أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طلال حسن عبد الرحمن - مسرحية الجدار















المزيد.....



مسرحية الجدار


طلال حسن عبد الرحمن

الحوار المتمدن-العدد: 7239 - 2022 / 5 / 5 - 22:03
المحور: الادب والفن
    


مسرحية من ثلاثة فصول






الجدار







طلال حسن







الفصل الأول


فاطمة امرأة في السبعين ، ترتب أثاث
الردهة ، يدخل نبيل ، شاب في الخامسة
والعشرين ، فاطمة تنظر إليه ، وتتأمله
في حب وفرح

نبيل : صباح الخير ، مازلتِ تستيقظين قبل
الديكة ، ماذا تفعلين منذ الآن ؟
فاطمة : صباح النور ، إنني أرتب الردهة ، يبدو
أن ماما لم تستيقظ بعد .
نبيل : لم أسمع صوتها .
فاطمة : إنها تستيقظ عادة في الفجر .
نبيل :" يطوقها بذراعيه " فاطمة ، تعال
معي.
فاطمة : إلى أين ؟
نبيل : نرى الصبح في الشوارع .
فاطمة : " في عتاب " نبيل .
نبيل : إن شوارع بغداد جميلة في الصباح .
فاطمة : تناول فطورك أولاً .
نبيل : لستُ جائعاً .
فاطمة : لكنك لم تتناول عشاءك أمس .
نبيل : تناولت عشائي في النادي .
فاطمة : لقد انتظرتك حتى ساعة متأخرة ، نبيل
ابقَ معنا .
نبيل : إنني مشتاق إلى بغداد ، دعيني أشبع
منها أولاً .
فاطمة : نحن أيضاً مشتاقون إليك ؟
نبيل : سأمكث بينكم حتى تشبعون مني .
فاطمة : لن أشبع منك أبداً " تقبله " إن الغربة
قد أنحفتك ، كان جسمك ممتلئاً قبل أن
تذهب إلى .. ماذا يُسمونها ؟ إنني أنسى
اسمها دائماً .
نبيل : لندن .
فاطمة : نعم ، لندا ؟؟
نبيل : " يضحك " لند .. ن ؟
فاطمة : لندا ..
نبيل : " يضحك " ....
فاطمة : لن أتعام اسمها ، لكني أحببتها ، لأنك
كنت تعيش فيها ، لو تعلم كم اشتقتُ إليك
، كنت أخشى أن أموت قبل أن أراك
ثانية .
نبيل : لكنكِ كنت دائماً معي .
فاطمة : لم تنسني إذن .
نبيل : وكيف أنساك ؟
فاطمة : نبيل ، تناول فطورك اليوم معنا .
تبيل : " يبتسم " ....
فاطمة : ماذا تقول ؟
نبيل : ماذا تريديني أن أقول ؟
فاطمة : لا تقل لا ، من أجلي .
نبيل : لا .
فاطمة : " بخوف " نبيل .
نبيل : لن أقول لا .
فاطمة : " بفرح " ليحفظك الله ، لقد أفرحتني .

يُسمع وقع أقدام ، يفتح الباب ،
وتدخل الأم ، امرأة في حوالي الخمسين

الأم : " لفاطمة " هل أعددت الفطور ؟
فاطمة : الشاي أوشك أن يغلي ، وقد اشتريت
الخبز ، و ..
الأم : : تقاطعها بجفاء " من يقول أن الشاي لم
يغل ِ ، ويفسد الطباخ ، مادمتِ تثرثرين
هنا ، منذ ساعة .
فاطمة : لقد دخلتُ منذ لحظة لأرتب الردهة ؟
الأم : اذهبي إلى المطبخ .
فاطمة : " تتجه إلى الداخل " حاضر .
الأم : والحليب ، هل غليته ؟
فاطمة : سأغليه الآن " تخرج "

الأم تلتفت إلى نبيل ، وتحدق فيه ،
يبدو التأثر والانزعاج عليه

الأم : لا تبدو مرتاحاً ، هل نمت جيداً ؟
نبيل : نعم .
الأم : إن وجهك شاحب .
نبيل : هكذا خلقتُ .
الأم : ليس من السهر إذن " صمت " لقد
تأخرت البارحة أيضاً .
نبيل : كنت مع صديق ، لم أره منذ فترة
طويلة .
الأم : وقبل البارحة ، وقبلها ، وقبلها ,
نبيل : ماذا يضيرك تأخري ؟
الأم : إنني أمك ؟
نبيل : لم أعد طفلاً .
الأم : نبيل ، أنظر إليّ ، لماذا تبعد عينيك عني
دائماً ؟ ماذا جرى ؟ أنظر إليّ .
نبيل : " يرفع عينيه إليها " ....
الأم : " تنظر في عينيه " ....
نبيل : " يرخي عينيه ، ويطرق " ....
الأم : لا أدري لماذا أشعر ، أن في عينيك شيئاً
لا أفهمه ، ترى ما الذي غيرك ؟ لندن ؟
لا أعتقد " صمت " لم تحدثني عن أبي
نزار .
نبيل : ذهبتُ إليه البارحة .
الأم : حسناً .
نبيل : وكالعادة ، قال لي ، انتظر .
الأم : سأتلفن له ثانية .
نبيل : لا داعي .
الأم : لكن الرجل لم يدخر وسعاً .
نبيل : هناك وظائف كثيرة في الجزائر .
الأم : أعتقد أنك تعرف رأيي في هذا الأمر .
نبيل : لقد مللتُ البطالة ، إن الفراغ هنا يقتلني.
الأم : لن تغادر العراق ثانية ، ستبقى هنا ،
وتعيش معي .
نبيل : " يصمت " ....
قاطمة : " تدخل " الفطور جاهز .
الأم : هل غليتِ الحليب ؟
فاطمة : " تضطرب " يا إلهي ، لقد .. نسيت .
الأم : لا أدري ماذا دهى عقلك هذه الأيام .
فاطمة : سأغليه حالاً .
الأم : رتبي الردهة ، سأعد الفطور بنفسي .
فاطمة : لكني أعددته ..
الأم : لا تثرثري ، رتبي الردهة .

