أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طلال حسن عبد الرحمن - رواية للفتيان عين التنين















المزيد.....



رواية للفتيان عين التنين


طلال حسن عبد الرحمن

الحوار المتمدن-العدد: 7340 - 2022 / 8 / 14 - 23:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


رواية للفتيان








عين التنين







طلال حسن




شخصيات الرواية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ كيمو

2 ـ الأم

3 ـ نيتا

4 ـ شار

5 ـ الأم

6 ـ الرجل العجوز

7 ـ المرأة العجوز

8 ـ صاحب الكوخ


" 1 "
ــــــــــــــــــ
لسبب ما ، لا تدري كنهه بالضبط ، لم تستطع الأم أن تستغرق في النوم ، رغم شعورها بالتعب الشديد ، وظلتْ بحواسها الأمومية ، ترصد ابنها كيمو ، حتى وهي تحت فراشها ، تغفو بين حين وآخر .
نعم ، لقد أوى ابنها كيمو إلى فراشه ، في الوقت الذي يأوي إليه عادة كلّ ليلة ، وأغمض عينيه الداكنتين ، وسرعان ما بدا لها ، وكأنه سيستغرق في النوم ، تحت فراشه الثقيل الدافىء .
وتختلس النظر إليه ، كلما أفاقت من غفوة من غفواتها القلقة المتقطعة ، فتراه تحت فراشه ، لكنها لسبب ما ، ربما لأنها لا تسمع غطيطه ، تشعر أنه لم يستغرق في النوم بعد .
وتتراءى لها ابنة رئيس حراس القصر نيتا ، بعينيها الواسعتين الجميلتين الساحرتين ، اللتين لا تستقران على حال ، آه من كيمو ، فيه الكثير من أبيه الصياد الشجاع المغامر ، وهذا ما تحبه فيه ، وتخاف منه أيضاً .
وغفت الأم ، وفي غفوتها القلقة ، هدهدتها شار ، ابنة جارهم الطيب صياد السمك ، لقد نشأت معه منذ البداية ، وكانت ظله الذي لا يفارقه ، يا لأمها الطيبة ، التي رحلت قبل الأوان ، كانت تقول لها : شار ، سأزوجكِ لأمير من أمراء أريدو .
وتنتفض شار بشعرها الأسود ، الذي يتطاير بحريته مع الريح ، وتردّ على أمها قائلة : كلا ، لن أتزوج الأمير ، بل سأتزوج كيمو .
لكن ، وكلما كبرا ، كان كيمو يبتعد عنها شيئاً فشيئاً ، ولعل سراب ما في أريدو ، وربما الساحرة نيتا ، كانت بضبابها البراق تغطي على شار ، وتلاشيها من أفق كيمو ، حتى تكاد تمحوها .
وفزت الأم من غفوتها ، إذ شعرت بأن ابنها كيمو فتح عينيه ، وفتحت هي الأخرى عينيها الناعستين ، الغرفة تكاد تكون مظلمة ، لا يضيئها سوى شعاع شاحب من ضوء القمر ، كان يتسلل من نافذة الغرفة المطلة على فناء البيت ، لعلها واهمة ، واتسعت عيناها ، إنها ليست واهمة ، فها هو كيمو ، يعتدل في فراشه ، ثم ينهض بهدوء ، ويتجه نحو باب الغرفة .
وتوقف كيمو قرب الباب ، حين فوجىء بأمه تناديه : كيمو ..
لم يلتفت كيمو إليها ، وردّ بصوت هادىء : نامي ، يا أمي ، نحن في منتصف الليل .
وبدل أن تنام الأم ، اعتدلت في فراشها ، وقالت : مادمنا في منتصف الليل ، عد إلى فراشك .
والتفت كيمو إليها ، وقال لها : نامي أنتِ ، سأخرج أنا بعض الوقت ، ثم أعود .
ونهضت الأم ، واقتربت منه ، وقالت : بني ، أنا أمك ، إنني أخاف عليك منها .
ورمقها كيمو بنظرة سريعة ، دون أن يتفوه بكلمة واحدة ، فتابعت الأم قائلة : إن أباها ، رئيس حراس القصر ، شخص شرير للغاية .
وردّ كيمو قائلاً : أبوها شيء ، ونيتا شيء آخر .
وقالت الأم : أنت واهم ، يا بنيّ .
ومدّ كيمو يده ، ووضعها على كتف أمه ، وقال : لستُ أصغر من أبي ، حين تقدم لك ، وأخذك بشرط أبيك ، رغم خطورة الشرط .
وردت الأم قائلة : كان الأسد يهدد الرعاة ، وقد خلصهم أبوك منه ، حين تصدى له ، وقضى عليه .
وابتسم كيمو ، وأضاف قائلاً : إنني ابن أبي ، يا أمي ، سآخذها حتى لو كان أبوها هو الأسد نفسه .
ونظرت أمه إليه بعينين دامعتين ، ثم قالت : كيمو ، إنني خائفة عليك ، فأبوها .. ضبع .
وربت كيمو على كتفها ، ثم استدار وهو يقول : عودي إلى فراشك ، يا أمي ، لن أتغيب طويلاً .
ثم فتح باب الغرفة ، ومضى إلى الفناء ، الذي كان يغمره ضوء القمر ، ولبثت الأم في مكانها فترة ، ثم عادت إلى فراشها ، وبقيت متمددة فيه لا تنام ، وكيف تنام وابنها كيمو ليس في فراشه ؟

" 2 "
ـــــــــــــــــــ
سرى كيمو إلى موقع النخلة المعمرة ، التي تنحني سعفاتها الخضراء ، على مياه الجدول الرقراقة ، والقمر يسري معه بدراً ، تحيط به النجوم ، كأنها تحرسه من قوى الظلام ، التي تحيط به .
وتوقف تحت النخلة ، وتلفت حوله ، والقمر البدر يستحم في المياه الرقراقة ، لم تأتِ نيتا بعد ، هذا أفضل ، لقد خشي أن يصل متأخراً ، وتكون نيتا قد سبقته ، وانتظرته في هذا المكان الموحش ، ومن يدري فقد ينفد صبرها ، ويتملكها الغضب ، فتعود إلى البيت زعلانة .
ومرّ الوقت ، مرّ ثقيلاً وبطيئاً ، مرّ أكثر من ساعة ، حتى أن القمر البدر ، خرج من الجدول ، وراح يبتعد نحو ملاذه ، ونيتا لم تأتِ ، هذا موعدهما الأول ، وكانت متحمسة للموعد ، وهي التي اختارت المكان ، و .. من يدري ، لعلها .. لا داعي للعجلة ، والتسرع في الحكم ، فلينتظر بعض الوقت ، ثم يقطع برأي .
وانحدر القمر البدر نحو الأفق ، وقد شعر بالإرهاق والقلق ، نيتا لم تأتِ ، ويبدو أنها لن تأتي ، لابدّ أن هناك ما أعاقها عن المجيء ، لعل أمها مرضت ، أو لعله أبوها ، أو هي نفسها ، أو .. وحسم أمره ، فترك النخلة المعمرة ، ومضى نحو بيت نيتا ، الذي يقع في حيّ قريب من بيتهم ، فهو لن يطمئن حتى يراها .
وحام كيمو حول بيت نيتا ، الذي كان الليل يلفه بعباءته السوداء ، أهي مستيقظة الآن ؟ من يدري ، فليحاول تنبيهها إلى وجوده ، والتقط من الأرض بعض الحصى الصغير ، وألقى واحدة نحو غرفتها ، انتظر قليلاً ، لم يتلقّ رداً ، فألقى حصاة أخرى ، وهذه المرة جاءه الرد ، لم يكن الرد من نيتا ، وإنما من كلبهم العجوز .
وتوقف كيمو عن إلقاء الحصا ، خاصة عندما ارتفع نباح الكلب العجوز ، وارتفع معه سعال والد نيتا ، فاستدار بسرعة ، وقفل عائداً إلى البيت .
وتسلل كما القط إلى الفناء ، ثم انسل إلى غرفته ، بهدوء وخطوات لا تكاد تُسمع ، محاولاً أن لا يُوقظ أمه من النوم ، ولكن هل كانت أمه نائمة لتستيقظ ؟ لقد ظلت متمددة في فراشها ، مغمضة العينين ، فهي عادة لا تنام ليلاً ، إلا وابنها كيمو نائم في فراشه .
والحقيقة أن الأم أحست به ، وهو يدفع الباب برفق ، ويمرق تحت جنح الظلام إلى فراشه ، وتوقف جامداً حين سمع أمه تتحرك في فراشها ، ثم تتمتم بصوت لا أثر فيه للنوم :كيمو ..
واندس كيمو في فراشه ، وردّ على أمه قائلاً : نامي ، يا أمي ، الليل يوشك أن ينتهي ، ويحلّ الفجر .
ولاذت الأم بالصمت لحظة ، ثم قالت : يبدو أنك لم ترَ نيتا ، يا بنيّ .
لم يجبها كيمو على كلامها مباشرة ، وإنما اكتفى بالقول وبصوت هادىء : نامي ، يا أمي .
لم تنم الأم ، ولم تصمت ، وإنما تابعت قائلة ، وكأنها تتحدث إلى نفسها : فتاة محبة ، تجترح المستحيل ، ولا تتأخر عمن تحب .
وسحب كيمو الفراش على وجهه ، وقل هو الآخر كم يتحدث إلى نفسه : لعلها مريضة .
وقالت الأم : ليست مريضة .
ولاذ كيمو بالصمت ، ولم يردّ بكلمة واحدة ، فتابعت الأم قائلة : إنها ابنة رئيس حراس القصر ، الذي يعرفه الجميع ، ولن تكون إلا ابنة رئيس حراس القصر .
وصمتت الأم ، وظل كيمو صامتاً هو الآخر ، وبدا لها أنه لم ينم ، وربما لن ينام حتى الفجر ، تباً لنيتا .. ابنة رئيس حراس القصر .




