّا ، ولهذا فإنه يرفق بنا ليلاً ، ولا يمصّ إلا القليل من دمائنا ، وجلودنا مصفحة .
وحين انتهى الدليل من نصب الكلة ، تمدد جيمس في داخلها ، وجلس الدليل في المدخل ، فقال جيمس له : يبدو أنك لست متعباً .
فردّ الدليل قائلاً : نحن الناس الصغار نتعب أيضاً ..
وصمت لحظة ، ثم ابتسم قائلاً وكأنه يعيش الماضي ثانية : عندما كانت زوجتي على قيد الحياة ، كنا نلتهم على العشاء كمية كبيرة من الطعام ، ثم نتمدد ونستغرق في نوم عميق حتى الصباح .
وابتسم جيمس ، وقال : لكنك لم تأكل اليوم إلا كمية قليلة من الطعام .
وقال الدليل : إنني معكم ، ويجب أن أكون مثلكم .
وهزّ جيمس رأسه ، وقال للدليل : أنت مثلنا متعب ، فاذهب واخلد إلى النوم .
ونهض الدليل ، وابتعد عن الكلة ، وهو يقول بصوت خافت : لا يا سيدي ، نحن في الغابة ، وأنتم ضيوفي ، سأحرسكم حتى الصباح .







" 5 "
ــــــــــــــــــ
أفاقت جيني صباحاً ، وشيرلي مازالت مستغرقة في النوم ، وتسللت بهدوء من تحت الكلة ، التي حمتهما فعلاً من الحشرات ، وخاصة البعوض .
ورأت الدليل مستغرقاً في النوم ، وهو يجلس أسفل شجرة ضخمة ، وقالت في نفسها : يبدو أن البعوض لم يرحمه ليلاً ، فغفا عند الفجر .
ونظرت جيني إلى كلة جيمس ، لكنها لم تجده فيها ، وتلفتت حولها بحثاً عنه ، لابد أنه في مكان قريب ، ومعه بندقيته ، يستطلع المكان ، ويتأكد من خلوه مما قد يشكل خطراً ، وما أكثر الأخطار في هذه الغابة .
وقبل أن تنتهي جيني من إعداد الطعام ، أفاق الدليل ، وأسرع إليها قائلاً : سيدتي ، هذه مهمتي ، أرجوكِ لا تتعبي نفسكِ .
ونظرت جيني إليه مبتسمة ، وقالت : رأيتك نائماً ، والتعب بادٍ عليك ، ولم أشأ أن أوقظك .
قال الدليل : لم أغفُ إلا حوالي الفجر .
وابتسمت جيني له ، وقالت : لابد أنه البعوض .
فردّ الدليل قائلاً : لا يا سيدتي ، وإنما بقيت أحرسكم من كل طارىء ، وأنتم نيام .
وتمتمت جيني : آه أشكرك ، أشكرك جداً .
وأقبل جيمس ، وبندقيته في يده ، وهتف : صباح الخير.
وردّ الدليل : صباح النور ، سيدي .
ونظرت جيني إليه ، وقالت : صباح النور ، يبدو أنك استيقظت مبكراً .
وركن جيمس بندقيته على جذع شجرة قريبة ، وقال : تناهت إليّ حركة ، وخشيت أن يكون حيواناً خطراً ، لكني لم أجد شيئاً ذا بال .
وصمت لحظة ، ثم قال ، وهو يتذوق الطعام الذي أعدته جيني ، وساعدها فيه الدليل ، وقال : يبدو أن قطقوطتي شيرلي مازالت نائمة .
ورفعت جيني رأسها ، ونظرت باتجاه الكلة ، وقالت مبتسمة : ها هي قطقوطتك قادمة ، والنوم مازال يعشش في عينيها الزرقاوين .
وصاحت شيرلي ، وهي تقترب : ماما ، جوعانة .
وابتسمت جيني ، وقبل أن ترد عليها ، رأتها تهمّ باللحاق بفراشة جميلة مرت بالقرب منها ، فنادتها ضاحكة : شيلي ، تعالي كلي أولاً .
