أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسين سليماني - عيد ميلاد جديد: غابت الطرطة بسبب السيد كورونا















المزيد.....

عيد ميلاد جديد: غابت الطرطة بسبب السيد كورونا


ياسين سليماني

الحوار المتمدن-العدد: 6543 - 2020 / 4 / 21 - 03:32
المحور: الادب والفن
    


هذا الزيف الكبير المسمى حياة لا أستمتع فيه بحق إلا في لحظات محدودة أقوم بتوسيعها كلما استطعت: القراءة والكتابة عن المسرح والسينما، ممارسة الحب بعنف مع جسد أحبه، السكر إلى درجة التحول إلى حلّوف لطيف. الموسيقى أيضا (شغفت هذه الأيام بأغاني عبد المجيد مسكود رغم سذاجة كلماتها: "شعاع الشمس"، "قاع الناس تبات راقدة وأنايا سهران" وأعود إلى الموشحات بصوت صونيا مبارك) عندما يصدر لي كتاب جديد أحس أني شجرة تتمدد بأغصان وجذور كثيفة، وأحيانا فرس جامح (قلت شجرة وفرس وقد يأتي من الأصدقاء من يؤول هذا التأنيث بطريقته الخاصة !!) أتمثل كثيرا كلام نيتشه الذي رسمه لي خطاط في لوحة أعلقها في مكتبي منذ فترة طويلة "الامتياز الخطر للعقل الحر أن يحيا على سبيل التجربة وأن يعانق المغامرة" في أيام السكون أحس أنني دعسوقة قد تكون جميلة لكنها تافهة وتستحق السحق (فكرت كثيرا ولسنوات في إنهاء تراجيديا الحياة-حياتي أسوة بكاواباتا أو خليل الحاوي أو عبد الله بوخالفة ولكن لا تزال جذور الشجرة متعلقة بأمها الأرض) دعاني صديق وسيم قبل أيام لتعاطي "الزطلة" وكان رأيي أن الشرب فعل أنيق في شكل ما بينما الزطلة أقرب إلى فعل المراهقين. ردّ عليّ: "جبري. ما تعرف والو". كي تزطل ثما تبدع صح. أرسلت له إيموجي ضاحك وأنهيت الموضوع.
تعودت الاحتفال بعيد ميلاد بطريقتي الخاصة. على الأقل من أيام كنت طالبا في الجامعة إلى اليوم، فأيامها كنت أهرب من حضور المحاضرات، وحتى بعدما بدأت التدريس، إن صادف وكان ذلك اليوم خارج الويكند كنت أعطي لنفسي إجازة خاصة. هذه المرة يأتي ونحن في الحجر، كنت أود لو اشتريت طرطة من المحل الذي تعودت اقتناءها منه لكن لا هو ولا محلات الحلويات الأخرى مفتوحة. من الصعب أن أدعي أني سعيد، لكن من المجحف أيضا لو قلت أنني تعيس، فلم أكن تعيسا أبدا. أليست السعادة في شكل ما هي المغامرة الدائمة في اكتشاف هذا الإنسان الذي هو أنا؟
لديّ موعدان في السنة أنجز فيهما جردا كاملا لأشغال العام، أحدهما عيد ميلادي والآخر في نهاية السنة الميلادية. أراجع كل الظروف الشخصية والأسرية، كتاباتي، عملي، علاقاتي،وأين وصلت في إنجاز الرغبات التي وضعتها في السنة الفارطة. الكثير من النقائص تبقى حاضرة، الإنسان مشروع لا ينتهي إلا بوفاته كما نقول دوما. هذه السنة بالضبط قطعت شوطا مهما على أكثر من صعيد وهذا ما يبهجني وأنا عموما من الأشخاص الذين لا ينامون إلاّ بعد حساب عسير مع هذه النفس قليلة الأدب، من الأشياء التي أحاسب عليها نفسي هذه الفترة أنني لم أتعلم أن أكون وقحا. هذا ما يلزمني في الآتي من الأيام. لقد كثر الأوباش في حياتي، محيطي، بمجرد أن أحطو هطوة واحدة خارج بيتي أصطدم بأشكال غريبة من الحيوانات وحيدة الخلية من الذين يتقاسمون معك بطريقة عجيبة تسمية "الإ،سان"، تخيل أن مسؤولا قليل أدب وصل إلى منصبه بالرشوة، تعود على ضرب أمه وهو في سن الخمسين، كما يستغل منصبه للحصول على امتيازات يسميه الناس "إنسان" و"رجلا" !!