الأم تخرج ، نبيل ينظر إلى
فاطمة ، فاطمة تحاول أن تتشاغل

نبيل : فاطمة .
فاطمة : سأرتب الردهة .
نبيل : لكنك رتبتها .
فاطمة : لم أنتهِ بعد .
نبيل : فاطمة " يحتضنها " إنني أحبك .
فاطمة : " ترفع عينيها إلى نبيل " نبيل ..نبيل : لا تهتمي لشيء .
فاطمة : لن أهتم مادمتُ معك .
نبيل : أنتِ أمي ، وحبيبتي .
فاطمة : لو تعرف كم عانيتُ في غيابك ..
نبيل :إنني معك الآن .
فاطمة : لكنني من أجلك صبرت .
نبيل : ابتسمي .
فاطمة : ليس لي في الدنيا أحد غيرك .
نبيل : أرني ابتسامتك الحلوة .
فاطمة : أنت ابني ، ابني .
نبيل : ابتسمي لابنك إذن .

فاطمة تبتسم ، نبيل
يحتضنها ، يدق جرس الباب

نبيل : سأفتحه عنك .
فاطمة : لا ، هذا وتجبي .
نبيل : لكني ابنك .
فاطمة : ولهذا يجب أن تطيعني .
نبيل : " يبتسم " لقد غلبتني " تخرج "

بعد قليل ، تدخل ليلى ، نبيل ينظر
إليها في دهشة وفرح ، ليلى تبتسم
وهي تتأمل نبيل

نبيل : ليلى !
ليلى : صباح الخير .
نبيل : ليلى ..
ليلى : " تبتسم " أنت تخيفني .
نبيل : ماذا حلّ بليلى ؟
ليلى : المسكينة ، لقد كبرت .
نبيل : هكذا بسرعة ؟
ليلى : ست سنوات ، ست سنوات طويلة ، كان
عمر ليلى وقتها ثلاث عشرة سنة ، هل
تحب عمليات الجمع ؟
نبيل : ليس كثيراً .
ليلى : إنها تخيفني .
نبيل : أعطني الحقيبة ، هل أنت وحدك ؟
ليلى : لا ، لقد جاءت أمي معي .
نبيل : عمتي ؟ لقد شغلتني عنها .
ليلى : ليس هذا ذنبي .
نبيل : ذنب من إذن ؟
ليلى : ربما كان ذنب السنوات الست .
نبيل : : يبتسم " ربما ..

تدخل أم فارس ، فاطمة تدخل وراءها ،
حاملة الحقيبة ، نبيل يهرع إلى أم فارس

فارس : عمتي .
أم فارس : نبيل ، كيف حالك ؟ أرجو أن تكون
بخير .
نبيل : أشكرك ، وأنتِ ؟ تبدو صحتك جيدة ؟
أم فارس : الحمد لله .
نبيل : لقد مرت فترة طويلة ، منذ أن رأيتك
آخر مرة .
ليلى : ست سنوات .
أم فارس : ربما أكثر .
نبيل : كانت أياماً جميلة .
ليلى : ستأتي أيام أجمل .
أم فارس : من يدري .
نبيل : لم تحدثاني عن فارس " صمت حزين
" لقد سمعت أنه في ..
أم فارس : " تدمع عيناها " نبيل ..
نبيل : آسف .
أم فارس : إنني أراه فيك ، أرى أخي ، رائحته
العذبة تفوح منك ، إن أخي لم يمت ، إنه
حيّ يعيش فيك .
ليلى : " في تأثر " ماما .
أم فارس : أنظري ، يا ليلى ، لقد أصبح نبيل رجلاً
، إنه الآن بطول فارس .
ليلى : ماما ، أرجوك .
أم فارس : أتعرف إذن أين هو ؟
نبيل : فارس رجل ..
أم فارس : نعم ، إنه ابني .
نبيل : " بعد فترة صمت " لا أدري قي
الحقيقة ، من أعاتب ، كان عليكما أن
تشعراني بقدومكما .
ليلى : لكني كتبت لك رسالة .
نبيل : لم تصلني .
ليلى : لقد أرسلتها قبل أكثر من أسبوع .
نبيل : " لفاطمة " هل وصلتني رسالة خلال
هذه المدة ؟
فاطمة : نعم .
نبيل : متى ؟
فاطمة : قبل يومين .
نبيل : لم تعطيني إياها .
فاطمة : أعطيتها لماما .
نبيل : ماما .
فاطمة : لم تكن وقتها في البيت .

يُفتح الباب ، وتدخل الأم ،
يسود الجميع صمت متوتر

الأم : يدهشني أنكم لم تنسوا بيتنا بعد .
ليلى : كيف حالك ، يا أم نبيل ؟
الأم : " تلتفت إليها " ليلى .
ليلى : نعم .
الأم : لقد كبرتِ ، مازلتِ في المدرسة ؟
ليلى : إنني طالبة في كلية العلوم .
الأم : آ .
ليلى : في الصف الثاني .
الأم : يبدو أنك لست مع فارس " صمت " هل
أنت معه ؟

صمت ثقيل ، الأم تلتفت إلى
أم فارس ، وتشير إلى نبيل

الأم : نبيل ، ابني ، لقد أرسلته إلى لندن
للدراسة " في تهكم " هل مازلت
تعرفينه؟
أم فارس : " بحدة " نبيل يعرف أنني عمته .
الأم : " بحدة " نبيل ، خذ ليلى إلى الداخل .
نبيل : ماما ، أم فارس متعبة الآن ..
الأم : ألم تسمعني ؟
نبيل : دعيها ترتح قليلاً .
الأم : " بحزم " نبيل .
أم فارس : أرجوك ، خذ ليلى ، أريد أن أتحدث إلى
أمك على انفراد .
ليلى : نبيل ، فلندخل لحظة " صمت " هيا
أرجوك .

نبيل يندفع بانزعاج إلى الداخل ،
ليلى تحمل حقيبتها ، وتمضي وراءه

الأم : " لفاطمة " اذهبي إلى المطبخ .
فاطمة : الحقائب ، هل أحملها إلى الداخل ؟
الأم : دعيها هنا ، اذهبي الآن إلى عملك .
فاطمة : " وهي تخرج " حاضر .
الأم : يبدو أن الموضوع مهم ، مادمت قد
شرفتنا .
أم فارس : نعم .
الأم : فارس .
أم فارس : نعم ، ابني .
الأم : لم أكن أعتقد أنك ستأتين إليّ يوماً من
أجل ابنك فارس .
أم فارس : لكني أتيت .
الأم : لماذا ؟
أم فارس : في وسعك أن تفعلي الكثير .
الأم : " في تهكم " صحيح .
أم فارس : إذا أردتِ .
الأم : ومن قال لكِ إني أريد ؟
أم فارس : ابني قد يواجه الحكم بالموت .
الأم : إنني أعرفك ، أعرفك جيداً ، فلا تعتقدي
إنني لا أعرف أهدافك .
أم فارس : ليس لي هدف سوى إنقاذ ابني .
الأم : أنت لم تأتي إليّ ، فأنت تعرفين إنني لن
أتدخل من أجل فارس ، لقد أتيتِ إلى نبيل
، ولكن هيهات ، لن تلعبي بهذه الورقة ،
نبيل ابني ، ولن أسمح له أن يتدخل في
هذه القضية ، ولهذا فإني أنصحك أن
تبحثي عن شخص آخر ، بعيداً عن هذا
البيت .