" 3 "
ــــــــــــــــــ
لم ينم كيمو حتى الفجر ، ولعل نيتا كانت هي السبب ، إذ كلما كان النعاس يداعب عينيه ، تنهره نيتا بعينيها السوداوين الجميلتين ، اللتين لا تستقران على حال ، ترى لماذا لم تأتِ ؟ هذا وعدها الأول .
وفكر كيمو وعيناه مغمضتان ، وقد طار النعاس عنهما ، ربما أبوها كان وراء ذلك ، فهو كما يعرف الجميع في أريدو ، رئيس حراس القصر ، ويتصف بالشدة والصرامة والقسوة ، تباً له .
وتقلب في فراشه مرات ، تباً للنعاس ، ستشرق الشمس بعد قليل ، فهي تشرق دائماً كلّ صباح ، والنعاس لا يقرب عينيه ، فلتشرق الشمس ، سيسرع إلى عينيها السوداوين الجميلتين ، ويقف فيهما على الحقيقة ، لقد وعدته ، وهي تقول ، أن على المحب أن يفي بوعده ، آه لقد وفيتُ أنا بوعدي ، وسأفي به مهما كانت النتيجة .
لا يعرف متى وكيف أغفى ، يبدو أن النعاس غافله ، وتسلل إلى عينيه ، دون أن يدري ، وحين أفاق ، وقد أشرقت الشمس ، هبّ من فراشه ، وخرج إلى الفناء ، ومرّ بأمه ، وكانت تعدّ سفرة الطعام ، فرفعت رأسها إليه ، ونادته متلهفة : كيمو ..
لم يتوقف كيمو ، ومضى متجهاً نحو الباب الخارجيّ ، فصاحت به أمه : الفطور جاهز ، يا كيمو ، ابقَ حتى تفطر ، فأنت لم تتعشَ البارحة .
لكن كيمو لم يبقّ ، وإنما فتح الباب الخارجي ، ومضى مبتعداً ، وتوقفت الأم محبطة ، وحملقت في سفرة الطعام ، ودمدمت : سيجن كيمو .
وتباطأ كيمو في سيره ، عندما اقترب من بيت نيتا ، فقد رأى كلبهم العجوز منطرحاً قرب باب البيت ، ولو رآه يقترب ، لنبحه بصوت المبحوح ، ونبه إلى وجوده سيده ، رئيس حرس القصر ، الذي يشعر ببغضه له ، كلما سلط عليه عينيه الشرستين .
ودار من بعيد حول البيت ، لعل نيتا تلمحه ، ثم توقف وراء نخلة ضخمة ، كانت بعيدة بعض الشيء عن البيت ، ويبدو أن نيتا قد لمحته ، فخرجت من الباب ، واقتربت منه على حذر ، وقالت له : اذهب من هنا الآن ، أبي لم يذهب إلى القصر بعد .
فتراجع كيمو قليلاً ، وهو يقول : انتظرتك ليلة البارحة ، حتى كاد يغيب القمر ، لكنكِ لم تأتي .
وراحت نيتا تبتعد عنه ، وهي تقول : تعال إلى هنا ، بعد أن يخرج أبي ، وسأوضح لك كلّ شيء .
وواصل كيمو تراجعه ، وعيناه لا تغادرانها ، وهو يقول : لقد أقلقتني ، خشيتُ أن تكوني مريضة .
فردت نيتا قائلة : كلا ، أنا لا أمرض ، تعال بعد قليل ، وستعرف السبب .
لم يبتعد كيمو كثيراً ، وكمن وراء شجرة تبعد بعض الشيء عن النخلة ، التي كان قد وقف وراءها ، وراح يراقب باب بيت نيتا ، لقد تأخر أبوها اليوم عن الذهاب إلى القصر ، هذا ما بدا لكيمو الذي ينتظر على أحرّ من الجمر ، لعله مرض ، هذا ال .. لا يمرض ، لتأخذه الآلهة إلى العالم الأسفل ، وتريح كيمو منه .
وأخيراً خرج أبو نيتا من البيت ، وهمّ الكلب العجوز أن ينهض ، ربما ليلحق به ، فنهره أبو نيتا ، فعاد إلى مكانه ، ووضع رأسه الشائخ بين قائمتيه الأماميتين ، وعلى الفور غادر كيمو مكانه ، وتسلل إلى النخلة ، التي وقف تحتها أول الأمر .
وأقبلت نيتا ، وخاطبت كيمو ، حتى قبل أن تصل إليه : سيعود أبي بعد قليل ، فأمي مريضة ، وقد ذهب أبي إلى الكاهن ليأتيه بدواء .
واقترب كيمو منها وقال : لم تأتي البارحة ، لقد انتظرتك طويلاً ، إنه موعدنا الأول .
وتلفتت نيتا حولها ، وعيناها السوداوان الجميلتان لا تستقران كالعادة على حالة واحدة : عليّ أن أعود الآن إلى البيت ، فقد يعود أبي في أية لحظة .
وتراجعت قليلاً ، وهي تتابع قائلة : وهو كما تعرف ، لا يحبك ، ولا يطيق رؤياك .
وتبعها كيمو ببطء ، وقال : المهم أنتِ ، يا نيتا .
وأشارت له أن يتوقف ، وقالت : أنتَ تعرفني .
وتوقف كيمو ، وقال : أريد أن أتحدث إليك .
وقالت نيتا : هذا ما أريده أنا أيضاً ، هناك أمر هام حدث ، ولابدّ أن نتفاهم حوله ، تعال الليلة عند ظهور القمر ، وانتظرني تحت هذه النخلة .
وهمّ كيمو أن يلحق بها ، فاستدارت بسرعة ، ومضت على عجل ، وهي تقول : ذاك أبي على ما أظنّ ، يا كيمو ، اذهب الآن .
وأسرع كيمو بالاختباء وراء النخلة ، رغم أنه لم يرَ أبا نيتا قادماً ، تباً لرئيس حراس القصر هذا .

