أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - إدريس سالم - سلمى جمو: الشعر يخاطب الفكر والإحساس في آن واحد















المزيد.....


سلمى جمو: الشعر يخاطب الفكر والإحساس في آن واحد


إدريس سالم

الحوار المتمدن-العدد: 7306 - 2022 / 7 / 11 - 22:40
المحور: مقابلات و حوارات
    


الشعر هو حيازة أبعاد اللغة والحفاظ على عمقها واتّساعها ورحابتها، والفكر هو ما يُطعّم منها ويغذّيها. في المقابل مَن يخشى الشعر أو يقاومه فهو لأنه لا يعرف ماهية الاستخدام الشعري للغة، فيبدو له مجرّد استخدام للغة في حدّ ذاته، دون أن يدرك أن الشعر يساهم في تموّج آلاف الأسئلة في الرأس، عن الخير والشرّ، عن الحبّ والجنس، عن الوطن والخيانة، عن الحياة والموت، عن كلّ التناقضات.
قصائد الشاعرة سلمى جمو في ديوانها الأول «لأنك استثناء» تتشكّل بما تخلقه النفس من مشاعر وأفكار وصور حزينة للشاعرة – بل للإنسان – من رحلاتها سعياً إلى المعرفة والخلاص، قصائد مليئة امتلاء الشاعرة نفسها بالفكر النفسي والفلسفي. إنها تتأمّل في نصّها برصانة لغوية، جامعة بين الفكر الفلسفي والمعتقد الديني.
عن سلمى جمو وعالمها كان الحوار التالي:


• حوار العقل مع الشعور واللاشعور:
الوعي واللاوعي، أو الشعور واللاشعور، يحتاج الأول في القرارات اللحظية والتقييم النفسي لها، أما الثاني فيحتاج عندما يكون في حالته التي لا يشعر فيها بأحاسيسه، إذن كلّ شيء يتعلّق بالإحساس في هذه الأمور، فشعور الشخص في المواقف اللحظية يستوجب منه ردّة فعل معيّنة تعتبر ردّة فعل نفسية، وفي حالته الأخرى التي لا يكون فيها شعور الإحساس يستوجب منه الغفلة عن بعض الأمور والإنصات إلى الأصوات التي تأتي من داخل نفسه، هي حوارات متداخلة متأثّرة ومؤثّرة.
قد يتكشّف عن حوارنا السرّ المتمثّل في فسح المجال للتعبير عن رؤاك وفلسفتك وبوحك في الكتابة، لهذا سيكون الحوار بين شاعرة تعبّر بلغة الشعر عن دوافع القصيدة وأهدافها، وما تحاول تبليغها بلغة الاستعارة، وبين مختصّة في الإرشاد النفسي من إحدى الجامعات التركية، ليكون سؤالنا الأول:
هل الشعر العظيم أو الشعر الخالد يقوم على عمودين أو ركنين أساسيين: الفكرة العميقة واللغة المبدعة، أم أن الأمر يتعدّى إلى حدود وأركان أخرى؟
منذ فترة ليست ببعيدة سألني أستاذي في الجامعة، وهو مختصّ باللسانيات عن كيفية خلق الشاعر، وهل يستطيع أيّ شخص من خلال الممارسة والقراءة أن يتحوّل إلى شاعر.
ما هي المكوّنات التي يجب على الفرد أن يوفّرها في شخصيته كي يتحوّل إلى شاعر؟
وما جوابي وقتئذ مرتجلاً: الشعر هو شيء إلهي، يُخلق معك وبك منذ أن تبدأ رحلتك في هذه الحياة. لكن إن عملت على تطوير ذاتك لغوياً وفكرياً كنت شاعراً استثنائياً، وإلا فإن تلك الهبة تُعمى وتختفي إلى الأبد.

