أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسين سليماني - هل كان الجاحظ مثليا؟















المزيد.....

هل كان الجاحظ مثليا؟


ياسين سليماني

الحوار المتمدن-العدد: 7327 - 2022 / 8 / 1 - 03:15
المحور: الادب والفن
    


وما لنا وللجاحظ إن كان مثليا أم مغايرا؟ أو كان يملك أيرا أو فتحة مجهرية لا تكاد تصلح حتى للبول؟ فإنما ينشغل بهذا السفهاء والتافهون، ومتتبعو عورات الناس ومثالبهم، أو المتشدّقون بالفضيلة وهي بعيدة عنهم كما باعدت الأرض بين مشارقها ومغاربها، لكنّ السؤال سيتجه قبَل موقف الرجل من هذا الموضوع، وفي هذا اختلاف كبير عن المنحى الأوّل، إذ أنّ موقف شخصية كبيرة مثل الجاحظ له قيمته وجدارته المعرفية، وهو يقول لفظا: "وبعض من يظهر النُسك والتقشف إذا ذُكر الحر (بكسر الحاء) والأير والنيك تقزز وانقبض. وأكثر من تجده كذلك فإنما هو رجل ليس معه من المعرفة والكرم، والنبل والوقار، إلا بقدر هذا التصنع" ويرى في الحديث عن مثل هذه التيمات أهمية وقيمة ويسوّغ لهذا بقوله "ولو كان الرأي ألا يُلفظ بها (...) كان في التحريم والصون للغة العرب أن تُرفع هذه الأسماء والألفاظ منها"، أي أنّ إبقاء العرب على هذه الأحاديث والألفاظ الصريحة في خطاباتهم وقصصهم ومروياتهم دليل على المساحة الفعّالة التي كانت تأخذها عندهم.
والجاحظ في بداية حديثه في "رسالة مفاخرة الجواري والغلمان" يذهب للقول بأنّ "من فضل الغلام على الجارية أنّ الجارية إذا وُصفت بكمال الحُسن قيل: كأنها غلام، ووصيفة غلامية" بل هو يذكّر بقول القرآن نفسه: "يطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون" كما قال: "يطوف عليهم ولدان مخلّدون، بأكواب وأباريق" ثمّ أتبع إيراد الآيتين بقوله معلّقا :"فوصفهم في غير موضع من كتابه وشوّق إليهم أولياءه. وغنيّ عن البيان أن في مجمع أئمة البيان يأتي اسم الجاحظ في مقدمة المقدمات بما لا يدع مجالا للشك، وهو عندما يعبّر عن تشويق الله للمؤمنين به يبيّن أنّ أمرَ الغلبان مستحبّ مثير للرغبة ولنزوع النفس نحوه وإلاّ لما جعله مكرمة لهم كما جعل لهم الخمر والعسل والكثير من المُتع.
• الجرائم ضد المثليين عند الخلفاء:
يُنظر للمثليين بتحقير في الثقافة الإسلامية الرسمية، أي تلك التي يتبناها المفسرون والفقهاء والأئمة والمُفتون، ويذكر التاريخ أنّ عليا بن أبي طالب أُوتي بمثليّ (يقول الجاحظ لوطيّ) فأُصعد المئذنةَ ثم رُمي منكّسا على رأسه، وقال: هكذا يُرمى به في نار جهنم. (مع أنّ القرآن ليس فيه ما يبيّن هذه العقوبة تماما)
وحُدّث عن أبي بكر أنه أوتي بلوطي (بتعبيره) فعرقب عليه حائطا، وكذلك "حديث أبي بكر أنّ خالد بن الوليد كتب إليه في قوم لاطوا فأمر بإحراقهم"، ولا ندري كيف يمكن لخليفة أن يرعى شؤون البلاد والعباد (في السنتين التين كان فيهما خليفة) والتمدد الذي تقوم به دولته للبلاد المجاورة والجيش، وما أسماه بحروب الردة، والمشكلات المتكاثرة التي لم تكن تهدأ، ثم ينتبه لعرقبة حائط على مثليٍّ، ثم ما يكذّب هذه الحكاية أكثر مما يحمل على تصديقها أنّنا إذا ماثلنا بين الممارسة المثلية وممارسة المرأة للعلاقات الجسدية خارج إطار الزواج نجد أنّ ما سمى الشريعة طالبت لإقامة (حد الزنا) أن يتم إثبات الواقعة على أحد الوجهين: إقرار الرجل أو المرأة بفعل الزنى وهو الاعتراف بالزنا (وهذا من المحال)، أو شهادة أربعة رجال عُدول ثقات يشهدون بأنهم رأوا دخول القضيب بالفرج رأي العين، بلا لبس أو تدليس، ووضع هذان الشرطان التعجيزيان حتى لا يُرمى الناس بالباطل وحتى لا يعاقب الناس على غير أساس، فأيّ أساس اعتمد عليه أبو بكر أو علي؟
وإذا اعتبرنا أن الممارسة الجسدية بين الذكرين محرّمة في الإسلام فلن تكون كحرمة الارتداد عن الدين (كما يرى قطاع واسع من الفقهاء) والتي يتم فيها الاستتابة أولا وليس القتل المباشر. فهل يمكن التعويل على أن حاكما يغلّظ عقوبة على مثليّ ويجعل ممارسته الجسدية مساوية للارتداد عن الدين الذي يُسبق واقعيا بإجراءات عديدة قبل تنفيذ الحكم؟