" 4 "
ــــــــــــــــــ
قبيل منتصف النهار ، دُفع باب البيت ، ورفعت الأم رأسها ، إنها شار ، لا أحد يدفع الباب هكذا غيرها ، وأقبلت شار على الأم في الغرفة ، تحمل بين يديها سمكة كبيرة ، مسلوخة ومنظفة تنظيفاً كاملاً .
وقبل أن تتفوه شار بكلمة ، ابتسمت الأم ، وقالت مبتسمة بما يشبه المزاح : شار ..
ونظرت شار إلى الأم ، وقالت : هذه السمكة الكبيرة ، اصطادها أبي خصيصاً لكيمو ..
وهزت الأم رأسها ، وقد اتسعت ابتسامتها ، فتابعت شار قائلة : لقد طلبت منه أنا ذلك ، فقبل أن يأوي إلى فراشه ليلة البارحة ، قلت له ، أبي أريد أن تصطاد غداً ، سمكة كبيرة لكيمو ، فهو يحب السمك كثيراً .
وأشارت الأم إلى السمكة ، التي بين يدي شار ، وقالت بنبرة مزاح : لا أظنّ أن أباك ، قد اصطاد هذه السمكة الكبيرة من النهر هكذا .
وابتسمت شار ابتسامتها الطيبة ، وقالت : لا يا خالتي ، إنها سمكة كبيرة ، وسلخها وتنظيفها شاق عليك ، ثم إنها هدية لكِ ، و .. ولكيمو .
وتنهدت الأم ، ماذا تقول ؟ ليت كيمو يفكر ، ولو قليلاً ، كما تفكر شار ، لكن .. آه من عشتار ، إن لها تخطيطها وإرادتها ، وما نحن إلا بشر ، وهمت أن تنهض ، وهي تقول : لقد انتصف النهار تقريباً ، وقد يأتي كيمو للغداء بعد قليل ، فلأنهض وأقلي السمكة .
وهتفت شار بالأم : ابقي أنتِ ، يا خالة ، السمكة كبيرة ، سأقليها بنفسي ، لعلها تعجبه أكثر .
وقبل أن تنهض الأم ، وتعترض ، اتجهت شار إلى الخارج ، وهي تقول : قولي لكيمو ، بعد أن يأكل السمكة ، أنني أنا التي قليتها له بنفسي .
ولحقت الأم بشار إلى الفناء ، وقالت لها : بنيتي شار ، دعي السمكة لي ، أنا سأقليها ، واذهبي أنت ، فأبوك أحوج ما يكون لك ، إنه وحده الآن في البيت .
وأشعلت شار الموقد ، ووضعت المقلاة عليه ، بعد أن صبت فيها بعض الزيت ، وراحت تقلي السمكة ، وقالت : لن أذهب قبل أن أقلي السمكة كلها .
وقلت شار السمكة كلها ، قطعة بعد قطعة ، وأعدت السفرة بنفسها ، على أمل أن يأتي كيمو ، ويراها ، ويرى ما فعلته من أجله ، وهذا ما خمنته الأم ، وتركت شار تفعل ما تريد ، بل تمنت هي نفسها ، أن يأتي كيمو في الوقت المناسب ، لكن النهار تجاوز منتصفه ، ولم يأتِ كيمو ، ونظرت شار إلى الأم ، التي بدت محرجة محبطة ، وقالت : آن لي أن أعود إلى البيت ، إن أبي المسكين لابدّ أنه جائع الآن .
ونظرت الأم إليها ، وقالت : أشكركِ ، يا شار .
واتجهت شار إلى الباب الخارجي ، وهي تقول : لا تنسي ، يا خالتي ، قولي لكيمو أنني أنا التي قليتُ له هذه السمكة الكبيرة .
وردت الأم قائلة : ألف شكر لك يا شار ، لتسعدكِ الآلهة يا بنيتي ، ، تحياتي لوالدك .
وعادت الأم إلى الغرفة ، ووقفت حزينة أمام سفرة الطعام ، مسكينة شار ، ربما لا تعرف أن عيني كيمو ، اللتين كانتا متعلقتين بها ، وهما طفلتان ، اتجهتا الآن بعيداً ، بعيداً جدا ، حتى أوشكتا لا تراها إلا نادراً ، آه عشتار ، رحمتك مطلوبة لبعض البشر .
وتمنت الأم ، بينها وبين نفسها ، أن يأتي كيمو الآن ، ويأكل من هذه السمكة ، ستقول له فرحة : كيمو ، هذه السمكة جلبتها شار ، وقلتها لك بنفسها .
وتخيلته متمنية أن يأكل منها متلذذاً ، ثم ينظر إليها ، ويقول : آه ما أطيبها .
وتنهدت الأم ، شار الطيبة ، ليتها تقلي له السمك طول حياتها ، و .. وتنجب له الأطفال .

" 5 "
ـــــــــــــــــــ
لم تتناول الأم طعام الغداء ، حتى بعد أن تجاوز النهار منتصفه ، رغم أنها كانت جائعة ، فهي لم تأكل في الصباح ، سوى لقيمات قليلة ، وذلك لأن كيمو خرج من البيت صباحاً ، دون أن يأكل أي شيء .
وعند حوالي العصر ، جاء كيمو من الخارج ، أين كان ؟ ماذا كان يفعل ؟ لم تسأله أمه ، رغم أنها كانت قلقة عليه ، والآن لابدّ أنه جوعان ، فلتعد له السفرة .
وأسرعت تستقبله متلهفة عند الباب ، وهي تقول بصوت حرصت أن يكون هادئاً طيباً : تأخرت ، يا بنيّ ، لم أتغدَ حتى الآن ، لابدّ أنك جائع الآن ، تعال نتغدّ .
واتجه كيمو نحو الغرفة ، وأمه تسير في أثره ، وقال : قلتُ لك مراراً ، لا تنتظريني ، يا أمي ، كلي أنتِ ، وسآكل أنا حين أعود إلى البيت .
ودخل كيمو إلى الغرفة ، ولحقت الأم به ، وقالت : كيف يمكن أن آكل ، وأنت غير موجود ؟
ثم أشارت إلى السفرة ، وأضافت قائلة : ها هو طعام الغداء ، اجلس يا بنيّ ، ولنأكل معاً .
وجلس كيمو أمام السفرة ، وجلست أمه قبالته ، وقالت : أتعرف من جاء بهذه السمكة ؟
ووضع كيمو لقمة في فمه ، وضحكت الأم ، وتابعت قائلة : وسلختها ، ونظفتها ، بل وقلتها أيضاً ..
ونظر كيمو إليها صامتاً ، وهو يضع لقمة أخرى في فمه ، فقالت الأم ، وهي تضحك بفرح : شار ..
وتمتم كيمو : شار !
فقالت الأم : نعم شار ، وقالت لي ، هذه السمكة الكبيرة ، صادها أبي خصيصاً لكيمو ، لأنه يحب .. السمك .
وابتسم كيمو ، وشار تتراءى له بجمالها الطفولي ، وشعرها الذي قلما عرف المشط والترتيب ، ونظرت أمه إليه ، وقالت : آه شار ، لقد تربيتما معا ، وكنتما وأنتما صغيران ، لا تكادان تفترقان .
ونهض كيمو ، وهو مازال يلوك لقمته ، وقال : سمك لذيذ ، شار هذه ستكون طباخة ماهرة .
وعلقت الأم قائلة بنبرة موحية : هكذا يجب أن تكون ربة البيت المحبوبة ، يا كيمو .
وهزّ كيمو رأسه ، وقال : نعم ، سمك لذيذ .
وتطلعت أمه إليه ، وقالت : ستفرح شار إذا عرفت رأيك هذا ، إنها تعزك كثيراً .
وتوجه كيمو إلى فراشه ، وتمدد فيه متثائباً ، وقال بصوت ناعس : إنني متعب ، يا أمي ، سأنام بعض الوقت ، لعلي أرتاح قليلاً .
ونهضت الأم ، وحملت ما تبقى من الطعام ، واتجهت إلى الخارج ، وهي تقول : نم وارتح ، يا بنيّ ، الجو دافىء اليوم ، سأبقى في الفناء .
وقبيل المساء ، والشمس تتهيأ للغروب ، دُفع الباب الخارجي ، إنها شار ، ورفعت الأم رأسها ، ونظرت إليها مبتسمة ، وقالت : أهلاً شار .
وأقبلت شار عليها ، بحيويتها الطفولية المعهودة ، وقالت لها : طاب مساؤكِ ، يا خالتي .
ووضعت الأم إصبعها على شفتيها ، وقالت بصوت خافت : لا ترفعي صوتك ، يا شار ، كيمو متعب ، وهو راقد يرتاح في فراشه .
ومالت شار عليها ، وقد تورد الفرح في خديها ، وقالت بصوت خافت : خالتي ، أرجو أن يكون كيمو ، قد أكل من السمكة ، التي جلبتها له .
فابتسمت الأم لها ، وأسرت لها فرحة بصوت خافت : وقد أعجبته جداً جداً .
وتلفتت شار حولها ، وهي تكتم فرحها ، وقالت بنفس الصوت الخافت : هل عرف بأني أنا من .. ؟
وهزت الأم رأسها بالإيجاب ، وقالت بصوت هامس : قلتُ له ، إنها هدية من شار ، اصطادها أبوها ، فسلختها ، ونظفتها ، بل وقلتها بنفسها أيضاً .
وانكبت شار على الأم ، وأمطرتها بالقبل ، وهي تقول فرحة : أشكرك ، يا خالتي العزيزة ، أشكرك ، لن أدع كيمو يأكل السمك إلا من يديّ أنا .
وتمتمت الأم ، وهي تتلقى فرحة قبل شار : عشتار ..
وتراجعت شار ببطء ، وهي تقول بصوت خافت : فلأذهب إلى البيت ، لا أريد أن يستيقظ كيمو بسببي ، سآتيك غداً صباحاً .
ولوحت الأم لها ، وقالت : رافقتكِ السلامة ، يا بنيتي شار ، رافقتكِ السلامة .

