أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - إدريس سالم - كافكا في «التحوّل»: انسلاخ تراجيديّ للذات














المزيد.....

كافكا في «التحوّل»: انسلاخ تراجيديّ للذات


إدريس سالم

الحوار المتمدن-العدد: 6817 - 2021 / 2 / 18 - 23:18
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


«إنّ فكرة من الأفكار لا يمكن أن تنقرض مهما كانت متطفّلة، ما دامت قد وُجِدت ذات مرّة، أو إنّها لا يمكنها على الأقل أن تنقرض دون صراع رهيب، ودون أن تتمكّن من تحقيق لنفسها دفاعاً فعّالاً ينجح في أن يثبت طويلاً».
فرانتس كافكا – التحوّل

«عندما استيقظ غريغور سامسا من نومه ذات صباح عقب أحلام مضطربة، وجد نفسه قد تحوّل في سريره إلى حشرة عملاقة. كان مستلقياً على ظهره المدرّع القاسي، وعندما رفع رأسه قليلاً رأى بطنه المقوَّس البنّي اللون مُجزّأً إلى فصوص مقوّسة قاسية، وغطاء السرير المقلقل عند ذروة البطن يكاد ينزلق كلّياً. وكانت أرجله المتعدّدة رفيعة على نحو بائس، مقارنة بحجم جسمه، وترتعش أمام ناظريه بعجز». (صفحة 11).

هذا ما قاله الأديب والفيلسوف التشيكيّ «فرانتس كافكا» في تحفته الأدبيّة الشهيرة «التحوّل»، الصادرة عام 2018م بطبعتها الجديدة عن دار «الرافدين» للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت، بالتعاون مع «منشورات تكوين» في الكويت، ودار «ممدوح عدوان» للنشر والتوزيع في دمشق، ترجمها الناقد السوريّ «نبيل الحفار»، والبالغ عدد صفحاتها (90) صفحة، دون أيّ مقدمات أو توضيحات للقارئ، الذي دخل الحدث بعينين مندهشتين وعقل ربّما قد يدخل في غيبوبة من الشرود الطويل المنهمك، لكن هل التحوّل إلى صرصار عملاق كان نتيجة تغيّرات نفسيّة أو اجتماعيّة أو فكريّة، بحيث جرّدت غريغور من كلّ القيم الإنسانيّة، ليكون مجرّد صرصار عملاق لا يقوى على النهوض أو تغيير تموضعه؟ وهل هذا التحوّل لـ غريغور من كونه إنساناً إلى صرصار عملاق كان مألوفاً بالنسبة لكافكا، فيتحدّث عنه بكلّ هدوء وراحة أو لا مبالاة، دون أدنى احترام أو مراعاة للدهشة التي سيعيشها القارئ؟ ثم كيف يتحوّل شخص بين ليلة وضُحاها بكلّ سلامته العقليّة والجسدية وأهدافه وأحلامه إلى صرصار عملاق؟ أسئلة كثيرة ولكلّ قارئ نهِم إجاباته ومناقشاته.

يعود كافكا ويفكّر من خلال غريغور ليسأل نفسه «ما الذي جرى لي؟». ربّما الجواب يكمن في سباحتنا مع التيّار أو اعتراضنا له، فيما اختيار إحدى الحالتين ضرب من الجنون، وخاصّة في الوقت الراهن من دخولنا للقرن الواحد والعشرين؛ فإن مشينا مع التيّار وفق أهواء الآخرين فهي مصيبة كبيرة، كالذي يُسقط أو يَسقط في مستنقع لا إنس فيه ولا جنّ، وإن اعترضنا التيّار برسم حياتنا الخاصّة البعيدة عن الآخر المؤذي، ففي تلك الحالة – وبحسب كافكا – سنتحوّل إلى كائنات غريبة تعيسة، تتعذّب في طريقها الصعب الذي اختاره بإرادته.

سامسا، الذي يبدو عليه غير آبه بوضعه الجديد، وكأنه لم يكنْه، إلا أنه لا يستطيع التحرّك بشكله الاعتيادي، تنصدم عائلته لهذا الحدث ويشمئزّ منه ربّ عمله (مسيّر الشركة) الذي يفرّ هلعاً بعد رؤيته، فيدرك أخيراً فقدانَه لصوته وأنه ربّما لا مجال له للعودة إلى العمل أو حتى الحياة؛ رغم تفانيه الدائم في عمله على طول السنين، إلا أن صاحب العمل لم يغفر له عجزه الحالي، فيبقى مع تفاعل مجريات القضية متقبّلاً لهذا التحوّل ببساطة محيّرة.

في أوّل الأمر كانت أخته هي الوحيدةَ التي ترعى حاجاته الأساسيّة في توفير الأكل والشرب، وتشعِره ببعض الاهتمام، إذ تحوّلت من مراهقة إلى امرأة – أمّ ناضجة، إلا أن عائلته مع مرور الوقت كانت تنظر إليه نظرة دونيّة، وتشعره بأنه قذر وصارت جاحدة لجهوده بعد عدّة سنين من رعايته المادّيّة لها، فبمجرّد عدم قدرته على رعايتها أرادت التخلّص منه؛ لأنه أصبح عالة على حياتها.

