أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - منى نوال حلمى - من حُسن حظى أننى أنام وحيدة














المزيد.....

من حُسن حظى أننى أنام وحيدة


منى نوال حلمى

الحوار المتمدن-العدد: 7311 - 2022 / 7 / 16 - 07:36
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


----------------------------------


قال محمود درويش ، 13 مارس 1941 - 9 أغسطس 2008 ، شاعر أقدره وتختبئ فى أعماقى بعضا من حكمته ، وطريقة تذوقه للعالم : " من حُسن حظى أننى أنام وحيدا ، فأصغى الى جسدى ، وأصدق موهبتى فى اكتشاف الألم " .
هذه المقولة الفلسفية الشاعرية ، التى تتدفق شِعرا ، وشجاعة وفهما عميقا للحياة وللذات ، اختبرتها عقليا ، وأيضا عشتها بأعصابى وعواطفى واغترابى . وهى تناسبنى تماما ، وتتناغم مع طباعى فى النوم وحيدة ، بجسد أملكه وأقرر أنا ولا أحد غيرى ، مصيره وسلوكياته ومعايير شرفه وكرامته .
مقولة تعتبر أن اكتشاف الألم ، موهبة ، تحتاج الى وحدة ، واستغراق وتركيز ، تماما مثل كتابة الشِعر ، والرواية والقصة . وهكذا ترتفع مكانة الألم ، ويفتح لنا دروب أسراره العظيمة ، التى لا تقل أهمية عن أسرار الكون والنفس .
أغلب البشر ، يتفنون فى تفادى الألم ، ويهرولون الى المتعة ، وهم يعتقدون أن هذه هى السعادة ، والحياة ذات المعنى .
أعتقد أن القضية ليست فى الألم ، أو فى المتعة فى حد ذاتهما . ولكنها كيف ننظر الى الألم ، والى المتعة . كيف يكون الألم طريقا للمتعة ، وسببا جوهريا لعمقها ، وشرطا لا غنى عنه لجنى الثمار المتفردة المفيدة .
هناك سوء تفاهم أزلى أبدى ، بيننا وبين الألم . البعض يراه شرا ، والبعض يراه عدوا ، والبعض يراه ضعفا ، والبعض يراه شؤما ، والبعض يراه نحس الحظ ، البعض يراه عائقا أمام الابداع والانجاز ، والبعض يراه سُما فتاكا قاتلا ، والبعض يراه شقاءّ ، والبعض يراه مؤامرة ، والبعض يعتبره داءّ .
لكن الحقيقة أن الألم ، هو مصدر كل الاكتشافات العظيمة ، وهو سر النبوغ الفكرى ، وهو الدواء المُرْ الذى نشربه من أجل الشفاء وقهر المرض .
الألم ، يصنع الفارق بين الانسان الحقيقى ، والانسان الديكور . الانسان الصلب والانسان الهش . الانسان الحكيم والانسان الأحمق . الانسان فى أعلى مكانته والانسان فى أدنى مراتبه .
الألم ، هو البطاقة الشخصية الدالة على منْ حقا نكون الآن ، ومنْ سنصبح فى
المستقبل .
لقد عانقت سحابات من الجمال ، لكننى لم أمطر ، ولم أذق نشوة التحليق ، الا حينما امتزجت ، واحتفيت ، بلحظات الألم .
بل أننى أدركت ، أن كل متعة حقيقية ، لاتستطيع الدخول الينا ، الا اذا أخذت " تأشيرة " معتمدة ، من الألم .
لا شئ يؤهلنا لمعرفة ، وتذوق الجمال ، مثل ألم ، تنزف له الروح ، وتضطرب معه ، كيمياء الجسد . ألم ، يعتصر الكيان ، ويأبى الا أن نشرب حتى الثمالة ، رشفات المرارة .
الألم ، ليس عضوا غريبا ، ينمو فى جسد الحياة . انه " القماشة " المتجددة ، التى صنعت نسيج الحياة ، فى اتقان مبدع . الألم اذن ، هو قدر البشر .
تكمن مشكلة الانسان ، فى كل زمان ومكان ، فى محاولته المستمرة للهروب من نصيبه الطبيعى ، من جرعة الألم ، مدفوعا بقناعة خاطئة ، أن الحياة بدون ألم ،
أجمل .
لكننى أعتقد أن الحياة الخالية ، من الألم ، حياة ، لا طعم لها .
وإذا كان الألم ، هو المادة الخام ، أو النسيج الطبيعى ، اختارته الحياة لتصنع مأساتها النبيلة ، فإن تفادى الألم ، يعد خيانة عظمى للحياة .
إن الشخص الذى ينتحر ، يقول : " ألم الحياة أكثر مما أحتمل ".
وأكثر الناس ، يريدون الحياة ، بشروطهم هم ، لا بشروط الحياة . يريدون حياة
هاجرت من وطن الألم . وهذا مستحيل . مثلهم ، كمنْ يريد للطائر التحليق ، شرط
أن يقص جناحيه .
ان الرغبة فى استبعاد الألم ، ليست فقط خيانة للحياة . ولكنها أيضا ، خيانة
لأنفسنا . فقط الألم ، يكشف عن طاقاتنا الكامنة ، وعن قدراتنا المختبئة .
و المفارقة المدهشة ، أنه كلما ازداد الألم ، كلما ازدادت عظمة ما نكتشفه .
الألم نار ، تحرق النفوس الضئيلة ، الخاوية . لكنه نور ، يضئ النفوس الممتلئة ،
الثرية . اذن الهروب من الألم ، ضرر جسيم .
تجارب الألم ، تجعلنا نعيد ترتيب الأشياء ، وتجبرنا على اعادة تأمل الحياة ، وكيف نعيد الانتماء اليها ، والخروج بصياغة جديدة ، تقوينا ، تسعدنا ، وتمنحنا ،
الحكمة .
من تجاربى الخاصة مع الألم ، أقول أن كل الأشياء " الجميلة " ، تنطوى على قدر ما ، من الألم . المنظر الجميل ، مؤلم . الذكريات الجميلة ، مؤلمة . الفن
الجميل ، مؤلم . والانسان الجميل ، مؤلم . والحب الجميل ، مؤلم .
علمتنى الحياة ، ألا أخاف لحظات الألم . علمتنى أن أفتح لها الباب ، أحسن استضافتها ، أتعطر ، وأرتدى لها أجمل أثوابى . أجالسها وأشرب معها نخب زيارة ، لست من الحماقة ، أو التطفل ، لأردها .
الإنسان القادر على التألم العظيم ، هو وحده القادر، على الإحساس العظيم . هو المثقف الأكبر ، والمتحضر الأرقى ، القادر على إعطاء الآخرين إضافة حقيقية ، من المعرفة ، والمحبة ، والفرح .