" 6 "
ــــــــــــــــــ
عند منتصف الليل ، والقمر يطل بدراً من أعالي السماء ، أقبل كيمو ملتفاً بالليل المقمر ، وتوقف قرب النخلة ، القريبة من بيت نيتا ، ها هو قد حضر ، كما طلبت منه نيتا ، وعليها من جهتها ، أن تفي بوعدها ، وتحضر في الوقت المناسب .
وحضرت نيتا ، ولكن في وقت متأخر من الليل ، وقد نفد صبره كيمو ، وكاد يقفل عائداً إلى البيت ، فانتفض قلبه ، حين رآها مقبلة ، يضيئها القمر بنوره الشاحب البارد ، وهمّ أن يسرع إليها ، فأشارت له أن يبقى في مكانه ، فبقي وقد غمره الفرح .
وتوقفت نيتا على مقربة منه ، وقالت معتذرة : عفواً ، تأخرت عليك بعض الشيء ، يا كيمو .
وردّ كيمو قائلاً : لا بأس ، لقد حضرت ، يا نيتا ، وهذا هو المهم .
ورمقته نيتا بعينيها السوداوين الجميلتين ، وهما كالعادة لا تستقران على حال ، وقالت : إنه أبي ، لقد تأخر اليوم أيضا ، ولم ينم إلا قبل قليل .
وابتسم كيمو لها ، وقال : ليته مثل أمي ، إنها تنام عادة كالدجاج ، وخاصة إذا كنتُ في فراشي .
وقالت نيتا : جاءنا اليوم ضيف ، إنه كبير تجار المدينة ، وزنه ذهباً ، ويريدني لابنه .
ورغم تأثره ، قال كيمو : ذلك البدين ..
فقاطعته نيتا قائلة : أبي يحبُ الذهب .
وصمتت لحظة ، وهي ترمقه من جانب عينيها : لكنه يحب الجواهر أكثر ..
ونظر كيمو إليها ، وقال : آه ولهذا فأن أباك ، رئيس حراس القصر ، لا يحبني .
وقالت نيتا بدلال : أنا .. أحبك .
وانتفض قلبه العاشق ، وتمتم : نيتا ..
وتنهدت نيتا ، وقالت : لو تستطيع الحصول على درة التنين الطائر ..
وتمتم كيمو مذهولاً : التنين الطائر !
وابتعدت نيتا بعينيها السوداوين الجميلتين عنه ، وقالت كأنما تحدث نفسها : لا ، الأمر ليس سهلاً ، ويحتاج شاباً قوياً ، جريئاً ، لا يتردد أمام الصعاب ، ولا يخاف شيئاً ، ويضحي من أجل من يحب بالغالي والنفيس .
واقترب كيمو منها ، وقال : درة التنين الطائر تلك ، حدثيني بعض الشيء عنها .
وحدقت نيتا فيه ، وقالت : الدرة هي عين ..
وصمتت نيتا ، و أبعدت عينيها السوداوين الجميلتين عنه ، ثم قالت : لا يا كيمو ، إنني أخاف عليك ، لا بأس أن يأخذني السمين ، المهم عندي أن لا تتأذى .
وصمتت لحظة ، ثم قالت : التنين الطائر ، ذو العين الواحدة ، شرس للغاية ..
ومدّ كيمو يديه الشابتين ، وأمسك بكتفيها الجميلين العاجيين ، وقال بصوت مليء بالعزم : سآتيك بعين التنين ، الدرة النادرة ، مهما كلفني الأمر .
ولاذت نيتا بالصمت لحظة ، ثم أشارت إلى جبل غارق في الضباب ، وقالت بصوت يشي بالاستسلام والمسكنة : ذلك الجبل البعيد ..
ونظر كيمو إلى الجبل البعيد ، الغارق في الضباب ، ورغم أنه لم يره جيداً ، قال : أراه ..
وتابعت نيتا قائلة : قمته عالية جداً ..
وتمتم كيمو قائلاً : تحدث عنها الكاهن ، وقال إن الثلوج لا تذوب فيها حتى في الصيف .
وهزت نيتا رأسها ، وقالت : نعم ، إنها هي .
وقال كيمو : سأصعد إليها .
والتمعت عينا نيتا ، وكتمت ابتسامتها ، وقالت : هناك يعيش التنين الطائر ، ذو العين الواحدة .
وتساءل كيمو : والدرة ؟
فردت نيتا قائلة : عينه هي الدرة .
ولاذ كيمو بالصمت لحظة ، وقد فغر فاه ، فتابعت نيتا قائلة : عندما يأتي إلى عشه مساء ، فوق قمة الجبل ، ينزع عينه ـ الدرة ، ويضعها جانباً .
وهمهم كيمو مبهور الأنفاس : هم م م م .
ومالت نيتا برأسها جانباً ، وقالت : لو حصل أبي ، وهو يحب الجواهر جداً ، على هذه الدرة ، فأظن أنه سينسى ابن التاجر البدين و ..
ولاذ كيمو بالصمت ، وبدا وكأنه يفكر فيما قالته نيتا ، وهمّ أن يتكلم ، فتلفتت نيتا حولها ، ثم قالت ، وهي تسير نحو البيت : الليل يوشك أن ينتهي ، وأبي يستيقظ مع الفجر ، الأفضل أن أذهب .
وهتف كيمو من مكانه : نيتا ..
وردت نيتا ، دون أن تتوقف : عد الآن إلى البيت .
وهتف كيمو ثانية : أمهليني أياماً ، وسيرضى أبوك عني ، بل سيحبني ، مادام يحب الدرة .
وتوقفت نيتا عن السير ، دون أن تلتفت إليه ، وشبح ابتسامة شيطانية ترقص في عينيها السوداوين الجميلتين ، وواصلت نيتا سيرها نحو البيت ، وهي تقول : الأفضل أن تسرع ، يا كيمو ، فابن التاجر السمين متلهف جداً للحصول عليّ ، رافقنك السلامة .


" 7 "
ــــــــــــــــــ
قبل أن تستيقظ شمس اليوم ، وتنهض من فراشها الدافىء ، وتبدأ رحلتها اليومية المعتادة في أعالي السماء ، استيقظت أم كيمو ، ونهضت بهدوء من فراشها ، بعد أن تأكدت أن ابنها كيمو مازال راقداً في فراشه ، وعيناه لم تستيقظا بعد .
وأحس كيمو بأمه ، وهي تنهض من فراشها ، فهو ’ كما تقول أمه ـ مثل الهر ، ينام بعين واحدة ، وعرف أنها تعدّ طعام الفطور له ، حتى لا يفلت منها ، ويخرج من البيت ، دون أن يفطر ، كما فعل في اليوم السابق .
وفتح كيمو عينيه ، اللتين لا أثر للنعاس فيهما ، نعم ، كانت أمه تعد طعام الفطور ، ونهض من فراشه ، ووجد سفرة الطعام جاهزة ، فرمق أمه بنظرة سريعة ، وقال : طاب صباحكِ ، يا أمي .
والتفتت أمه إليه ، وردت قائلة ، وهي تشير إلى سفرة الطعام : تعال نفطر ، قبل أن يبرد الطعام .
وجلس كيمو أمام السفرة ، ونظر إلى أمه ، قبل أن يمدّ يده إلى الطعام : أمي ..
وقاطعته أمه قائلة ، وكأنها تعرف ما يريد أن يقوله لها : كلْ الآن .
ومدّ كيمو يده ، ووضع لقمة في فمه ، وقال : لقد حدثتني مرة عن .. التنين الطائر ..
ومرة ثانية قاطعته أمه قائلة : لم أحدثك عن هذا التنين ، ولا عن أي تنين آخر ، يا كيمو .
وتابع كيمو ، وكأنما يذكرها بما قالته له مرة : التنين الطائر ، ذو العين الواحدة ، يا أمي .
وتوقفت الأم عن تناول الطعام ، وقد لاذت بالصمت ، فقال كيمو : أمي ..
وهزت الأم رأسها ، وقالت كأنما تحدث نفسها : هذا كائن خطر للغاية ..
وصمتت لحظة ، ثم قالت مخاطبة كيمو : قال لي أبوك مرة ، قبل أن نتزوج ، سأذهب إلى أعلى جبل التنين ، وأحضر لك عين التنين الطائر ..
وصمتت الأم لحظة ، ثم تابعت قائلة : قلتُ له ، أنا أريدك أنت ، وليس عين التنين الطائر .
ونظر كيمو إلى أمه ، وقال بصوت هادىء : أبي كان محظوظاً بكِ ، يا أمي .
ونهض كيمو من مكانه ، ونظر عبر النافذة إلى البعيد ، حيث يلوح جبل التنين وسط الضباب ، وقال بنبرة حاسمة : يجب أن أذهب .
ثم اتجه نحو فناء البيت ، فهبت الأم واقفة ، وهي تهتف بلوعة : كيمو ..
لم يتوقف كيمو ، وخرج من الغرفة إلى الفناء ، وهو يقول : لابدّ أن أذهب ، يا أمي ، ادعي لي ، فأنا أحوج ما أكون الآن إلى دعائكِ .
وفتح الباب الخارجيّ ، ومرق منه إلى الخارج ، فهتفت الأم بصوت باكٍ : كيمو ..
لكن كيمو مضى ، بعد أن أغلق الباب وراءه ، فبركت الأم وسط الفناء ، ودموعها تجري على وجنتيها بصمت ، كما جرت يوم فقدت زوجها بين براثن الأسد .
ولم تنتبه الأم ، على الباب الخارجي ، وهو يدفع برفق ، بل لم تنتبه إلى وقع خطوات شار في الفناء ، لكنها انتبهت إلى صوت تعرفه ، يخاطبها : خالتي .
إنها شار ، لكنها لم تردّ عليها ، فقالت شار ثانية بصوت دامع : خالتي .. كيمو ..
وصمتت لحظة ، ثم انحنت على الأم ، وقالت لها بصوتها الدامع : رأيت كيمو قبل قليل ، يخرج من البيت ، وتوقف لحظة ينظر إليّ من بعيد ، ثم استأنف سيره ، ومضى مبتعداً .
ورفعت الأم عينيها الغارقتين بالدموع إليها ، وقالت بصوت باكٍ : لقد مضى كيمو ، يا شار .. مضى إلى البعيد .. مضى .. مضى ..