جسّد كافكا وبلغة بسيطة عفوية وسرد غير معقّد لتفاصيل الأحداث باعتيادية رهيبة، وهو ما يبعث الرعب في الرواية، لدرجة تشعر أنت بنفسك في أنك حشرة أو من المحتمل في أيّ لحظة قد تتحوّلها. اتّخذ من الصرصار تشبيهاً رمزيّاً لإيصال رسالته للوجود الإنسانيّ، فالحدث روائيّاً قصير إلّا أن وقعه على القارئ يشعره بعدم الاستقرار؛ فهو يربط البعد التصويريّ لهذا التحوّل بالواقع؛ فيسقط أشياءً بأشياء، نفسيّاً وفلسفيّاً وواقعاً اجتماعيّاً ميّتاً، فصاغ حقيقتنا في سياق تحوّلاتنا، إذ يلغي التحوّل إلى صرصار يرمز إلى العالم الإنسانيّ، مبيّناً الانسلاخ التراجيديّ المطلق ذاتياً بين الجسد والروح، وهو الأمر الذي يعبّر عمّا نريده نحن وما تفرضه علينا ظروف الواقع.

يقدّم كافكا المزاجيّ من خلال هذا العمل الذي رغم تقريريّته الباردة إلا أنه كان نموذجاً مرعباً للكتابة الأدبيّة الساحرة، كوميديّاً وواقعيّاً، ليعبّر عن الذات البشريّة المتناقضة نفسيّاً واجتماعيّاً واقتصاديّاً، وكذلك عجزها عن فعل شيء حيال مصيرها المجهول، ليخبرنا رسالة حقيقيّة مفادها: في داخل عقل وقلب كلّ واحد منا حشرة تعبث بنا، فنعبث بالآخرين.

قد يعتقد بعض القرّاء أن الرواية (أو مجمل أعمال كافكا) مقرفة وعادية وخالية من الفكر ولا شيء فيها، وأنها تتحدّث عن هواجس موظّف بروليتاريّ يتخيّل في أنه يتحوّل إلى صرصار كبير، لتتوالى الأحداث وتنتهي بموتها. لكن بالنسبة لبعض القرّاء الذين يعيشون حياتهم لذوّاتهم الصادقة وذوّات الآخرين ستكون «التحوّل» ما هم عليه في الحقيقة، ستلمس مكان الآلام التي لم يشعر بها أحد، والنتيجة هو أنك في الحالة الطبيعيّة لا يمكنك أن تتحوّل جسديّاً إلى صرصار، لكن فكريّاً وروحيّاً ونفسيّاً يمكن أن تتحوّل إلى أكثر وأبعد من ذلك، حتى دون أن تشعر، ذلك حينما تكون مرهقاً مثقلاً بأشياء وأفكار لا تعنيك، وتعيش حياة ليست لك، والمصيبة أن الجميع يشترك معك في عيشها، وأيضاً عندما تحاول إرضاء غيرك على حساب نفسك أو ذويك، والمصيبة الأعظم أن الأمر يريحك ويسعدك.



#إدريس_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثيمتا الشهامة وغسيل الأرواح في رواية «قيامة اليتامى»
- حاتم علي: إنساناً ومخرجاً ملتزماً
- حرب شهوة وشهوة حرب
- روح مطعّمة بالمطر
- رواية «رصاصة أخيرة»: العيش في قوقعة الاختزال أفقد جمالية الق ...
- الحزن... وباء عالمي
- أغنية «كوباني»: ألم كلّ الكوبانيين
- صراع «يلماز غوني» مع الذات والتاريخ... في «صالبا»
- قرآن الله
- مازن عرفة لموقع «سبا»: رواية «سرير على الجبهة» انكسارٌ للأزم ...
- مازن عرفة لموقع «سبا»: الحياة التي أعيشها هي رواية، والرواية ...
- الشخصية وبناؤها في رواية «هيمَن تكنّسين ظلالك»
- على الأمم المتّحدة ومحكمة الجنايات الدوليّة قراءة رواية «سري ...
- تقنية «الراوي» في رواية جان بابيير «هيمَن تكنّسين ظلالك»
- رواية «هيمَن تكنّسين ظلالك» توثيق الحرب بتقنيات روائية مبهرة
- ماذا قدّمت قناة «ARK TV» للقضية الكردية؟
- كاتب كوردي يتحدث عن اللجنة الدستورية وانقسام الكورد
- سكوت كوردي على فساد مخيّمات لاجئي إقليم كوردستان
- تشبيح حزبي وبازارات على القضية
- احتراز تركي أمام استقرار كوردي فوضوي


المزيد.....




- مقتل فلسطينية برصاص الجيش الإسرائيلي بعد مزاعم محاولتها طعن ...
- الدفاع المدني في غزة: العثور على أكثر من 300 جثة في مقبرة جم ...
- الأردن: إرادة ملكية بإجراء الانتخابات النيابية هذا العام
- التقرير السنوي لـ-لعفو الدولية-: نشهد شبه انهيار للقانون الد ...
- حملة -شريط جاورجيوس- تشمل 35 دولة هذا العام
- الصين ترسل دفعة من الرواد إلى محطتها المدارية
- ما الذي يفعله السفر جوا برئتيك؟
- بالفيديو .. اندلاع 4 توهجات شمسية في حدث نادر للغاية
- هيئات بحرية: حادث بحري جنوب غربي عدن
- وزارة الصحة في غزة تكشف عن حصيلة جديدة للقتلى والجرحى نتيجة ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - إدريس سالم - كافكا في «التحوّل»: انسلاخ تراجيديّ للذات