أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - ابراهيم محمود - تعذيب الضحية















المزيد.....

تعذيب الضحية


ابراهيم محمود

الحوار المتمدن-العدد: 1686 - 2006 / 9 / 27 - 09:02
المحور: حقوق الانسان
    


في رواية عبدالرحمن منيف( شرق المتوسط)، يمارس الجلاد تغذيب " رجب"، ويصرخ في وجهه لكي يصرخ، مستعملاً أكثر الكلمات بذاءة، وهكذا يفعل جلاد السجن، في رواية إيردال أوزالتركي( أنت جريح)، طالباً من سجينه، وهو يسبه أقذع السباب في أن يصرخ.
أردت الاستشهاد بهاتين الروايتين، فقط للتذكير، بما يجري، مما يسمى بـ( محاكمة) صدام حسين وأعوانه، حول الجرائم التي ارتكبها، ومن معه، بحق العراقيين، والكرد أكثر من سواهم، وهذه الأيام ، كما هو معروف، تتعلق المحاكمة بقضية الأنفال( الإرث التاريخي السيء الصيت) لجموع المعنيين بأخلاقية رموزه داخل العراق وخارجه ماضياً وحاضراً، ولم أستخدم مفردة هنا ( مما يسمىبـ)، إلا تنويهاً إلى فظاعة الجاري، بعد مأساة الحادث ماضياً.
لست هنا بصدد إجراء تقويم بنيوي للقائمين على المحاكمة، إنما أحاول، وفي حيّز محدود، وباختصار، ممارسة مكاشفة ما عليه الشاهد، وهو لا يكتفي بسرد تاريخ الرعب الصدامي وبطانته، ونتائجه الكارثية، إنما ما يتعرض لـه الشاهد من عذاب نفسي، كما لو أنه يمثَّل به تعذيباًلا ينكفىء على نفسه، إنما لتأكيد عبقرية مفعّل الجريمة. إذ يطلَب منه، أن يكون دقيقاً في كل ما يتفوه به، وأين؟ حيث يكون جلاده الأكبر إزاءه، وكيف؟ حيث يكون معتبره محاميه رئيساً بكل قيافته. إنها أكثر اللحظات إيلاماً في تعذيب الضحية في ذاتها،وفي ذات الذين تم فقدهم، أو رؤيتهم وهم يُفتلون أو بجري التنكيل بهم جهراً.