" 8 "
ـــــــــــــــــــ
لا مستحيل في الحياة ، مادام هناك هدف وإرادة ، هذا ما كان يقوله أبوه صياد الأسود ، لكن أمه تعلق قائلة ، لقد قتله أسد .
ومضى كيمو في طريقه ، لا يلتفت إلى شيء ، وليس في أعماقه سوى نيتا ، ونيتا فقط ، لكن التنين الطائر ليس أسداً ، وسيصل إليه ، مهما كان بعيداً ، مادام يسير في الطريق المؤدي إلى جبل التنين .
وواصل كيمو طريقه ، يحمل مع إرادته ، إرادة أبيه صياد الأسود ، الذي خرج للصيد ، ولابدّ أن في باله فتاة جميلة ، لعلها أمه هو كيمو ، وهو أيضاً خرج ، وفي باله فتاة عيناها سوداوان جميلتان ، وإن كانتا لا تستقران على حال ، وسيواجه أسده .. التنين الطائر ، ويأخذ منه عينه الوحيدة ، الدرة النادرة .
أبوه ، صياد الأسود ، قتله طموحه ، قتله أسد ، لكنه حصل على حلمه ، هذا إذا كانت أمه هي الحلم ، وهو ماض قدماً ، وسيواجه مصيره ، بإرادة حديدية ، مادام في الأفق عينان سوداوان جميلتان ، دعك من أنهما لا تستقران على حال ، وسيصل إلى الجبل ، جبل التنين الطائر ، ويصعد إلى قمته ، التي لا يذوب الثلج عنها ، لا صيفاً ولا شتاء .
وعند المغرب وصل كيمو قرية صغيرة ، تطل بيوتها على بحيرة مياهها كالمرآة ، لا يزيد بيوتها الصغيرة عن عدد أصابع اليدين ، وتوقف أمام باب أول كوخ صغير رآه ، وطرقه برفق ، فخرجت إليه امرأة عجوز مهدمة ، فحياها قائلاً : طاب مساؤك ، يا جدة .
وحدقت المرأة العجوز فيه ، بعيني تكاد تنطفئان ، وقالت : تبدو غريباً ، يا بنيّ .
فرد كيمو قائلاً بصوت متحشرج : جئت من مكان بعيد ، يا جدتي ، وأنا جائع ومتعب .
وتنحت المرأة العجوز قليلاً ، وقالت بصوتها الشائخ : تعال ، يا بنيّ ، ادخل ، واقضِ الليلة عندنا .
ودخل كيمو الكوخ ، ونهض من أمام الكانون رجل عجوز ، فأشارت المرأة العجوز إليه ، وقالت : هذا زوجي ، ولدينا حقل صغير ، وبضع عنزات .
وهزّ الرجل العجوز رأسه ، وقال : أهلاً بك ، يا بنيّ ، لابدّ أنك متعب ، اجلس قرب النار .
وجلس كيمو قرب النار ، وقدمت له المرأة خبزاً طازجاً ، وبعض الحليب ، وهي تقول : كلْ ، يا ينيّ ، كلْ حتى تشبع ، لدينا مزيداً من الحليب والخبز .
وراح كيمو يتناول الطعام بشهية ، فجلست المرأة العجوز قبالته تحدق فيه متأملة إياه بتأثر وصمت ، ثم سألته بصوتها الشائخ : ما اسمكَ ، يا بنيّ ؟
وردّ كيمو ، دون أن يتوقف عن تناول الطعام : اسمي كيمو ، يا سيدتي .
وأشرق وجه المرأة العجوز ، والتمعت عيناها الموشكتان على الانطفاء ، وقالت : كيمو ! يا للصدف ، ابني أيضاً كان اسمه كيمو .
ومدت يدها الشائخة ، وشدت على كتفه ، وواصلت كلامها قائلة : ابقَ عندنا ، وكن ابني ، الكوخ واسع ، ويتسع لنا جميعاً .
ونظر كيمو محرجاً إلى الرجل العجوز ، الذي راح يهز رأسه ، دون أن يتفوه بكلمة ، واستطردت المرأة العجوز قائلة ، ودموعها تسيل على خديها الضامرين : لقد حلم أن يصعد جبل التنين الطائر ، ويصل إلى قمته ، المكللة بالثلوج صيفاً وشتاء ، وذات يوم مضى كيمو ، مضى ولم يعد ، لم يعد حتى الآن .
وصمتت طويلاً ، وقد مال رأسها الشائخ على صدرها ،
ثم قالت بصوت واهن كأنها تحدث نفسها : قد يعود .. يعود يوماً ما .. ويومها سأعود شابة ، و ..
وصمتت المرأة العجوز ، وخمدت أنفاسها ، وسرعان ما راحت تغط في نوم عميق ، فمال الرجل العجوز على كيمو ، وقال له بصوت خافت : بنيّ ، انهض إلى فراشك ، ونم فيه ، لقد نامت العجوز .
ونهض كيمو ، وقال بصوت خافت : مسكينة زوجتك ، الحياة قاسية ، أتمنى أن يعو ابنكما في يوم قريب .
ومال عليه الرجل العجوز ، وقال : لن يعود أبداً ، لأنه في الأساس ليس لنا ابن .

" 9 "
ــــــــــــــــــــ
أفاق كيمو صباح اليوم التالي ، والشمس تطل واهنة من بين الغيوم ، وهمّ أن ينهض من فراشه ، فرأته المرأة العجوز ، وكانت تعد سفرة الطعام ، فمالت عليه ، وقالت : ابقَ في فراشك ، الوقتُ مازال مبكراً .
لكن كيمو نهض من فراشه مبتسماً ، وقال للمرأة العجوز : لقد أشرقت الشمس ، وعليّ أن أواصل طريقي .
وأشارت المرأة العجوز إلى سفرة الطعام ، وقالت : لن تذهب قبل أن تتناول طعام الفطور معنا .
ورمق كيمو الرجل العجوز ، الذي كان يجلس صامتاً قرب كانون النار ، ثم قال له : طاب صباحك .
وردّ الرجل العجوز بصوته الشائخ : طاب صباحك ، يا بني ، اجلس وافطر معنا .
وجلس كيمو أمام سفرة الطعام ، فمضت المرأة العجوز إلى خارج الكوخ ، وهي تقول : سأجلب بعض الحليب ، إن كيمو يحب الحليب .
ونهض الرجل العجوز من مكانه ، وجلس بتأنٍ قرب كيمو ، وهمس له : كيمو ..
ونظر كيمو إليه ، وردّ قائلاً : نعم .
وتبع الرجل العجوز كلامه قائلاً : لا تقل لزوجتي ، أنك ذاهب إلى جبل التنين الطائر .
وبدت الدهشة على كيمو ، وقال : لكني لم أقل ، بأنني ذاهب إلى جبل التنين .
ونظر الرجل العجوز نحو باب الكوخ ، وقال بصوت خافت : أعرف أين تريد أن تذهب ، وقد سبقك البعض إليه ، ولم يعودوا ، فاكتم هذا السر عن زوجتي .
وهمّ كيمو بالكلام ، لكن المرأة العجوز دفعت الباب ، ودخلت الكوخ ، وهي تحمل إناء فيه حليب ، وقالت : هذا حليب طازج ، أعرف أنه يعجبك .
وتمتم الرجل العجوز : فلنأكل .
وجلست المرأة العجوز قبالة كيمو ، ووضعت أمامه كوباً من الحليب ، وقالت : مثل هذا الحليب لن تجده في أي مكان ، كل يا بنيّ ، كل حتى تشبع .
وراح كيمو يشرب الحليب ، ويأكل كلّ ما تقدمه له المرأة العجوز ، وأخيراً رفع يديه ، وفمه مملوء بالطعام ، وقال : كفى ، لقد امتلأتُ .
وهزت المرأة العجوز رأسها مبتسمة ، وقدمت له قطعة من الخبز ، مدهونة بالزبد ، وقالت : لن تنهض قبل أن تأكل قطعة الخبز هذه .
وأخذ كيمو قطعة الخبز ، ودسها في فمه ، وهو يقول بصعوبة : أشكرك .. أشكرك .
ونهض كيمو ، وهو مازال يلوك لقمته ، ونظر إلى الرجل العجوز ، وقال له : أشكركم على هذه الضيافة الكريمة ، لقد تمتعت كثيراً بصحبتكم ، إنني ذاهب الآن ، أترككم برعاية الآلهة .
ثم استدار ، واتجه نحو باب الكوخ ، فخاطبه الرجل العجوز قائلاً : رافقتك السلامة .
ورمقه كيمو بنظرة خاطفة ، وقال له : ابقّ قرب كانون النار ، الجو بارد في الخارج .
وخرج كيمو من الكوخ ، وفي أثره خرجت المرأة العجوز ، ومضى يسير مبتعداً ، فسارت المرأة العجوز إلى جانبه لاهثة ، فقال لها : أشكرك ، لن أنسى ما قدمته لي من رعاية ، و .. أتمنى لك ولزوجك الطيب الصحة والعافية وطول العمر .
وتوقفت المرأة العجوز ، وهتفت بصوت لاهث متقطع : كيمو ..
وتوقف كيمو هو الآخر ، والتفت إليها ، وقال : نعم .
واستطردت المرأة العجوز قائلة : بني .. أعرف إلى أين ستذهب ..
ونظر كيمو إليها بعينين تغشاهما الدموع ، وقال : لا عليك ، لكلٍ قدره يا ..
واقتربت المرأة العجوز منه ، وقالت : أنت لست ابني ، وأنا لم يكن لي ابن ، ولن يكون لي ابن ، في أيّ يوم من الأيام ، آه طالما تمنيت أن يكون لي ابن ، أعيش معه حياتي ، لكن .. فات الأوان .
ومدت يدها الشائخة ، وربتت على ذراعه ، وقالت : اذهب ، يا كيمو ، رافقتك السلامة .
وصمتت لحظة ، ثم قالت : إن الطريق الذي تسير فيه ، هو طريق .. الصد ما رد .
ووقف كيمو جامداً ، ثم استدار عن المرأة العجوز ، التي كانت الدموع تغرق عينيها ، ونظر إلى جبل التنين الطائر ، الذي تعلو الثلوج قمته العالية ، ثم سار قدما ، لا يلوي على شيء .