يدخل نبيل ، فيحس بتوتر الجو ، ينظر
إلى أم قيس ، فيلمح دموعاً في عينيها

نبيل : ماذا جرى ؟ " صمت " أخبراني ، ماذا
جرى ؟
أم فارس : أرجوك ، نادِ ليلى .
نبيل : لكن لماذا ؟
أم فارس : أرجوك ، يا نبيل ، نادها ، يجب أن
نذهب .
تبيل : لن تذهبا الآن .
أم فارس : لدينا مهمة عاجلة .
نبيل : تناولا الفطور أولاً ، وسآخذكما بسيارتي
حيثما تريدان .
أم فارس : لا أرجوك ، لا أريد أن تتعب نفسك معنا
، يمكننا أن نذهب وحدنا إلى المحامي ،
الذي وكلناه للدفاع عن فارس .
نبيل : لكن المحامي لن يكون في محله الآن ،
سآخذكم إليه عصراً .
أم فارس : نبيل ، أرجوك .
نبيل : لا يمكن ، تفضلي الآن ، الفطور جاهز.


نبيل يأخذ بيد أم فارس ،
ويسير بها إلى الداخل

الأم : " بحدة " نبيل .
نبيل : " يلتفت إلى أمه " ....
الأم : ابقَ لحظة ، أريد أن أكلمك .
نبيل : ليس الآن .
الأم : بل الآن .
نبيل : " لأم فارس " تفضلي ، سألحق بك
حالاً .
أم فارس : " تخرج " ....
الأم : " تحدجه بنظرة طويلة غاضبة " ....
نبيل : " يرفع عينيه إلى أمه " قبل يومين
وصلتني رسالة .
الأم : من عمتك .
نبيل : لم تعطني إياها .
الأم : أردتُ مفاجأتك .
نبيل : يبدو أنك فتحتها .
الأم : هذا واجبي .
نبيل : واجبكِ !
الأم : لم أفتح رسالة لك من قبل ،أما هذه الرسالة ، فقد رأيت أن من واجبي أن
أفتحها ، لأني لا أريد أن تتعامل معك هذه المرأة من وراء ظهري .
نبيل : لكن هذه المرأة .. عمتي ، وهي لا تتعامل معي بما يسيء إليك .
الأم : بالعكس .
نبيل : ولكن هذا ..
الأم : " تصيح " إنني لا أريد أن تتعامل معها ، لا أريد أن تكون لها علاقة بنا ، يجب عليها أن تفهم ، أن كل شيء بيننا فد انتهى وإلى الأبد " صمت " نبيل ، أنت لم تعصني من قبل ، وأريد ألا تعصني هذا اليوم .
نبيل : " بانزعاج " ماذا تريديني أن أفعل ؟ هل تريديني أن أطردها ؟
الأم : قبل قليل ، قلت لها ، إنك ستأخذها إلى المحامي بسيارتك .
نبيل : وماذا في الأمر ؟
الأم : ابقَ بعيداً عن هذه القضية ، لن أسمح لك مطلقاً أن تتخل فيها ، هل سمعت ؟
نبيل : " يحدجها بغضب " ....
الأم : " تصيح " قل نعم .
نبيل : " يبقى صامتاً " ....

يُفتح الباب ، وتدخل فاطمة ، الأم
تحدجها بغضب ، نبيل يمضي إلى الداخل

فاطمة : " تنظر إلى الأم خائفة " الفطور جاهز.
الأم : " تبقى صامتة " ....
فاطمة : لقد غليتُ الحليب ثانية ..
الأم : لن أشربه اليوم .

فاطمة تنتظر لحظة ، ثم تنسحب في
هدوء ، وتغلق الباب ، الأم تبقى وحدها
بينما يُسدل
الستار





الفصل الثاني




نفس منظر الفصل الأول ، الوقت
ليل،فاطمة ترتب أثاث الردهة،يأتي
نبيل من الداخل ، ويحضن فاطمة

نبيل : قلتُ لك ألف مرة ، لا أريد أن أرى
حبيبتي بثوب أسود ، أين قطعة القماش
التي جلبتها لكِ ..
فاطمة : من لندا ؟
نبيل : " يبتسم " نعم ، من لندا .
فاطمة : لم أفصلها بعد ، إن لونها لا يناسبني .
نبيل : لا يناسبك ! أنت مازلتِ شابة .
فاطمة : شابة في الخامسة والسبعين .
نبيل : وماذا يعني ؟ إن المرأة في لندا تتزوج
في هذا العمر .
فاطمة : تتزوج ! لا يمكن .

يفتح الباب بهدوء ،
وتخل ليلى

ليلى : هل لي مكان بينكم ؟
فاطمة : ليلى ، أصدقيني .
ليلى : " مازحة " لا تأخذي الصدق إلا مني .
فاطمة : هل صحيح أن المرأة في لندا ..
ليلى : أين !
نبيل : " يضحك " لندن .
ليلى : آ .
فاطمة : هل صحيح أنها تتزوج في السبعين ؟
ليلى : لابد أن نبيل هو الذي أخبرك بذلك .
فاطمة : نعم .
ليلى : إذن صحيح .
فاطمة : تتزوج في السبعين ؟
ليلى : إذا كنتِ لا تصدقين ، فاذهبي إلى
هناك .
فاطمة : لكني أريد أن أذهب إلى الحج .
ليلى : اذهبي إلى لندا أولاً .
فاطمة : " تبتسم " ملعونة ، مثلي لا تذهب إلى
لندا .
ليلى : ليس هناك حل آخر ، إن المرأة لا
تتزوج هنا بعد السبعين .