أثقال الأنفال:
لا أظن أن ثمة شماتة أكبر، وأشد إيلاماً، من الذي يدفع بسواه، في أن يتحدث عن تعذيب مزدوج تعرض له في حياته: التعذيب الذي تعرض له شخصياً، كما هو الشاهد الأنفالي، والتعذيب النفسي المركّب الذي عاشه بحواسه ومشاعره، أو معاناتها، في مدى زمني مختلف، سواء، بالنسبة لذويه أو الآخرين من حوله، وهم في الحالتين كانوا شركاءه في تلقي طعنات الجلاد الأكبر، أو حالة الاحتقار التي شملتهم كلهم، حيثما كانوا، والتعذيب المركب هو لسان تألمه من الداخل، وما يشاهده في محيطه.
في المتابعة اليومية الطويلة والموجهة، لمشهديات المحاكمة، أتلمس نوعاً من العرض المسرحي، إنه عرض كربلائي، على مستوى أوسع، نوع من إعادة التمثيل للجريمة الناسفة لكينونة الشاهد المطعون في جماع شخصيته.
إن كل ما يقال يُسجل، وكأن أمتحاناً يُجرى لذاكرة الشاهد : الضحية التاريخي، كل من في المكان، وحتى خارجه، يشكل نوعاً من الشهود القادرين على التأثير فيما يجري، حتى لو من باب التعليق، العيون ملسطة عليه، وعلى الشاشة، وهو يمارس الكردية اللغة الضحية مثله، بين اللغات: الضحايا الأخرى، تلك التي صوّرت اللغة الكردية: خطيئة تاريخ مطاردَة،
عليه أن يجيد في التعبير، لأن ثمة ما يتم تدوينه، وثمة من يترجم، وثمة من يعيد صياغة الترجمة بلغة قانونية، وثمة من يسجل ملاحظاته، وثمة من يدون أسئلة، تبقي محضر الضحية مفتوحاً، أعني تبقي إمكانية مضاعفة الضحية قائمة إلى أجل غير مسمى، من حيث التأثير، ووحده الشاهد الذي يدخل التاريخ نازفاً دمه الذي لم يتجمد بعد، وعليه أن يبقيه، مطلوب الصمود في مواجهة تمزقه المتنامي في وضع كهذا، بينما هو في كليته حالة نزيف جسدية ونفسية. يا لها من حالة انقلاب التاريخ على التاريخ !
الفريق الرئيس في فعل الجرم العراقي الكبير، ومن كان مبارِكاً له داخلاً وخارجاً، موجود، يمارس هواية النظر إلى الضحية : الشاهد، ويمارس إصغاء. تُرى أي شعور نكروفيلي: عدواني، يتلبس الفريق الرئيس، بدءاً من السيد الرئيس( كما يحب حفيد رسول الله، ومن معه: أشخاصاً من محاميه المتعدد الجنسيات مكانياً، تسميته)، وانتهاء بالذين يمطرون الشاهد الضحية بأسئلة، كما لوأنها محاكاة نفسية حقيقة، لما هو كيماوي.
كيف يمكن للضحية، في أن تبدي شهادتها، وهي الشهادة: الوجه، والجسد، وما يخص الداخل؟. هنا يجوز التوجه إلى الخارج، إلى محيط الضحية، لتكون الصورة الحية، ذات البلاغة من جهة النشأة، التي تخفي فظاعتها الأمكنة : الشهود، أي : القرى التي جرت تسويتها بالأرض، والعيون المائية التي سفحت دموعاً قهراً على ضحاياها المعتادين المنقادين، وسُدت، والأشجار التي شاركت بشرها الطارئين على التاريخ، كما يبدو، مأسات قصفهم ونسفهم وخسفهم المقدر عروبياً بعثياً عفلقياً، مكرمة من مكرمات حفيد رسول الله العربي القح والمسلم الأصيل، والأنهار التي انهارت سافلاً، والجغرافيا التي غُيّر فيها بسلطان مسرطن مهين.
لا يجب استدعاء الضحايا، لأنهم يعيشون جراحاتهم المكانية واللحمية والروحية، مصيبتهم المتعددة الدرجات في أنفسهم، وأنفس أقربائهم وأهليهم وجيرانهم وأصحابهم وأمثالهم، لكي يدلوا بشهادتهم، حيث يكفيهم ما نالهم من عنف وعسف، يكون جسد الواحد فيهم الذاكرة الشائطة.
كيف يمكن للشاهد الضحية، في أن يتمالك نفسه، أن يكتم أنفاس بركانه، ذي الحمم التي تعني قهره وزجره وتشويهه، أن يكون خلافه، الآخر الذي لم ينله أذى الكيماوي ومشتقاته في النيل منه، وصنوف الإهانات المتنوعة المرامي، أن يضبط مشاعره، ليترك للكلام المنتظر سبيلاً، أن يتكلم ، بينما وجهاً لوجه، يكون زبانيته الموجهون أرضياً، الطارئون على أرضه، على ذاكرته، على لحمه ودمه، على ثقافته، ولغته، المبغدَدون ببؤسه ويأسه، يحدقون فيه، لعلهم يصمّون فيه الذاكرة الجسدية المنسوفة، كي يلتزم الصمت، ويبقى الزبانية، الذين يبدون وكأنهم الضحايا وليس العكس، كما هو منطق المتمادي في تأكيد الذات المتجاوزة لذاتها، إلى درجة جرفها وقصفها لكل ذات؟
دعوا الشهود: الشهود الكرد مقدماً، ومأساتهم، فمأساتهم أكبر منهم، وفظائع الزبانية الموسومين، لا تتطلب كل هذه التحشدات الشائنة، ومضاعفة عذابات الشهود الضحايا، لأن الوثائق المطلوبة: الأرض ومن عليها، وما عليها كذلك، تشكل، أو تكون الشهادة الكبرى، تلك التي لا تحتاج إطلاقاً لأي ترجمة بـ( العربي)، أوبـ( التركي)، أوبـ( الفارسي). دعوا الشهود المنكوبين في راحهم وأرواحهم، يعيشون المتبقي من حياتهم، متذكرين أعزتهم، بأقل كلفة من الصراخ المتحشرج وجعاً، لسان حال جراحاتهم التي تكون بحجم أجسادهم.



#ابراهيم_محمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التاريخ الكردي من منظور الصوت: عبر رواية كردية
- مدارات محاكمة : نورمبرغ العراقية
- ما هو أبعد من الترجمة كردياً : لالش قاسو ومترجمه المثالي
- الفيلسوف الكردي
- ما هو أبعد من العلم العراقي
- المثقف الكردي المشعوذ
- ثرثرة مفلس
- الصراع الكردي - الكردي: رؤية أدبية، عبر ترجمة فصل من رواية : ...
- مستقرات السرد في الرواية - رومانس المكان-: هيثم حسين في رواي ...
- قلبي على لبنان
- - Mijabad رواية أوديسا الشاعر الكردي- المقام الشعري في رواية ...
- نقد العقل القدري الكردي
- مكائد الأمكنة: حسين حبش وشعرية المكان
- أعلام الكرد الخفاقة
- موسم الهجرة الطويل إلى جنوب كردستان
- الكردي مؤرّخاً
- الدوغماتيكي رغم أنفه
- -النقلة باعتبارها تمرداً في الأدب: سليم بركات في روايته الجد ...
- أهي نهاية المرأة ؟
- منغّصات الترجمة


المزيد.....




- مقر حقوق الإنسان في ايران يدين سلوك أمريكا المنافق
- -غير قابلة للحياة-.. الأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد ت ...
- الأمم المتحدة تحذر من عواقب وخيمة على المدنيين في الفاشر الس ...
- مكتب المفوض الأممي لحقوق الإنسان: مقتل ما لا يقل عن 43 في ال ...
- مسئول بالأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد تستغرق 14 عاما ...
- فيديو.. طفلة غزّية تعيل أسرتها بغسل ملابس النازحين
- لوموند: العداء يتفاقم ضد اللاجئين السوريين في لبنان
- اعتقال نازيين مرتبطين بكييف خططا لأعمال إرهابية غربي روسيا
- شاهد.. لحظة اعتقال اكاديمية بجامعة إيموري الأميركية لدعمها ق ...
- الشرطة الاميركية تقمع انتفاضة الجامعات وتدهس حرية التعبير


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - ابراهيم محمود - تعذيب الضحية