" 10 "
ــــــــــــــــــــــ
واصل كيمو سيره ، مبتعداً عن كوخ الزوجين العجوزين ، وحاول جهده أن يحصر تفكيره في التنين الطائر ، وعينه الوحيدة ، الدرة التي تريدها نيتا ، والتي يمكن أن تقرر مصيره معها ، لكن دون جدوى .
وفي البداية ، تراءت له أمه ، وحديثها عن أبيه صياد الأسود ، وحاول عبثاً أن يبعدها عن ذهنه ، حين سمعها تقول له : لقد قتله أسد .
ونيتا بعينيها السوداوين الجميلتين ، اللتين لا تستقران على حال ، كانت تزاحم أمه في تفكيره ، وتقول له : " ابن التاجر البدين متعلق بي ، وأبوه سيشتريني له ، فذهبه كثير جداً " ، وهمست في أذنه " الدرة ، عين التنين الطائر ، لن يقاومها أبي ، وسيمنحني لك " .
ووسط هذا الزحام ، أمه وأسودها من جهة ، ونيتا وسمينها وذهب التاجر وجشع أبيها من جهة أخرى ، تلوح شار كظبية برية ، تحممت بغبار طلع الأزهار البرية ، وتجاذبت الريح خصلاتها ، وانطلقت تسابق الريح نحوه ، وتصيح : كيمو ..
وتراءت شار له ، حين تصدى له صبي أكبر منه ، قوي ، شرس ، متهور ، وطرحه أرضاً ، وراح يصفعه على وجهه ، فانقضت شار عليه ، ووثبت على ظهره كالقرد ، وأوسعته ضرباً ، ثم أطبقت أسنانها على إحدى أذنيه ، حتى راح يستغيث ، وهو يحاول التخلص منها : أيتها المتوحشة ، اتركي أذني ، ستقطعينها .
وأفاق كيمو من تداعياته ، عند حوالي منتصف النهار ، وإذا هو أمام جبل التنين الطائر ، ورفع رأسه إلى الأعلى ، ولاحت له القمة المكللة بالثلوج ، تكاد تغيب في الغيوم المتكاثفة ، آه ما أبعد القمة ، مهما يكن ، لقد جاء إلى هنا ، لا ليقهر تلك القمة فقط ، وإنما ليتصدى للتنين الطائر ، ويأخذ منه عينه الوحيدة ، الدرة ، وإلا لن يحصل على نيتا ، يا للثمن الباهظ .
وبدأ كيمو أولى خطواته نحو القمة ، صخور ضخمة ، صخرة فوق صخرة فوق صخرة حتى الغيوم ، وتناهت إليه من بعيد دمدمة تخالطها الريح ، ورفع رأسه إلى الأعلى ، دون أن يتوقف ، الغيوم قاتمة ، تتزاحم وتتدافع فوق القمة ، وتنذر بالمطر أو الثلوج ، ومضى في طريقه صعداً ، قد تهطل الأمطار مساء ، ومن يدري ، فقد يتساقط الثلج أيضاً ، فالهواء بارد يفوح برائحة المطر والثلج .
وحوالي المساء ، وقد اختفت الشمس تماماً وراء الغيوم الثقيلة ، بدأ المطر يهطل ، وتوقف كيمو ، وتلفت حوله ، لعله يرى كهفاً يلجأ إليه ، ويقضي فيه ليلته ، وبدل الكهف وقعت عيناه على كوخ صغير ، يكاد يختفي بين مجموعة من الأشجار الكثيفة ، فاستدار بسرعة ، ومضى تحت المطر ، نحو ذلك الكوخ .
وتقدم كيمو من باب الكوخ ، وطرقه برفق ، رغم أن الباب كان موارباً ، لم يردّ أحد ، فطرقه ثانية ثمّ صاح : يا أهل هذا الكوخ .
ومرة أخرى لم يردّ أحد ، فدفع كيمو الباب ، ومضى إلى الداخل بخطوات مترددة ، وهو يقول بصوت متعب : أليس من أحد هنا ؟
وتوقف وسط الكوخ ، وتلفت حوله مدققاً ، وإذا الكوخ خال ، لكنه نظيف ، ومرتب ، وفيه فراش قرب موقد النار ، الذي مازالت بعض الجمرات تشع وسط الرماد الدافىء ، الكوخ إذن ليس مهجوراً ، وهناك من يسكن فيه ، ولعل صاحبه خرج حوالي منتصف النهار ، وسيعود إليه في أية لحظة .
ونزع كيمو حذاءه المثقل بالشوائب ، ونفض ماء المطر عن ملابسه ، ثمّ تمدد في الفراش ، لعله يرتاح بعض الوقت ، قبل أن يأتي صاحب الكوخ ، ومن يدري كيف هو ، ويكفي أنه يعيش في هذا المكان المقطوع الموحش ، و .. وأغمض عينيه المتعبتين الناعستين ، وسرعان ما استغرق في نوم عميق .


