أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم العثماني - فرحات حشاد في الإبداع السينمائي















المزيد.....

فرحات حشاد في الإبداع السينمائي


إبراهيم العثماني

الحوار المتمدن-العدد: 7292 - 2022 / 6 / 27 - 04:35
المحور: الادب والفن
    


مــــقدمة:

كثيرا ما يلجأ المفكرون والمثقفون والفنانون إلى الأحداث التاريخية ليستلهموا منها عِبَرًا، وإلى الرموز الثقافية ليستوحوا منها قِيما، وإلى الشخصيات الوطنية ليخلّدوا مآثرها. وفي تاريخنا القديم والحديث شخصيات حياتها مادة ثرية من نحو ابن خلدون وأبو القاسم الشابي ومحمد علي الحامي وفرحات حشاد مؤسس الاتّحاد العام التونسي للشغل. وقد احتفى بها النقاد و استقى منها السينيمائيون أشرطة...

في دلالة العنوان:

"حشاد...حلم شعب "عنوان شريط موحٍ مشبعٌ بالدلالات والرموز. ذلك أن أحلام الشعوب تتحدد حسب المراحل التاريخية التي تقطعها، وطبيعة الأنظمة التي تحكمها، والسياسات التي يتبعها الحكام في تصريف شؤون البلاد والعباد. ولكن عندما يقترن حلم شعب من الشعوب برمز من رموزه الوطنية في فترة حساسة من تاريخه فذاك يعني أن هذا الرمز استحال ملهما للشعب ومنقذا للبلاد ومخلّصا للعباد.وهكذا نتبين،من خلال هذا العنوان، أنّ حشادا يختزل حلم الشعب التونسي في الخمسينات... ذلك ما يشي به العنوان. فكيف يتجلّى مضمون هذا الإيحاء في متن هذا الشريط الوثائقي الذي أخرجه سالم بن يحي ورضا بن حليمة سنة 2002 ؟

مضمون الشّريط:

هذا الشريط دائري يبدأ بمشهد رسام يرسم لوحة لم تتضح ملامحها بما فيه الكفاية وينتهي وقد أصبحت صورة فرحات حشاد واضحة المعالم. وبين البداية والنهاية دارت أحداث شتّى في أماكن مختلفة وأزمنة متعاقبة روتها شخصيات من الجنسين عرفت حشادا عن قرب وناضلت معه. وقد تفاعل في هذا الشريط الرّسم بالريشة مع الرسم بالكلمة، والموسيقى مع الصورة، والشهادة الشفوية مع الوثيقة المكتوبة. فكانت الحصيلة هذا الشريط المؤثر بصوره ورموزه ومعانيه.
ولنبدأ من البداية. يُفتتح الشريط بمشهد عميق الدلالة. فبينما كان رسّام منهمكا في رسم لوحة تٌقبل عليه ابنته وتسأله عن صورة هذا الشخص الذي لا تعرفه فيجيبها بأنه فرحات حشاد النقابي والمناضل الذي اغتالته اليد الحمراء، ويقدم لها مجموعة من صوره وصورتي الحامي والقناوي. ويكون هذا الجواب قادحا يفجر أحداثا أخرى تدفع الراوي إلى العودة إلى الماضي لينتقي منه محطات مفصلية منطلقها ولادة حشاد بقرقنة ومنتهاها اغتياله برادس، محطات بعضها شارك فيها حشاد وبعضها الآخر تأثر بأحداثها. و يتداخل السرد مع الصورة :حديث عن ولادة حشاد بقرية "العباسية" سنة 1914 ودراسته بمدرسة "الكلابين، وصورة "بطاح" قرقنة وهو يمخر عباب البحر، وظهوراسم الاتحاد العام التونسي للشغل وقسم الدراسات فجأة. ولعلّ عناصر اللوحة تشير، من خلال هذين المشهدين المتوازيين، إلى مغادرة حشاد قرقنة ودخوله معترك الحياة مبكّرا واستعاضته عن موطنه بالاتحاد.
ويختزل الرّاوي المراحل وينتقل إلى الحديث عن أول حركة نقابية وطنية على يدي محمد علي الحامي سنة 1924 ثم إلى تجربة القناوي سنة 1938. ثم ينسحب الراوي ليفسح المجال لشهادات شفوية. فتكون البداية مع النوري البودالي صديق حشاد وأحد مؤسسي الاتحاد العام التونسي للشغل، ويتمحور خطابه حول انخراط حشاد في س.ج.ت.سنة 1936وخروجه منها سنة 1943 ودوره في تشجيع مجموعة من النقابيين على تأسيس الاتحاد والهياكل المكونة له وهي " اتحاد النقابات المستقلة بالجنوب" و"اتحاد النقابات المستقلة بالشمال" و"الجامعة العامة للموظفين"، ثم يركز في كلامه على الصعوبات التي حفت بانعقاد المؤتمر التأسيسي والعراقيل التي وضعتها قوى الاستعمار أمام المؤتمرين ودوره في تذليل العقبات وفي إنجاز المؤتمر في 20 جانفي 1946.
وتبرز الشهادات التي قدمها النوري البودالي والهادي العويتي ومحمد بن سعيدان ورشيد اللحياني وفاطمة حرار والصادق بسباس تطور الإضرابات التي شنّها النقابيون والعملة الفلاحيون في تلك الفترة ودور حشاد في إشراك المرأة في العمل النقابي ( زوجة حسن السعداوي نموذجا) وحضورها الاجتماعات الحاشدة. وقد توزعت هذه الإضرابات بين جبل الجلود وبرج السدرية والنفيضة والشعال وصفاقس، ويلاحظ مشاهد الشريط استعانة المخرجين بصور تكشف الزخم النضالي الذي عرفته البلاد بعد تأسيس الاتحاد وكثرة الاجتماعات والتظاهرات وحضور حشاد قائدا وخطيبا متحمسا. ونجدهما يستعيضان أحيانا عن الكلام بالصورة والصوت فيسكتا الأشخاص وينطقا الأحداث لتصوير فظاعة المستعمر وبشاعة أعماله وتصديه لنضالات الطبقة الشغيلة بكل صلف. فكانت مشاهد القتل والدمار والخراب رهيبة مفزعة. ومما زادها فظاعة قعقعة السلاح وأزيز الرصاص باعثا الرهبة في الأجساد والنفوس. وكم هي كثيرة مثل هذه المشاهد ولعل أعنفها ما حدث أثناء إضراب 5 أوت 1947 بصفاقس. وقد سعى المخرجان إلى ترسيخ صورة هذا الإضراب في ذهن المشاهد ووجدانه بأشكال شتى من قبيل ذكر قائمة الشهداء وصورهم والمقبرة التي دُفنوا فيها.وكانت موسيقى حزينة ومؤثرة ترافق هذه المشاهد.
ويوظّف المخرجان مرّة أخرى الشهادات ليتمحور الحديث هذه المرة حول المنعرج الذي عرفه الاتحاد بين سنوات 1948 – 1952، وانخراطه في النضال الوطني لدحر المستعمر الفرنسي وتواتر الإضرابات وعنفها وعلاقة الاتحاد بالمنظمات العالمية. ويتطرق النوري البودالي في شهادته إلى العراقيل التي وضعتها "الجامعة النقابية العالمية" أمام الاتحاد لمنعه من الانضمام إليها معددا الحجج التي قدمتها لتعليل رفضها ومبررا انخراط الاتحاد في "الجامعة العالمية للنقابات الحرة". وقد أشاد الصادق بسباس في شهادته بإيمان حشاد بالديمقراطية قولا وفعلا ومناداته بحرية الصحافة ودعوته إلى تحرير البلاد وتوحيد أقطار المغرب العربي. وتتحدّث فاطمة حرار عن مساهمة المرأة في دعم نشاط الاتحاد.
أمّا حدث اغتيال حشاد فقد تفاعلت الكلمة والوثيقة والشهادة والصورة لنقل بشاعته وتصوير فظاعته : موسيقى شجية ترثي البطل الشهيد في صمت والصمت أبلغ من الكلام أحيانا، وكلمات لرفاق درب حشاد بليغة و مؤثرة جدا، ووثائق تُقرأ لتدين الاستعمار، وصوت السلاح أثناء تنفيذ الجريمة. وقد أكّد رشيد اللحياني ومحمود المسعدي وأحمد بن صالح أن نضال الاتحاد في بداية الخمسينات تركز حول الحرية والكرامة واستقلال الوطن وأن الإضرابات تميزت بالعنف، وأن العدو قرر التخلص من حشاد لأنه أصبح بطلا ورمزا. لذا كانت الجريمة بشعة وكان مشهد اغتياله مروعا:صورة السيارة وجثة الشهيد و قسوة العدو وعنجهيته.