ماذا تعني لك «الدفقة الشعورية» التي تقابلها «الدفقة اللاشعورية» في تجربة التحليل النفسي؟ وكيف تقتنصين أو تحاورين استراتيجيات الدفاع النفسية، باستعاراتها وإزاحاتها ومجازاتها وتكثيفها، وغيرها من الاستراتيجيات؟
نحن دائماً ما نهرب ونُخفي ظلالنا النفسية والفكرية التي ربما ستتلقّى صدّاً من المجتمع خلف الكلمة وتفرّعاتها. هي عملية تحويل وتسامي عن طريقها نحاول تخفيف توتّر اللاشعور وضغطه. الشعر هو تلك الساحة المتشعّبة من الظلال. نافذتنا الوحيدة في زنزانة الصدمات والماضي، عن طريق تلك النافذة نتنفّس دون أن نصاب بالجنون.

اللافت بديوانك حوار العقل مع لبّ الشعور، أيّ وجود كيمياء واضحة ولاذعة أثناء تبنّيك لأيّ فكرة مع مشاعرك، وهذه السمة لا يجيدها كلّ الشعراء، فما هي المادّة الخام أو الحجر الأساس الذي تعتمدين عليه أثناء غوصك بالفكر أولاً، في بحر حبري له خصوصيته كالشعر، أو لنقل كيف تجيدين/ تتجرّأين طرْق أبواب الفلسفة في أحياء عمادها من شعر وشعور؟
أعتقد أنه من الخطأ الفادح تفكيك الإنسان إلى شعور وفكر على حِدة، وأن مَن يجيد لغة الفكر والفلسفة ليس بإمكانه التعبير عن مشاعره، أو أن مَن كان مرهفاً بحسّه فإنه يفتقر إلى مَلَكة الفكر والمنطق.
الكمال يكون عندما ندمج هذين الركنين، والفنّ يكمن عندما يستطيع أحدنا أن يوظّف إحداهما لخدمة الآخر.
إن الأمر يشبه أن تتأمّل لوحة ثم تذهب بعدها إلى حفل موسيقي لتتسمّع إلى سيمفونيتك المفضّلة، كلاهما يبهج الروح، لكن ماذا لو كنا نستمع إلى تلك السيمفونية أثناء تأمّلنا لإحدى اللوحات؟
بعض الشعراء عندما يكتبون فقط للغة والاستعارة، المتلقّي سيصل لحدّ التخمة الروحية مع جوع مستمرّ في الفكر، والعكس صحيح. السرّ في القدرة على خطاب الفكر والإحساس في آن واحد.

كيف تقدِرين على التعامل مع النقد، خاصّة أنك قد تتعرّضين له بشكل غير محبّب، أستطيع أن أقول بصريح العبارة: امرأة متمرّدة وشجاعة، ونادراً ما قد نلتقي بهكذا كاتبة في مجمعاتنا الكردية والسورية؟
في الحقيقة إن آخر ما أفكّر فيه هو النقد؛ ذلك أن الشعر كان قائماً قبل وجود النقد، وانعدام الثاني لا يُحتّم فناء الأول.
في الشرق يكفي أن تكون امرأة لتدور حولك ألف إشارة استفهام وألف قيد، فما بالك بامرأة شاعرة، والأنكى شاعرة تخاطب الفكر قبل أن تشحذ العاطفة. ليس من المستبعد والغريب أن أحد ألذع النقد من الشعراء ذاتهم «الذكور»، واعتبارها حالة طبيعة، فهي وسيلة دفاعهم الطبيعية عن وجودهم المهيمن الذي يستميتون وسيستميتون للحفاظ عليه. أيّ ملك مستعدّ أن يتنازل عن عرشه عندما يكتشف أنه يوجد مَن هو أكثر استحقاقاً منه في تربّع العرش؟
نعم معك حقّ عندما نتحدّث عن ندرة هكذا نساء في مجتمعنا. إن المشكلة الحقيقية هي في إقناع المرأة ذاتها بأنها ندّ، بل وأكثر رفعة من الرجل، ذلك أن لاشعور نساءنا الجمعي قد تبرمج على فكرة أنها دونية وبأنها مهما فعلت وعملت فإنها لن تصل لمكانة الرجل.