" 11 "
ــــــــــــــــــــــــ
كما لو كان في الحلم ، سمع كيمو الباب يُفتح ، وتناهت إليه ما يشبه وقع أقدام ، وفتح عينيه المتعبتين الناعستين ، أهو حلم حقاً أم .. ؟
ومن خلال عينيه المضببتين ، خيل إليه أنه يرى رجلاً ، في أواسط العمر ، ينحني عليه مبتسماً ، ويقول له بصوت هادىء : أهلاً ومرحباً بك .
واعتدل كيمو محدقاً في الرجل الغريب ، لا يدري ماذا يقول ، ولعله مازال تحت تأثير أنه في حلم وليس في الحقيقة ، وتراجع الرجل ، وقال : رأيتك من بعيد ، تقف متردداً أمام كوخي ، وحسناً فعلت أنك دخلت الكوخ ، فالجو في الخارج ممطر وشديد البرودة .
وتطلع كيمو إلى الرجل ، وقال : لقد طرقت الباب ، فلم يردّ عليّ أحد ، وطرقته مرة أخرى ، ولم أتلقَ رداً ، وظننتُ أن الكوخ قد يكون مهجوراً .
واستدار الرجل إلى الموقد ، ووضع فيه عدة قطع من الخشب الجاف ، وأشعل النار فيها ، وقال مبتسماً : لا أدري من قال ، إن النار فاكهة الأجواء الباردة ، وهي حقاً فاكهة ، وأي فاكهة .
والتفت الرجل إلى كيمو ، والنار المتصاعدة اللهب ، تضيء جسمه القوي البنيان ، ثم قال : قبل أن نتبادل الحديث في أي موضوع ، والليل هنا طويل ، فلنتناول شيئاً من الطعام ، لابدّ أنك جائع .
وأعدّ الرجل الطعام ، وجلس هو وكيمو أمام الموقد ، الذي تعالت فيه ألسنة النار ، وأشاعت الدفء في أرجاء الكوخ الصغير ، وراحا يأكلان صامتين .
وحين انتهيا من تناول الطعام ، نظر الرجل إلى كيمو ، وقال له بصوته الهادىء : أرجو أن يكون طعامي المتواضع قد أعجبك .
وردّ كيمو قائلاً : أشكرك ، إنه لذيذ جداً .
وضخك الرجل ، وقال : هذا لأنك كنت جائعاً جداً .
وصمت لحظة ، ثمّ قال وقد تضببت عيناه : الطعام اللذيذ جداً ، والذي لن يتكرر أبداً ، هو ما كانت تقدمه لي زوجتي هنا ، في هذا الكوخ .
وتنهد الرجل ، ونظر إلى كيمو ، ثمّ قال : لابد أنك تتساءل ، بينك وبين نفسك على الأقل ، ما الذي جاء بي إلى هذا المكان الموحش المنقطع .
ولاذ كيمو بالصمت ، وكأنه ينتظر سماع ما سيحدثه فيه هذا الرجل الطيب ، وبالفعل قال الرجل : لقد جاءت بي إلى هنا ، جوهرة حياتي ، فتاتي ..
وصمت لحظة ، ثم قال : أردتها وأرادتني ، وهذا ما رفضه بشدة أبواها وأبواي ، وكانت فتاتي فتاة شجاعة ، لا تتراجع أمام الصعاب ، فقالت لي مرة ، ماداموا لا يريدوننا أن نكون معاً ، فلنكن معاً بإرادتنا ، العالم واسع ، فلنبتعد عنهم إلى جبل التنين .
وصمت مرة أخرى ، ثم قال : وجئنا إلى هنا ، جئنا إلى أبعد مكان عمن أرادنا أن لا نكون معاً ، وبنينا جنتنا في جحيم جبل التنين هذا ، وسرعان ما أثمر مجيئنا ، حملت شجرة تفاحي الأثيرة ، لكن عاصفة الولادة قصمتها ، وأخذت ثمرتنا معها .
وهرب الرجل بنظره المضبب بعيداً ، وقال وكأنه يحدث نفسه : مهما يكن ، لقد عشنا ، وعرفنا الحياة على حقيقتها ، نعم ، تلك كانت هي الحياة ، التي لم نندم لأننا اخترناها ، وكانت وراءها فتاتي الشجاعة المحبة .
وتوقف الرجل عن الحديث ، وراح يحدق في كيمو ، كأنه يقول له ، وأنت أيها الشاب الرقيق .. الوحيد .. ما الذي جاء بك إلى هذا الجحيم ؟
وتنهد كيمو ، ونظر إلى الرجل ، وقال : كما أنك جاءت بك فتاة ، إلى هذا المكان ، الذي قلت أنه جحيم ، جاءت بي إليه أيضاً فتاة .
وقال الرجل : لكن فتاتي جاءت معي..
وانتظر الرجل أن يقول كيمو شيئاً ، لكنه لاذ بالصمت ، ولم يقل أي شيء ، فتابع الرجل قائلاً : فتاتي جاءت معي ، لم تدفعني لأعيش الجحيم وحدي ، وإنما معي عاشت الجنة في الجحيم .
وبقي كيمو صامتاً لفترة ، وقد أطرق رأسه ، ثم قال كأنما يحدث نفسه : فتاتي اشترطت عليّ ، لكي يوافق أبوها على ارتباطي بها ، أن آتيها بعين التنين الطائر .. الدرة الوحيدة في العالم .
واتسعت عينا الرجل دهشة ، وقال : ما أعرفه ، وعلمتني إياه فتاتي ، التي جاءت معي إلى جبل التنين الطائر هذا ، وعاشت معي فيه حتى النهاية ، أن الحب عطاء ، وليس طلب المستحيل .
والتفت بحدة نحو كيمو ، وقال : ثمّ إن التنين الطائر ، ذا العين الواحدة ، خرافة لا أكثر .
وهمّ كيمو أن يردّ عليه ، فقال الرجل : أنت ستصعد إلى أعالي هذا الجبل ، وستموت حتى قبل أن تصل إلى قمته المكللة بالثلوج ، وليس هناك محبّ واحد في الحياة ، يريد الموت لمن يحبه .
ولاذ كيمو بالصمت ، وقد أطرق رأسه ، وخيم الحزن والإحباط عليه ، وصمت الرجل بدوره ، ثم تراجع وقال : سأعد لي فراشاً قرب الموقد ، نم أنت في فراشي ، وتدثر جيداً ، فالجو بارد جداً في الليل .
وأعدّ الرجل فراشاً له قرب الموقد ، ورقد فيه ، وسحب الفراش على رأسه ، ونام ، أما كيمو فقد رقد في فراشه ، وأغمض عينيه المتعبتين ، لكنه لم ينم ، وكيف ينام وهو في حوار دائم مع نيتا .. وأمه .. وشار ؟
في صباح اليوم التالي ، استيقظ الرجل ، واعتدل في فراشه ، وألقى نظرة سريعة إلى حيث كان يرقد كيمو ، كان الفراش خالياً ، فهبّ من مكانه ، وأسرع إلى خارج الكوخ ، كان البرد شديداً جداً ، رغم أن الشمس كانت مشرقة ، وتلفت حوله ، لكنه لم يجد أثراً لكيمو ، ترى أين مضى هذا المجنون ؟ ورفع رأسه إلى الأعلى ، حيث قمة جبل التنين المكللة بالثلج ، غارقة في الضباب ، يا للويل ، ترى إلى أين دفعته تلك الفتاة التي تحدث عنها ؟


" 12 "
ــــــــــــــــــــ
أوت الأم إلى فراشها مبكرة ، وهذه صارت عادتها منذ أن مضى كيمو إلى المجهول ، وفكرت الأم ، ترى كم مضى على رحيله ؟ هذا ما لا تعرفه بالضبط ، والحقيقة عند شار ، فهي تعرف كلّ شيء عن كيمو .
وشار ، منذ أن مضى كيمو ، تقضي معظم الوقت مع الأم ، وصحيح إنها قلما تتحدث عن كيمو ، لكن الأم تخمن أن شغلها الشاغل هو كيمو .
وكم تمنت بينها وبين نفسها ، حتى قبل أن يمضي كيمو ، أن يلتفت إلى شار ، فشار ـ في رأي الأم ـ هي ما تصلح لكيمو ، وليس فتاة أخرى .
وتنهدت الأم ، وأغلقت عينيها اللتين يضببهما الدمع ، آه كيمو ، إنها لا تريد أن تنام ، وكأن النوم يبعدها عن كيمو ، وهذا ما لا تريده .
ودُق الباب ، ومعه دقّ قلبها ، وفتحت عينيها ، أهو حلم ما تسمعه ؟ فكيمو مضى بعيداً منذ .. منذ .. ودق الباب ثانية ، إنه كيمو ، لا أحد يدق الباب هكذا غيره .
وهبت من فراشها ، وطارت إلى الباب ، وفتحته بسرعة ، وحدقت في الظلام ، وشهقت ، نعم إنه هو ، وسمعته يتمتم بصوت منفعل : أمي .
ومدت إليه يديها المتلهفتين ، وتلقفته وكأنها تخشى أن يذوب في الظلام ، وسحبته إلى الفناء ، وأخذته إلى صدرها ، وهي تتمتم : كيمو .. كيمو .
وحاول كيمو أن يتملص من بين يديها المتلهفتين ، وهو يقول : حمداً للآلهة ، يا أمي ، أنك بصحة جيدة ، تعالي ندخل إلى الغرفة .
ودخلت الأم به إلى الغرفة ، وهي مازالت تطوقه بذراعها ، وأشارت له بدموعها إلى فراشه ، وقالت : فراشك ينتظرك ، وأنا أنتظرك ، و ..
وقاطعها كيمو : أمي ..
واستدارت الأم عنه ، مبتعدة بعينيها الغارقتين بالدموع : وقالت بصوت متهدج : أعرف ، أنت جائع ، ومشتاق إلى طعامي ، سأعدّ لك وجبة سريعة ، وسنأكل معاً كما في السابق .
وراحت الأم تعدّ وجبة الطعام ، فاقترب كيمو منها ، وقال بصوت متسائل : أمي ..
وردت الأم قائلة : أنت جائع ، لنؤجل الحديث عن أي شيء ، إلى ما بعد تناولنا للطعام .
وتابع كيمو كلامه قائلاً بنفس نبرات التساؤل : أردت أن أسألك عن ..
وقاطعته أمه قائلة ، وكأنها تجيبه على ما خمنت أنه تساؤله : نيتا تزوجت ، يا كيمو ..
وصمتت لحظة ، ثم تابعت قائلة ، وهي تتشاغل بإعداد وجبة الطعام : بعد أن مضيت من هنا ، لا أدري إلى أين ، تزوجت ابن التاجر البدين .
وانتظر كيمو أن تنتهي أمه من كلامها ، فقال لها ، دون أن يبدو عليه أي تأثر من كلامها : أمي ، أردت فقط أن أسألك عن .. شار .
وتمتمت الأم مبهورة : شار !
واستدارت إليه ، والدمع تلمع في عينيها ، وتساءلت ثانية : تسألني عن شار ؟
وردّ كيمو قائلاً : نعم .. شار .
ونسيت الأم وجبة الطعام على النار ، وانصرفت بكليتها إلى كيمو ، وقالت له : شار .. كما تعرف .. في بيتها .. شار تنتظر .
وصمتت لحظة ، كفكفت فيها مشاعرها المبهورة ، ثم قالت : أرى ، يا بني ، وقد عدت سالماً من السفر ، أن تذهب إليها غداً ، و ..
واستدار كيمو ، ومضى نحو الباب ، فصاحت الأم : كيمو ..
لم يلتفت كيمو ، ومدّ يده ، وفتح الباب ، ومضى إلى الخارج ، فصاحت الأم : أنت لم تتناول الطعام بعد ، والوقت متأخر إلى أين ؟
فردّ كيمو ، دون أن يتوقف ، أو يلتفت إليها : سأذهب إلى .. شار .