نبيل يكتم ضحكته ، ليلى تطلق
ضحكة مرحة عذبة ، فاطمة تبتسم

نبيل : هل تذوقتِ القهوة التي تعدها فاطمة ؟
فاطمة : أتمزح ؟
نبيل : أبداً .
فاطمة : سأعد لك إذن فنجاناً من القهوة ، لم
تتذوقي مثله من قبل .
ليلى : أشكركِ .
فاطمة : " وهي تخرج " وسأعدها حلوة مثلك .
ليلى : " تبتسم " شكراً .
نبيل : يبدو أن عمتي مازالت نائمة .
ليلى : البارحة لم تنم لحظة واحدة .
نبيل : من الصعب أن ينام المرء في القطار .
ليلى : كانت تفكر فيه ، لم تتحدث عنه ، لكني
أعرف أنها كانت تفكر فيه ، كنت إلى
جانبها ، لكنها لم تحس بوجودي ، وظلت
عيناها ثابتتين طوال الليل .
نبيل : " يمسك يدها " ليلى .
ليلى : إنني خائفة ، يا نبيل .
نبيل : لا داعي للخوف ، إنها ظروف طارئة .
ليلى : أخشى أن يدينوه .
نبيل : بماذا يدينونه ؟ لا تصغي إلى هراء
المحامي .
ليلى : لقد أدانوا معظم رفاقه .
نبيل : لكن ليس ثمة دليل ضده .
ليلى : إنهم لا يبحثون عن أدلة لإدانته ، يكفي
انتماؤه " تسحب يدها " أسمع وقع أقدام .
نبيل : إنها فاطمة .
ليلى : " تبتسم " المسكينة .
نبيل : لقد استعدت للامتحان .
ليلى : سأنجّحها .
فاطمة : " تدخل حاملة القهوة " لقد أعددتها
حلوة مثلك .
نبيل : هذه رشوة .
فاطمة : تنسمي رائحتها ، إنه عذبة ..
نبيل : دعيها تحكم بنفسها .
فاطمة : تذوقي قهوتي ، وادعي لي .
ليلى : " تتذوق القهوة " الله .
فاطمة : جيدة طبعاً .
ليلى : جداً ، عاشت يدكِ .
فاطمة : " لنبيل " أرأيت ؟
نبيل : أحس أنها تجاملك .
فاطمة : " لليلى " صحيح ؟ أصدقيني .
ليلى : إن كلمة جيدة لا تكفي ، إنها رائعة .
فاطمة : رائعة " لنبيل " لن أعد القهوة لك ثانية
، إذا لم تقل ، إنها رائعة .
نبيل : مهما تكن قهوتك رائعة ، فأنت أروع .
فاطمة : لقد غلبتني ، من الأفضل أن أذهب ، هل
تريدان شيئاً آخر .
ليلى : لا ، شكراً .
نبيل : اذهبي إلى فراشك ، فأنت متعبة .
فاطمة : نادياني إذا احتجتما إلى شيء .
ليلى : تصبحين على خير .
فاطمة : أشكرك ، يا ابنتي ، ليسعدك الله "
تخرج " .
نبيل : " يتأمل ليلى " حدثيني عن نفسك .
ليلى : " تبتسم " اسمي ليلى ، عمري .. ،
هل هو مهم ؟
نبيل : إنه محرج أحياناً .
ليلى : نتركه إذن ، طالبة في كلية العلوم .
نبيل : وبعد .
ليلى : لا بعد مع الأسف ، وأنت ؟
نبيل : " يبتسم " اسمي ..
ليلى : أعرفه .
نبيل : عمري ..
ليلى : أعرفه .
نبيل : درست ..
ليلى : هندسة النفط في لندن .
نبيل : بعد ؟
ليلى : هناك بعد لا أعرفه ، حدثني عنه .
سأنتظر ، ولن أيأس " يتأملها " يبدو
أنك تبحث فيّ عن شيء .
نبيل : إنني أبحث فيك عن فارس .
فاطمة : أرجو أن تكون قد وجدته .
نبيل : لقد وجدته فعلاً .
ليلى : ماذا وجدت مثلاً ؟
نبيل : لا أدري بالضبط ، ولكن فيك
الشيء الكثير منه .
ليلى : فارس أخي .
نبيل : وأستاذك .
لبلى : وأستاذي .
نبيل : إنني أحسدك ، أخبريني ، ماذا تعلمت
منه ؟
ليلى : أشياء كثيرة .
نبيل : مثلاً .
ليلى : تعلمت أن أواجه الحياة ، وأعمل على
اغنائها .
نبيل : هل عرفت الآن لماذا أحسدك ؟
ليلى : ولكنك درست في دولة متقدمة ، ولابد
أنك تعلمت أشياء كثيرة هناك .
نبيل : لم أتعلم هناك ما علمكِ إياه فارس ؟
ليلى : " تضحك " لا تقل لي ، أنك أضعت
وقتك كله في دراسة هندسة النفط .
نبيل : للأسف هذا ما فعلته .
ليلى : " تضحك ثانية " لن أصدق طالباً درس
في لندن .
نبيل : " يتأملها " أتعرفين ماذا بقي من ليلى
؟
ليلى : الصغيرة ؟
نبيل : ضحكتها ..
ليلى : آ .
نبيل إن ضحكتك الطلقة ، المليئة بالحياة ،
تذكرني بأيام الصيف التي كنت أقضيها معكم أحياناً .
ليلى : لقد مرّ على ذلك وقت طويل .
نبيل : نعم ، لكن ضحكتك مازالت هي ، لم
تتغير ، يبدو أن هناك أشياء كثيرة ، لا
يستطيع المرء أن يتعلمها في جامعات
أوربا " يبتسم " مرة ، تذكرتك وأنا في
أحد مسارح لندن ، كنت أشاهد مسرحية
كوميدية ، فسمعت ورائي فتاة تضحك ،
وبصورة لا إرادية التفت إليها ، كانت
لندنية شقراء ، لم تكن تشبهك طبعاً .
ليلى : " تبتسم بمكر " الحقيقة ، لم أكن أعلم
أن فتاة لندنية شقراء ، تذكرك بي .
نبيل : " يبتسم " ....
ليلى : ترى ألم تذكرك بي فتاة سمراء ؟
نبيل : من الصعب أن يجد المرء في لندن فتاة
سمراء تشبهك .
ليلى : مع أن شعوب العالم كلها تلتقي هناك ،
إنني لا أعتقد أن هندسة النفط تمنع المرء
من التعرف على مزايا الشعوب .
نبيل : هندسة النفط ، لو تعلمين ، لا تترك
للمرء فرصة إلا للتعرف على خصائص
التربة ، ومزايا النفط في الشرق الأوسط .
ليلى : من الصعب أن يصدق المرء عائداً من
لندن ، ولكن مع ذلك سأصدقك إذا
أصدقتني ، هل تعدني ؟
نبيل : " يبتسم " نعم .
ليلى : لماذا لم تكتب لنا ؟
نبيل : الحقيقة .. آ ..
فاطمة : الحقيقة ، ماذا ؟
نبيل : لن تصدقيني إذا قلتُ لك ، إن الدراسة
تملأ معظم وقتي .
ليلى : والباقي ؟
نبيل : كان يملؤه الضباب والسأم .
ليلى : وبعد ..
نبيل : ليس هناك بعد .
ليلى : ولكن مع هذا كنت تكتب لوالديك .
نبيل : " يبتسم متردداً " أحياناً .
ليلى : ترى عمّ كنت تكتب إليهما أحياناً .
نبيل : عن بك بن وهايدبارك والضباب فوق
لندن .
ليلى : وفتاتك الشقراء ، ألم تحدثهما عنها ؟
نبيل : " يهز رأسه " ....
ليلى : يا للأسف ، كنت أتمنى أن تكتب لي ،وتحدثني على الأقل ، عن فتاتك الشقراء ، التي تشبهني ، ترى آلم تخطىء في
موقعها الجغرافي منك ؟ ألا يحتمل أنها
كانت عن يسارك ؟
نبيل : كلا ، كانت ورائي ، ولم تكن تشبهك .
ليلى : لا أدري لماذا أعتقد أنها كانت عن
يمينك .
نبيل : " يبتسم " ....
ليلى : على كل حال ، كان المسرح مظلماً ،
ولابد أنك نسيت ملامحها الآن .