، وتخيل امرأة بكرش، قليلة أدب، تتحول فجأة وبضربة حظ إلى مسؤولة في كلية أو جامعة أو مستشفى وتتحكم في مصير أكثر من ستين موظفا. خرقة الحيض هذه، البائسة التي تأخذ حقوق الناس بسبب ضغط ما يسميها البعض "إنسانا" !! عندما أدخل إلى بيتي فأنا أخرج كليا من العالم الذي لا أعود إليه إلاّ عندما أخرج مجددا من البيت. أشعر بالرغبة في التقيؤ عندما أجدني ملزما أن أجلس بحكم التزامات ما إلى مثل ذلك التيس أو خرقة الحيض تلك. لكن هاتف يهتف لي بصوت ألبيرتو كاييرو أحيانا "الحياة ليست كلها نهارات مشمسة، والمطر عندما يندر يصبح مطلوبا".
عندما أتواقح أجد أن الأمور تسير بطريقة أفضل. الكثير من الناس لا يستحقون الحديث بالألفاظ والعبارات، ولكن بالبول شديد الصفرة على وجوههم القذرة. لكن هل يقدر على التواقح من يستمع لموشح يطفح بالاستجداء مثل "سباني جمالك يا رشيق القوام، حرم عيوني لذيذ المنام، قدك فتني وليه الهجران، واصل متيم أفناه الغرام" فينزل دموعا حارة لأنه اشتاق لمن تعود الاشتياق له (أنا من برج الثور، ولمن يعرف مزاياه فهو عصبي لكنه صبور ومخلص" هذا الإخلاص هو الذي يدفعني أن أقول أنّ كل الخسارات هينة...كلها...في مقابل استعادة ذلك القلب الذي لا أسكر إلا بسببه. في الأسابيع الماضية فعلتها كثيرا. دخلت منذ خمس سنوات في هذه العلاقة الهادرة من الحب ، وحدثت انقطاعات وتشنجات، واتفاق واختلاف، ولا يزال تأثير هذه العلاقة مدمرا. أسكر حتى أتخيّل نفسي "حلّوفاً" ثم أرسل رسالة أشكو فيها حالي دون أن أتلقى إجابة من الطرف الذي كان سببا. الاهتزازات الكبيرة التي حدثت لي في هذه العلاقة منحتني مناعة قوية أمام علاقات أخرى. لقد سبق لنيتشه أن لامس هذه الرغبة لذلك طالبنا أن نقوم بمسح شامل على كل المستويات والدرجات داخلين كل مكان دون خوف ودون أن نزدري شيئا، متفحصين كل شيء. أقوم بهذا ويلج ذهني إلى أبعد منطقة في نفسي. أتقلب بين الرضا والسخط في كل مرة.
تزهو ثلاجة غرفة مكتبتي بأنواع المشروبات..وتمتلئ رفوف المكتبة بكتب لا تزال تنتظر القراءة، وسعتُ الفترة الماضية من متابعة الكتب الصوتية وأجد متعة كبيرة وأنا في سريري، ظلمة حالكة إلا من قمر يتسلل خجلا من النافذة، بينما صوت أنثوي لطيف يقرأ رواية لأورويل. أهداني صديق قبل فترة بروجيكتور صغير اقتناه من ألمانيا خصصته لمشاهدة الأفلام. حاسوبي الذي اقتنيته مع بداية العام الجديد يمتلئ بنحو ألف فيلم لا تزال تنتظر المشاهدة !!كل فيلم هو مشروع مقال نقدي بالنسبة لي، كما كل العروض المسرحية مشاريع مقالات. وحدها الأعمال المستفزة للعقل والروح. المبهرة في واحدة أو أكثر من مفردات الإخراج فيها ما يشجعني على الكتابة. لا يزال النقد عندي وقوده التذوق الخاص والإعجاب ولم يحدث –ولا أظن أنه سيحدث- أن أكتب نزولا عند رغبة مسؤول مجلة أو رئيس تحرير صحيفة أو مدير مشروع.
خصصت فترات هامة من الأسابيع الخمسة لمراجعة طبعة جديدة من كتابي "القارئ والعلامات"، كان قد صدر في سورية وبسبب الأوضاع وتراخي الناشر غسان النصير لم يصل إلى الجزائر، لذلك لجأت إلى إصداره مجددا..