31 / 3 / 2021





























رواية للفتيان








جزيرة الحور








طلال حسن



شخصيات الرواية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ ابانوغاك

2 ـ رسدنا

3 ـ الحورية الصغيرة














" 1 "
ــــــــــــــــــ
عاد الصياد ابانوغاك من الصيد ، كما يأتي في غالب الأحيان ، قبيل غروب الشمس ، فسحب قاربه المصنوع من جلد الكاريبو على رمال الشاطىء ، بعيداً بعض الشيء عن الماء ، واتجه إلى بيته القريب ، وقد حمل في سلته ما اصطاده من السمك .
ومن بعيد ، لمح ابنته الحورية الصغيرة ، تجلس عند باب البيت ، لكنها وعلى غير عادته ، تطلعت إليه صامتة ، ولم تجرِ إليه وقد غمرها الفرح ، وتحمل عنه سلة السمك ، الذي اصطاده من البحر .
أهي متعبة حوريته الصغيرة ، أم مريضة ، أم .. ؟ من يدري ، ربما دلال البنيات الحلوات ، وفي هذه الحالة ، فمن حق حلوته الحورية الصغيرة أن تتدلل ، فكيف يكون الدلال إن لم يكن لمثلها ، عينان زرقاوان ، وشعر ذهبي ، وبشرة في بياض الثلج .
واقترب ابانوغاك من حوريته الصغيرة ، حاملاً سلة السمك ، وتباطأ في سيره ، متظاهراً بالتعب الشديد ، وهو يقول : حوريتي الصغيرة ، ساعديني .
ولسبب لا يعرفه ، تقدمت منه بفتور ، وأخذت منه سلة السمك ، وحملتها بشيء من الصعوبة ، وسارت معه إلى داخل البيت ، ووضعتها جانباً ، ونظر ابانوغاك إليها ، وقال : حوريتي ..
وقاطعته الحورية الصغيرة ، دون أن تلتفت إليه : دعني أنظف السمك اليوم وحدي .
لم يرتح ابانوغاك لنبرة الحزن التي في صوتها ، واحتج قائلاً برفق : لا يا حوريتي ، أنتِ مازلتِ صغيرة ، على مثل هذا العمل .
وردت الحورية الصغيرة قائلة : كلا ، لم أعد صغيرة ، لقد تجاوزت الخامسة من عمري .
ومدّ ابانوغاك يده ، ومسد على شعرها الذهب ، وقال : اكبري يا حوريتي ، وسأترك تنظيف السمك ، بل وإعداده للطعام ، لكِ وحدنِ .
ولاذت الحورية الصغيرة بالصمت ، فأخذ ابانوغاك السمك إلى الخارج ، ونظفه قرب شاطىء البحر ، ثم شوى بعضه على نار الموقد ، ووضعه على السفرة ، وهتف بالحورية الصغيرة : هيا يا حوريتي ، لابد أنكِ جائعة مثلي ، تعالي نأكل .
وجلست الحورية الصغيرة كالعادة قبالته ، لكنها على غير العادة ، لم تمد يدها إلى الطعام ، ودس ابانوغاك لقمة في فمه ، وقال متلذذاً : آه ما أطيب هذه الطعام ، مدي يدكِ الحلوة ، وتذوقيه .
وبدل أن تمدّ الحورية الصغيرة يدها ، وتتذوق الطعام ، رفعت عينيها الزرقاوين الجميلتين إلى ابانوغاك ، وقالت بصوت لم يسمعه منها من قبل : أبي ، أخبرني ..
وانتبه ابانوغاك إلى نبرة في صوتها ، لم يسمعها فيه من قبل ، فتظاهر بالمرح ، وقال : سأخبرك بكل ما قالته لي السمكة حين اصطدتها ، كلي أولاً .
وقالت الحورية الصغيرة بشيء من المرارة : أرجو أن تكون قد حدثتك عن أمي ..
ولاذ ابانوغاك بالصمت ، وقد تباطأ في لوك اللقمة في فمه ، فتابعت الحورية الصغيرة قائلة : لكل الأطفال الذين أعرفهم أمهات يحببنهم ويرعينهم و ..
وصمتت لحظة ، ثم تساءلت : من هي أمي ؟
وتوقف ابانوغاك عن تناول الطعام ، ورمق الحورية بنظرة سريعة ، ثم نهض ، وهو يقول : تناولي طعامكِ ، أنتِ صغيرة ، وبحاجة إلى الطعام .
وفتح الباب ، ومضى نحو شاطىء البحر القريب من البيت ، وجلس على الرمال محدقاً في القمر ، وهو يخرج من أعمق البحر ، والماء يقطر منه ، وتناهى إليه وقع أقدام خفيفة على الرمال ، إنها حوريته الصغيرة ، لم يلتفت إليها ، وأحس بها تجلس إلى جانبه ، ثمّ تمد يدها الصغيرة ، وتلمس ذراعه ، وتقول : أبي ..
ومدّ ابانوغاك يده ، وربت على يدها الصغيرة ، وردّ عليها قائلاً : نعم ، يا حوريتي .
وتابعت الحورية الصغيرة قائلة : مرت ببيتنا ، عند منتصف النهار ، امرأة عجوز ، لم أرها يوماً في الجوار ، وكنت جالسة بالباب ..
والتفت ابانوغال إليها ، وحدق فيها على ضوء القمر ، دون أن يتفوه بكلمة واحدة ، فتابعت الحورية الصغيرة قائلة : فاقتربت مني ، وحدقت فيّ ، ثم قالت ، أنتِ لا تشبهين أحداً من أهل القرية ، عيناك زرقاوان ، وشعرك كالذهب ، وبشرتك ببياض الثلج ، لابدّ أنكِ لستِ من هذا العالم الذي أعرفه .
وحدقت الحورية الصغيرة في ابانوغاك ، ثم قالت : أنا لا أشبهك ، يا أبي ، وأنت تشبه أهل القرية تماما .
فقال ابانوغاك : إنني واحد منهم .
فتاءلت الحورية الصغيرة : أنا مختلفة ، لماذا ؟
ولاذ ابانوغاك بالصمت ، فتابعت الحورية الصغيرة قائلة : تلك العجوز ، قالت لي ، قبل أن تختفي فجأة كما ظهرت : يبدو أن أمكِ من البحر .
ونهض ابانوغاك ، وأخذ بيد الحورية الصغيرة ، وقال : الوقت متأخر ، وحان وقت النوم ، لنعد إلى الكوخ .
ونهضت الحورية الصغيرة ، ومضت مع أبيها إلى البيت ، وأوت إلى فراشها ، وسرعان ما استغرقت في النوم ، لكن ابانوغاك لم ينم ، وكان هناك ما يشغله .




















" 2 "
ــــــــــــــــــ
تراءت لابانوغاك جدته العجوز ، وتذكر حكاياتها الجميلة ، التي كانت تحكيها له بصوتها المتميز الرقيق ، رغم أناه كانت قد تجاوزت التسعين من عمرها .
وذات يوم ، جلس إلى جانب جدته ، وقال لها : جدتي ، أرجوكِ ، احكي لي عن حور البحر .
وابتسمت الجدة ، ومدت يدها الشائخة ، وربتت على رأسه الكث الشعر ، وقالت : بنيّ ابانوغاك ، أنت مازلت صغيراً على الحوريات .
ومال ابانوغاك على جدته ، وقال بصوت أشبه بالهمس : ماما تقول لي ، عندما أطلب منها أن تحدثني عن حوريات البحر ، إن الحوريات خرافة ، لا وجود لها إلا في حكايات جدتك .
ونظرت الجدة إليه بعينيها السوداوين الشائختين ، وقالت : دعكَ من أمكِ ، يا ابانوغاك ، حوريلت البحر موجودة ، وقد تصادف واحدة



#طلال_حسن_عبد_الرحمن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية للفتيان مملكة أعالي الجبال المتجلدة
- مسرحية من ثلاثة فصول الطريق إلى دلمون
- مسرحية من فصل واحد الثلوج
- مسرحية من فصل واحد السعفة
- مسرحية من فصل واحد ...
- مسرحية من فصل واحد البروفة
- مسرحية مونودراما الرعب والمطر
- مسرحية من فصل واحد الصحراء
- مسرحية من فصل واحد الشجرة
- الانتظار مسرحية من ثلاثة فصول
- مسرحية عقارب الساعة
- قصص للأطفال إلى الكلمة الشهيدة شيرين التي أطفأها الصهاينة ال ...
- مسرحية من ثلاثة فصول إنسان دلمون
- مسرحية الجدار
- القطار
- رجل من زمن الحصار
- قصص قصيرة جدا
- ثورة الإله كنكو
- لقاء مع الشاعرة العراقية بشرى البستاني
- آخر أيام اور


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طلال حسن عبد الرحمن - رواية للفتيان عين التنين