#منى_نوال_حلمى (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجليات فقه - القفة - فى ذبح نساء الأمة
- الجلوس على عرش العقول أكثر خطورة
- مشاهد مختلفة من تأملات امرأة مصرية
- بالشرع اقتلوها .. أهكذا تعبدون الهكم ؟ .... قصيدتان
- هزيمة لجنود الدولة الدينية وخلايا الوصاية الدينية
- توأم القمر ... قصيدة
- كيف لا تتغير التقاليد ومنْ صنعها يتغير ؟؟؟
- ولم تمشى فى جنازتى ..... قصيدتان
- ماذا يبقى ؟؟ ..... ثلاث قصائد
- - الايكوفيمينزم - : الطبيعة أنثى مستباحة للتحرش والاغتصاب وا ...
- - جريجورى بك - قمة الرقى الفنى والانسانى
- السهر مع رجل غيرك
- أحباب الله ليسوا أحبائى ...... قصيدتان
- حُريتِك هى حُريتى
- ما اسم هذه الحياة ؟ .... قصيدة
- - فاتن - لم تخرج من الفن لتدخل الجنة
- الغرف السِرية .......... قصيدتان
- حصرية الجدل الأخلاقى مع النساء وقانون - ازدراء الحرية -
- دمى يسبق دربى ..... قصيدة
- عند مماتى قصيدة


المزيد.....




- ترامب وماسك وفانس كعمّال.. صينيون يسخرون من الحرب التجارية ب ...
- -زفيزدا-: مسؤول أمريكي كبير يشارك باحتفالات -عيد النصر- في م ...
- غزة: 52.418 قتيلا حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي على القطاع
- غزة: إسرائيل تفرج عن مسعف فلسطيني بعد نحو شهرين من مقتل 15 م ...
- وسائل إعلام سورية: مقتل رئيس بلدية صحنايا وابنه
- -المسيرة-: غارات أمريكية تستهدف مديرية خب الشعف بمحافظة الجو ...
- رد مصري على محاولة التلفزيون الإسرائيلي تشويه أهرامات الجيزة ...
- بريماكوف: سلطات ألمانيا تحاول بوقاحة منع ممثلي روسيا من المش ...
- مستشار بالكونغرس الأمريكي للمخادعين فوفان ولكزس: نسعى جاهدين ...
- ترامب يهنئ إسرائيل بعيد -الاستقلال- ويؤكد عمق الشراكة بين ال ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - منى نوال حلمى - من حُسن حظى أننى أنام وحيدة