وتوقفت شيرلي حين ابتعدت الفراشة بسرعة ، فنظر إليها الدليل ، وقال : عزيزتي ، الفراشات هنا مثل الساحرات ، إنهن خطرات جداً ، فلا تلاحقي فراشة مهما كانت جميلة .
والتفت الدليل ، حيت ناداه جيمس : أيها الدليل .
وردّ الدليل عليه قائلاً : نعم ، سيدي .
فأشار له جيمس بيده ، وقال : تعال هنا .
واقترب الدليل من جيمس ، وقال : حاضر ، سيدي .
فمال عليه جيمس ، وقال له بصوت خافت : لا تقل أمام شيرلي ما يثير الخوف ، إنها طفلة .
وأطرق الدليل رأسه ، وقال : نعم ، سيدي .
وهنا ارتفع صوت جيني قائلة : تعالوا ، الطعام جاهز .















" 6 "
ــــــــــــــــــ
بدؤوا السير بعد انتهائهم من تناول طعام الإفطار ، يتقدمهم الدليل القزم ، يتبعه جيمس عن كثب ، وبندقيته في يده ، وهو على أهبة الاستعداد للتعامل مع أيّ طارىء ، ووراءهما تسير جيني ، وقد أطبقت يدها على يد ابنتها .. شيرلي .
ورغم أنهم كانوا يسيرون صامتين ، الواحد بعد الآخر ، إلا أن الغابة حولهم كانت تضج بالأصوات المختلفة ، من طيور ونسانيس وقردة عواءة وقردة الشمبانوي ، وحتى أصوات الغوريلا ، وهي تدق غاضبة على صدورها ، وكأنها تقرع على الطبول .
وتوقف الدليل ، والساطور في يده ، وعيناه تتابعان ما أمامه على الأرض ، وتوقف جيمس وراءه وأشار لجيني أن تتوقف ، وتساءل : ما الأمر ؟
وردّ الدليل ، دون أن يلتفت إليه ، بصوت يشي بالخطورة : إنها أفعى ، يا سيدي .
ونظر جيمس حيث ينظر الدليل ، وقال : إنها أفعى الحمش على ما يبدو .
وقال الدليل بصوته الذي يشي بالخطورة : نعم ، يا سيدي ، إنها أفعى الحمش ، وهي أخطر الأفاعي هنا .
وتنفس الدليل الصعداء ، وقال : ابتعدت ، يا سيدي .
فقال جيمس : تقدم إذن ، وكن على حذر .
واستأنف الدليل سيره ، وهو يقول : نعم ، يا سيدي .
وسار جيمس وراءه ، وقال : في هذه الغابة توجد أفاع كثير ، وكلها خطرة وقاتلة .
ورأت شيرلي ، وهي تسير مع أمها ، فراشة جميلة ، ذات ألوان جذابة ، فسحبت يدها من يد أمها ، وركضت وراء الفراشة ، محاولة الإمساك بها ، ورآها جيمس تبتعد عن أمها ، فهتف : جيني .
وعلى الفور ، لحقت جيني طفلتها شيرلي ، وأمسكت بيدها ، وهي تقول : لقد سحرتها الفراشة ، وأنت تعرف شيرلي ، ومدى تعلقها بالفراشات .
فقال جيمس ، دون أن يتوقف : لسنا في حديقة الحيوانات ، يا جين ، إننا في غابة آتوري .
وجذبت جيني طفلتها شيرلي ، وقالت لها : عزيزت ، أنا وبابا نخاف عليك ، وليس لك أن تبتعدي بدون علمنا ، مهما كان السبب .
ورفعت شيرلي عينيها الزرقاوين البريئتين إلى أمها ، وقالت : لم أرد أن ابتعد كثيراً ، يا كماما ، أردت فقط أن أمسك تلك الفراشة ، إنها فراشة جميلة .
ولاذت شيرلي بالصمت ، وسارت إلى جانب أمها ، وعينيها الزرقاوين البريئتين ظلتا تبحثان عن الفراشة الجميلة ، ذات الألوان الجذابة ، لكن الفراشة كانت قد اختفت بين أوراق النباتات الكثيفة ، التي تحيط بالطريق من كلّ جانب .
وانتبه جيمس إلى آثار غير واضحة على الأرض ، فاقترب من الدليل ، ومال عليه ، وقال : انظر ، هناك آثار غير واضحة على الأرض .