خاتـــــــــــــــــمة:

ويُختتمُ الشريط بالعودة إلى ورشة الرّسام وقد اتضحت صورة حشاد بشكل جليّ وكأن المخرجين أرادا أن يقولا إن صورة حشاد التي كانت غائمة وباهتة في البداية بالنسبة إلى الفتاة – رمز الشباب- قد تجلّت الآن بعد تقديم هذه الشهادات وإبراز هذه الجوانب. وهكذا لا يتوجه هذا الشريط إلى الكهول فحسب بل إنه يخاطب جيل المستقبل الذي يجهل الكثير عن حياة فرحات حشاد لعلّه يتخذه قدوة ومثالا يُحتذى بعد إدراك قيمته ومعرفة أفضاله على الشعب التونسي.



#إبراهيم_العثماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من وحي نضالات الحركة الطلاّبيّة: حصاد المطر أم حصاد النّضال؟
- من أدب السّجون: قصّة- في الزّنزانة - والخروج على المألوف
- الطّاهر الهمّامي والمعارك الأدبيّة
- الواقعيّة
- المجلاّت الثّقافيّة التونسيّة بعد 14 جانفي والصّراع في سبيل ...
- المثقّف والثّقافة البديلة
- أي ثقافة نريد بعد ثورة 14 جانفي 2011؟
- غسّان كنفاني بين الغياب والحضور
- الطّاهر الهمّامي المثقّف الموسوعي
- توفيق بكار الكاتب المتفرّد
- توفيق بكّار في عيون دارسيه
- في أدب السجون: -مناضل رغم أنفه- لعبد الجبّار المدّوري نموذجً ...
- حول المسألة النّقابيّة (مقرّر المؤتمر الخامس للأمميّة الشيوع ...
- تطوّر مصر الاقتصادي وأهداف الحركة النّقابيّة المصريّة (معرّب ...
- مقاومة النّقابات الفاشيّة
- فلسطين الطبقة العاملة العربيّة وحركتها النقابيّة
- المدرسة والاستعمار
- حول المؤتمرالاستثنائي للاتحاد أو في الرّدّ على مغالطات الدّك ...
- غسّان كنفاني والريادة الروائيّة


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم العثماني - فرحات حشاد في الإبداع السينمائي