يفتح الباب الداخلي ،
وتدخل أم فارس

أم فارس : أرجو أن لا أكون قد قطعت حديثكما .
نبيل : أبداً .
ليلى : " تصيح " ماما ، آه لو كنت معنا .
أم فارس :يبدو أن الحديث كان شيقاً .
نبيل : ألا تجلسين ؟ تفضلي هنا ,
أم فارس : شكراً ، إنني مرتاحة هكذا .
ليلى : ماما .
أم فارس : ماذا بك ؟ الناس نيام .
ليلى : " بصوت خافت " لندن ، يا ماما .
أم فارس : لندن ! ما لها ؟
ليلى : لم تعد فقط عاصمة بريطانيا .
أم فارس : " لنبيل " احذر هذه الملعونة ، وخاصة
عندما تتكلم هكذا .
ليلى : تصوري ، يا ماما ، إن نسختي الشقراء
، ترتاد هناك المسرحيات الضاحكة .
أم فارس : كفى ، كفى ، لا تتوقعي أن أفهم اليوم
نسختك الشقراء .
ليلى : قال غاليلو ، إن الأرض كروية ، لكن
أحداً لم يصدقه .
نبيل : " يبتسم " للأسف .
ليلى : ولكن مع ذلك ، إن الأرض كروية .

أم فارس تتأمل الصور المثبتة على
الجدران ، وتتوقف عند صورة نبيل

أم فارس : هذه الصورة جميلة ، تبدو هنا فتى ،
متى أخذتها ؟
نبيل : قبل أن أسافر إلى لندن .
ليلى : ياه ، كم غيرتك لندن هذه .
نبيل : صحيح ؟
ليلى : لعل الضباب هو السبب .
نبيل : " يبتسم " يمكن .
أم فارس : وهذه الصورة لجدك ، كان رجلاً طيباً .
نبيل : إنني لا أكاد أذكره ، فقد توفي وأنا
صغير .
أم فارس : لو تعرف كم كان يحب والدك ،
ويحترمه " صمت " وهذه أمك ..
نبيل : نعم .
أم فارس : تبدو هنا أصغر من عمرها .
نبيل : لقد أخذتها منذ فترة قريبة .
أم فارس : أتعرف أنها أكبر من أبيك ؟
نبيل : ربما بسنتين أو ثلاثة .
أم فارس : بل أكثر بكثير ، إنها في عمري تقريباً
" صمت " نبيل ، تأمل هذه الصور ،
تأملها جيداً ، هذا الحائط مليء بالصور ،
لكني لا أجد صورة واحدة لأبيك ، إنه
أبوك ، يا نبيل ، لكنه لم يجد له مكاناً بينكم
، حتى على الحائط " صمت ثقيل " إنني
آسفة .
نبيل : هذه الصور لم أعلقها أنا ..
أم فارس : سامحني ، لم أقصد إيلامك .
نبيل : لقد وجدتها هنا ، عند عودتي من لندن ،
يبدو أن أمي هي التي علقتها .
أم فارس : إنني لا ألومها ، فهذا بيتها .
ليلى : ماما .
أم فارس : نبيل ، لا تلمني لأني أقمت مأتمه في
بيتنا ، فهذا البيت لم يكن بيته ، لقد كان
غريباً هنا ، كنت أنتظره ، وكنت أعرف
أنه سيعود ، وقد عاد إليّ فعلاً ، لكنه عاد
ميتاً .

صمت حزين ، تخل الأم ،
يسود الجميع صمت ثقيل متوتر

الأم : يبدو أنك لا تشبعين من نهش الآخرين .
ليلى : أم نبيل ، نحن لم نكن ..
الأم : أخبريني ، متى تكفين عن النهش ؟
أم فارس : ليس هذا من عادتي .
الأم : إن من ينهش مرة ومرتين لا يشبع أبداً .
نبيل : ماما .
الأم : لا يمكن ، بعد هذا العمر ، أن أخطىء
فهمك .
نبيل : كفى ، يا ماما .
الأم : كانت تمضغ لحمي ..
نبيل : كلا .
الأم : كانت تلطخني ..
نبيل : كلا ، كلا .
الأم : كانت تمسخني ، وأنت صامت .
ليلى : أم نبيل ، ثقي ..
الأم : " لأم فارس " لا تتعبي نفسك ، لن
تجدي هنا ما تبحثين عنه .
ليلى : أم نبيل ، أرجوك .
الأم : لم يعد لك هنا أحد ، هل فهمتِ ؟
أم فارس :أنت واهمة ، لي نبيل .
الأم : نبيل ابني ، ابني وحدي ، ولن أسمح
لأحد ، أياً كان ، أن ..
ليلى : أرجوك ، يا أم نبيل ..
الأم : " تصيح بليلى " ابتعدي ..
ليلى : إن أخي في مأزق .
الأم : أصغي إليّ جيداً .
ليلى : أم نبيل .
الأم : كان لك هنا خال ، لكنه الآن لم يعد
موجوداً ..
نبيل : ماما .
الأم : لقد مات .
نبيل : ماذا تقولين !
الأم : " تصيح " لقد مات .. مات .. مات .
نبيل : " يمسك يدها " كفى .