ونظر الدليل إلى حيث ينظر جيمس ، وقال : سيدي ، هذه آثار قطيع من الخنازير ، مرّ من هنا ليلاً .
وصمت لحظة ، ثم قال : والخنازير هنا من أخطر الحيوانات على الإنسان .
ونظر جيمس إليه ، ثم قال : المخاطر هنا كثيرة فعلاً ، وأنا أتفهم عدم رغبتك في العيش في الغابة ، رغم أنك ولدت وعشت فيها ، على ما أعرف .
ورد الدليل بصوت مشوب بالحزن : ليس هذا هو السبب ، يا سيدي ، لقد هاجمنا العمالقة مرة ، وقتلوا الكثير منّا ، وكان بينهم زوجتي وأطفالي الثلاثة .







" 7 "
ـــــــــــــــــ
توقفت شيرلي حوالي المساء ، وقد سحبت يدها المتعرقة من يد أمها ، وقالت متذمرة بصوت واهن : ماما ، لنتوقف ، لقد تعبت .
وتوقفت جيني ، وهي تخاطب زوجها : جيمس .
وتوقف جيمس ، و البندقية في يده ، وأدرك ما تريده زوجته ، فخاطب الدليل قائلاً : أيها الدليل ..
وتوقف الدليل ، واستدار إلى جيمس ، وقال : سيدي ..
فقال جيمس : لنتوقف هنا ، اختر مكاناً آمناً نقضي هذه الليلة فيه .
وتلفت الدليل حوله ، ثم أشار إلى شجرة ضخمة ، تحف بها أشجار كثيفة الأوراق ، وقال : سيدي ، لنخيم عند هذه الشجرة الضخمة ، فهي مكان جيد لقضاء الليل .
ونظر جيمس إلى الشجرة الضخمة ، وما يحيط بها من أشجار كثيفة ، وقال : حسناً ، فلنخيم هنا .
وخيموا تلك الليلة أسفل الشجرة الضخمة ، تحميهم الأشجار التي تحيط بها ، وناموا نوماً عميقاً تحت الكلتين ، اللتين تمنعان الحشرات من الوصول إليهم ، عدا الدليل الذي حاول أن يبقى مستيقظاً لحراستهم من الوحوش الليلية ، التي تجوب الغابة بحثاً عن فرائسها .
وعند الصباح ، وربما قبل أن تستيقظ الشمس ، أفاقت شيرلي ، وفتحت عينيها الزرقاوين ، ورأت أمها مازالت مستغرقة في نوم عميق ، فاعتدلت بهدوء ، وانسلت خارجة من الكلة .
ورأت الدليل يعد طعام الإفطار ، فاقتربت منه لتحييه ، وتتحدث معه ، لكنها توقفت مبهورة حين رأت فراشة ساحرة الجمال والألوان ، فتركت الدليل ، وركضت في أثرها ، تريد أن تمسكها .
ولمحها الدليل فهتف بها بصوت خافت : سيدتي الصغيرة ، تعالي ، تعالي يا سيدتي ..
لكن شيرلي لم تلتفت إليه ، وربما لم تسمعه لانشغالها بمطاردة الفراشة ، وهزّ الدليل رأسه ، هؤلاء البيض ، إنهم لا يرعون صغارهم مثلنا ، نحن الناس الصغار ، في هذه الغابة ، غابة آتوري .
وأفاق جيمس ، وخرج من كلته ، ورأى الدليل يعد الطعام ، فخاطبه قائلاً : أيها الدليل ..
وردّ الدليل قائلاً : نعم سيدي .
وتلفت حوله ، وقال : يبدو أن زوجتي لم تستيقظ بعد .
فقال الدليل : لا يا سيدي ، لا أظن أنها استيقظت ، سأوقظها الآن إذا أردت .
فأشار له جيمس أن يتوقف ، وقال : دعك منها ، أكمل أنت إعداد الطعام ، علينا أن نواصل السير بعد الانتهاء من تناول الطعام مباشرة .
واقترب جيمس من الكلة ، وصاح : جيني .
وانتظر لحظة ، ولما لم يأته جوابها من داخل الكلة ، صاح ثانية : جيني .. جيني ..