• النفس وعلم النفس، وبينهما إرشاد بالفلسفة:
يؤكّد عالم التحليل النفسي الشهير والشاعر السويسري كارل غوستاف يونغ عن علاقة التحليل النفسي بالشعر أن تدفّق الإبداع ينشأ من اللاوعي، وحين نتحرّى عن تدفّق الإبداع تتضح لنا الحقيقة، وهي أن تياراً خفياً يجتاح الإنسان كشاعر، فكان في قلب هذا التيار، وأرى أن الشعر لديك كفعل كتابيّ هو مسعى سيكولوجي وروحي؛ لأنه يحسن استغلال ممارسة الوعي الذهني، فيدفعك لتتسلّقي بلحظات روحية نفسية مكبوتة الإبداع الكامن في داخلك فنّاً وغذاءً.
إذا تداخل الشعر بعلم النفس ألا يحسّ أحدهما بالضيم؟ ألا تنتج بينهما علاقة جذب واعتراض؟
لا أعلم من أين بدأت ثنائية القطب هذه، والتي لا تجتمعا مهما حصل، وأن وجود أحدهم يُحتم إلغاء الآخر. الشعر أو لنقل اللغة هي وسيلة تواصل مع الأرواح والأفكار. لو لم تكن اللغة كيف كنا سنتواصل؟ اللغة وسيلة لغاية نبيلة، فناء أحدهما سيؤدّي إلى إصابة الآخر بشلل كُلّي.

الشاعرية والشيطانية متّحدة في الكثير والكثير من جوهر الصور البيانية لأغلبية القصائد. هل هذه السمة تُعتبر ديناً حقيقياً لعالم سلمى جمو؟
إن الشاعرية التي تتحدّث عنها هي حاسّة سادسة لا يملكها الكثير من البشر، وهي كما أسلفت هبة إلهية، إنها مزيج من الحساسية المفرطة المرضية تجاه حتى ما يراه البعض أتفه الأمور والأشياء، هي القدرة البصرية على النظر إلى الوجود من منظور غرائبي، هي الإحساس العالي من المسؤولية تجاه كل ما يمسّنا ولا يمسّنا، نعرفه ولا نعرفه. أما مفهوم الشيطانية فهي تلك الرغبات والدوافع التي نرغبها ولا نستطيع الحصول عليها؛ أي أن الشيطان هو ذواتنا نفسه بكلّ ما يحمله من محرّمات ورغبات في كسر التابو، وعندما تمتزج هاتان الميّزتان فإنها تخلق وجوداً نسمّيه القصيدة هي دين الشاعر وعقيدته.

تقولين في قصيدة «رسولٌ مؤمنٌ بكِ»:
رفقاً بقلبه الربّانيّ
الذي ما عرَفَ كلَّ هذا الإغراء المقدّس
أمامَ أعتابِ طقوسِك الممجّدة.
أجدت عندما أضفت للشعر فلسفة مختلفة، ولكن ماذا عن هذا التمرّد المغلّف بثوب الحياء؟
ما يفرّق الشعر والتصوّرات الشعرية عن أيّ فيلم إباحي هو تلك الشَّعرة الرفيعة التي نسمّيها مجتمعياً بالحياء.
بتلك التصوّرات نحثّ خيال القارئ ومشاعره على سدّ تلك الفراغات التي تركناها له قصداً، كي يُملئها كما يشاء هواه وجموحه، بالتالي نكون قد أضفنا شريكاً آخر إلى بنية القصيدة، لتخرج من كونها نتاج لحظة شعورية فردية إلى نتاج شعوري ولاشعوري جماعي.