الأم تسحب يدها من يد نبيل ، ثم
تصفعه بشدة ، ينظر أحدهما إلى
الآخر في ذهول ، الأم تخرج وهي
تتعثر ، نبيل ينهار على إحدى الأرائك ،
ويدفن وجهه بين يديه ، أم فارس تدنو
منه ، وتنحني عليه

أم فارس : سامحني ، يا نبيل ، سامحني ، سنذهب
غداً ، وقد لا أراك ثانية ، تكلم ، يا نبيل ،
قل شيئاً ، إن صمتك يقتلني .
ليلى : ماما .
أم فارس : فارس في السجن ، ليبقَ في السجن ،
ليبقَ ، نبيل ..
ليلى : ماما رجوك .
أم فارس : لقد أخذوا مني ابني ، أخذوا فارس ،
أنت يا نبيل فارس ، أنت ابني..
نبيل : " ينشج " ....
أم فارس : أتبكي ، يا نبيل ؟ أتبكي ؟ " تقبله وهي
تنشج " دع دموعك إذن تختلط بدموعي .
ليلى : كفى ، يا ماما ، كفى ، أنت مريضة .
أم فارس : دعيني ، يا ليلى .
ليلى : يجب أن ترتاحي ، هيا يا ماما .
أم فارس : كيف أرتاح ؟ كيف ؟
ليلى : " تأخذ بيد أمها " هيا أرجوك ، هيا .
أم فارس : " تنهض " ليلى ، أبقي هنا ، لا تتركي
نبيل وحده .
ليلى : دعيني أوصلك .
أم فارس : كلا ، سأذهب وحدي .

تخرج أم فارس ، ليلى تنظر إلى
نبيل ، صمت ، نبيل يرفع عينيه
الدامعتين إلى ليلى ، فتجثو أمامه

ليلى : نبيل ، قل شيئاً ، يا نبيل .
نبيل : ماذا بقي ليقال .
ليلى : نحن لم نقل شيئاً بعد .
نبيل : أنظري إليّ ، إنني أمامك الآن على
حقيقتي ..
ليلى : نبيل .
نبيل : فماذا بعد ؟
ليلى : إنني أعرفك ، يا نبيل .
نبيل : ....
ليلى : أعرفك على حقيقتك ..
نبيل : لعلي كنتُ ..
ليلى : إنني أعرفك كما أعرف نفسي ..
نبيل : أنت لا تقولين الحقيقة .
ليلى : أنظر في عينيّ إذن ، واشهد الحقيقة .
نبيل : " ينظر في عينيها " ليلى ..
ليلى : ماذا رأيت ؟
نبيل : أصدقيني ، أرجوكِ .
ليلى : إنني صادقة معك ، لأني صادقة مع
نفسي .
نبيل : ليلى .
ليلى : لم أنسك أبداً ، وعندما التقيتك اليوم ،
والتقت عيناي بعينيك ، أدركت أنني كنت
معك دائماً ، نبيل نحن لا نستطيع أن
نخفي ..
نبيل : ليلى ؟
ليلى : ولماذا نخفيه ؟ إن الحياة لنا ، وعلينا أن
نكون جديرين بها .
فاطمة : " تدخل " نبيل ..
نبيل : " يلتفت إليها " ....
فاطمة : ماما تريد أن تراك ، إنها في غرفتها
تنتظرك .
نبيل : " لا يجيب " ....
فاطمة : هيا يا نبيل .
نبيل : لا أريد أن أراها .
فاطمة : " في ذهول " نبيل .
نبيل : أخبريها بما قلته لك " لليلى " أعطني
يدك .

ليلى تضع يدها في يد نبيل ، ويتجهان
إلى الداخل ، نبيل يقف قرب الباب ،
ويلتفت إلى فاطمة

نبيل : تصبحين على خير .
فاطمة : " تتمتم " نبيل .
ليلى : تصبحين على خير .
فاطمة : تصبحان على خير .

نبيل يشد على يد ليلى ، ويغادران
الردهة ، فاطمة تبقى وحدها ، ثم
تتجه إلى الداخل
بينما يسدل
الستار
















الفصل الثالث



نفس المنظر السابق ، مساء
اليوم التالي ، نبيل قرب الشباك
يحدق في عتمة الحديقة ، تدخل
فاطمة تحل بمشقة حقيبة ثقيلة

نبيل : " يلتفت إليها " إنها ثقيلة ، هذه الحقيبة
" يهرع إليها " دعيني أحملها عنكِ .
فاطمة : لا ، أرجوك .
نبيل : دعيني أساعدك إذن .
فاطمة : " بصوت تخنقه الدموع " كلا ، إنني
مازلت قادرة على حمل حقيبة .
نبيل : مالك ؟
فاطمة : لماذا لم تذهب البارحة إلى ماما ؟ ألا
تعرفها ؟ " صمت " إنها تريدك الآن .
ليلى : " تدخل " فاطمة ، ماما تريك .
فاطمة : لحظة ، سأحمل الحقيبة إلى الخارج .
ليلى : دعيها هنا الآن .
فاطمة : " وهي تخرج " نبيل ، لا تنسَ ، يا
عزيزي ، ماما تنتظرك .
نبيل : أرجو أن تكونوا قد فرغتم من إعداد
الحقائب .
ليلى : لم تبقَ سوى حقيبة واحدة .
نبيل : لقد أزف الوقت .
ليلى : كم بقي على تحرك القطار ؟
نبيل : ساعة تقريباً .
ليلى : ستفرغ ماما حالاً .
نبيل : " يحمل الحقيبة " من الأفضل أن
نضع الحقائب في السيارة .
ليلى : نبيل " يقف " لقد استدعيت تاكسي .
نبيل : تاكسي !
ليلى : لقد تلفنت إلى محل قريب .
نبيل : لكن لماذا ؟
ليلى : ألا يكفي ما جرى ؟
نبيل : ليلى .
ليلى : لقد فعلت الكثير من أجلنا ، ونحن
ممتنون لك .
نبيل : " يطرق بحزن " ....
ليلى : نبيل ، ستعود اليوم إلى الموصل ، وقد
لا نراك بفترة طويلة ، فلا تودعنا هكذا .