وخرجت جيني من الكلة قلقة مشوشة ، وبدل أن تنظر إلى جيمس ، أو تردّ عليه ، راحت تتلفت حولها ، وهي تهتف : شيرلي .. شيرلي ..
ثم توقفت ، وصاحت : أين شيرلي ؟
وخاطبها جيمس قائلاً : لكن شيرلي نامت إلى جانبك .
وقالت جيني وكأنها تخاطب نفسها : نعم كانت إلى جانبي ، لكن حين أيقظتني ، لم أجدها داخل الكلة ، أين هي ؟ أين ابنتي شيرلي ؟
وتوقف الدليل عن إعداد الطعام ، والتفت إلى جيني ، وقال لها وهو يشير يبده : لا تخافي ، يا سيدتي ، سيدتي الصغيرة ذهبت من هناك ، تطارد فراشة ..
وأطلقت جيني صرخة ، وقد اتسعت عيناه ، وصاحت مرتعبة : شيرلي .. شيرلي ..
وهمت أن تندفع في أثرها ، حين ارتفعت ضجة من بين الأشجار الكثيفة ، فتوقفت مذهولة ، وجيمس يقف إلى جانبها ، وصاح الدليل محذراً : خنزير .. خنزير ..
واندفع خنزير ضخم ، ذو شفتين مبيضتين ، وأنياب بارزة كالخناجر ، فجمدت جيني في مكانها ، وتراجع الدليل ، واختفى وراء إحدى الأشجار ، وحاول جيمس أن يتناول بندقيته ، التي كانت قريبة من كلته ، لكن الخنزير ، عاجله بضربة قاتلة من رأسه الضخم ، فطرحه على الأرض مضرجاً بدمائه .

















" 8 "
ــــــــــــــــــ
توقفت شيرلي ، حين ارتفعت الفراشة في طيرانها ، وتوارت بين أغصان الأشجار المتشابكة ، وتلفتت حولها لتعود من حيث أتت ، وتملكتها الحيرة ، أين هي ؟ ومن أين جاءت ؟ وكيف يمكن أن تعود ؟ آه يا للحماقة ، لقد حذرها الدليل ، لكنها لم تصغِ إليه .
واستدارت شيرلي ، ومضت في الطريق الذي خيل لها أنها جاءت منه ، وهي تتأمل ما تمر به من معالم ، لكنها لم تتذكر إيّ شيء مما تراه ، ودمعت عيناها ، وراحت تتمتم بصوت باكٍ : ماما .. ماما ..
لم يردّ عليها أحد ، فتوقفت باكية ، وصاحت بأعلى صوتها : ماما ..
وأنصتت ، أنصتت ملياً ، لكن دون جدوى ، ّ لم يردّ عليها أحد ، لا أمها ولا أبوها ولا حتى الدليل القزم ، نعم لقد تاهت في غابة لا أول لها ولا آخر .
وتوقفت وسط الأشجار العملاقة في ارتفاعها ، المتكاثفة الأغصان ، لا شيء غير الخضرة ، لا شمس ، ولا حتى رقعة صغيرة من السماء .
وأطرقت رأسها متعبة ، وقد خارت قواها ، وبطنها تقرقر ، إنها لم تأكل أي شيء منذ مساء البارحة ، والآن وربما انتصف النهار ، راح الجوع ينهش أمعاءها ، لقد آن لها أن تأكل ، لكن أين الطعام الذي تأكله ؟
وتناهى إلها وقع أقدام خفيفة ، تصدر من بين الأشجار ، وأنصتت شيرلي ، هذا ليس وقع أقدام إنسان ، من يدري ، ربما قرد من نوع الشمبانزي ، أم أنه غوريلا ، يا للويل ، وتراجعت خائفة ، لكنها توقفت ، حين برزت شمبانزي من بين الأحراش ، تحمل عدة أصابع من الموز الناضج المصفر .
وتقدمت الشمبانزي من شيرلي ، ومدت أصابع الموز لها ، لكن شيرلي تراجعت دون أن تأخذ الموز منها ، فهمهمت الشمبانزي ، ووضعت الموز أمام شيرلي ، ثم استدارت ، وتراجعت بضع خطوات .