كانت القصائد ثائرة، تبحث عن ضالّتها كلّ مرّة بطريقة مبتكرة، ولا تشبه سابقاتها، ولكن بعضها كان بلسان ذكر، والبعض الآخر بلسان أنثى، كيف تشرحين ذلك؟ وإلى أيّهما تنتمين أكثر؟
يقول كارل غوستاف يونغ، عالم النفس السويسري، أن في داخل كل ذكر «أنيما»، وداخل كل أنثى «أنيموس». عندما تكتب سلمى بصيغة الذكر فإنها لا تتقمّص رجلاً آخر تعرفه، الأمر باختصار هو أن «الأنيموس» الذي يسكنني ينادي ويصرخ على «أنيما» رجل ما، وعندما أكتب بصيغة الأنثى فإن جانبي الأنثوي الطاغي يخاطب رجلاً ما.
في الحقيقة أنتمي إلى الاثنين، لأن كل منهما يمثّل ظلّاً ساكناً داخلي، وما أفعله هو أني أجعل الظلّين يتكلّمان بصوت عالٍ.

تعمّدت على أن تجعلي بعض الأمراض النفسية السائدة في مجتمعاتنا موضوعاً أساسياً في نصوصك الشعرية، تلك التي يتجنّب طرحها الكثيرون، ماذا كانت غايتك من طرحها؟ وإلى أيّ فئة مجتمعية توجّهين رسالة بخصوص ذلك؟
نحن عندما نتحدّث عن مشكلة ما فإننا نكون قد خطينا الخطوة الأولى والأهم وهي الاعتراف بوجود المشكلة، والاعتراف بوجود مشكلة ما يدفعنا إلى البحث عن الأسباب والنتائج والعلاج، وهو بالضبط الغاية التي أهدف إليها؛ أيّ تسليط الضوء.
هي رسالة مفتوحة لكلّ مَن لازال له ضمير حيّ، ولكلّ مَن عانى من هذه المشكلات كي تكون شعلته في ظلام طريق بحثه عن شفائه.

أيحسن التحليل النفسي توجيه الأدب في ارتياد المسارات السريالية الملتبسة، ذات الوجهات المجهولة التي يحرثها التعبير الشعري، فالناقد الأدبي المتمرّس في تقنيات علم اللغة لا يستطيع ولوج مكنون النصّ الروائي/ القصصي أو تفكيك طلاسم القصيدة الشعرية، ما لم يتّكل على معول التحليل النفسي، كي يفكّك ملابسات إنتاج النصّ ودفائنه؟
في الحقيقة السؤال أضحكني قليلاً؛ لأن مَن يوجّه الآخر هنا ليس التحليل النفسي للشعر، بل العكس، إن الشعر هو مَن يوجّه التحليل النفسي من خلال إعطاءه مخزون دسم عن اللاشعور البشري، ليحوّلها التحليل النفسي مادة في أبحاثه ونظرياته وفرضياته.
الشعر أكبر من النقد؛ لأن الشعر حالة ذاتية آنية عابرة، والنقد قوالب ثابتة، لذا ليس بإمكان النقد القبض على تلك الحالة التي عاشها الشاعر وتبخّرت كما العطر.

يقول عرّاب التحليل النفسي ومعشوقك الذي تغارين من علمه: «كلّما وصلت إلى اكتشاف شيء حيال اللاشعور وجدت الشعراء قد سبقوني إليه». ما رأيك بما قاله سيغموند فرويد؟ هل هذا إقرار منه للشعراء ولو بشكل ضمني بأسبقية اكتشافهم السبيل للاشعور، وبالتالي تقويضه التحليل النفسي والعثور على مادّته من خارج أسوار العيادة والجلسات الاستماعية العلاجية؟
أولاً هو اعتراف علني وليس ضمني. ثانياً يجب أن أنوّه هنا أن علم النفس والتحليل النفسي منذ مئات السنين والى الآن يسعى كي يدخل المجتمعات العلمية، ذلك أن (٢+٢=٤)، لكن في علم النفس (2+2) ربما سيساوي خمسة أو عشرة، والتحليل النفسي مهما اعتمد على النتائج السريرية والعيادية فإن قسمه الكبير يستمدّه من الأدب والميثولوجيات. والأهم لكي نصل إلى غايتنا «العلمية» فإن كلّ الطرق مبرّرة وسالكة.