نبيل يرفع عينيه إلى ليلى ، ويتطلع
إليها بصمت ، ليلى تشد على يده وهي
تبتسم ، تدخل أم فارس ، ثم تدخل
فاطمة ، تحمل بين يديها حقيبة ثقيلة

أم فارس : ليلى .
ليلى : نعم ماما .
أم فارس : " تنظر إلى نبيل " ساعدي فاطمة .
ليلى : " تهرع إلى فاطمة " دعيني أساعدك .
قاطمة : كلا ، كلا ، ليست ثقيلة .
ليلى : دعيها إذن هنا ، ريثما تأتي السيارة .
أم فارس : نبيل ، عمت مساء .
نبيل : أهلاً عمتي .
أم فارس : كيف حالك ؟
نبيل : أشكرك .
أم فارس : " صمت " يبدو أننا تأخرنا .
ليلى : مازال أمامنا متسع من الوقت .
أم فارس : من الأفضل أن نسرع ، تلفني للتاكسي
مرة أخرى .
ليلى : لقد تلفتن منذ دقائق .
أم فارس :أخشى أن يفوتنا القطار .
ليلى : لن نستغرق في الطريق أكثر من عشر
دقائق .
فاطمة : سأنقل الحقائب إلى الخارج .
أم فارس : هذا أفضل ، ليلى .
ليلى : لتأتِ السيارة أولاً .
أم فارس : هيا يا ليلى ، يجب أن لا نتأخر أكثر .

أم فارس تنحني لتحمل الحقيبة ، نبيل
يدنو منها ، ويضع يده على الحقيبة ،
أم فارس تنظر إليه بصمت

أم فارس : نبيل .
نبيل : دعيها لي .
أم فارس : لا تكلف نفسك ، أرجوك .
نبيل : تبقي أنتِ هنا ريثما تأتي السيارة "
لفاطمة " هيا .

نبيل وليلى وفاطمة يتجهون إلى الخارج
وهم يحملون الحقائب ، بعد قليل يُسمع
صوت السيارة تقف بالباب ، يدخل نبيل

نبيل : لقد وصلت السيارة .
أم فارس : " تدنو منه " نبيل ، لا أدري كيف
أشكرك .
نبيل : تشكرينني ؟ على ماذا ؟
أم فارس : على كل شيء .
نبيل : لكني لم أفعل شيئاً .
أم فارس : لقد أعدت لي أخي .
نبيل : " في تأثر " عمتي ..
أم فارس : أهذا قليل ! " تعانقه " نبيل ، نحن
وحدنا ، يا نبيل ، فلا تنسنا .
نبيل : كيف أنساكم ؟
أم فارس : فارس في السجن ، وقد يبقى هناك فترة
طويلة .
نبيل : أنا فارس ..
أم فارس : " في تأثر " نبيل .
نبيل : أنا أيضاً ابنك .
أم فارس : " تقبله " استودعك الله .
نبيل : مع السلامة .

أم فارس تفتح الباب وتخرج ،
تدخل ليلى ، نبيل وليلى ينظر
أحدهما إلى الآخر ، نظرة ملؤها
الحنان واللهفة ، ليلى تندفع إلى نبيل
ليلى : نبيل .
نبيل : " يمد يديه نحوها " ليلى .
ليلى : عزيزي .
نبيل : ليلى .
ليلى : لقد انتظرتك طويلاً .
نبيل : كنت معي دائماً .
ليلى : نبيل ، إنني ..

يرتفع من الخارج صوت منبه السيارة
ليلى ترفع وجهها إلى نبيل وتقبله ، ثم
تتجه تحو الخارج مسرعة

نبيل : ليلى .
ليلى : " تلتفت " ....
نبيل : انتظريني ، يا ليلى .
ليلى : " تبتسم في فرح " سأنتظرك مدى
العمر .

يرتفع صوت منبه السيارة ثانية ،
ليلى تلوح بيدها ، ثم تهرع إلى الخارج تدخل فاطمة ، السيارة تتحرك ،
ويتلاشى صوتها شيئاً فشيئاً ، يُسمع
وقع أقدام ، فاطمة تصغي بخوف

فاطمة : نبيل .
نبيل : مالك ؟
فاطمة : " بصوت مرتعش " ماما .
نبيل : ولمَ الخوف ؟
فاطمة : يا إلهي ، ستعنفني ثانية .
نبيل : لن أسمح لها .
فاطمة : كان من الأفضل أن تذهب إليها .

يُفتح الباب ، وتدخل الأم ، فاطمة
تسترق النظر إليها بخوف ، الأم
تحدجها بنظرة قاسية

الأم : هكذا تنفذين ما أطلبه منك ِ ؟
فاطمة : " في حرج " أم نبيل .
الأم : " تقاطعها " ماذا قلت لك ؟
فاطمة : " تنظر إلى نبيل " ....
نبيل : لقد أخبرتني .
فاطمة : والله ..
الأم : أخبرتك !
نبيل : نعم .
الأم : ولم تأتِ " صمت " فاطمة ، اذهبي إلى
الداخل .
فاطمة : " حاضر " تخرج .
الأم : يبدو أنها ذهبت .
نبيل : .....
الأم : أتعرف لماذا جاءت ؟
نبيل : لقد قالت ذلك .
الأم : وطبعاً صدقتها .
نبيل : من الواضح أنك لم تصدقيها .
الأم : هل صدقت أنها جاءت من أجل ابنها ؟
نبيل : لماذا جاءت إذن ؟
الأم : جاءت لتدوسني ، وقد داستني فعلاً ،
ولكن بقدمك ، إنني لا ألومها ، فأنا أعرف
موقفها مني منذ البداية ، لكني ألومك أنت
، فأنت ابني " صمت " قبل قليل أرسلت
فاطمة إليك ، فلم تأتِ أيضاً ، لماذا ؟
نبيل : كنتُ متعباً .
الأم : متعباً ! لم تكن مشغولاً بعمتك وابنتها
إذن ؟ " بحدة " كنت تسهر معهما هنا ،
بينما كنت وحيدة في غرفتي ، أنتظرك .
نبيل : لتصفعيني ثانية ؟
الأم : نبيل .
نبيل : تصبحين على خير .