وشعرت شيرلي بشيء من الاطمئنان ، ومدت يدها مترددة إلى الموز ، وأخذت موزة ، ونظرت إلى الشمبانزي ، وقالت : أشكركِ .
وبدا وكأن الشمبانزي ، أدركت ما قالته شيرلي ، فتمايلت وهي تصدر أصوات فرحة ، وحركت يديها ، وكأنها تدعو شيرلي إلى تناول جميع أصابع الموز ، فمدت شيرلي يدها بدون تردد ، وأخذت أصابع الموز ، التي جاءت بها الشمبانزي .
وراحت شيرلي تلتهم الموز موزة بعد موزة ، والشمبانزي تتمايل فرحاً ، وتوقفت الشمبانزي لحظة ، ثم تراجعت خائفة ، وهي تلوح بيديها ، وتشير محذرة ، ونظرت شيرلي ، حيث تشير الشمبانزي ، فرأت امرأة عجوزاً قزمة ، تحمل سلة فيها بعض الثمار ، فتراجعت قليلاً ، وقد استبد بها الخوف والقلق .
ويبدو أن المرأة العجوز لمحت شيرلي من بعيد ، فنظرت إليها مندهشة ، ثم تقدمت نحوها بخطاها القصيرة ، وسلة الثمار في يدها ، ولسبب ما تراجعت الشمبانوي ، وعادت من حيث أتت .
واقتربت المرأة العجوز من شيرلي ، وقالت بصوت هادىء : تعالي ، يا صغيرتي ، تعالي ، لا تخافي مني ، إنني إنسانة مثلك .
لم تتفوه شيرلي بكلمة واحدة ، وظلت جامدة في مكانها ، وعيناها الزرقاوان لا تفارقان المرأة العجوز ، وإن اطمأنت بعض الشيء ، وقالت المرأة العجوز : لقد عمل زوجي مع بعض المستكشفين من قومك ، وتعلمت منه بعض الكلمات ، قولي شيئاً .
لم تتكلم شيرلي ، ولعلها لم تعرف ما ينبغي أن تقول ، فتساءلت المرأة العجوز : أين والديك ؟
وردت شيرلي بصوت حائر : لا أدري ..
وصمتت لحظة ، ثم قالت : كنت مع ماما وبابا والدليل ، لكني طاردت فراشة جميلة ، أردت أن أمسكها ، ويبدو أنني تهت .
وتلفتت المرأة العجوز حولها ، ثم قالت : الليل يأتي بسرعة هنا ، والشمس تغيب الآن وراء الأشجار ، ولا يمكن أن تبقي وحدك ليلاً في هذا المكان .
ودمعت عينا شيرلي ، وتمتمت : ماما ..
فقالت المرأة العجوز : نحن نخيم في مكان قريب ، وأنا وحدي في بيتي الصغير ، تعالي معي ، وابقي عندي ، وسنبحث في الغد عن والديكِ ، ونعيدكِ إليهما .
وتلفتت شيري حولها ، وتمتمت : لا .. لا .
وارتفعت من بعيد أصوات حيوانات مختلفة ، فلاذت شيرلي خائفة بالمرأة العجوز ، التي احتضنتها بيدها ، وقالت لها : لا تخافي ، يا صغيرتي ، لن يصيبك مكروه مادمتُ إلى جانبكِ .
ثمّ سارت بها ، وقد أمسكت بيدها ، وحملت باليد الأخرى سلة الفواكه ، التي التقطتها من الغابة ، وهي تقول لها : ستبقين الليل عندي ، ومن يدري ، فقد نعثر على والديك في مكان ما من الغابة يوم غد .







" 9 "
ـــــــــــــــــــ
سارت المرأة العجوز ، في الطريق المؤدي إلى بيتها داخل المخيم ، حاملة سلة الفواكه بيد ، وباليد الأخرى تمسك بيد شيرلي ، التي كان تتلفت قلقة مذهولة ، وهي ترى الأقزام صغاراً وكباراً ، يتوقفون مندهشين ، حين يرونها قادمة ، وينظرون إليها صامتين .