ما العلاقة النفسية بين تجربتك الشعورية وصور مجموعتك الشعرية اللفظية؟ بعبارة أخرى كيف تستنفدين الطاقة الشعورية في التعبير عنها؟ وما الحوافز الداخلية لتلك العملية التي خلقت هذا المنجز الشعري الأدبي؟
لا توجد حوافز داخلية سوى ذاك المخزون الذي اكتسبته من خلال دراستي لعلم النفس، لأقوم بعملية خلط بينه وبين الشعور، لأحصل على القصيدة. كما يقول فرويد: «أحياناً الغليون هو مجرّد غليون».


• ألم الماضي بين السقوط والنهوض:
لا شكّ أن الحنين إلى الماضي بتفاصيله الجميلة والمؤلمة هو شيء يمدّنا بسعادة وراحة، والخطورة في إدمانه وإدمان استرجاع الذاكرة تبقى قائمة، وفي المبالغة باستخدام الحيل الدفاعية النفسية مثل النكوص وأحلام اليقظة، والإنكار، لكنني كنت أمام حقيقة مطلقة في سطورك الشعرية، وهي أنك لم تكوني نوستالجية ولا بانتمائية!!
إن أعظم المشاعر تتولّد من التقاء النقيضين: قلمك الحاضر ورواسب ماضيك. هل هما نقيضان كانا سبباً في ولادة «لأنك استثناء»؟ وهل الديوان جزء منه هو لكراهيتك للماضي وشخوصه وظروفه، والجزء الآخر الخوف من المستقبل؟ هنا أقول أنك في الديوان كنت المطرقة والسندان معاً.
«لأنك استثناء» كان محاولة للشفاء، وإحدى طرقه الأكثر قرباً من قلبي، وأكثر تلك الطرق وجعاً وأذيّة.
«لأنك استثناء» محاولة لولادة ذات آخر، أن أقرّر ما يحبّه ويكرهه.

في الغلاف الخلفي من رواية «نيكولاس ديميتروف» استوقفني كلام مكتوب: «حياة المرء مليئة بالسقوط، يتّبعها إما نهوض وعودة أو استسلام وحسرة، لكن! ماذا لو تمكّن من العودة إلى لحظة ما قبل السقوط؟ هل سيتجنّبه أم أنه سيقع في هاوية أعمق من سابقتها؟!».
ما السقوط المدوي الذي تتمنّين أن يعاده الزمن بكل قبحه وسواده فتتجنّبيه؟
قانون مورفي يقول: «أي شيء بإمكانه أن يسير في الاتجاه الخاطئ، سوف يسير بالاتجاه الخاطئ».
ما كان، كان سيكون. لذا ليس من المجدي أن نفني حياتنا بـ «لو»؛ لأن الـ «لو» لن يمنحنا سوى المزيد من الألم، الأهم هنا هو معرفة كيفية توظيف السيئ لمنع حدوث الأسوأ.
ممتنّة لكلّ الألم، وأرفع له القبعة؛ لأنه لولاه كان يمكن أن أكون سلمى عادية عابرة للحياة، دون أدنى تحقيق لأثر الفراشة حتى.