نبيل يتجه إلى الداخل ،
فتصيح به الأم في التياع

الأم : نبيل .
نبيل : " لا يجيب " ....
الأم : " بصوت أعلى " نبيل .
نبيل : " يتوقف " ....
الأم : لحظة .
نبيل : ماذا ؟
الأم : أريد أن أتحدث إليك .
نبيل : إنني متعب .
الأم : يجب أن أتحدث إليك .
نبيل : ليس الآن .
الأم : بل الآن ، فمنذ أيام وأنا أنتظر فرصة
لأحدثك .
نبيل : سنتحدث غداً .
الأم : كلا ، الآن .
نبيل : " صامتاً ينتظر " ....
الأم : منذ أن عدت من لندن ، وأنت تتهرب
مني ، أصدقني ، ماذا جرى ؟
نبيل : " لا يجيب " ....
الأم : عندما كنت معي ، لم تكن هكذا أبداً ، إن
أقوالك وتصرفاتك تحيرني ، لم تعد نبيل
الذي أعرفه ، إنني لم أعد أفهمك ، فماذا
جرى ؟ أخبرني ، ماذا جرى ؟
نبيل : " لا يجيب " ...
الأم : في رسائلك التي كانت تصلني من لندن
، أنغام لم أفهمها في حينها ، لكنها بعثت
في قلبي الخوف والقلق ، وقد عزيت ذلك
إلى الغربة والوحدة ، كنت أنتظرك بلهفة
، لنحيا كما في الماضي ، لكنك عدت نبيل
آخر ، فماذا جرى ؟ أخبرني .
نبيل : لقد وصلتني رسالة من أبي .
الأم : " بعد صمت " متى ؟
نبيل : قبل وفاته بأسابيع قليلة .
الأم : لم تخبرني بأنه كان يكتب إليك .
نبيل : لقد كتب لي رسالة واحدة .
الأم : يبدو أن أباك لم يكتفِ بالحديث عن حبه
لك .
نبيل : لقد قتلناه .
الأم : نبيل !
نبيل : أنا وأنت ، قتلناه .
الأم : هل جننت ؟
نبيل : لقد قتلتِه بالحقد والكره والإهمال .
الأم : كفى .
نبيل : إن القتل لا يحتاج دائماً إلى خنجر أو
مسدس .
الأم : أنت تهذي .
نبيل : لقد تركته يحترق في عزلته ، وجرعته
الموت قطرة قطرة .
الأم " كفى ، كفى .
نبيل : " بعد صمت " لم أفهم أبي هنا ، لم
أفهمه إلا في لندن ، من خلال رسالته
الأولى والأخيرة لي ، كان ظلك هنا
يحاصرني ، ويعميني ، لقد أقفلتِ عالمي
في وجهه ، وتركته يحترق في غربته
بيننا ، حين أفكر في موقفك منه ، تمزقني
الحيرة ، فما هو خطؤه ؟ ما هي جريمته ؟
لقد قتلته بلا مبرر ، ولوثت يديّ إلى الأبد
بدمائه .
الأم : نبيل ، أنت ابني ، وينبغي أن تفهمني ،
لقد حرصت منذ البداية على أن أبعدك
عن هذا الموضوع ، لكن مادامت الأمور
قد تطورت بهذا الاتجاه ، فأود أن
أصارحك بالحقيقة .
نبيل : أية حقيقة ؟
الأم : إنني لم أقتنع لحظة واحدة بأبيك .
نبيل : لكنك تعرفينه .
الأم : نعم ، أعرفه .
نبيل : كان عليك أن لا توافقي على الزواج
منه .
الأم : هذا خطئي ، وقد دفعت ثمنه غالياً ،
ولكن مع ذلك كانت لي ظروفي ، كنت
وحيدة عندما تقدم أبوك لخطبتي ، كان
أبي ضابطاً متقاعداً ، وكان أبوك يمت
بقرابة بعيدة إليه ، فرفضت أول الأمر ،
لكن أبي أقنعني بالزواج منه ، فقد توفيت
أمي منذ فترة ، وكان أبي نفسه على شفا
الموت ، وبعد الزواج حاولت جهدي أن
أقتنع به ، لكني لم أستطع .
نبيل : كان بإمكانك أن تطلبي الطلاق منه .
الأم : لقد فكرت في ذلك ، لكن أبي كان قد
مات ، وكنت حاملاً بك ، لقد أسقط في
يدي ، فماذا أفعل ؟ وحين ولدت وجدت
خلاصي فيك " صمت " نبيل أنت ابني ،
وأنت تكفيني ، لم أكن بحاجة إلى أحد ،
ولست بحاجة إلى أحد غيرك .
نبيل : وأبي ؟
الأم : " بامتعاض " لقد مات .
نبيل : إن أبي لم يمت منذ سنتين ، بل كان ميتاً
بالنسبة إليك منذ البداية ، وكان جسده
يتعذب وحيداً بيننا ، ولكن يبدو أن أبي
سيبقى بيني وبينك ، وستبقى أشلاؤه
المعذبة كالجدار تفصلني عنك .
الأم : " بالتياع " نبيل .
نبيل : إن أحدنا لن يستطيع العبور إلى الآخر
بعد الآن .

يُسمع صوت قطار يتحرك في البعيد
، الأم تنظر مشدوهة إلى نبيل

نبيل : " ينظر إلى أمه " لقد ذهبت اليوم إلى
السفارة الجزائرية .
الأم : " تصيح " نبيل .
نبيل : سأذهب قريباً .
الأم : " بصوت متحشرج " وأنا ؟
نبيل : " وهو يخرج " تصبحين على خير .
الأم : " بصوت ملتاع " نبيل .

نبيل يغلق الباب وراءه ، يرتفع
صوت القطار ، وهو يمرّ بسرعة
، الأم تبقى جامدة في مكانها ،يخفت
صوت القطار بالتدريج ، بينما يُسدل

الستار


نشرت هذه المسرحية في مجلة
الأقلام ، في العدد الخاص
بالمسرح العربي عام " 1980"



#طلال_حسن_عبد_الرحمن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القطار
- رجل من زمن الحصار
- قصص قصيرة جدا
- ثورة الإله كنكو
- لقاء مع الشاعرة العراقية بشرى البستاني
- آخر أيام اور
- الثعلب وأنثى التمساح


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طلال حسن عبد الرحمن - مسرحية الجدار