وتوقفت المرأة العجوز ، أمام بيت صغير يقع في نهاية الطريق ، وفوقه تنحني أغصان شجرة ضخمة ، تكاد تخفيه عن الأنظار ، ودفعت الباب بهدوء ، ودخلت البيت قائلة بصوت رقيق : تعالي ، يا بنيتي ، هذا بيتي ، ستبقين معي فيه ، حتى نجد والديكِ .
ووقفت شيرين تتلفت حولها مندهشة ، فالبيت كله لا يزيد عن غرفة صغيرة ، خالية من الآثاث تماماً ، فابتسمت المرأة العجوز ، وقالت : كما ترين ، إن بيتي الصغير هذا ، لا يضاهي بيوتكم الضخمة ، المليئة بالآثاث ، والتي يمكن أن تتسع لقبيلة كاملة منّا .
فقالت شيرين : إنه بيت جميل .
وضحكت المرأة العجوز ، وقالت : هذه مجاملة لطيفة ، أشكرك ، يا بنيتي الصغيرة ..
ونظرت إليها ، وقالت : لابدّ أن اسمك جميل مثلك ، ما اسمكِ يا عزيزتي ؟
فنظرت شيرلي إليها مطمئنة ، وقالت : اسمي شيرلي .
وابتسمت المرأة العجوز ، وقالت : شيرلي ، اسم جميل ، يليق بجمالك ، يا شيرلي .
وصمتت لحظة ، ثم أشارت لها قائلة : أنت متعبة ، يا بنيتي ، اجلسي ، وارتاحي قليلاً .
ونظرت شيرلي حيث أشارت المرأة العجوز ، ولم تجد ما يمكن أن تجلس عليه ، فقالت المرأة العجوز : اجلسي فوق أوراق الموز هذه ، فنحن نجلس وننام عليها ، إنها كل آثاثنا ، الذي نستخدمه في بيوتنا .
وهمت شيرلي أن تجلس ، حين سدّ الباب رجل قزم ممتلىء الجسم بعض الشيء ، ثم نظر إلى شيرلي ، وقال : طاب مساؤكِ أيتها الجدة .
ولعل المرأة العجوز أدركت سبب مجيئه ، فالتفتت إليه ، وقالت : طاب مساؤك ، تفضل أدخل .
ودخل الرجل ببطء ، وهو مازال ينظر إلى شيرلي ، وقد هربت بعينيها القلقتين منه ، ولاذت بالمرأة العجوز ، التي ضمتها إليها بإحدى يديها ، وقال بصوت جاف : لديك طفلة غريبة .
فردت المرأة العجوز : هذه الطفلة ضيفتي .
ورفع الرجل عينيه عن شيرلي ، ليحدق في المرأة العجوز ، وقال : أنتِ تعرفين إننا لا نضيّف الأغراب في بيوتنا ، إلا لأسباب قاهرة .
ونظرت المرأة العجوز إليه ، وقالت : هذه الطفلة الصغيرة ، وجدتها تائهة في الغابة ، ولابدّ أن أبويها يبحثان عنها ، ولا يصح أن أتركها وحدها في الغابة ، والليل يوشك أن يخيم .
وعاد الرجل بعينيه ثانية إلى شيرلي ، وراح ينظر إليها بتعاطف شديد ، ثم قال : ضيفتك ، أيتها الجدة ، هي ضيفتنا جميعاً ، وستبقى بيننا معززة مكرمة .
وتنفست المرأة العجوز الصعداء ، وقالت للرجل : أشكرك ، هذا كرم منك ، وغداً سأخرج منذ الصباح الباكر ، وأبحث عن أبويها اللذين يبحثان عنها بالتأكيد ، ولابد أن أعثر عليهما في الجوار .
فنظر الرجل إليها ، وقال وهو يربت على رأس شيرلي : هذه مهمتنا ، ابقي معها في البيت ، وسأرسل غداً مع الفجر ، مجموعة من الشباب ، وسيجدون أبويها ، ويأتون بهما إلى هنا .
وبدا الفرح والارتياح على المرأة العجوز ، فخاطبت الرجل ممتنة ، وقالت : أشكرك .
وتراجع الرجل ، ثم خرج ، وهو يقول : سأرسل لك وللطفلة عشاء من طعامنا ، آمل أن يعجبها .