• الحبّ والجنس... متاهتان شائكتان:
إذا أردنا أن نحبّ، يجب أن نتعلّم أن نحبّ دون تغيير الشخص، فالحبّ معقّد وغامض، ينطوي على الضعف وبالتالي المخاطرة، هو قوّة بدائية، مزيج من الرغبة والاهتمام والنشوة والغيرة، متأصّل في قلوبنا، هو نقيض قطبي للعقلانية المقاسة للفلسفة والتكهّنات النظرية.
لكن في المقابل المرتبط به ارتباطاً بيولوجياً ونفسياً ما معنى أن يتحوّل الشعر إلى رحلة شهوانية (إيروتيكية)، متناقضاً مع رسالة الشعر، ومع وظيفته التربوية التي يراها البعض من صفاته؟ ولماذا يوغل شعراء في تضمين النصّ الشعري الحالم بأفكار شهوانية تضع فوق الجسد الأنثوي بصمات الأصابع الذكورية، أو قولي براثنها؟ بل إن شعراء بدوا يعزفون الشهوة على جسد المرأة، محوّلين تفاصيل جسدها الأبيض كالثلج بهضابه وجباله ووديانه إلى ساحة لرحلة شهوانية، سواء واقعاً، أو كتابة، أو بحسّية متخيّلة، وحتى نفهم معنى الحبّ والجنس كمتاهتين شائكتين في عالمك الكتابي، أردت أن أغوص فيه ببعض من التساؤلات ومنها:
إن المعيار الحقيقي لتقويم أيّ قصيدة تكمن في قيمتها الأدبية، لا إيروتيكيتها ولا تصوّفها ولا جرأتها ولا تمرّدها هنا أسألك:
هل الغوص الجنسي شعرياً يقع ضمن ما يسمّى أدب التنفيس، على أنه محاولة لتجميل قبح الواقع واستعراض عريه الذي يخجل كثيرون من طرحه؟
أولاً إن هدف الشعر ليس تربوي ولا توجيهي، ولنكفّ عن تأطير الشعر حسب عقائدنا وأفكارنا وقناعاتنا.
ثانياً الشعر عملية تحويل للرغبات؛ أنّى كانت هذه الرغبات، والجنس إحداها.

ما الهدف من ذكر الموضوعات الجنسية وإيحاءاتها الفكرية والخيالية في ديوانك، تلك الموضوعات التي ورَدت كصور حسّية في قصائد «تُرّهات – كوليمة فاجرةٍ أنتِ – أنثى الخراب – مجزرةُ جسدٍ أم روح؟»؟
صديقي إدريس، عندما نهمّ بكتابة الشعر فإننا لا نسأل أنفسنا عندما نحمل القلم «ما الهدف مما أكتب؟»، بل إننا لا نفتح باباً للأسئلة حتى؛ لأنه أينما وُجدت الأسئلة وُجد المنطق، وهو منافٍ للعاطفة، ومتى ما بدأنا بالتفكير بهذه الطريقة فتأكّد بأننا سنخلق شيئاً يشبه كلّ شيء إلا الشعر.

من وجهة نظرك إلى أيّ مدى يمكن أن يؤثّر كتابك على واقع النساء إذا ما طبّق بشكل سليم؟
إن كتابي نقطة في بحر ما يسمى «دعم المرأة»، بما يحمله هذا المفهوم من لغط ومطّاطيّة، كلّ يسحبه على هواه. كما قلت سابقاً، لا هدفاً تربوياً توجيهياً يحمله كتابي، هو فقط محاولة ثورة على كلّ ما هو متعارف ويؤذينا. أما الجواب على سؤالك فأظن أن العامة هي مَن تستطيع أن تجاوب عليه.

تسحبُني من جديلتي
دافناً وجهي
في قفصك الذهبيِّ الصدريّ.
هل هنا تحاولين إبراز الوجه الخفي للعلاقات الزوجية الجنسية، التي يظهر فيها العنف، ويختفي وجودية وأهمية اللذّة ودورها وتأثيرها على الجسد والروح معاً؟
لا أبداً، أتحدّث هنا عن الثنائية تحت أيّ مسمّى كان – حبيب، عشيق، خطيب، زوج – لأن السادية والهيمنة الذكورية في علاقتنا الشرقية تطال كلّ المسمّيات. تلك النوعية من العلاقات السامّة التي تستنزف طاقتنا وتجعلنا في حالة سالبة دون أن نكون قادرين على العطاء أو إظهار ذاك الجوهر الخلّاق القابع في داخلنا.