ثم يظهر من الأخبار الثلاثة أنّ المثليّ مهدور الحقوق (وحقوق الإنسان كمصطلح وكممارسة لا يمكن أن يكون لها قيمة في تلك الفترة) وهو اذا اعتبرنا أنه مذنب، فأيّ ذنب هذا الذي لا تُعرف له عقوبة محددة؟ فمرة إحراق ومرّة رمي من الأعلى ومرّة يتم هدم جدار عليه، والأخيرة لا نعلم ما يشبهها فيما قرأنا إلاّ ما فعله أهل عم النبي وهو عبد العزى بن عبد المطلب المسمى في القرآن بأبي لهب، والذي عندما مرض وانتشر في جسده الخُبث ولم يجد علاجا حتى توفي لم يستطيعوا الاقتراب منه لخبث رائحته فتم هدم جدار عليه ودفن حيث هو، كما تروي السير. والمماثلة بين الفعلين لا تستقيم.
يأتي الجاحظ في الرسالة على ذكر بعض الأشعار الهازلة التي تتغنى بالغلام وخاصة الأمرد، وتكثر من مدحه، وتعلي من قيمته وفي ذلك ينبّه: "فأمّا الأدباء والظرفاء فقد قالوا في الغلمان فأحسنوا، ووصفوهم فأجادوا، وقدّموهم على الجواري، في الجدّ منهم والهزل. ومن ذلك قول الشاعر: "فديتك إنمّا اخترناك عَمْداً /لأنك لا تحيض ولا تبيضُ" كما قال آخر يصف غلاما: "شبيهٌ بالقضيب وبالكثيب/غريبُ الحسن في قدٍّ غريبِّ. براه الله بدراً فوق غصنٍ/ونيط بحقوه دعص الكثيبِّ. أغنُّ تولَّدُ الشَّهوات منه/ فما تعدوه أهواء القلوبِّ. وما اكتحلت به عينٌ ففاتت/ مسلَّمة الضَّمير من الذُّنوبِّ. ثم يذكر بعضا من الشعر الذي يذكر الممارسة الجسدية بشكل حرفي لا لبس فيه: مثل: وعلى اللُّواط فلا تلُمنْ كاتبا/ إنّ اللّواطِّ سجيَّةٌ في الكاتبِّ. ولقد يتُوب من المحارم كلٍّها/وعن الخُصى ما عاش ليس بتائبِّ.
وما يُنسب لأبي نواس من أحاديث كثيرة على عهد هارون الرشد كما يذكر الجاحظ، من ذلك قوله: "من يكن يعشق النساء فإني/مولع القلب بالغلام الظريف" حتى أنه قيل بأنه أُجبر على الزواج، فلما اختلى بامرأته فرّ منها إلى غلمان كانوا يأتونه، ثم عاد للمرأة فطلقها وقال شعرا، منه البيت المذكور.
هل كان هارون الرشيد -الذي تُروى عنه الحكاية الشهيرة مع أبي نواس نفسه عندما وجده يحمل زجاجة خمر- غير عارف بما يُشتهر عن أبي نواس من محبته للغلمان؟ فكيف لم يعاقبه على هذا؟ أم أنّ أبا بكر كان أهنأ بالا وأفسح وقتا وأشد اهتمام بالسفاسف من الرشيد؟
والجاحظ نفسه بعد إيراده لطائفة كبيرة من الشواهد الشعرية والأخبار في العلاقات بين المثليين، ينبّه إلى ضعف رأي من يقول بأنه يحسّن ما قبّحه القرآن، كأن يقول القائل: "وقد علمتَ ما قال الله تبارك وتعالى في قوم لوطٍ، وما عجَّل لهم من الخزي والقذف بالحجارة، إلى ما أعدَّ لهم من العذاب الأليم. فمن أسوأُ حالاً ممن مدح ما ذمَّه الله، وحسَّن ما قبَّح!" ويردّ على هذا ردا في غاية القوة والجدارة الفكرية : "وأمّا احتجاجُك علينا بالقرآن والآثار والفقهاء، فقد قرأنا مثل ما قرأت، وسمعْنا من الآثار مثل ما سمعت" وهو في هذه الرسالة يأتي بشواهد قرآنية وآثار وقصص تراثية، والدليل بالدليل والشاهد بالشاهد.
وجوابا عن سؤال العنوان، لا يهم إن كان الجاحظ مثليا، وهو سؤال غير مُنتج ولا قيمة معرفية له، ولكنه في حديثه عن المثليين وضع أمام قارئه حياة واسعة من التنوّع والاختلاف، حيث يقول الشاعر ويبيّن نزوعه الجنسي تجاه الجنس المثيل دون أن يخاف عقابا مجتمعيا ولا قضائيا، ولم يخشَ الجاحظ أن يورد هذا مع أنّه كان إماما من أئمة البيان، وحجّة في الفهم، ولا يُشكّ في معرفته المتبحرة في القرآن والدين وقد كان يُنسب للمعتزلة وهم فلاسفة دين بامتياز، إلاّ إذا جاء بعض السفهاء فقالوا في الجاحظ ما يُقال في آحاد الناس وصغارهم.



#ياسين_سليماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موسم شتم ياسمينة خضرا
- كنا ثلاثة، اختار الموت أوّلنا
- زمنهم الجميل هل كان جميلا حقا؟
- الميديا وورقة التوت والمثقف البائس
- أمي...أنت حيوانة؟!
- محطات تلفزيونية أم دكاكين خردة؟ مقال في تعذّر صناعة دراما جز ...
- عيد ميلاد جديد: غابت الطرطة بسبب السيد كورونا
- جهالات عبد العزيز كحيل
- واحد -عيد- ناقص -ذبح- من فضلك
- إنه الفن يا كلاب الجحيم
- كاريكاتورية لافتات -أنا محمد-
- انتبهوا...أنهم يسرقون الله
- كلاب الله


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسين سليماني - هل كان الجاحظ مثليا؟