" 10 "
ــــــــــــــــــــــ
في اليوم التالي ، ومنذ الصباح الباكر ، توافدت على بيت المرأة العجوز ، أعداد من النساء من مختلف الأعمار ، يحملن هدايا من الأزهار والفواكه والأطعمة المختلفة ، حتى غصّ البيت بالهدايا .
وكنّ يتحدثن إلى المرأة العجوز ، بنبرة هادئة محببة ، وهنّ يتطلعن إلى شيرلي ، وأحياناً يوجهن الحديث إليها بواسطة المرأة العجوز ، ويطمئنها ، ويدعونها لزيارتهنّ في بيوتهنّ ، واللعب مع الأطفال الصغار ، الذين في حوالي عمرها .
وخلال فترة الصباح ، تساءلت شيرلي أكثر من مرة عن والديها ، وكانت المرأة العجوز تطمئنها دائما ، وتخبرها بأن شباباً من المعسكر ، خرجوا مع الفجر للبحث عن والديها ، وبأنهم سيجدونهما حتماً .
ودعتها المرأة العجوز ، بعد تناول الغداء ، إلى الخروج معها من البيت ، والتجول بين بيوت المعسكر ، والتعرف على الأطفال ، الذين كانوا يتطلعون لرؤيتها والتعرف عليها ، واللعب معها في ساحة المعسكر ، لكنها كانت ترفض ، وتفضل البقاء في البيت مع المرأة العجوز ، انتظاراً لوالديها ، اللذين تأمل اللقاء بهما قريباً .
وحوالي المساء ، تناهت إلى المرأة العجوز ، وهي تتحدث مع شيرلي ، وتحاول إلهاءها ، أصوات فرحة مهللة ، تتجه شيئاً فشيئاً نحو بيتها .
وصمتت تنتظر بأمل ، وهي تتمنى أن تتحقق أمنية الطفلة شيرلي ، وإذا فتاة شابة ، تطل من باب البيت ، وتخاطب المرأة العجوز متهللة : أيتها الجدة ..
وردت المرأة العجوز متلهفة : نعم ..
وتابعت الفتاة قائلة : جاء الشباب ، ومعهم امرأة حقيقية ، تشبه الطفلة التي عندكِ .
ورغم أن شيرلي ، لم تفهم كلمة واحدة مما قالته الفتاة ، إلا أن وجهها أشرق بالفرح ، وصاحت : ماما ؟
والتفتت المرأة العجوز إليها ، وقالت : نعم يا بنيتي ، يبدو أن الشباب وجدوا أمكِ .
وأشارت الفتاة إلى الجموع القادمة ، وهي تقوا : تعالي ، وشاهديهم ، ها هم قادمون .
وأمسكت المرأة العجوز بيد شيرلي ، وأسرعت بها إلى الخارج ، وإذا جموع من النساء والرجال والأطفال قادمون ، تتقدمهم جيني والدليل القزم .
وأشارت المرأة العجوز إلى جيني ، وخاطبت شيرلي قائلة : انظري يا بنيتي ، تلك المرأة البيضاء الطويلة ، لابد أنها أمك .
والتقت عينا شيرلي المتلهفتان بعيني أمها ، التي تسير أمام الجموع ، فانطلقت تركض نحوها ، وهي تلوح بيديها ، و تصيح : ماما .. ماما .
ورأتها جيني ، فانطلقت راكضة نحوها ، وأخذتها بين ذراعيها ، وهي تغالب دموعها ، وراحت تتمتم بكلمات دامعة : بنيتي .. حبيبتي .. شيرلي .. شيرلي ..
ونظرت شيرلي إلى أمها ، وتساءلت متوجسة : بابا ، أين هو ؟ أين بابا ، يا ماما ؟
وبدل أن تردّ جيني على طفلتها ، ضمتها إلى صدرها ، وراحت تجهش بالبكاء ، ونظرت المرأة العجوز إلى الدليل ، وقالت : أين أبوها ؟
فاقترب الدليل منها ، وقال لها بصوت خافت : هاجمه خنزير ضخم ، وأجهز عليه .
وهزت المرأة العجوز رأسها ، ونظرت إلى جيني وطفلتها ، وقالت : مسكينة شيرلي .