الكثير من الفتيات والنساء يقعن في حبّ رجال في الأربعينيات من العمر، وكذلك الأمر بالنسبة للشباب والرجال، هنا أقرأ في قصيدتك «قِراني بأناي» صرخة جميلة، سأضيفها كلّها:
هي رعناءُ
حمقاءُ
مراهِقةٌ عشرينيّةٌ
تفاحتا العشقِ المتفتّقتان
على صدر رؤاها
تستفزُّ براءتها
تنسفُ بهما كلَّ القلاعِ التي بنَتْها
من رمال واهنةٍ على شواطئ طفولتها
لتعلنَ لذاك المستهترِ بعواطفها:
أنا هنا
جسدٌ يضخُّ دماءَ شهواتٍ ساخنةٍ
روحٌ عقدَتْ قِرانَها على روحك
فاقتربْ
واِنهلْ منهما ما شاءَتْ سنواتُك الأربعون
دعْني أحوّلُك ثلاثينياً طازجاً
بخلاياي التي ما زالَتْ تحبو.
هنا تظهرين حبّ فتاة عشرينية لرجل أربعيني. أيّ حبّ هذا؟ وهل تناشدين الرجولة دون سنّ محدّدة، أم هو الحرمان من أمان وعظمة الأب وعطف الأخ؟
نناشد الحبّ رجالاً ونساءً، دون أيّ تعريف ومسمّى، عدا السعادة الحاصلة من ذاك الحبّ، تلك المعادلة التي تمنحها شعوراً بالانكفاء أو حتى بالإفاضة، فنصبح بدورنا معطاءين لأنفسنا والشريك والحياة أيضاً، ذاك الحبّ الذي يعتمد البناء لا الهدم، الحبّ الذي يحثّك على العمل والحركة لا الجمود والانطواء.

أين ينتصر الحبّ: في الجنس المطعّم بالاستقرار، أم بالفلسفة التي تشعر بضياعها؟
بالاثنين معاً، فلا نحن بالرُهبان كي ننزع أنفسنا رغبتنا الجنسية – مع أني أشكّ أن الرهبان يستطيعون فعل ذلك – ولا نحن بشر مجبولون على الجنس فقط، وإلا ما كنا نتميّز عن الحيوانات بشيء.


• ختاماً سلمى:
كيف تقرأين عالم النشر، ودَوره ودُوره؟
سوق النشر قد أصبح سوقاً تجارياً بامتياز؛ يهدف إلى استقطاب الكتّاب القدماء الذين هم متأكّدون أن نتاجهم الأدبي ستدرّ عليهم مادياً، وهنا لا أعرف أألوم أم أعطيهم الحقّ في ذلك؟ لكن يوجد ظلم واضح وملموس للكتّاب الجدد، على أمل أن تزول هذه الغمّة، ويأخذ الجميع على قدم المساواة والاستحقاق مكانته.