وعندما عدت إلى مشاريع الكتابة وجدت بعض ترجماتي لمسرحيات الفرنسي جون بيير مارتينيز تكاد تكتمل دون أن أنهيها. من المزعج حقا أن تشتغل على مشروع ما بنحو تسعين بالمائة ثم تتركه لتذهب إلى غيره. هكذا أعدت مراجعة Les beaux parents وكنت أمضي معه ساعات طوال، يمكنني أن أقول أنني أعدت ترجمة المسرحية بأكملها وأنا أستمتع بالكتابة الرشيقة للرجل. لمارتينيز قدرة مذهلة على جعلي أضحك. بالطبع سبق لي أن ترجمت العديد من المواد، قصص ومسرحيات للأطفال، صدرت في مجلات، أو كأجزاء من كتاب، لكن "حموان مثاليان تقريبا" أول كتاب يصدر بوصفي مترجما. وهي تجربة ممتعة ومدهشة في آن. سبق لي أن اشتغلت على مسرحيات لآسيا جبار Rouge l’aube والهادي فليسي Les mercenaires وLa cour des miracles ولا تزال الأوراق والقصاصات بملاحظاتها تقبع بين الأدراج وفي اللاب توب (وجدت في مكتبة بوهران ترجمة لطيفة لمسرحية آسيا جبار أنجزتها الدكتورة سمية زباش وسعدت جدا لهذا فهي مترجمة رصينة ومتميزة) وكثيرا ما أتحدث مع الأصدقاء، خاصة العزيز فوزي خلف الله الذي يشتغل أستاذا للفرنسية عن هذه المشاريع، في الأيام القليلة الأخيرة السابقة لإنهاء "حموان مثاليان تقريبا" كنا نتواصل كثيرا للمناقشة حول المسرحية وكثيرا ما كنا نضحك لفرادة الكاتب وجمالية كتاباته من جهة، واقتراحات ترجمة لفظة أو جملة هنا أو هناك.ـ إذا أضفت "حموان مثاليان تقريبا" إلى "القارئ والعلامات" و" أبعد من سماء" الذي صدر لي في بدايات هذه السنة فإن الأمر مبهج حقا. كل كتاب هو حياة، وعلاقتي بالكتب التي أنشرها، مقالاتي أيضا، الدراسات في بعض الدوريات المحكمة، تحكمها المتعة أولا وأخيرا. في حالات الحزن الكبير الذي يتملك أحدنا، التي تتلو مضاجعة جسد جميل أو سكر فادح أفتح عينيّ على كتبي التي تتكدس فوق بعضها. يعود لي بعض الفرح. هناك امتداد ما لي، لاسمي، لذاتي، لكينونتي التي حاولت منذ زمن طويل أن أجعلها ذات خصوصية بعيدا عن تشبه بأحد
أسكن بمفردي في عمارة في أعلى طابق، عندما أنهض صباحا-كما فعلت اليوم- لأشرب قهوتي يعنّ لي أن أستمع إلى فيروز (تعلمت هذا من أصدقائي الشوام منذ سنوات طويلة) أو موسيقى بيانو خالية من مرافقة الكلمات. وأن أفتح باب الشرفة فأمد نظري إلى الأفق...العمارة التي أسكنها منذ ثلاث سنوات في آخر المدينة، لذلك فإنني أرى الكثير من المساحات الخضراء وراء مجمع العمارات. الهواء النظيف والمساحات الخضراء وصوت فيروز والقهوة الساخنة كفيل أن يجعل صباحا رائقا ويزيل ما قد يكون مترسبا من سكر الليلة الماضية. عيد ميلادي اليوم مع هذا الحجر فرصة جيدة للبقاء في البيت وللاستمتاع بكل ما كنت أقوله في البداية.
أحبني بأخطائي وأبتسم لها وأدافع عنها، لم أدّع يوما النزاهة والسلوك النبيل والصدق. أحاول أن أوازن بين قلقي الوجودي وحبي للفردانية وبين واجباتي في الحياة نحو البعض. لدي حساسية مفرطة وربما قد يكون خوفا كبيرا من تآكل أي جزء من مساحات الحرية التي أقوم بتوسيعها كل مرة في حدود ممكناتي وجهدي.
في العام المقبل، إن لم أنقرض من هذه الحياة لسبب ما، سأعيد قراءة هذه الفقرات وربما أضحك على أجزاء كثيرة منها وسأكتب غيرها وقد أتباهى وقتها بسعادات ما حظيت بها..من يدري !!



#ياسين_سليماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جهالات عبد العزيز كحيل
- واحد -عيد- ناقص -ذبح- من فضلك
- إنه الفن يا كلاب الجحيم
- كاريكاتورية لافتات -أنا محمد-
- انتبهوا...أنهم يسرقون الله
- كلاب الله


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسين سليماني - عيد ميلاد جديد: غابت الطرطة بسبب السيد كورونا