واقتربت من جيني ، وقالت لها : سيدتي ..
ونظرت جيني إلى المرأة العجوز ، من خلال دموعها ، لكنها لم تتفوه بشيء ، فقالت الأخيرة : أنا رأيت طفلتك تائهة في الغابة البارحة ، وجئت بها إلى بيتي .
فقالت جيني ممتنة : أشكركِ ، يا سيدتي ، لقد أنقذت طفلتي شيرلي ، وأنقذتِ حياتي معها .
وابتسمت المرأة العجوز لها ، وقالت : طفلتك الجميلة كانت ضيفة عزيزة عندي ، أرجو أن تتفضلي ، وتبقي بعض الوقت في بيتي .
وهنا أقبل الرجل الحكيم ، ومعه عدد من الرجال الذين في عمره ، فأفسح له الجموع حتى وصل إلى جيني ، وعرف الدليل ، فقال له : قل لهذه المرأة ، إننا نرحب بها وبطفلتها بيننا .
ونقل الدليل لجيني ما قاله الرجل الحكيم ، فقالت مخاطبة الرجل الحكيم : قل له إنني أشكره ، وأشكرهم جميعاً لرعايتهم الطيبة لطفلتي شيرلي .
ونقل الدليل ما قالته جيني ، فقال الرجل الحكيم : قل لها إن بيوتنا مفتوحة لها ، مهما طال مكوثها بيننا .
وقالت جيني للدليل : قل لهذا الرجل الطيب ، إنني جئت مع زوجي ، لنكتب كتاباً عن الناس الصغار ، في هذه الغابة ، لكن زوجي قتل ، وقررت أنا أن أبقى هنا ، إذا سمحوا حتى أتمّ الكتاب .
ونقل الدليل ما قالته للرجل الحكيم ، فابتسم وأجابها : على الرحب والسعة ، ستبقين ضيفة معززة مكرمة أنت وابنتك حتى تتمي الكتاب .
17 / 2 / 2021



#طلال_حسن_عبد_الرحمن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية للفتيان سراب
- رواية للفتيان جزيرة الحور
- رواية للفتيان عزف على قيثارة شبعاد
- رواية للفتيان عزف على قيثارة ...
- رواية للفتيان عين التنين
- رواية للفتيان مملكة أعالي الجبال المتجلدة
- مسرحية من ثلاثة فصول الطريق إلى دلمون
- مسرحية من فصل واحد الثلوج
- مسرحية من فصل واحد السعفة
- مسرحية من فصل واحد ...
- مسرحية من فصل واحد البروفة
- مسرحية مونودراما الرعب والمطر
- مسرحية من فصل واحد الصحراء
- مسرحية من فصل واحد الشجرة
- الانتظار مسرحية من ثلاثة فصول
- مسرحية عقارب الساعة
- قصص للأطفال إلى الكلمة الشهيدة شيرين التي أطفأها الصهاينة ال ...
- مسرحية من ثلاثة فصول إنسان دلمون
- مسرحية الجدار
- القطار


المزيد.....




- مش هتغيرها أبدا.. تردد قناة وان موفيز “one movies” الجديد 20 ...
- دق الباب.. اغنية أنثى السنجاب للأطفال الجديدة شغليها لعيالك ...
- بعد أنباء -إصابته بالسرطان-.. مدير أعمال الفنان محمد عبده يك ...
- شارك بـ-تيتانيك- و-سيد الخواتم-.. رحيل الممثل البريطاني برنا ...
- برنامج -عن السينما- يعود إلى منصة الجزيرة 360
- مسلسل المتوحش الحلقه 32 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- -الكتابة البصرية في الفن المعاصر-كتاب جديد للمغربي شرف الدين ...
- معرض الرباط للنشر والكتاب ينطلق الخميس و-يونيسكو-ضيف شرف 
- 865 ألف جنيه في 24 ساعة.. فيلم شقو يحقق أعلى إيرادات بطولة ع ...
- -شفرة الموحدين- سر صمود بنايات تاريخية في وجه زلزال الحوز


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طلال حسن عبد الرحمن - رواية للفتيان البحث عن تيكي تيكيس الناس الصغار