سؤال أخير أختم به حواري معك: ماذا تعني القراءة لسلمى جمو؟
القراءة ليست ترفاً، أو من الكماليّات؛ القراءة حاجة وضرورة لنخلع عن أنفسنا شخصياتنا التي خلقوها وأرادوها لنا، ونقوم بعملية ولادة جديدة لأنفسنا وِفق ما نريده ونحتاجه.
ربما لم نفكّر يوماً أننا عبارة عن ردّات أفعال متراكمة منذ مرحلة الطفولة. الأمر أشبه بأن تأتي بورقة بيضاء أو قطعة من لعبة العجين وتقوم برسم شكل على هواك ومزاجك ووعيك وإدراكك، ثم تقول لهذا الشيء الذي خلقته لتوّك بعد أن تبثّ فيه الروح: انطلقْ وعِشْ حياتك.
عندها، هذا المخلوق سيعيش حياة أخرى دون أن يدري حتى ما الذي جرى ويجري، يعيش أفراحاً وأحزاناً ووعياً لم يملك أدنى خيار في خلقه.
المُحزن في الأمر أننا جميعاً نأتي ونرحل من هذه الحياة وفق هذه الجبرية، دون أن ندرك أننا لسنا نحن، وإن اكتسبنا هذا الوعي بأننا عبارة عن نسخة من أحدهم، فإن الكثير منّا لا يمتلكون الجرأة والقوّة لتحطيم هذا الذات وإعادة هيكلة أنفسنا دون أن تكون تصرّفاتنا وحياتنا ككلّ عبارة عن ردّة فعل على ما تعلّمناه، وتكون قراراتنا ناتجة عن وعينا التامّ لما نريده أو لا نريده.
والفئة القليلة التي تحاول التغيّر إما أن تنصدم بحاجز الرفض، بالتالي كلّ تلك الطاقة طاقة التغيّر التي يمتلكها يكبتها، بالتالي تخلق شخصية عُصابية/ هيستيرية، والذي ينجح يكون قد غيّر مجرى حياته وحياة الكثيرين، وهم تلك الفئة التي يُطلق عليهم بالعظماء.



#إدريس_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فينوس في الفراء: استعباد الجسد واستعذاب الروح
- أزمة «اللايك»
- علي مسلم لموقع «سبا»: رحيل الأقحوان محاولة لوضع الإنسان أمام ...
- كافكا في «أمريكا»: المستغِلّون والمستغَلّون في ميزان المجتمع ...
- كافكا في «المحاكمة»: ها أنا أموت مثل كلب حقير
- كافكا في «القلعة»: تشييد الكوابيس والغرائب بلعنة الاغتراب
- كافكا في «التحوّل»: انسلاخ تراجيديّ للذات
- ثيمتا الشهامة وغسيل الأرواح في رواية «قيامة اليتامى»
- حاتم علي: إنساناً ومخرجاً ملتزماً
- حرب شهوة وشهوة حرب
- روح مطعّمة بالمطر
- رواية «رصاصة أخيرة»: العيش في قوقعة الاختزال أفقد جمالية الق ...
- الحزن... وباء عالمي
- أغنية «كوباني»: ألم كلّ الكوبانيين
- صراع «يلماز غوني» مع الذات والتاريخ... في «صالبا»
- قرآن الله
- مازن عرفة لموقع «سبا»: رواية «سرير على الجبهة» انكسارٌ للأزم ...
- مازن عرفة لموقع «سبا»: الحياة التي أعيشها هي رواية، والرواية ...
- الشخصية وبناؤها في رواية «هيمَن تكنّسين ظلالك»
- على الأمم المتّحدة ومحكمة الجنايات الدوليّة قراءة رواية «سري ...


المزيد.....




- حاول اختطافه من والدته فجاءه الرد سريعًا من والد الطفل.. كام ...
- تصرف إنساني لرئيس الإمارات مع سيدة تونسية يثير تفاعلا (فيديو ...
- مياه الفلتر المنزلي ومياه الصنبور، أيهما أفضل؟
- عدد من أهالي القطاع يصطفون للحصول على الخبز من مخبز أعيد افت ...
- انتخابات الهند.. قلق العلمانيين والمسلمين من -دولة ثيوقراطية ...
- طبيبة أسنان يمنية زارعة بسمة على شفاه أطفال مهمشين
- صورة جديدة لـ-الأمير النائم- تثير تفاعلا
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط 50 مسيرة أوكرانية فوق 8 مقاطعات
- مسؤول أمني عراقي: الهجوم على قاعدة كالسو تم بقصف صاروخي وليس ...
- واشنطن تتوصل إلى اتفاق مع نيامي لسحب قواتها من النيجر


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - إدريس سالم - سلمى جمو: الشعر يخاطب الفكر والإحساس في آن واحد